تابعنا على

جور نار

ملاحظات على هامش معرض تونس الدولي للكتاب

نشرت

في

معرض تونس الدولي للكتاب Foire Internationale du Livre de Tunis‎

لا يُمكن أن تنتهي تظاهرة ثقافية ومعرفية بحجم معرض تونس الدولي للكتاب والتي أثّثت حديث الناس وصفحات التواصل على امتداد عشرة أيام وكان لها صدى كبير أو صغير في أغلب وسائل الإعلام وقنوات الاتصال المختلفة، دون تسجيل جملة من الملاحظات والانطباعات المتّصلة بفوائدها وانحرافاتها وحدودها والطموح إلى تطويرها وتوسيعها وتعميم فيئها ونفعها.

منصف الخميري Moncef Khemiri
<strong>منصف الخميري<strong>

ويُمكن لأي زائر متيقّظ نسبيا أن ينتبه إلى المظاهر التالية :

 التونسي يستثمر في الأواني وعروض الأزياء أكثر من عروض الكتب وإبداعات الكتّاب والأدباء

من المفارقات المُوجعة أن أغلب المهتمين بالكِتاب لا قُدرة شرائية حقيقية لديهم، فأغلبهم أساتذة ومعلّمون وموظّفون “كحيانون” وربّات بيوت تُعمّر قلوبهنّ قناعةُ بأن نجاح أطفالهنّ مُرتهن في جزء كبير منه بسَعة تشرّبهم لما ينظُمُه الشعراء وما يقتبسه الأدباء وما يقوله المؤرّخون وما يُدوّنه العلماء والباحثون. مقابل ذلك، عندما يحدث أن تزور معارض للزربية أو الأثاث أو فساتين العرائس والأفراح أو معارض لتجهيزات المطبخ… تُلاحظ أن عددا لا بأس به من العائلات التونسية يُنفق بلا حساب لأن مستويات التمدّن ورقيّ الذوق ووقار العائلة في مجتمعاتنا تُقاس من خلال حرير الأقشمة وأناقة الستائر ورونق صالونات الجلوس، لا من خلال مؤشرات انفتاح نوافذ المنزل على بساتين  الكلمة الحيّة ومروج النصوص البهيّة.

مجهود العائلة يظل محدودا ما لم يُسنده مجهود الدّولة

رأيتُ شخصيا مجموعات كبيرة من الأطفال واليافعين يتجوّلون بين مختلف أجنحة معرض الكتاب يرافقهم مُربّون يسهرون على انضباطهم وسلامتهم، ويبدو من خلال تتبّع تجوالهم أنهم غير مُصرّين على اقتناءات كثيرة ربّما لقلّة ذات اليد والتحسّب لأثمان غنيمة السندويتش وقطعة الحلويات اللذين لا مفرّ منهما. أضف إلى ذلك أنه بالنسبة إلى العائلات، هي جولة ترفيهية أكثر منها رحلة لاقتناء بعض ما به يُدعّمون رصيدهم المعرفي، فمعلوم المشاركة في اكتراء الحافلة مع عشرة دنانير أو عشرين على أقصى تقدير غير كافية بالمرة لاقتناء ولو كتاب واحد.

خلال السنوات الأخيرة، حصل في بعض البلدان – في سياق تعميم “التربية الفنية والثقافية” والتشجيع عليها- أن أوجدوا آلية داخل كل المؤسسات التربوية أطلقوا عليها le pass culture تساهم في تمويلها أجهزة الدولة بصورة أساسية ويُترك للأولياء إمكانية ضخّ بعض الأموال في صندوقها، من أجل تمكين كل تلميذ بصورة دورية من “صرف شيك ثقافي” حسب ميولاته ومراكز اهتمامه في المسرح أو السينما أو في اقتناء الكتب والمشاركة في التظاهرات الثقافية والفنية المتنوعة… وذلك مقابل أثمان رمزية يتمّ الاتفاق بشأنها في بداية كل سنة دراسية بين المؤسسة التربوية ومختلف مكوّنات النسيج الثقافي في الجهة، بما فيها المكتبات التجارية والمتاحف والمعارض العلمية. قد تكون هذه “الوسيلة” طوباوية شيئا ما لكونها جُرّبت في بلدان غنية، ولكن ما الذي يؤكّد أن مدارسنا ومعاهدنا لا تستطيع رصد “صكوك ثقافية” لفئة ولو قليلة من تلاميذها، ومن يؤكّد أن القطاع الخاص وأصحاب القلوب المؤمنة بجدوى الثقافة وقيمتها المضافة لا يقتطعون نصيبا ضئيلا ممّا يملكون لدعم مثل هذه المشاريع الرائدة ؟

 الكُتّاب والمُبدعون فئة مُضطهَدة

حفلات لتوقيع الكتب المنشورة هنا ولقاءات لتقديم أخرى هناك وومضات دعائية فرديّة لمؤلفات موجودة بالمعرض ومساحات إعلامية يتيمة للتعريف ببعض الإنتاجات… وكلها عناوين بلاغية لتجميل الدعوة الصريحة والكأداء إلى شراء الكتاب…هذا إضافة إلى التنكيل الذي تمارسه بعض دور النشر المتمرّسة على قوانين السوق حين تُمكّن الكاتب من بعض النسخ المجانية وتُخرجه تماما من دائرة التمتع ببعض عائدات كتابه. مقابل ذلك، ووفقا للمنطق الثقافي السائد الذي جعل من عصرنا “سدّاحا مدّاحا” كما يقول الكاتب المصري الراحل أحمد بهاء الدين (نسبة إلى عصر “السّح الدّح إمبوا” لأحمد عدوية)، نجد أن كُتيّبا هزيلا مثل “الحي يروّح” لنور شيبة الذي أقنع جمهورا واسعا بكلمات مبتذلة من قبيل “ربطية وراها ربطية…نور شيبة في المرناقية” … أو ما تقول عنه فاتن الفازع بأنه أدب وإبداع بكلام من نوع “يقولولي ياسر تتشرّط ياخي شروط كبار هاذم ؟ وزيد إي نتشرط على زيني وعيني وثقافتي ومستوايا كان جا عبد على قياسي مرحبا مكانش الوحش ولا الأذى”…أو كتب التنمية البشرية الحاملة لعناوين هي أقرب إلى بلاغة بيع أقراص منع الأرق مثل “قوة عقلك الباطن” أو “ابق قويا” أو “اعرف وجهك الآخر” إلخ… نجد أن مثل هذه المصنفات التي تُكتب بجرّة واحدة وعلى نفَس واحد، تشهد إقبالا واسعا ولا حاجة لها لا بحفلات التوقيع ولا بحملات التشجيع.

في ثقافة الإهداء وآداب البيع والشراء

عندما تلتقي صديقا أمضى سنوات كاملة وهو يكدّ ويجهد ويُقضّي لياليه يُقلّب الكلمات ويعجن المعاني من أجل الظفر بمؤلف يرقى إلى مستوى الجدارة بالنشر، لا تقل له “وأين نسختي ؟” أو “تعرف تهدي كان للإعلاميين باش يعملوا دعاية لكتابك” … بل قل “ها هي نسخة من كتابك اشتريتها للتوّ فدوّن عليها بعض الكلمات إن شئت” لأنه من التقاليد الإيجابية التي لا بدّ من تأسيسها بين الأصدقاء، أن يشتروا كتب بعضهم البعض تحفيزا ومقاومة لمناخ العزوف الشامل الذي لا تقلص كثافة الحضور الجماهيري الموسمي شيئا من حدّته.

أقول هذا بالرغم من أن الإهداء يوفّر لكلا الطرفين متعة متقاسَمة فيها فرحة حقيقية  تراها بيّنة في عينيْ من يُهدي لكون ذلك عنوان ودّ ومحبّة، وفي تقاسيم من يُهدَى له لأنه يعتبر ذلك توقيرا وتبجيلا.

الملاحظة الأخيرة ذاتيّة تماما أخصصها للسلفيات الكتابية

أرى أن معرض الكتاب ليس فرصة للتسوّق فحسب بل هو أيضا مناسبة سعيدة نُمتّع خلالها أنظارنا بمئات العناوين والأغلفة والأسماء ويافطات دُور النشر ونتصفّح مواجيز الكتب، كما نحتفي فيها بأصدقاء أعزّاء قدِموا من بعيد لتأكيد صفاتهم كقدماء ذهن أتوا من أجل جمع بعض المؤلفات للتوقّي بها من نكد الفضاء العام. كما تُشكّل هذه التظاهرة أيضا مناسبة نسعدُ خلالها بمصافحة قامات أدبية وشعرية وعلمية تونسية سامقة تُمْتعنا إنتاجاتهم ونُبرهن من خلالهم على أننا مازلنا نفخر في تونس بأسماء لا يزيد عنها كبار العالم شيئا في شتى المجالات.  فأن تلتقي في يوم واحد بأستاذ الفيزياء الكمية ومطوّر مركز النشر الجامعي الحبيب بوشريحة، ومبروك المناعي صاحب الكتاب الممتع “الموت في الشعر العربي”، وجميلة الماجري مؤلفة “ديوان النساء”، والحبيب صالحة المُروّج الفذّ للكتاب التونسي الناطق بالفرنسية على موجات إذاعة تونس الدولية … تلك متعة حقيقية تُطوى لها المسافات وترجو تجدّدها على مر السنوات.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 99

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

هذه الورقة تروي ما حدث لي مع حلول سنة 1998… وهي سنة هامة جدا في حياتي المهنية وفي اذاعة صفاقس… سنة 98 تكون اذاعة صفاقس قد عاشت سنتين تحت عهدة المرحوم عبد القادر عقير كمدير لها…

عبد الكريم قطاطة

وللامانة وكما اسلفت الحديث في هذا الامر كان الرجل حركيا جدا وحاول استقطاب عديد الكفاءات الثقافية في الجهة ونجح ايما نجاح في ذلك… وللامانة ايضا كان يعتبرني عضده الاوّل كمستشار له في تسيير شؤون الاذاعة، ومثل هذه الاوضاع تسعد بعض الزملاء وتشقي آخرين… مع حلول سنة 98، ارتأت مؤسسة الاذاعة والتلفزة تحديث تشريعاتها ومن بين ما قامت به سن قوانين جديدة في اسناد الخطط لموظفيها… والتي كان من ضمنها احداث خطة مدير عام للقنوات الاذاعية.. وكان اوّل من ترأسها زميل سابق عرفته عندما كان يشغل خطة رئيس تحرير شريط الانباء التلفزي باللغة العربية… السيد عبد الله عمامي…

علاقتي به كانت مهنية بحتة… كنت كسائر تقنيي قسم المونتاج اقوم مرّة واحدة في الاسبوع ودوريا، بتركيب فيلم شريط الانباء لنشاط رئيس الدولة واعضاده… وهي مهمة تتطلب انتباها جيد لكلّ ما يمدنا به زملاؤنا في قسم التصوير… وخاصة اعطاء الحجم والقيمة لنشاط رئيس الدولة والوزراء… لذلك يحرص كل مركّب منّا على التمحيص وبانتباه شديد للصور واختيار افضلها جودة… نوعية اختصاصنا تجعل كل رئيس تحرير يحرص على مدّنا بتوجيهاته التي يتلقاها بدوره من الرئيس المدير العام… اذ نحذف احيانا وبامر من رئيس التحرير بعض المشاهد او نضيف في مدة مشاهد اخرى… تلك كانت نوعية علاقتي بالسيد عبدالله عمامي وهي علاقة ولّدت بمرور الزمن ثقته فيّ وفي جودة عملي…

عندما كُلّف السيّد عمامي بخطّة مدير عام للقنوات الاذاعية، تنقّل نحو كلّ الاذاعات الجهوية ليطّلع على واقعها ومشاغلها… وجاء دور اذاعة صفاقس ليحلّ ضيفا عليها… وكان استقباله لي حارّا اذ اننا لم نلتق منذ سنة 1976 عندما غادرت المؤسسة لاتمام دراستي بفرنسا… يوم مقدمه لصفاقس اجتمع السيد عبدالله عمامي بالمسؤولين في اذاعتها ليتطارح معهم ومع السيد عبدالقادر عقير احوال اذاعة صفاقس… وكنت من ضمن المدعويين لحضور ذلك الاجتماع… واخذت الكلمة كسائر زملائي وطرحت نقطة اعتبرتها انذاك في منتهى الاهمية و الغرابة… اذ كيف يُعقل لاذاعة عمرها 37 سنة وليس فيها من الخطط الوظيفية الا ثلاثا… فيما بقية المسؤولين على المصالح والاقسام لم يدرجوا يوما ضمن خطة وظيفية …اي انهم لم يعيّنوا يوما بشكل رسمي ضمن خططهم…

وكانت دهشة السيد عبدالله عمامي كبيرة… ووعد بانّ اوّل عملية اصلاح سيقوم بها هي تدارك هذه الوضعية غير العادلة والتي استمرّت أربعة عقود… وانتهى الاجتماع وطلب منّي السيّد عبدالله عمامي ان ارافقه لاجتماع ثلاثي يجمع بيننا وبين السيد عبدالقادر عقير مدير الاذاعة… وكان لنا ذلك وهو اجتماع تاريخي بكلّ المقاييس وهاكم التفاصيل…

بدأ السيد عبدالله عمامي بالاشادة بالنقطة التي اثرتها والمتعلقة بالخطط الوظيفية وهو ما يحتم منذ اليوم على انجاز الـ”اورغانيغرام” (التنظيم الهيكلي) لاذاعة صفاقس… وهذا يعني اقتراح مجموعة من الخطط الوظيفية وفي كل درجاته اي من مدير فرعي الى رئيس قسم مرورا برؤساء المصالح… واضاف متوجها بكلامه الى السيد عبدالقادر عقير: (مهمة انجاز التنظيم الهيكلي ساكلّف بها سي عبدالكريم واريدها اسمية لانه يعرف جيّدا زملاءه الذين عاصرهم منذ نهاية السبعينات ومؤكّد اكثر من ايّ كان، وانا كلّي ثقة فيه ولا اتصورك اقلّ ثقة منّي)… وللامانة رحّب المدير وعن طواعية بالمقترح…

وانتهى الاجتماع الثلاثي وعكفت على انجاز الاورغانيغرام واخترت اسماء زملاء يشهد الله اني وضعت كفاءتهم فقط كفيصل في الاختيار… واطلعت عليها السيد عبدالقادر عقير ودون ايّ جدال وافق عليها واضاف بعض الخطط التي نسيتها… وارسل الاورغانيغرام عن طريق الفاكس للسيد عبدالله عمامي… وماهي دقائق حتى وجدت السيد عبدالله يطلبني على هاتفي… بادرني اوّلا بالشكر على الانجاز السريع واضاف: (فقط لي ملاحظتان، الاولى تتعلق بتسمية الزميل زهير بن احمد كمدير فرعي للبرامج… حيث ابدى لي احترازه من هذا الاسم… وعندما طلبت منه السبب قال لي بكل ايجاز ووضوح: زميلك زهير محسوب على اليسار هل تدري ذلك ؟ قلت له لا ..قال لي: رسالة ختم دروسه بمعهد الصحافة، كانت حول صحف المعارضة في تونس!

ولانّي عرفت زميلي زهير بن احمد بما فيه الكفاية اسرعت بالردّ: واين الاشكال ؟؟ فأسرع هو ايضا بالرد: (خويا عبدالكريم، مدير فرعي للبرامج موش شوية راهي)… ولم اتركه يتمّ حديثه اذ قلت: (انت عندك ثقة فيّ، سي عبدالله ؟) اجاب طبعا ..فقلت له: (زهير هو الاجدر بهذا المنصب وانا اتحمل مسؤولية ما اقول)… اكتفى سي عبدالله بالقول: (دبّر راسك اما اتحمّل مسؤوليتك)… ثم جاءني للملاحظة الثانية وقال: ( إي انت وينك سي عبدالكريم في الاورغانيغرام ؟)… وكنت فعلا لم اسند ايّة خطة وظيفية لشخصي… قلت له: (انت تعرف جيدا ماذا يعني المصدح بالنسبة لي… هو أهم عندي من ايّة خطة وظيفية)… قفز السيد عبدالله على العبارة وقال: (يخخي انا قلتلك ابعد عن المصدح ؟ اما في نفس الوقت ولاني اعرفك واعرف حكايتك بكل تفاصيلها مع المصدح ومع اذاعة صفاقس، لا ارى احدا غيرك يستحقّ مصلحة البرمجة في اذاعتكم… واضيف بكل رجاء اقبلها من اجلي ومن اجل الاذاعة مع مواصلة علاقتك بالمصدح)… قلت له ساناقش الموضوع مع سي عبدالقادر… ردّ عليّ: انه في انتظارك وسيكون سعيدا بقبولك لتلك الخطة…

وما ان انهيت المكالمة حتى هاتفني سي عبدالقادر للحضور بمكتبه… دخلت عليه فوجدته في قمة الانشراح وبدأ بالقول: (شنوة الكيلو يطيّح الرطل ؟؟)… وقتها عرفت انّ خطة رئيس مصلحة البرمجة وهي المصلحة الاهم في كل اذاعة تحادث فيها السيد عبدالله عمامي والسيد عبدالقادر عقير واتفقا على ان اكون انا من يشغلها… وبدأت مسيرتي المهنية تاخذ ابعادا اخرى… عبدالكريم لم يعد كما كان مستشارا للمدير بل اصبح رسميا عضوا في (حكومة) اذاعة صفاقس… وكما اسلفت القول، بقدر ما استبشر العديد بهذه التسمية بقدر ما اغاظت البعض… اي نعم هؤلاء..كانوا دوما وفي كل معركة ينتظرون هزيمتي بالضربة القاضية فاذا بهم يجدونني في وضعية ارقى…

هي ليست حالة خاصة بي بل هي حالة منتشرة في كل الادارات دون استثناء… حرب ضروس كلما خفّت حرائقها فترة، اشتعلت من جديد وربما باكثر ضراوة… انها طبيعة البشر منذ أول الخلق… فاذا كان الانبياء اولى ضحايا اقوامهم فمن نكون نحن حتى لا نعيش نفس الاوضاع؟… وحده الله يعلم من منّا قابيل ومن منّا هابيل وعند الله تجتمع الخصوم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

إنه الشتاء يا حبيبتي

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يبدو أن ” الأيام والليالي البيض” ستشرّف بداية من اليوم 25 ديسمبر هذا الذي يتميز باصطحاب عاملين اثنين هامين:

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

اولا نزول الأمطار بكميات معتبرة ومطلوبة لإخراج البلاد من مأزق الجفاف، خاصة ان كل التكهنات توحي وتؤكد احيانا ان الأمطار متواصلة ومن شأن هذا الهطول المخالف للسنة الماضية الجافة، ان يغذي بالأمطار عددا وافرا من السدود وسقي الأراضي الفلاحية، والتبشير بسنة ممتازة في الإنتاج الزراعي عسى أن يقع تقليص حاجتنا وارتباطنا بواردات قمح اوكرانيا او روسيا… والتأكيد مجددا على غرس عقلية الاعتماد على انتاجنا الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وهو ليس أمرا ممكنا فقط بل ضروري…

لقد تم القضاء على الارهاب وتمت مقاومة الفساد وتحريك رافعات التنمية… وكذلك تحسين مخزون العملة الأجنبية بالبنك المركزي التي وصلت إلى حوالي 120 يوم توريد بعد سقوطها فترات حكم الاخوان إلى اقل من 60 يوما… كما يستوجب لفت النظر الى ان الدينار التونسي اخذ طريقه للتعافي وحقق زيادة اكثر من 1.6 % مقابل اليورو… والأمر يستوجب مواصلة دعم الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو و الدولار ..وهذه أيضا مستجدات لا تقل أهمية..

عدنا لحالة هذه المدة الفصلية الأولى من شتاء يبدو باردا هذه السنة زيادة عن الأمطار المباركة… و مقابل ذلك يرتعش المواطنون و قد يصطلون من البرد القارس والرياح المرافقة… وقد يشتد وقع البرد على شريحة كبرى من التونسيين الذين يلتجئون بنسب متفاوتة إلى سخانات الغاز او الفحم او الكهرباء… وهي طرق تتطلب قواعد ثابتة لتحقيق الدفء النسبي مع التوقي من اخطارها… فالفحم له أضرار كبيرة متمثلة في ثاني أوكسيد الكربون القاتل… والغاز له اخطار لا تقل عن الفحم… وحتى جهاز الكهرباء المحمول يتطلب “تنفيس” البيت…

تبقى اخطار اضافية خلال هذه الفترة وهي ما اعلنته وزارة الصحة العمومية مشكورة من ضرورة التحلي السريع قصد مواجهة منتظرة للكورونا خاصة لدى كبار السن و المصابين بالامراض المزمنة والأطفال… وربما نضطر إلى العودة لاستعمال الكمامات خلال الازدحام الذي نراه في وسائل النقل المتعددة… لذا قد يتحتم على الدولة استشراف تغيرات واردة للمناخ ببلادنا… والاحتياط اكثر من العوامل التي نراها بالغرب القريب لتوفير الغاز الطبيعى لأكبر جزء من المواطنين في كل مكان لا لمواجهة البرد العائد مع كل شتاء بأكثر قوة، لكن أيضا لرفاه التونسيين شمالا ووسطا وجنوبا… وعدم حصر هذا الرفاه الشرعي عند شريحة واحدة، نسبة منها من الجشعين والسراق… اقول نسبة قليلة لأن متطلبات الرفاه لم تعد مفخرة او من علامات الأرستقراطية.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 98

نشرت

في

ملاحظة مبدئية … هذه الورقة ساخصصها لفترة هامة جدا في مسيرة اذاعة صفاقس… فترة تولّى فيها المرحوم عبدالقادر عقير ادارة اذاعة صفاقس، وامتدت من سنة 1996 حتى 2004 …

عبد الكريم قطاطة

واحتراما لروحه سامرّ على بعض الاحداث دون ذكر تفاصيلها السيئة… نعم احتراما لروحه دعوني في البداية اقسّم فترة ادارته لاذاعة صفاقس على ثلاث مراحل… الاولى من 96 الى 98 والثانية من 98 الى 2002 والثالثة من 2002 الى 2004… هذا التقسيم مأتاه ما عايشته في المراحل الثلاث من احداث مختلفة جدا… كما اسلفت سابقا ومنذ قدوم الرجل سنة 96 وبطلب منه نشأت بيننا علاقة متينة للغاية… كنت بالنسبة له مستشاره الاول في كلّ ما ينوي القيام به وكان كثير النشاط متعدّد الرؤى لتطوير العمل الاذاعي… وحتّى في علاقاته مع زملائي في الاذاعة كان يستشيرني كلما حدث حادث وكان شديد الثقة بي…

ودعوني هنا اقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اغتنم طيلة وجودي معه تصفية ايّ حساب مع ايّ كان لكن في المقابل كنت لا اخفي تماما قناعاتي تجاه ايّ زميل ايجابيا او سلبيا… وكانت مواقفي تنبع دائما من حبّي لاذاعتي وحرصي ومن خلال تجربتي ان اقول له الحقيقة عارية… هنا ساذكر بعض الامثلة…

في احدى المرات دعاني على عجل وعبّر لي عن غضبه الشديد لعدم كفاءة احد منظوريه مهنيا… كان في قمة الغضب واخبرني انه يريد ان يضع حدّا لوجود ذلك الشخص في الاذاعة… وكان موقفي ان تريّث يا سي عبدالقادر وسنجد الحلّ ونزلت من مكتبه بحثا عن ذلك الزميل لاعرف لبّ الاشكال ..وجدته في حالة مزرية ..كان يبكي كطفل صغير بعد ان توعّده سي عبدالقادر بالطرد ..هدّأت من روعه ووعدته بالتدخل ايجابيا لفائدته لانّ قناعتي لم تقبل بطرده والقضاء على مورد رزقه ..وللتوّ عدت الى مكتب المدير عارضا عليه الحلّ الامثل ..قلت له مساعد ذلك الذي تريد طرده على غاية من الكفاءة… اذن دع ذلك السيد وشأنه وليكن من الان مخاطبك هو مساعده …وللامانة قال لي اللي تحكم انت مبروك وفعلا كان الامر كذلك …

المثال الثاني حدث مع ثنائي من الزملاء لاحظت انهما اصبحا كثيري التردّد على مكتبه ثم اكتشفت انّ احدهما اصبح ملازما اسبوعيا لهداياه لمنزله (اشي لحوم ..اشي سمك ..اشي غلال ..) فما كان منّي الا ان فاتحته في الامر وحذرته منهما لاني اعرف جيّدا معدنهما… وقلت له بالحرف الواحد ان حدثت لك يوما مشاكل في اذاعة صفاقس، وقتها ستدرك انهما وراء ذلك… وفعلا كانا وراء العديد من مشاكله مع الزملاء …

المثال الثالث حدث مع منشطتين كانتا شاركتا في كاستينغ لتطعيم اذاعة صفاقس باسماء شابة لضخّ دماء جديدة واخذ المشعل عنّا يوما .. وحرصت في هذا الكاستينغ على تكوين لجان حتى لا يكون القرار فرديا… نعم كنت رئيس تلك اللجان ولكنّ القرار كان جماعيا والله .. احداهما نجحت باجماع الجميع على اهليّتها لتكون ضمن من ساتكفّل بتكوينهم وتاطيرهم ..والثانية لم تحظ بايّ صوت في الكاستينغ ..سي عبدالقادر انذاك (جا راسو) على التي نجحت وحاول بكل الوسائل اقناعي بالتخلّي عنها ولكنه فشل تماما ..ونجحت في اصراري ونجحت هي في دورتها وبامتياز ..اليس كذلك حنان التريشيلي .. ؟؟ الثانية والتي لم تنجح في الكاسنينغ وبالاجماع وساتحاشى ذكر اسمها حتى لا احرجها، حكايتها تتلخّص في الآتي:

دعاني يوما سي عبدالقادر الى مكتبه ورجاني اخذا بخاطره ان اقبل بها كمنشطة اقوم بتاطيرها لانّ والدها وهو صديق له احرجه وطلب منه ذلك … موقفي كان الرفض التام لانّه وهذا يعرفه كلّ من تتلمذ عنّي، ليس لي قلب في الامور المهنية .. ابنتي كرامة مثلا ارادت ان تشارك في احدى دورات الكاستينغ .. لم ار مانعا في تمكينها من ذلك الحق لكن كان شرطي ان اقوم انا فقط بالكاسيتينغ… لاني كنت مدركا انّ من سيحضر معي لتقييمها سيراها كابنة لعبدالكريم ولن يكون موضوعيا مائة بالمائة ..وفعلا وكغيرها اجريت لها التجربة الصوتية واكتفيت بذلك… وعندما خرجت كرامة من الاستوديو لاستطلاع رأيي فيها قلت لها في جملة واحدة ..انت لست للميكرو .. ولانها تعرفني وتعرف قناعاتي، ودّعتني وذهبت وكأنّ شيئا لم يكن…

وهذا ما اعنيه وانا اقول دائما المصدح يُفتكّ ولا يُعطى، وسي عبدالقادر يعرف قسوتي وصلابتي وعنادي وكسوحية راسي في مثل هذه الحالات… فقال لي زايد انلحّ عليك وسآخذها على عاتقي وعلى مسؤوليّتي… قلت له ذلك شأنك ..نعم وأخذها على مسؤوليته ولم امكّنها من حضور الدورة التكوينية لانها بالنسبة لي لا تصلح للعمل الاذاعي بتاتا… وهي على فكرة الان مرسمة وتشتغل … ليس ذلك فقط بل تعتبر نفسها وخاصة بعد 14 جانفي نجمة النجوم …رغم انّ نوعيّة ما تقدّمه لا يختلف كثيرا عن احاديث النسوة في حمّام او احاديث بعض الرجال في لعبة البازقة… كلّ ذلك لن يمنعني من القول انّ الفترات الذهبية التي عاصرتها كانت ثلاثا…

اذ انّي لم اعاصر فترتي المؤسس الباعث عبدالعزيز عشيش رحمه الله ولا التوفيق الحشيشة اطال الله عمره… لذلك كانت الاولى التي عاصرتها مع المرحوم قاسم المسدّي، والثانية مع المرحوم محمد عبدالكافي، والثالثة مع المرحوم عبدالقادر عقير .. القاسم المشترك بينهم، نشاط حثيث لا يكلّ ..كانوا ما شاء الله قادرين على العمل طيلة 16 ساعة دون انقطاع… ثم كانت لهم رغبة جامحة في تطوير العمل الاذاعي كل من زاوية رؤيته الخاصة به ..لذلك وهذا عايشته معهم، كانوا لا يتوانون لحظة واحدة في تجميع الكفاءات الثقافية بالجهة لدعمها وللارتفاع بمستوى المنتوج .. وكذلك للاخذ بيد الطاقات الشابة وتشجيعه. . وللامانة نجحوا في ذلك ايما نجاح … اليس كذلك احمد الشايب ؟؟ اتفهّم عرفانك له بالجميل… ولكن هنالك اشياء لا تقلّ اهميّة تطبع مسيرة ايّ مسؤول بايجابياتها نعم، ولكن بسلبياتها ايضا ..

وهذه في تفاصيلها يعرفها فقط من عاشر السيد عقير وعاضده عن قرب .. وسادوّن العديد منها في الورقتين 99 و100 ..كموثّق لما عشته معه ..اذ انّ مبدأ هذه الورقات منذ عددها الاوّل: التوثيق لكلّ ما عشته وعاشه معي جيلي والله وحده يعلم صدقي وامانتي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار