تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم… الورقة رقم 106

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

قبل سرد تجربة ذاتية عشتها في اواسط 2003 لابدّ من الاشارة الى امر في منتهى الاهمية… ما دوّنته في كل الورقات منذ اولاها الى اخرها هو مجرّد محاولة لتوثيق ما عشته وما عاشه جيلي… والورقة هذه عدد 106 ونظرا إلى خصوصية ما سيرد فيها لا تخرج عن هذا الاطار…

عبد الكريم قطاطة

اذن لن اكون فيها لا منظّرا ولا عالما ولا مفتيا… ساتحدّث عن علاقتي بالله وبالدين وبرجال الدين كيف نشأت وماهي القناعات التي وصلت اليها… مرّة اخرى هي تجربة شخصية للتوثيق والاطلاع فقط… ومهما كانت مواقفكم في تعاليقكم فانا لن اجادل ايّ واحد منكم… ساحترم كل الاراء واقف عند ذلك الحدّ… دعوني في البداية اذكّر انّي وقبل مارس 2003 كانت علاقتي بالدين هشّة للغاية (عبادات ومعاملات)… لعلّ مردّ ذلك تاثّري بمن درّسوني في سنة الباكالوريا حيث كانوا في جلهم اما يساريين او قوميين… انا كنت من الذين يعيشون فترة الحيرة بين الشك واليقين… وحياة اللهو التي عشتها كانت تميح بسفينة فكري الى عدم الخوض في كينونتي دينيّا… ولكن كنت ميالا الى الفكر اليساري رغم امتلائي داخليا بوجود الله… وكنت اكتفي فقط بذلك…

يوم وقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي وكما اسلفت في الورقة الماضية ابتعدت عن اجواء الاذاعة وعن ناسها عموما… ويمكن القول اني عشت لمدة 6 اشهر دون مشاحنات مع مديري سي عبدالقادر رحمه الله… لم اناقش معه كل حقوقي (كرئيس مصلحة) التي حرمني منها كالخط الهاتفي المباشر… رغم انّ زملائي في قسم الهاتف كانوا لا يتأخرون لحظة واحدة في تمتيعي بايّ رقم اطلبه، متجاهلين توصيات المدير وأتباعه بحرماني من الهاتف وبمدّ الادارة باسماء كل من يتصل بي… كذلك تم حرماني من جريدتي اليومية التي توقف مجيئها… وحتى المكتب المخصص لي كمن سبقوني في رئاسة مصلحة الانتاج التلفزي، وقع غلقه ووجدتني في مكتب هو حجما كالحكّة ومكانا بجانب المراحيض… لم اناقشه في قراراته لانّ همّي الوحيد انذاك ان اعيش بعض السلام الداخلي…

بعد مرور اسبوعين على انتقالي من مبنى الاذاعة ومن مكتبي هنالك الى مبنى وحدة الانتاج التلفزي وشبه مكتبي هنالك، اصبحت عاطلا عن ايّ نشاط… ولكن بمرتب رئيس مصلحة لا مهامّ ولا شغل له… ذات يوم وانا في مكتبي ذاك خطرت ببالي فكرة اردت من خلالها قتل الوقت لا غير لانّ اصعب عمل في حياة الفرد ان لا يعمل… قال يومها عبدالكريم الباهي لعبدالكريم الخايب: ألست ابن شعبة الآداب ؟ الم تكن من الذين اكلت وبِنَهَمٍ شديد مجموعة من الكتاب كغاوي مطالعة؟ الم تبدا علاقتك بكتب المطالعة منذ الخامسة ابتدائي؟ الم يقل فيك استاذك سي محسن الحبيّب اطال الله عمره وهو مدرّسك سنة الباكالوريا كلاما كثيرا في كتابه (وقال قلمي)، وتحدث عنك بفخر واعتزاز كاحد تلامذته النجباء حيث كنت تلتهم الكتب التهاما مما جعل ذخرك زاخرا معرفيا .؟

وواصل عبدالكريم الباهي حديثه مع عبدالكريم الخايب بالقول: انت فعلا طالعت عددا لا يُحصى من الكتب فما ضرّك لو اطلعت على كتاب الله؟ واستجاب عبدالكريم الخايب لهذا المقترح وبسرعة عجيبة… كان في مكتبي كتاب قرآن ولست ادري ما السرّ في وجوده… اخذته وكنت في تلك الآونة على جنابة وقررت ان اطالع القرآن الذي لم اعرف منه سوى قصار السور وانا ادرسها في الابتدائي او اتلوها مع والدي وانا طفل ليلة 27 من رمضان حتى امتّع البطن بالزلابية والمخارق… وفتحت المصحف كمطالع لكتاب قيل عنه الكثير … وكانت البداية طبعا وبعد الفاتحة بسورة البقرة… من عاداتي انّي عندما ابدأ مطالعة ايّ اثر أنني اركّز جدا على كل ما ياتي فيه… ولا اترك شاردة ولا واردة لاُحسن في ما بعد عملية النقد والتحليل…

يومها وانا اقرأ سورة البقرة كنت لا شعوريا كما ذلك العطشان الذي انغمس في شرب الماء… كما ترون لم اصف الماء بالعذب او الزلال… كنت فقط اشرب الماء ولكن دون تمحيص… وصلت الى الصفحة 24 والى الآية الكريمة 155 التي تقول { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم واولائك هم المهتدون } صدق الله العظيم… في اللحظة التي قلت فيها اولئك هم المهتدون فُُتح باب مكتبي لتًُطلّ عليّ سكرتيرتي انذاك نعيمة المخلوفي رحمها الله، ولتنزعج مما وجذتني عليه وسألت بحرقة (يا عرفي اشبيك لاباس ؟) استغربت من سؤالها وأجبت: اشبيني لاباس.. قالت: اذن علاش تبكي لاباس؟)… اندهشت ثانية ولم اصدّق الا وانا امسح دموعي قائلا: (لاباس لاباس والله… تذكرت وفاة اخي الحبيب الذي توفّي سنة 2000)..

لم تمكث معي طويلا بعد ان اطمأنت عليّ وغادرت واغلقت باب مكتبي… تركت كتاب القرآن على حدة ومسكت رأسي بيديّ وطفقت افكّر في ما جرى ..كيف جرى ؟ لماذا جرى ؟ كيف انخرطت في بكاء لم اشعر اطلاقا به ؟؟ لم ابق طويلا على تلك الحالة… نهضت من الكرسيّ وتمتمت: (يا ربّي انا جايك)…وقصدت منزلي الذي لا يبتعد عن مقرّ الاذاعة سوى 200 متر تقريبا… وتطهّرت وصليت لربّي ركعتين وفي كل سجدة كنت اردّد نفس الكلمات (يا ربّي انا جايك)… يومها تذكرت استاذي العزيز سي رشيد الحبيّب رحمه الله الذي كان يدرّسنا سنة الباكالوريا مادّة التفكير الاسلامي والذي حدثنا عن الفقيه ابي حامد الغزالي الذي عاش فترة كلها حيرة بين الشك واليقين… الى ان قذف الله في قلبه نور اليقين والذي يصفه البعض ومنهم استاذنا سي رشيد رحمه الله بالنور الشعشعاني…

كنا انذاك وخوفا من استاذنا الرهيب بجديته وكاريزمته نقبل بما يقول ولكن كان في داخلنا كثير من الاستهزاء بذلك النور الشعشعاني… يوم قلت لربّي (يا ربّي انا جايك) فهمت انّ نور الايمان هو اعظم نور لانّ من عاشه وبعمق يعيش الامان والسلام الداخلي… هذا هو مجرّد استنتاج لما عشته منذ ذلك اليوم ولكن للقصّة تفاصيل اخرى عديدة ومتشعبة… ولا اتصوّر انّ هذه الورقة بقادرة على حكي كل تفاصيل ما حدث لي بعد ذلك اليوم… ولا تنسوا وبشّر الصابرين في كتاب الله… اذن صبركم عليّ …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 111

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في مارس 2003 وكما ذكرت في الورقات السابقة انغمست انغماسا كلّيا في التعرّف على ديني… وبعد اشهر فهمت قول خالقي (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون)…

عبد الكريم قطاطة

نعم فهمت انّ خالقي اراد ان يعوّضني في تلك الفترة عن ما عشته من تجاذبات ومشاكل لا حصر لها مع مديري انذاك سامحه الله وغفر له… ورغم انّي غادرت مصلحة البرمجة كرئيس لها وغادرت قبلها المصدح رغم عشقي الكبير له ووقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي، لكنّ كلّ ذلك حزّ في نفسي وبكلّ ألم… الاذاعة والمصدح كانا بالنسبة لي عشقا لا يوصف… لكنّ الله اجابني وانا اطّلع على قرآنه العظيم بالقول (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم) اذ انّ نقلتي مكنتني اوّلا من الاقتراب من خالقي ومكنتني كما ذكرت من سلام روحيّ داخلي عوّض عليّ كلّ ما اعتبرته خسارات…

وبقيت منذ مارس 2003 حتى يوم 23 اكتوبر من نفس السنة في قطيعة تكاد تكون كلّيا مع مديري… هو على حالو وانا على حالي لا واحد يجي على ساحة لوخر… يوم 23 اكتوبر 2003 مدّتني سكرتيرتي بظرف يحمل شيئا من مديري… فتحته فوجدت فيه السيد عبدالقادر عقير يستجوبني عن الاسباب التي جعلت من وحدة الانتاج التلفزي لا تنتج… في البداية اعتبرت انّ تساؤله مشروع جدا واجبت مفسّرا ذلك يثلاثة اسباب… السبب الاول انّ الوحدة لا تملك ضمن العاملين بها فريق اخراج اي على الاقلّ مخرجا وكاتبة مخرج… والانتاج طبعا يتطلب حتمية وجود هذين الاختصاصين… السبب الثاني انّ وحدة الانتاح غير مدرجة ماليا في ميزانية اذاعة صفاقس فكيف يمكن لها ان تؤمّن حتى الحدّ الادنى من نفقات الانتاج؟… والسبب الثالث انّي توجهت الى رئاسة المؤسسة بتقرير كامل عن وضعية وحدة الانتاج منذ الاسبوع الاول من مباشرة مهامي على رئاسة مصلحة الانتاج بها، لكن لا حياة لمن تنادي… و لتلك الاسباب اقتصرت اعمال الوحدة على بعض الريبورتاجات الاخبارية او نقل بعض المباريات الرياضية…

وتصورت انّي بردّي هذا اغلقت الملفّ… لكن ما ان حلّت سنة 2004 وبالتحديد في 3 فيفري حتّى مدّني الزميل الشاذلي الغريبي رئيس مصلحة الشؤون الادارية والمالية بنسخة من مراسلة ادارية وصلته من السيّد المدير مضمونها الآتي حرفيّا: من مدير اذاعة صفاقس الى رئيس مصلحة الشؤون الادارية والمالية …الموضوع حول مواظبة مسؤول… أما نصّ المراسلة فيقول: (وبعد… فانّ بعض المسؤولين يعمدون الى عدم احترام التوقيت الاداري، من ذلك انّ السيّد عبدالكريم قطاطة رئيس مصلحة الانتاج التلفزي يعمد الى الالتحاق بعمله متاخّرا ومغادرته له مبكّرا… ادعوكم الى وضع مواظبته تحت المراقبة وموافاتي اسبوعيا بتقرير مفصّل في الغرض وخصم ما يجب خصمه من رصيده في الاجازات السنوية والسلام)…

اشنوة معناها؟ تقولشي مجرم خطير يجب ان يوضع في غوانتنامو وتحت حراسة مشدّدة زادة… تتذكروا اني في ورقة ما، قلتلكم علاقتو بيّ منذ خلافنا معا يمكن تلخيصها في (قاتلك قاتلك) ؟؟.. هاكي هي … اذن هذا يعني انّ المدة الماضية كانت استراحة محارب فقط… بل والانكى انّ احد الزملاء اسرّ لي بانه توعّدني بالقول (والله اللي ما نخرّجو من الاذاعة قبل التقاعد)… للامانة وقتها لم اردّ الفعل بتاتا الم اقل لكم انّ الايمان العميق يمنحنا السلام الروحي؟… بل عندما اسرّ لي احد الزملاء بقسمه ذاك ضحكت وقلت له بالحرف الواحد: الله وحده هو من يُحيي ويُميت… وقررت وابتعادا عن مزيد من المشاحنات وتعكير الاجواء ان اتقدّم برخصة مرض لمدّة شهر علّني اُريح واستريح… وكان ذلك…

نعم لم اكن مريضا ولكن تعاطف الطبيب الذي هو يوما ما، كان احد مستمعيّ وواكب مسيرتي بهضابها وسهولها، لم يتأخّر لحظة واحدة في مدّي بتلك الرخصة المرضية لمدة شهر كامل… بل وابى بشكل بات ان يأخذ منّي ايّ ملّيم مقابل كشفه… وسلّمت الشهادة الطبية للمصلحة المالية والادارية تجنبا للقاء مديري في تلك الظروف… ولبثت في منزلي لا اغادره الا لشرب قهوة سريعة والعودة اليه… وفي اليوم الثالث من اعتكافي فوجئت بجرس المنزل يدقّ… خرجت لاستطلاع الامر فاذا به رجل محترم يقدّم لي شخصه كطبيب مرسل من ادارة اذاعة صفاقس للقيام بما يسمّى الفحص المضادّ حتى يقوم بعده بكتابة تقريره الطبي لادارة اذاعتي… ضحكت بكلّ هدوء وقلت له تفضّل وقم بعملك… كان صوتي الداخلي يقول (اكتب يا حسين انا متيقن من النتيجة)…

وتوجهت ادارة اذاعة صفاقس بمراسلة لرئاسة المؤسسة مرفوقة بتقرير الفحص المضادّ وكانت النتيجة ان رفضت المؤسسة رخصة مرضي وإن منحتني الحقّ في 13 يوما خُصمت مما تبقى لي من عطلتي السنوية وكذلك خصمت 17 يوما من مرتّبي الشهري… قبلت القرار بصدر رحب وقلت في نفسي وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير ولكم… والحمد لله بفضل صبر عائلتي وتآلف البعض من اهلي واصدقائي لم ابت وعائلتي ليلة واحدة وفي كلّ ازماتي مع مديري الاذاعة، دون عشاء… وصبرت على كلّ المحن… لكنّ مديري رحمه الله وغفر له واصل سلوكه معي ودائما من صنف قاتلك قاتلك… ومما زاد ألمي وحزني انه وعندما انتقلت عيادة الى جوار ربها يوم 30 مارس 2004 هو لم يكتف فقط بعدم زيارته لي لتقديم التعازي بل كلّف البعض بتسجيل اسماء كل من يحضر موكب العزاء… هم كانوا في نظره خونة له وانصارا لعبدالكريم …

ولعيّادة طبعا حضور مؤكّد في ورقتي القادمة… ايماني العميق بالله وبقضائه واقداره وبكل امانة كانت رافدا لصبري في فقدان عيادة رحمها الله… ولكن ألمي بعد فقدانها اوعز لديّ رغبة شديدة في اطلاع رئيس المؤسسة على كلّ ما عانيته… فكان ان قررت ارسال مكتوب لرئيسها انذاك اعلمه فيه بكلّ ما حدث مع مديري منذ توليه ادارة اذاعة صفاقس بحلوها ومرّها… والله يشهد على انّي لم اكذب عليه اطلاقا… واكّدت له انّي رئيس مصلحة الانتاج التلفزي على الورق فقط… وأن كلّ مكاتيب المدير لوحدة الانتاج التلفزي لا تصلني البتّة بل كان يرسلها لرئيس المصلحة التقنية… الاعداد التي يضعها رئيس المصلحة للمنضوين تحت مسؤولياته سواء المتعلقة بمنحة الانتاج او بالاعداد المهنية لم اعد مكلّفا بها… بل الادهى انّ اعدادي المهنية ومنذ كنت اشتغل في المؤسسة الأم في بداية السبعينات ورئيسي المباشر سي ابراهيم الغضاب اطال الله عمره شاهد على ما ساقول… اعدادي لم تنزل يوما عن 100 بالـ 100 .. لكن الآن ومنذ تعكّرت علاقتي بمديري سي عقير، اصبحت اعدادي المهنية من هواة الهبوط ودون باراشوت… الى ان وصلت الى 80 بالـ 100…

المكتوب كان طويلا ومطوّلا ولكن اردت من خلاله ان اقول لرئيس المؤسسة مادمت لا اقوم بايّ عمل في مصلحة الانتاج التلفزي فما الفائدة من وجودي هناك؟ اليس الاجدى تعيين زميل في مكاني حتى تستفيد الوحدة منه؟ واقسم بالله اني كنت صادقا في ذلك… للامانة ليست لي ايّة فكرة عن كيفية تعامل الرئيس المدير العام مع مراسلتي تلك… ولكن فوجئت يوما بالزميل والصديق صادق بوعبان يكلمني هاتفيا ويطلب منّي ان اقبل رجاءه والمتمثل في تدخله بيني وبين مديري كواسطة خير لرأب ما تصدّع… وقال انه مستعدّ للمجيء إلى صفاقس للقيام بهذه المحاولة شريطة ان يتلقّى موافقتي… الزميل الصادق بوعبان عرفته منذ عملنا معا في جريدة الأيام وعرفته كمنشط في اذاعة المنستير وعرفته عندما اشتغل بالمؤسسة الأم مديرا لقناة 21 ثم للتلفزة الوطنية الاولى… ليس بيننا سوى الودّ والاحترام وبيننا ايضا تقاطعات في عديد الافكار والمواقف…

ضحكت ضحكة مختصرة وصمتّ قليلا… فاردف خويا الصادق بالقول: (انا نعرفك ونفهمك اما اشنوة خاسرين كيف نعملو محاولة صلح؟ انت صديقي وسي عبدالقادر صديقي وانا نحبّ نصلّح بيناتكم)… قلت له (خويا الصادق رغم اني مانيش متفائل برشة بالنتيجة متاع القعدة، اما مرحبا بك طلبك غالي)… واتفقنا على اليوم والتوقيت… وجاء ذلك اليوم وشرفني زميلي الصادق بزيارته وكان اللقاء الثلاثي… نعم تمّ ذلك اللقاء ولكن ما تمّ بعده وفي نفس اليوم غيّر مجرى الاحداث تماما ..

يااااااه على اقدار الله ..نعم، قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا (سورة التوبة آية 51) …. لا تقلقوا كثيرا غدا باذن الله تتواصل الحكاية في الورقة 112… قولوا عاد ما نحبكمش ترا…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

طالب منذ أيام نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي بإعادة تمثال الحرية إلى فرنسا… واعتبر البعض هذه الدعوة والحملة التي أطلقها رافائيل غلوكسمان، استفزازية إلى ابعد الحدود… لكنها في نفس الوقت غير مبررة…

 ورغم كل هذا فإن إدارة ترامب نفسها، من خلال بعض التصريحات والمواقف المبدئية والقرارات التي صرّح بها ترامب، تعطيها بعض المصداقية والشرعية… علما بأن تمثال الحرية هو هدية من فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان استقلالها… ويحتوي الاسم الكامل لذلك التمثال على السبب الذي من أجله قدمته فرنسا إلى الولايات المتحدة بمناسبة مائوية استقلالها، وهو “الحرية التي تنير العالم”… ويعتبر صاحب الدعوة إلى إعادة التمثال والذين معه، أن ترامب أطفأ نور تلك الحرية التي أهدت من أجلها فرنسا ذلك التمثال لبلاد العمّ سام… ترامب قرر تعليق وكالة التعاون “يوسايد” التي أسسها جون كينيدي منذ 64 عامًا… وهذه الوكالة كانت لفترة طويلة من أهمّ القوى الإنسانية القليلة التي تحسب على ما يُسمى “الإمبريالية الأمريكية”، لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية وتدعم التنمية في مئات الدول الفقيرة حول العالم، ففي سنة 2024 فقط، قدّمت الوكالة مساهمات تقدر بحوالي 72 مليار دولار…

إلغاء هذه الوكالة يعني إيقاف المساهمة والدعم للآلاف من البرامج والعقود في جميع أنحاء العالم… برامج وعقود كانت تهدف إلى توزيع الطعام، وتقديم الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة تهريب البشر… إضافة إلى تسبب هذا القرار في فصل وتعليق عمل الآلاف من الموظفين بشكل دائم…

وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” التي تأسست على يد أطباء فرنسيين إن هذا القرار قد يقتل ملايين الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، وقد تقتل أيضا الآلاف من الأطفال المصابين بالملاريا، واللاجئين والنازحين… فالمشهد الإنساني اليوم سيتغيّر في العشرات من الدول الفقيرة وفي كل مكان في العالم حيث كانت هناك لافتات تعلن للفقراء والمستضعفين أن “الديمقراطية الأمريكية” قد جاءت لمساعدتهم… هذه اللافتة لن تكون موجودة مستقبلا… ترامب ألغى كل عمل انساني كان يميّز أمريكا عن الكثير من الدول التي كانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار حقوق الانسان… وقد يكون أغضب جون كيندي في قبره… هذا إن كانت طبعا نوايا الرئيس الراحل جون كيندي إنسانية بالأساس قبل أن تكون حاملة لنوايا استعمارية…

ويعتبر قرار ترامب ترحيل مئات الأجانب وطردهم من الولايات المتحدة سببا آخر من أسباب المطالبة بإعادة تمثال الحرية من بلاد العمّ سام غفر له… وقد تمّ نشر شريط قصير يظهر 250 فنزويليًا مكبلين بالأصفاد، يتم إجبارهم على الركوع ليتم حلقهم ثم اقتيادهم إلى الزنزانات منحنيين بزاوية 90 درجة… واعتبر هذا الشريط من كل مَن شاهده نوعا من الإذلال العلني… وقد قامت الحكومة الأمريكية بطرد هؤلاء استنادًا إلى قانون قديم يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حول “الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act)  وهو قانون يسمح باعتقال وترحيل أفراد مشبوهين (لكن لم يُدانوا قط) دون محاكمة، وذلك في حالة الحرب أو الغزو من قبل دولة معادية…

كما يعتبر قرار ترامب إغلاق “صوت أمريكا” و”راديو أوروبا الحرة “و”راديو آسيا الحرة” وهي محطات إذاعية بعضها تأسس سنة 1942 لمكافحة الدعاية النازية في أوروبا، سببا آخر في ما تقدّم به النائب الفرنسي… وقد كانت هذه المحطّات الإذاعية أداة إعلامية ونضالية حاسمة في الحرب الباردة من خلال وصولها إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت الأنظمة التي تسيطر عليها الرقابة السوفياتية المستبدة… وكانت تبث بـأكثر من أربعين لغة وتهدف إلى جعل العالم أكثر حرية، من خلال تقديم الأخبار الموثوقة لأولئك الذين لم يكن لديهم مصدر لها… لكن اليوم والآن على تردداتها، يخيّم الصمت… وقد وصف مدير إذاعة أوروبا الحرة قرار ترامب بالهدية العظيمة لأعداء أمريكا…

قرارات ترامب لا رائحة للحرية فيها ولا تتقاطع ابدا مع الأبيات التي في اللوحة التي توجد أسفل تمثال الحرية… والتي تقول فيها إيما لازاروس، الشاعرة الأمريكية ذات الأصول اليهودية: “هلموا إليّ أيها المتعبون والفقراء، والجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية”…

فهل تعود الحريّة مكبّلة بالأصفاد إلى منزل أهلها باكية نادبة حظّها؟…

أكمل القراءة

جور نار

رحم الله كلبة نجيب الريحاني…

نشرت

في

محمد الأطرش:

وأنت تعبر من شارع إلى آخر…وأنت تقف في طابور تنتظر دورك للفوز بعلبة حليب… وانت تسأل عن ثمن كيلوغرام من لحم خروف لا تلتقيه إلا يوم عيد الأضحى… وأنت تجوب أروقة الفضاءات التجارية الكبرى تغني “اش جاب رجلي للمداين زحمة… واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”…

وأنت أيضا تتجول في شوارع وأنهج وأزقة فضاءات التواصل الاجتماعي… وأنت تركب الحافلة لتعود إلى منزلك محمّلا بما كسبته من الوقوف لساعات في طابور أطول من بعض قطاراتنا التي نسعد حين نراها لأنها تذكرنا بقطارات أفلام الوسترن والغرب الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر… وأنت تدخل يدك جيبك لتبحث عمّا تبقّى من مرتبك الموؤود الذي لبّي داعي ربّه قبل أن يولد… وأنت تفعل كل هذا وأكثر من هذا تستغرب وتسأل نفسك أين أنا؟؟ أين نحن؟؟؟ اين اختفى التونسي الذي كان يعيش على هذه الأرض… التونسي المتسامح والمتصالح… التونسي الذي يحب جاره ويسأل عنه؟؟؟ أين رحل التونسي الضحوك دائم الابتسامة؟؟ اين نحن؟؟؟ اين أنا…أين أنت…أين أنتم…أين هم…أين بعضنا…أين ذهبنا…واين غرقنا؟؟؟ أين ما كنّا ننعم به من طيبة واخلاق؟؟؟

وتعيدها… اين… وأين… وأين… وقد تلعن… وتلعن… من أوصلنا إلى ما نحن فيه وما وصلنا إليه من حقد وكراهية وفتنة… وما أصبحنا نضمره لبعض البعض… جميعنا دون استثناء يخرج من منزله متأبطا شرّه خوفا على فتات الخير الذي لا يزال يعيش داخله… جميعنا يبحث عن نفسه التي أضاعها… عن أخلاقه التي باعها… جميعنا نبحث عن تاريخنا الانقى والأجمل من حاضر شوهناه دون أن نعي خطورة ما أتيناه… بعضنا يحقد على التاريخ لأنه لم يكن فيه ولا من بُناته… وبعضنا يلعن الحاضر لأنه  ليس منه ولأنه كشف للناس عوراته… وبعضنا يلعن الجميع وكل الأزمنة وكل الناس ويتهمهم بالفساد والخيانة والعمالة وهو الذي يسهر حتى ساعة متأخرة مع أصحاب السوء يضمرون شرّا للحاضر ويسيئون ويشيطنون الماضي ويعبثون ويتلاعبون بالمستقبل…

كلُنا نبحث عن كُلِنا… بعضنا لا يزال ينام في الماضي ولا يريد ان يغادره… وبعضنا يصفّق ويصرخ بأعلى صوته داعيا لـــ”مولاه” ومفاخرا بحاضره فقط لأنه انتقم له من ماض وتاريخ لم يكن فيه… والسؤال الذي وجب أن نلقيه على بعضنا البعض هل هذه أخلاقنا وما كنّا عليه وما ولدنا عليه ما عرفنا أهلنا عليه؟؟ سؤال لا يمكن أن تجد له إجابة وأنت تقرأ قصصا واقعية عن الكلاب تجعلك في حيرة من أمرك… لتسأل دون خجل: أين نحن من أخلاق الكلاب، كل الكلاب؟

 لعل بعضكم قرأ عن الكلب “هاشيكو” الذي توفي سنة 1935… هذا الكلب وهو من سلالة “أكيتا اينو” اليابانية كتب اسمه في التاريخ لأجيال قادمة من الحيوان والبشر… فهاشيكو هذا كان وفيّا لصاحبه ومشهورا بولائه غير العادي لسيده الأستاذ “هيديسابورو أينو”… وكان يرافق صاحبه يوميا إلى محطّة شيبويا في طوكيو ويبقى في انتظاره هناك حتى يعود… حتى بعد وفاة “أينو” المفاجئة سنة 1925 بقي هاشيكو لمدة تقارب العشر سنوات ينتظر في نفس المكان الذي كان ينتظره فيه… كان المسكين يظنّ ان سيّده سيعود، ولم يكن يعلم أن من يموت لا يعود… هاشيكو استمر على تلك الحال، يعود إلى نفس المكان حتى ساءت صحته ومات… فهل نحن بأخلاق ووفاء هذا الكلب ؟؟ لا… نحن كنّا بأخلاقه لكن اليوم لا… ونحن كنّا بوفائه واليوم لا وفاء لنا…

ولعل بعضكم أيضا يعرف قصّة كلبة نجيب الريحاني أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي… كان الريحاني يقيم في شقة بإحدى عمارات القاهرة… وكانت كلبته تصاب بنوبة جنون كلما رأت كلب إحدى جاراته، فتهجم عليه محاولة الفتك به وكان الريحاني يعاني كثيرا مع جارته من اجل فضّ الاشتباك وإنقاذ كلب جارته المسكين… وفي احدى الليالي دخل الريحاني رحمه الله المصعد ومعه كلبته، فوجد جارته هناك ومعها كلبها المسكين… وقف الريحاني وجارته في حالة تأهب قصوى للتدخل في صورة انقضاض الكلبة على الكلب فلم يحصل شيء مما كان الريحاني وجارته يخافانه… فالكلبة لم تحرّك ساكنا كما كانت تفعل دائما ولم تنبح ولم تحاول الانقضاض على كلب جارة الريحاني بل تقدمت نحوه في هدوء وأخذت تلحس شعره في حنوّ شديد ورقّة غير طبيعية…

 استغرب الريحاني الامر وسأل جارته ما الحكاية؟ فأجابته وهي لا تقلّ عنه استغرابا ودهشة وقالت: إن الكلاب أنبل من البشر أحيانا… لقد أصيب كلبي بالعمى منذ أيام… وشعرت كلبتك بما حدث له فلم تشمت… ولم تنتهز الفرصة للهجوم على عدوها… بل تقدمت إليه حزينة لأجله ومتضامنة مع وجعه وما هو فيه كما ترى وها هى تحاول مواساته بلحس شعره… تجمّد الريحاني مكانه وأخذ يتأمل، ودخل شقّته… وأخذ يبكى… علما بأن كلبة الريحاني ماتت قبل وفاته بثلاثة أيام… أتدرون ماذا يمكن أن يقول احد ممن تحدثت عنهم لو أصاب أحد خصومه ضعف البصر فقط … سيقول متشفيا: “يعطيه عمى”!

ألاحظتم الفرق بين أخلاقنا وأخلاق كلبة الريحاني؟؟ فهل أخلاقنا اليوم كأخلاق هذه الكلاب التي ذكرت في ما رويت؟؟ نحن لم نعد نحن… نحن شعب يُذنب بين كل صلاتين ليطلب المغفرة آخر كل صلاة… نحن شعب يسعد لموت خصمه… ويشرب على نخب اعتقال جاره… ويظهر الشماتة في كل من يختلف معهم إن اصابتهم مصيبة… هكذا نحن اليوم… فأين نحن من أخلاق الكلب ابن الكلب… أم هل سلكنا الطريق التي قال عنها سيّد حجاب: (ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء… وواخدنا ليه في طريق مامنوش رجوع ؟؟)

 في الأخير… رحم الله كلبة نجيب الريحاني….

أكمل القراءة

صن نار