تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 52

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

وكان لابدّ ان اعود الى تونس العاصمة … الى مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية لأمارس عملي بعد عطلة دامت اسبوعا واحدا بصفاقس ..الى شلّة نهج كندا حيث السكن وحيث حياة المجون واللهو …

عبد الكريم قطاطة

في السنوات التي عشتها في تونس وخاصة في الثلاث الاولى منها تنقّلت في السكنى بعديد الاماكن ومع عديد الاصدقاء فمن قلاتيني الى استوديو ابن خلدون الى نهج المشنقة، صحبة صديق الدراسة الثانوية وصديق العائلة المُقرّب جدّا اليّ المربّي ثمّ متفقد تعليم ورئيس بلدية ساقية الدائر في زمن متقدّم عبدالوهاب الزواري …صحبة صديق ثالث في السكن هو من الساحل عبدالحميد خيوط ..وهذا ليس لقبه بل كنّا نطلق عليه كلمة خيوط لانه لا يعود يوميا الى المنزل الا (ساس يردّ وساس يجيب) بفعل عسل العنب… … الى نهج الراس الاخضر مع الشهير عبدالستار الذي شبع في رؤوسنا وهو يحتسب كل اسبوع تاريخ السنة ليضمّه الى قائمة المصاريف ..لكن وكما اسلفت (خلّصناها ثاني ومثلّث) بتهرئته ونحن نستعمل هاتفه المنزلي في غيابه حتّى نؤكّد له انه (اذا قلت للبير بوّ يقلّك بوّين)…

كذلك وفي السكن دائما وبعد انتقال اختي الصغرى للعمل في تونس كميكانوغراف بديوان الاحصاء قرّرت العائلة الانتقال للإقامة بالعاصمة هي ايضا للمّ شمل العائلة … اذ لا يّعقل ان تقطن الأخت الصغيرة بمفردها في العاصمة (اش يقولو علينا الناس ؟؟؟)… طفلة صبية تسكن وحدها في تونس ..؟؟ وخوها يسكن وحدو زادة ؟؟ اليس من الافضل ان تجتمع الاسرة تحت سقف واحد ..؟؟ الرأي يبدو صائبا مادّيا واجتماعيا اي تقاليديّا ..الاّ ان نقطة الضعف فيه انّ اخي الاصغر الحبيب رحمه الله سيبقى بصفاقس لمواصلة دراسته بالسنة الثالثة ثانويا … وتلك كانت نقطة تحوّل كبيرة في حياته … الحبيب رحمه الله كان متوسط الامكانيات دراسيا لسببين اوّلهما انبهاره المفرط بشخصيّة عبدالكريم …هذا الانبهار جعله لا اراديّا يريد ان يكون نسخة منه فوجّه كل اهتمامه إلى الجانب الادبي .. كان يؤلف قصصا وحكايات مُحاكيا اخاه ومهملا لجلّ المواد الدراسية الاخرى ..ثاني الاسباب انه انهمك في العمل الكشفي بشكل مجنون …هو نجح في حياته الكشفية وتسلّق رتبا هامة فيها ولكنّه فشل بشكل كلّي في الدراسة ..

سنة نقلة العائلة الى تونس والسكنى بنهج الهند اوّلا ونهج الاطلس ثانيا وطريق المرسى ثالثا كانت سنة هامّة جدا في حياة عائلتنا ….ولكن لم تكن خالية من الطرائف … من طرائف السكنى بنهج الاطلس مثلا انه كانت هناك امرأة وهي زوجة لصديق ابي، كانت عينها على عبدالكريم طمعا في تزويج ابنتها منه ..وكانت الامور ماسطة علّلخر ..يعني عيني عينك ما خصّها كان تقول ايّا وقتاش تجيو تخطبو؟؟…وكأني سيدي تاتة … كان اسمها نسيمة وكنّا نقول عنها فوجة ريح … يوما ما دخلتُ الى المنزل انا وصديق عمري رضا وجدتها (مقمّعة) سلّمنا عليها ثم دخلنا الى الكوجينة… وجدت اختي نبيهة تُعدّ لها وبخجل ما تملكه العائلة يومها من غلال (عقاب طرف دلّاع)… قالت اختي: “شيء يحشّم ما عندنا شيء”…اكملت اعداده وهمّت بادخاله للضيفة في تلك اللحظة خامرتني فكرة الانتقام من هذه المرأة ثقيلة الظل حتى لا تعود الى زيارتنا …امرتُ اختي بترك “عقيّب الصحن متاع الدلاّع” بدعوى انّي انا من ساقدّمه لها… اذعنت اختي دون نقاش وخرجت ..وانهمكت انا ورضا في الهجوم عليه بشراسة واتينا عليه في ظرف وجيز وغادرنا المنزل ..عدنا ليلا فاذا بعيادة تنتظر .. هكّة توة خليتوني في الحشومة مع المرا كيف ما جات كيف ما مشات …لا ما يصيرش هذا ..هي صحيح رقعتها صحيحة وباسلة اما احنا ما يشرقش علينا …

اما في منزل طريق المرسى فاتذكّر جيّدا ان صاحب المحل الذي تسوّغناه والقاطن بجانبنا اشترط علينا ان لا سكنى لاطراف اخرى معنا ..قبلنا طبعا بشروطه ولكن كيف العمل مع رضا الذي يُعتبر واحدا من العائلة .؟؟ ..بعد اسبوع من حلولنا بالمكان كانت الساعة تشير الى الثامنة والنصف ليلا وكنت ادردش مع صاحب المحل امام بهو المنزل ..اطلّ سي رضا كعادته بلحيته اللينينية ..سالني صاحب المحل من هذا الذي اراه يتردد على منزلكم؟ قلت له انه اخي طالب جامعي ويقضّي معظم وقته مع زملائه الطلبة في المذاكرة خارج المنزل ..نظرت الى عينيّ الملاّك فلمحت عدم التصديق ..ناديت رضا وقلت له: “موش قلتلك كيف تجي للدار تجي بكري؟” …وطرطاااااااف نشحطو بداودي لا نودّك ولا نشهّيك ..

نظر اليّ رضا باستغراب ولم اتركه يقول نصف كلمة حتى لا ينفضح امرنا واضفت: “انا سيدك وانت يلزمك تسمع كلامي .. ادخل لبيتك اقلب وجهك من قًدّامي”… فهم رضا المقلب الذي ذهب ضحيّته وطأطأ راسه واستجاب لضروريات السيناريو وقال: الله بارك سيدي… وما ان ادار ملاّك المنزل ظهره ذاهبا الى منزله لست ادري أكان مقتنعا ام لا، حتى هاج رضا وماج وتوعدّني و بابشع الالفاظ واخمجها بأن يردّ الصاع صاعين…

لتلك السنة التي انتقلت فيها العائلة الى تونس العاصمة كانت سنة كارثيّة بالنسبة لاخي ..نفسانيا ودراسيا …بقي بصفاقس عند اختنا الكبرى ووجد نفسه بعيدا عن حنان الامّ ورعايتها كما وجد نفسه في طريق مفتوح لممارسة هواياته من كتابة ونشاط كشفي مما جعل اهتمامه بالدراسة منعدما تماما …كانت تلك السنة اخر سنة دراسية في حياته .. وانقطع عن التعليم ..بل والامرّ من ذلك اصبحت له شخصية نرجسية عنادية بشكل مرضي وكم هي مرهقة تلك النوعيّة ….كان يريد ان يثبت لنا وخاصة لي واحيانا بشكل عدواني انّ الدراسة ليست هي الطريق الوحيد للنجاح في الحياة …. وخاصة: “اش تحسايب روحك يا سي عبدالكريم ..؟؟؟ انجمو نكونو خير منّك”… اذكر ذات مرّة ذهبت لاستقباله في محطّة اللواجات بالعاصمة زائرا لنا ..يومها نزل من سيّارة الاجرة وما كاد يلمحني حتّى اخرج سيجارة ووضعها في فمه ..كان ينظر اليّ بنظرة متحدّية يمكن تلخيصها في (حتّى انا ولّيت راجل كيفك ..وكان عجبك زادة)… وهاهو يتقدّم اليّ مترقّبا ثورتي على صنيعه ..

وصل اليّ وجها لوجه عانقته وسلّمت عليه وردّ السلام بتحية هي الصقيع .. لم يكن يهمّه لا عناقي ولا سلامي .كان متحفّزا للمعركة وانا انهاه عن التدخين كأخ اكبر يُبيح لنفسه ما لا يُبيحه لغيره …هكذا كانت الاعراف في زمننا ..ابدا ان يُدخّن الابن امام ابيه .. ابدا ان يُدخّن الاخ الاصغر امام اخيه الذي يفوقه سنّا ابدا ان يُدخّن التلميذ امام استاذه …. هي اعراف كم احترمتها ومازلت ..بل واضحك احيانا من عديد ما يُسمّى بصحفين وهو صحفيو زمن الغلبة وهم يذكرون رئيس الدولة او الحكومة او الوزير باسمه (حاف)… يا والله جهل وتُخُلف… ان تُقدّم هذه الشخصيات باسم السيّد فلان ليس فيه اي نوع من التذلّل لأن الاحترام لم يكن يوما مرادفا للتّذلّل… هكذا تربّيت وهكذا سأبقى ورأسي مرفوع بكل شموخ… نعم تربيتي كانت مع من يكبرني سنّا تعني الاحترام والتقدير…

فالوالد رحمه الله مثلا لم اجرؤ يوما على التدخين امامه حتى وانا اصبح ابا لكرامة وكروان ..ولم افعل ذلك الاّ وهو يترجّاني ان ادخّن في حضرته ولا انزوي في غرفة لوحدي (يا وليدي توة نعرفك تتكيّف علاش تقعد كل مرّة تمشي لبيتك ..؟؟… العمر اش مازال فيه ..نحبّك وقت تجيني تقعد بحذايا نشبع بيك وتشبع بيّ)… وسي محمد رحمه الله لا يريد ان يّفوّت ايّة لحظة وانا بجانبه لاحكي له عن آخر اخبار السي اس اس ..هو مغرم لحدّ النخاع بالجمعية وهو مثل ولده تماما لا يطيق فريقا اسمه الترجّي ايّام شيبوب السوداء …قلت مثل ولده لأني انا من جعلته يعشق الكرة… بكلّ تفاصيلها فيّحب ذاك الفريق ويكره الفرق الشيطانية الاخرى …

وفي عالم السيجارة ايضا اتذكّر جيّدا انه ذات يوم وبعد ان انهيت برنامجي اذاعة بالالوان دعاني زميلي عون الاستقبال هاتفيا للقاء احد الاشخاص الذي ينتظرني ببهو الاستقبال الخارجي للاذاعة …ما ان تجاوزت الحاجز البلّوري لبهو الاذاعة حتّى لمحته ..انّه هو استاذي الفاضل في الاداب العربية سي محسن الحبيّب ..كانت السيجارة في فمي وانا التهم انفاسها الاولى ..ودون وعي منّي وجدتني ارميها تحت رجلي وادوسها ظنا منّي انّي اخفيت اثار الجريمة …وصلت وحتّى قبل ان اسلّم عليه غمرني بنصحه اللطيف والانيق قائلا: ” ايّا وقتاش ماشي ربّي يهديك ..؟؟ انت تعرف انّو انا كنت نرحي زوز باكوات في النهار ونتماطى الثالث … وانا نحّيتو …وانت وقتاش ..؟؟”… عمري انذاك كان فوق الخمسين ولكنّ اعرافي في التدخين جعلتني اخجل حتّى من النّظر اليه والاكتفاء بـ (ان شاء الله يا سي محسن) ..

واذا كان العزيز الرحيم يؤكّد انه يستجيب لمن يدعوه (ادعوني استجب لكم) فانّي اقرّ بانّي لم أُرد يوما انهاء علاقتي بالسيجارة … الله يستجيب لعبده كلّما دعاه وانا دعوته نعم حتى وانا اطوف بالكعبة في عمرتي سنة 2008 ولكن ولأني لا اشكّ في استجابة الخالق فانّي اعيد القول ان رغبتي في انهاء علاقتي بالدخان منعدمة تماما فكيف للربّ أن يستجيب لدعاء تقليدي لا ارادة فيه للفرد ..

عندما اقترب منّي اخي الحبيب وسيجارته في فمه كان يدعوني بشكل غير مباشر لمبارزة .. انها مرحلة اثبات الذات بما فيها من عنطزة وتحدّ لا حدود لهما .. ابتسمت واخرجت ولاّعتي من جيبي واشعلت له السيجارة …لم يفهم ما حدث ..بحلق فيّ وفي عينيه الف سؤال ..نظرت اليه وقلت (الكلّنا كيف كيف … راهو نبداو كيف ما انت توّة ..المهمّ ما تتكيفش برشة) … تلك اللقطة كانت منطلقا لعلافة متينة جدا مع اخي .._كبرت في عينيه… كان قبلها يتحاور مع امّي في شأن كلمة سيدي التي يناديني بها هو واختي الصغرى .. كان يريد ان يرمي بلفظة سيدي الى المزابل ..لماذا هذه سيدي ..؟؟ حتى حد لاهو سيدي … وكانت عيّادة تردّ (احشم نطلعلك بلحوحك لوكان تناديلو باسمو هاكة خوك الكبير ويلزمك تقدّرو وتقللو سيدي) ..وكان وهو يناديني بسيدي يغمغمها …حتى لا يُغضب امّي ويُرضي كبرياءه في آن واحد …

بعد حادثة سيجارو اللواج اصبح يناديني بسيدي بالفم والملا …وكم همست له ..يا حبيب ما تقلقش وقت نكونو وحدنا عيطلي بللي تحبّ اما قدّام امّك قولها هذي سيدي اش نعملولها خوذ بخاطرها …؟؟ الا اني احسست منذ تلك السيجارة التي اشعلتها له بأنه اسّس لعلاقة جيّدة جدا معي واصبح يستشيرني في ابسط امور حياته … امّا انا فكنت اقلق لحدّ الالم وانا افكّر في مستقبل حياته …هو ضعيف البنية (اعظم من همّي) اي لا يقدر على الاعمال اليدوية وهو ذو مستوى تعليمي محدود .. ثالثة ثانوي.. وهو كذلك لم يفهم يوما انّ الهواية (الانخراط في المنظمة الكشفية) تأتي بعد العمل … كان كلّ همّي ان احسّسه بأن العمر يمضي وهو ضايع فيها…

وحتّى عندما عرضت عليّ الوالدة التوسّط له للعمل بالاذاعة كعون رفضت ذلك لامرين ..اوّلهما قناعتي بأن ما انهك الاذاعة في تاريخها هو الوساطات ..العديد من موظّفيها كانوا وما زالوا يعتبرون الاذاعة رزق الوالد ..بل ويعتبرون ادماج ابنائهم واقربائهم حقا مشروعا حتى وان كانوا لا يصلحون وهم لا يصلحون فعلا لذلك الاختصاص لا طولا ولا عرضا ..وثانيهما كنت مؤمنا بانه حتى انتداب اخي كعون بالاذاعة سيورّطني لانّه غير منضبط في اوقاته (وكبّوس هذا على راس هذا)… لذلك الغيت هذه الفكرة من تفكير والديّ ..الا انّي في المقابل وبعد ان تمكّن وبمجهوداته الحصول على شغل قار ببلديّة صفاقس كعون لا يتجاوز مرتّبه المائة وخمسين دينارا، كنت اطرح على نفسي التساؤل المضني: كيف لأخي ان يبني اسرة ؟؟ المنزل ؟؟ الزواج …؟؟؟ الاطفال ؟؟؟ اليس من حقّه ان تكون له اسرة …؟؟ ووجدتها …

ابي لا يملك في الدنيا الا نصيبه في ذلك الحوش وقطعة ارض في الجنان المشترك مع اخوته والتي لا تتجاوز المرجع ..جئت يوما لسي محمد وعيادة وطرحت عليهما فكرة بيع قطعة الارض حتى اتمكّن ويتمكن اخي خاصّة من بناء او شراء ما يُسمّونه قبر الحياة (المنزل) …. استحسن الجميع الفكرة واشترط ابي بعد بيع قطعة الارض ان يمكّنني انا وحدي من المبلغ كلّه لانّه لا يثق في جديّة اخي عند حصوله على نصيبه ..واضافت عيّادة: والله يترتقهم ويفلّقهم في ليلة ونهار … واضاف سي محمد : وانا نعرفك ما تاكلش فلوس خوك… ابتسمت وقلت في نفسي (اه لو تدري) … تنفست الصعداء وطفقت ابحث عن مشتر لقطعة الارض ..

وبيعت قطعة الارض بثمن بخس للغاية ثمّ انزويت باخي واعلمته بمشروعي ..ايّا حبيب اسمعني ..انت راك كبرت ..ويلزمك تفكّر في مرا وعايلة وصغار …بوك باع الجنان ويلزمنا نشوفولك دار وبعد خمّملي في عروسة ..فرح الحبيب واجاب: فكرة وعلاش لا وحتى العروسة موجودة ..مسكت شاربه الظريف باطراف اصابعي وقلت: بتذاكر من ورانا والا ايه..؟؟؟ … وفعلا دخل المشروع حيّز التنفيذ ..اقتنى اخي منزلا متواضعا ورُسّمت العلاقة مع الفتاة التي اختارها وتزوّج ..كان نصيبه من ثمن قطعة الارض الثلثين (وصحّة وفرحة)… اما بقية نصيبي فلقد احتاجته اختي الكبرى عندما تعرّض ابناؤها لصعوبات مالية بعد وفاة زوجها …وكردّ جميل لزوج اختي رحمه الله وهو الذي رعاني طيلة سنواتي في الثانوي ماديا وادبيا، سلّمتها المبلغ كلّيا واسترجعته وكانّي لم استرجعه ..اي كل مرّة بالعشرة والعشرين والخمسين دينارا في احسن الظروف …

ولنننننننننننننننننننننن اندم ابدا على صنيعي وان عاد التاريخ عدت ..اذ كيف لعون بلدي يتقاضى 150 دينارا شهريا ان يضمن تكوين اسرة دون منزل ..كيف له ان يتزوّج حتّى …والحمد لله انه تزوّج وانجب …ورحل يوما ما ليترك غزالة وشبلا نجحا رغم كل الظروف الصعبة في تسلّق مدارج العلم جامعيا ..ثمّ كيف اترك اختا كبرى في ورطة مالية شائكة تهدّد ابناءها بالسجن وانا المدين لزوجها اولا بكل ما وصلت اليه في دراستي ..ثمّ هي اختي والاخت عندي اثمن من كل اموال الدنيا …نعم لم ارث شيئا من ابي ومن ثمن قطعة الارض … ولكن متى كان المال يعنيني يوما …

لست مليونيرا ولن اكون بل الافظع من ذلك انّي من الفصيلة التي يُقال على الواحد منها (منتّف) اي لا يكسب شيئا وينتظر كل 24 من كل شهر ليتنفس اسبوعا الصعداء …ثمّ يعود حليم (مذكّر حليمة) لتعبه القديم …ما اكتبه ليس شكوى ولن يكون … ليس تذمّرا ولن يكون … لأني في مقابل كلّ ذلك وانا ازور اطلال حوشنا القديم الذي يعجّ مدخله بالنباتات التي توحشت وطالت واصبحت تُعيق من يريد الولوج الى منتهاه ..ولكن ابدا ان تُعيقني .. وانا ازوره و باطلاله و نباتاته الوحشية وهي تستقبلني بقبلاتها اللاذعة احيانا بفعل الحُرّيقة … هنالك يكمن جزء كبير من اوكسيجيني في محطّة متقدّمة من قطار العمر .. علّمتني تلك الاطلال وعلّمتني الحياة انّ الاماكن هي التي ترسم هويتنا …علمتني الحياة ان الجذور مهما علت اغصانها، تبقى هي الثبات وهي الاُسّ الاقوى ..علّمتني الحياة انّ الواحد منّا قد يكون مّعوزا مادّيا ولكنّ العوز الحقيقي والمؤلم عندي ان تكون ميليارديرا ويكون بداخلك فراغ في فراغ ..

علمتني الحياة انّه قد يضحك عليك البعض وعلى قناعاتك ..وقد يغضب منك البعض ومن قناعاتك ولكن الاهمّ ان لا تضحك على نفسك وان تكون منسجما معها حتى وانت تتمرّغ على الحشائش الوحشية في زمن الوحوش ..انذاك فقط تصبح تلك الحشائش اشهى من اي غازون وتصبح تلك الاطلال ارقى من كل قصور الدنيا … قد تقسو علينا الحياة قد نُضيع توازننا قد نعُوف احيانا انفسنا قبل حتّى الاخرين … ولكن علّمتني الحياة ايضا انّ الاقدار هي الاقدار وانّه علينا رغم كلّ شيئ ورغم كل ما نبذله من جهود ورغم كل ما نتوهّم في قدرتنا على التحكّم… ان نؤمن بأننا نبقى محدودي الجهد والقدرة امام الاقدار …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة

نشرت

في

محمد الزمزاري:

بعد هدوء نسبي دام بضع سنوات، تحركت مؤخرا طوابير الإرهابيين بمختلف انواعهم ومشاربهم… وليس من الصدف ان يتحرك معهم في وقت واحد مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

لعل المحلل اليوم لا يفرق بين جبهة النصرة الإرهابية وبين معارضة تقودها جهات لا تقل خطورة عن الإرهابيين… فبعض فصائل الإرهابيين يقودها النظام التركي لا سيما في أطراف مدينة حماه…وهناك فصائل مدعومة ومسلحة ومدربة على يد الجيش الأمريكي الذي يقبع على جزء من خارطة سوريا تحت ذريعة كرة لهب هو من أججها ودفع بها إلى اتون الحرب بسوريا… للروس والإيرانيين أيضا موضع أقدام على الجسم السوري…

كذلك عدد من العصابات ترتع تحت إمرة الموساد الصهيوني الذي يضرب على ثلاث جبهات متماسكة ومتوازية: الإرهابيين عن طريق دعمهم بالتعاون مع الامريكان من جهة، والأكراد الذين يحاولون الوقوف في وجه الإرهابيين وكسب انفصال لاقليم قادم تقوده الجهات الصهيونية والأمريكية بالاسلحة والدعم اللوجستي و الاعلامي… أما الجزء الأهم في مخطط الكيان الصهيوني فهو مواصلة تركيع الدولة السورية وضرب مسالك تحالفها مع إيران لقطع طريق إمداد الأسلحة (التي تتوجس منها اسرائيل) نحو حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الكامنة أيضا بلبنان…

ليس غريبا ان تشتعل نار المواجهات ضد الشعب السوري في هذه الفترة التي قد تحقق هدوءا محتملا في إطار اتفاق مخترق يوميا من الكيان الصهيوني …وراء كل فصيل جهته الداعمة ولكل جهة أهدافها الإرهابية التي لاتقل عن فظائع الإرهاب الذي عرفته افغانستان… فتركيا بذريعة مقاومة الأكراد تنهش في التراب السوري، واسرائيل تمارس نازيتها واحلام توسعها مستغلة مشاكل سوريا الداخلية… والامريكان رابضون على الأرض بقواعدهم واسلحتهمم لحماية ارهاب صنعوه… والروس و الايرانيون يبغون افتكاك موطىء قدم لحماية مصالحهم الاستراتيجية ودعم النظام السوري مقابل ذلك.

وليس صدفة أيضا أن تتصاعد الأحداث فجأة بهذه الكثافة بعد ضرب ذراعين من أذرعة “محور الممانعة” والمتمثلين في المقاومة الفلسطينية أولا عبر تدمير شيه شامل لغزة في اتجاه إعادة استيطانها … وثانيا المقاومة اللبنانية في اتجاه احتلال الجنوب وفرض وشيك للتطبيع على الحكومة اللبنانية… وها أن المرحلة الثالثة من المخطط تتجه نحو دمشق كآخر القلاع العربية الرسمية المتمنّعة على برنامج الشرق الأوسط الجديد… وكآخر خيمة يتظلل بها المقاومون المطلوبة رؤوسهم من التحالف الإمبريالي الصهيوني…

ولكن هذه المرة لم يكن ذلك بوسائل جيش الكيان المباشرة، بل بخلايا الإرهابيين النائمة منذ 2011 والملتحفة باطلا بلحاف الدين أو الحرية أو الديمقراطية وغير ذلك من الشعارات… ولو أن طيران العدوّ ما انفك يعتدي على المدن السورية طيلة هذه السنوات، وخاصة في الأشهر الأخيرة… كما أن أدلة عديدة أثبتت تواطؤ الجماعات المتأسلمة مع الكيان الغاصب، ليس أقلها التكفل بعلاج جرحاها داخل المستشفيات الإسرائيلية طوال عملياتها الإجرامية هذه السنوات، في كل من سوريا والعراق الشقيقين…

إن انفجار بؤر الإرهاب مجددا وتحقيق بعض المكتسبات الميدانية بمدينة حلب التي تعد ثاني اهم مدينة سورية واول مدينة اقتصادية تتصارع لاحتلالها كل القوى… من معارضة عميلة لتركيا او فصائل إرهابية ستدور فيها او حولها اهم المواجهات… ولن تكون الا بسحق فلول العملاء والإرهابيين المستثمرين في أوجاع الشعب السوري الذي أصبح مستهدفا من الأشقاء والأعداء مجتمعين او مفترقين…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 93

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

علاقتي زمنيا بالتلفزة كمخرج لم تمنعني من حضوري اذاعيا امام المصدح العشق … وللعشق احكام لا تخضع لمنطق العقل… هذا يعني اني واصلت علاقتي بالمصدح العشق… وهو ما احدث اشكالا اداريا في كيفية التعامل ماديا في هذه الحالة…

عبد الكريم قطاطة

دعوني افسّر لكم كيف تتم معاملة الموظف في الاذاعة والتلفزيون… ايّ موظف وكسائر الموظفين وفي ايّ قطاع… له راتب شهري يتناسب وشهائده العلمية ..مع اضافة بعض المنح كمنحة الانتاج لكل الموظفين ومنحة المسؤولية لكلّ من تقلّد مسؤولية ما… لكن وفي صورة قيام الموظف بمهام اخرى خارج اختصاصه تتعامل المؤسسة بمنظومة عقود انتاج… مثلا عندما يكون الموظف مخرجا كحالتي او مهندس او او او ويقوم بانتاج برنامج ما، يصبح من حقه الحصول على عقد انتاج مكافأة على انتاجه… بالنسبة لي وعندما كنت اقوم بعملي الوظيفي كمخرج كنت وبشكل مواز اقوم بانتاج وتنشيط بعض البرامج الاذاعية كمواعيد ومساء السبت واصدقاء الليل…

عندما طالبت ادارة اذاعة صفاقس بتفعيل قانون عقود الانتاج… انذاك كان مدير اذاعة صفاقس المرحوم النوري العفاس وكان وللامانة مقتنعا بحقوقي وبحقوق بعض الزملاء امثالي… خاصة انّ الزملاء في الاذاعة الوطنية كنجيب الخطاب وصالح جغام رحمهما الله كانا يتمتعان بعقود انتاج… ووعدني السيد النوري العفاس بمراسلة الادارة العامة لتمكيننا من حقوقنا… فقط طلب منّي (شوية وقت) حتى يُنهي الامر… وفعلا كان الامر كذلك ..لكنّ (هالشوية بطا) … وبرشة زادة… وقتها عاد عبدالكريم المشوم خرج من القمقم متاعو… اعلنت التمرّد وهمست لاخرين للتمرّد معي (عبدالجليل بن عبد الله وكمال بوخضير)… وقرر ثلاثتنا الانسحاب من برامجنا الاذاعية…

وطبعا الصحف وكعادتها تهتم جدا بمثل هذه الاخبار… بعضهم بتعاطف صادق معنا واغلبهم تلك الاخبار وحسب تعبيرهم (تبيع) اي تجد قراء لشراء صحفهم .. حيث كتبت “الصدى” انذاك والبنط العريض (لهذه الاسباب توقف برنامج اصدقاء الليل) في 19 ـ 2 ـ 91 … وفي نفس الجريدة وبتاريخ 5 ـ 3 ـ 91 مقال بعنوان (ويتواصل الانسحاب)… وفي “الصباح” مقال بعنوان (متى يعود منشطو اذاعة صفاقس؟) 16 _ 3 _ 91 … وفي جريدة الصدى مقال بعنوان (انسحاب بسبب العقود) 30 ـ 7 ـ 91 … لكنني في المقابل تطوعت مع زميلي عبدالجليل وثلة من براعم مجموعة شمس لاعداد وتنشيط عيد ميلاد اذاعة صفاقس في الذكرى الثلاثين لتاسيسها 8 ديسمبر 1991 وعلى امتداد 14 ساعة ..نعم … على خاطر عين تتذارى ميات عين ..

ومما زاد الطين بلّة انه ورغم توقفي عن الانتاج وكما جرت العادة في جريدة البيان في استفتائها السنوى عن دنيا الاعلام، يحوز هاكة المشاغب اللي هو انا على جائزة افضل منشط …البيان 30 _ 12 _ 91… ونفس النتائج بجريدة الصحافة 31 ، 12 ـ 91 … ونفس النتائج بجريدة الصباح 15 ـ 1 ـ 92… وتواصل الامر على حاله دون حلحلة لمشكلة عقود الانتاج حتى شهر جوان 92… حيث كتبت الصدى مقالا بشكل استفهامي و بعنوان (عبدالكريم قطاطة يغتزل العمل الاذاعي؟) الصدى 20 ـ 6 ـ 92 … وكما عادة المسؤولين الاوائل على راس مؤسسة الاذاعة والتلفزة، يقلقون جدا من الاخبار السيئة التي تتناول المؤسسة، فكان التدخل من رئيسها انذاك السيد عبدالحفيظ الهرقام ..دعاني للحضور بمكتبه في المؤسسة الام ..وفعلا كان اللقاء معه ..

استقبلني بكثير من الجدية واللوم ايضا ..وكان مختصرا جدا في بداية لقائه معي ويمكن اختزال ما قال: (اما كان من الاجدر ان تكلمني في الاشكال عوض اللجوء الى الصحف والجرائد؟)… استاذنته في طرح المشكل بكلّ حيثياته واذن لي بالحديث ..كان مستمعا جيّدا للغاية ..حدثته عن كل مشاكل الاذاعة الجهوية وعن مشاكل عقود الانتاج طبعا ..اندهش جدا من الامر ووعدني بحلّ الاشكال وبالسرعة القصوى… ورجاني في خاتمة اللقاء بان يكون ما حدث في حواري معه داخلا في خانة الكتمان… ووعدني بزيارة في اقرب الاجال للاطلاع عن كثب عما تعيشه اذاعتنا الجهوية من مشاكل ومشاغل ..ووفى الحرّ بما وعد ..سبتمبر 93 …

وان انسى شيئا فلن انسى اني فوجئت صباح ذات يوم بالزميل المكلف بالاستقبال، يعلمني انّ الرئيس المدير العام حلّ باذاعة صفاقس هذا الصباح وانّه مجتمع بالموظفين والاطارات باستوديو التلفزة ..وماكدت الج باب الاستوديو حتى لمحني السيد عبدالحفيظ الهرقام وجاء لاستقبالي ..اخجلني فعلا بتلك الحركة والتي كانت مقصودة منه للتعبير عن تقديره لي والتعاطف معي ..وكان العديد من الاطارات تحت صدمة… وبّهت الذي كفر _ والبعض منهم كان يتساءل في داخله (تي اشنوة هالمخلوق ؟ يخخي عندو سبعة ارواح ؟؟ كل مرة يخرج مظفّرا من مشاكله التي لا تنتهي) ..

اختم بالقول شكرا سي عبدالحفيظ على الدعم وعلى الفعل خاصة لانه فعّل قانون عقود الانتاج… ولانه خاصة قام بتحويرات في المسؤوليات والمسؤولين والله شاهد انه ليس من اجل سواد عينيّ بل من اجل مصلحة المؤسسة .. وحتى مجلّة الاذاعة التي تتبع في خط تحريرها للمؤسسة، بادرت بنشر مقال عن عودتي للتنشيط الاذاعي 24 ـ 6 ـ 93… وكان بعنوان (بعد سنة من التأمل سيعود عبدالكريم قطاطة لجمهور المستمعين) ..سنة تامّلا يا كاتب المقال ؟؟ اتفهّم جدا العنوان… الم اقل لكم انّ المجلّة تخضع لخط تحرير المؤسسة ..؟؟

للتاريخ بدات افكّر في مشروع برنامج يحمل اسم اذاعة بالالوان حت ىكُتب له ان يخرج للنور ويكون اخر برنامج انتجته ونشطته في اذاعة صفافس …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 92

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …

عبد الكريم قطاطة

حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…

العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…

وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….

نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …

ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….

تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …

قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …

التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …

تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار