جور نار
ورقات يتيم … الورقة 87
نشرت
قبل شهرينفي
عبد الكريم قطاطة:
قبل ان اودّع فترة نهاية الثمانينات واشرع في تدوين ما عشته وعايشته في التسعينات، لابدّ من العودة الى مهمتين كُلفت بهما في الصحافة المكتوبة، ومع جريدة الاعلان بالتحديد، وتتمثلان في تغطية حدثين في بلدين شقيقين (ليبيا ومصر) كان ذلك سنة 1988 …
في ليبيا كان الحدث سياسيا بامتياز… العقيد معمّر القذافي رحمه الله قرّر في تلك السنة القيام بلقاء فكري مع الصحفيين غير المنتمين للصحافة الحكومية في الوطن العربي… والنظام الليبي هو المتكفّل بمصاريف تنقلهم وايوائهم في طرابلس ..وكنت انا موفد جريدة الاعلان صحبة زميل من جريدة البيان رغم انها شبه حكومية، واخر من جريدة الشروق … هنالك قضينا اسبوعا كاملا حيث حضرنا عديد الندوات الفكرية الخاصة بالحدث كل صباح… بينما خصصنا بقية النهار لمحاولة معرفة طبائع وسلوكيات الشعب الليبي الشقيق واختتمت الايام بلقاء صحفي مع العقيد …
انطباعات عديدة ارتسمت في ذهني بعد قضاء ذلك الاسبوع لعلّ اوّلها طيبة الشعب الليبي وحسن ضيافته وكرمه ..كنت انهض كلّ صباح لاجد عشرات باقات الورود والهدايا مهداة من مستمعيّ الاعزاء الذين علموا بوجودي في طرابلس …بل إن بعضهم انتقل الى الفندق لملاقاتي واخرين اصرّوا على دعوتي لمنزلهم (شكرا عائلة حشاد) ولكم ان تتصوروا الولائم والخرفان التي ذبحت ..الليبي الشقيق فيه كثير من خصال البداوة الأصيلة … وحتى عندما عدت الى تونس وتقدمت الى مصالح الديوانة لمعاينة ما لي وما عليّ حمدت الله ان جاءني صوت من بعيد مهلّلا “اهلا بكريّم” ..انه صديق عرفته في مبيت ميتوالفيل عندما كان طالبا وهاهو اطار عال في الديوانة ..وصل وكان العناق وحديث الذكريات ثم نظر الى الاعوان وقال لهم يخخي ما تعرفوش واحد اسمو عبدالكريم قطاطة في اذاعة صفاقس ؟؟ نظر الاعوان اليّ وكان سلاما من نوع اخر ..ولم يفتح ايّ واحد منهم حقائبي وحسنا فعلوا ..لم اكن مهرّبا لايّ شيء خارج عن منطق القانون ولكن عندما وصلت الى منزلي وفتحت الهدايا وجدت وفي العديد منها سلاسل واقراط وخواتم ذهبية ..يا فضيحتك يا عبدالكريم لو لم يات ولد بوشناق …اعني الاطار العالي في الجمارك ..وهنا اقسم لكم بشرفي اني لم افتح ايّ صندوق من الهدايا قبل الوصول الى منزلي …
الملاحظة الثانية التي سجلتها وصدقا بكلّ سعادة وفخر انّ الاذاعة المسموعة والمحبوبة رقم واحد من اخوتنا في طرابلس هي اذاعة صفاقس… بل هم يعتبرونها اذاعتهم ويسردون عليك وانت تحادثهم تفاصيل عنها ربما انت لا تعرفها … الملاحظة الثالثة وهي التي ادهشتني وارعبتني ايضا .. التقيت صدفة ذات يوم مع مجموعة من الشباب بعضهم لم يتجاوز عمره السابعة عشر ..المكان كان مقفرا الا من بعض المارة كانوا يحملون اسلحة خفيفة تحت ملابسهم… امرنا احدهم بالتوقف فامتثلنا… طلب منا هويتنا فامتثلنا وفجاة تهللت اساريره وهو يقول: الاخوة من تونس… (اي نعم) اجبنا ونحن لم نتوصل بعد الى اكتشاف هويتهم .. سألنا رئيسهم ..تحبوا ويسكي تحبوا زطلة ؟؟ شكرناه وعبرنا عن عدم رغبتنا في ايّ شيء ..ودون ايّ ازعاج تركونا في سبيل حالنا .. عندما سالت احد الاصدقاء التونسيين عمن هؤلاء ..اجابني (تسمع باللجان الشعبية ؟ هذوكا هوما) ..
لكن آتي الان الى اهم حدث واخطر حدث وقع لي في تلك الزيارة الى ليبيا… جاءنا احد المسؤولين في دائرة النظام الليبي لمقرّ اقامتنا وهو واحد من افخم النزل في طرابلس ان لم يكن افخمها… جاءنا ليذكرنا بموعد الندوة الصحفية في الغد يوم الاختتام مع العقيد، وبوجوب مدّه بثلاثة اسئلة مخوّل لنا طرحها غدا على العقيد حتى يراجعها الليلة ويدرسها قبل الاجابة عنها… لم نندهش من هذا الامر لانّه معمول به وفي عديد الدول .. سلمه كل واحد منا اسئلته الثلاثة وفي الغد كنا في الموعد للقاء القذافي… عندما ذكر اسمي اعاد طرح سؤالي على الجميع والذي كان: (حضرة العقيد وانت المعروف بحسك القومي والذي يتوق لوحدة عربية شاملة… الا ترون انّ الخطوة الاولى لتحقيق هذا الحلم يمكن ان تكون بوحدة اقتصادية بين مختلف الدول العربية، تليها خطوات اخرى تصبّ في الوحدة العربية الشاملة ؟؟)
نظر اليّ مليّا الاخ العقيد وقالي لي شوف يا اخ قطاطة انت تحدثت عن الدول العربية مافيش دول عربية فيه فقط ليبيا وشوية فلسطين والبقية (بقر)!!… اي نعم… هذا يعني انّي الان اصبحت كتونسي في نظر القذافي ثورا من قطيع البقر …لم ادعه يواصل قراءة السؤالين اللذين تبقّيا فقلت له شكرا يا سيادة العقيد اجابتك ضافية وشافية ولا ارى داعيا للاجابة عن السؤالين الآخرين .. نظر اليّ وطفّشني وراح الى صحفيين آخرين واسئلة اخرى .. للامانة لم استطع قراءة نظرته ولم يتملكني ايّ شعور بالخوف وقتها لكن كنت احسّ بمغص شديد وباهانة لي وخاصة لشعبي … وليلتها لم استطع النوم ..لاني وفي تلك الاجواء ومع ما نعرفه عن العقيد وعن ردود فعله لم استطع فعل ايّ شيء… انه الصمت القاهر وكم هو موجع ذلك الصمت القاهر ..
في الغد اعددت حقائبي استعدادا للتنقل الى المطار والعودة الى تونس ..وقفت امام مصالح النزل الادارية لاسلّم مفاتيح غرفتي ولاتسلّم جواز سفري …وماهي هنيهة حتى تقدّم مني موظف الاستقبال ليقدم لي (فاتورة) … فاتورة ؟ اي نعم فاتورة ..اخذتها منه متفحصا وبكل استغراب خاصة وانا الذي لم يتناول اي شيء باستثناء غذائي . وبعبارة أوضح: في النزل ما فماش اكسترا … وجدت فاتورة لكانّي من النازلين في الفندق على حسابي الخاص بينما انا كنت ضيفا اقامة وتنقلا على النظام الليبي … مالذي حدث ؟؟ اتصلت بصديق تونسي مقيم في طرابلس واعلمته بالامر قال كم المبلغ ؟ قلت له بضعة ملايين ..قال لي لا تناقش وسآتيك بالمبلغ .. شكرا حبيب … صديقي هذا يعرفني جيدا وهو في الاصل احد مستمعيّ ويعرفني عنيدا في حقوقي فخاف عليّ منهم ومما قد اتجرّأ على قوله تجاههم او تجاه النظام ..
قلت لصديقي انا في انتظارك فاعاد القول (خويا عبدالكريم نعاود نقلك بجاه ربي لا تقوللهم حتى كلمة)… طمانته ثمّ ذهبت الى الموظف في الاستقبال وقلت لهم اوكي سادفع المبلغ… ولكن وباعتباري اتعامل مع جريدة عليّ انا ايضا ان امدّها بفاتورة فيها كلّ مصاريفي في النزل اثناء اقامتي بليبيا حتى استرجع ما سادفعه لكم ..وبُهت الذي كفر ..تعرفوها (داخلة خارجة داخلة خارجة متاع عادل امام ؟) هاكي هي… أهم دخلو آهم خرجو ..قول عشرات المرات ..وفي الاخير جاءني موظّف كبير في النزل واعاد لي جواز سفري معتذرا عما حدث.. وهات من هاكي العبارات متاع وقع سوء تفاهم .. وانت قدرك عزيز .. واللي قاموا بالعملية متاع الفاتورة ما يعرفوكش ..بينما كنت اتحادث معهم يوميا و العديد منهم من مستمعيّ ايضا … قالك ما يعرفونيش !…
تحولت بعدها الى المطار ووجدت فريقا تلفزيا (ليبيّا) في انتظارنا لاخذ بعض الانطباعات حول ايامنا في ليبيا وحول اللقاء الفكري مع العقيد ..وطبعا راس الهم دادة عيشة .. ايّا نبداو بيك يا اخ عبدالكريم ..انت عندك مستمعين يحبوك هلبة ويسعدهم يسمعوك .. وضعت يدي امام الكاميرا وقلت لهم هذه المرة وبكلّ حزم ..انا اعتذر جدا ..ليس لي الحقّ بادلاء ايّ تصريح لايّة وسيلة اعلامية الا بموافقة جريدتي .. شكرا لكم وتحياتي الى كلّ مستمعيّ الاعزاء .. ويكسّر ساقين اللي ما يجريش ..حملت حقيبتي اليدوية واتجهت الى طائرتي التي ستقلّني الى تونس .. للامانة ومنذ ان اقلعت الطائرة عشت قلقا يتزايد كلّ مرة تمرّ فيها الطائرة بمنخفض جويّ ..نعم كنت اتوقع كلّ شيء بعد كلّ الذي حدث ..واوّل ما قمت به عند نزولي في مدرج مطار قرطاج سجدت حمدا لله وقبلت الارض التونسية ..
هنا لابدّ من الاشارة الى انّ كلّ ما حدث وحتى اكون شفافا ونزيها وصادقا لم يمسّ ولو شعرة من اهاليّ في ليبيا .. بل وهم يعرفون لحدّ الان مدى الروابط المتينة التي ربطتني بمستمعيّ في ايّ شبر من التراب الليبي ..
المهمة الصحفية الثانية التي كُلفت بها ومن جريدة الاعلان ايضا كانت هذه المرة ببلد الفراعنة .. بلد نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد .. بلد الستّ والعندليب … بلد يوسف شاهين وصلاح ابو سيف . بلد سيدة الشاشة فاتن حمامة والكبير عمر الشريف… بلد ليالي الحلمية ورافت الهجان… بلد الفوازير وخاصة نيللي ..تتذكروها نيللي اكيد ..؟… تتذكروا كلمتها (شطّبنا) في نهاية الحلقة … استعيرها منها لانهاء هذه الورقة اذن شطّبنا …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
جور نار
نحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…
نشرت
قبل يومينفي
18 يناير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashمحمد الأطرش:
اليوم هو ذكرى شرارة الثورة الوطنية الحقّ… الثورة التي أهدتنا الاستقلال: ثورة الثامن عشر من جانفي 1952…
تلك الثورة التي نسيناها في زحمة موجة الحقد والكراهية التي طغت على أغلب سكان هذا البلد وجعلتهم يبحثون عن مسح كل ما صنعه أجدادنا وأهلنا من أجلنا… لا أحد يمكنه أن ينكر على من قدموا أنفسهم فداء للوطن لنعيش بعدهم أحرارا في وطننا، تضحياتهم ووطنيتهم… أقول لا أحد يمكنه أن ينكر على آبائنا وأجدادنا ما فعلوه من اجل هذا الشعب، وحده الحاقد على كل شيء قديم والذي يرى أن كل شيء دونه لا شيء… ينكر ذلك ويرفض الاعتراف به… لذلك علينا أن نشكر كل جيل وكل عهد ومرحلة عاشها شعب هذه البلاد فلكل مرحلة دروسها ولكل مرحلة فشلها ونجاحاتها وزلاتها وذكراها وبانيها وصانعها وظالمها ومظلومها وسجانها وجلادها ومستبدها وعادلها وفاسدها وحاميها و”حراميها”…
علينا جميعا نحن من لا نزال نذكر ما عاشته هذه البلاد أن نراجع أنفسنا… ونراجع بعض احكامنا… وأقوالنا وشهاداتنا… فلسنا من الملائكة ولا أحد منّا معصوم من الخطأ… فجميعنا أخطأ في حق جميعنا أو بعضنا… وجميعنا ظلم بعضنا أو بعض بعضنا… وجميعنا استبد على الآخر… وجميعنا سرق عرق ومجهود الآخر… وجميعنا رفض الحقّ للآخر… وجميعنا رفض الآخر وأقصى بعض الآخر… وعلينا اليوم قبل ان نغرق في موروث صنعناه بأحقادنا وسنتركه فتنة غدا لأبنائنا، أن نقتنع أن المراجعات والاعتراف بالخطأ ليست ضعفا ولا يمكن اعتبارها هزيمة بل هي في خلاصة القول عودة إلى العقل… وصحوة ضمير… فجميعنا شئنا أم أبينا أخطأنا من بورقيبة ورفاقه، وصولا إلى لحظتنا هذه من ساعتنا هذه من يومنا هذا من شهرنا هذا من عامنا هذا… لا احد معصوم من الخطأ ولا أحد كتب اسمه في قائمة الملائكة ولا أحد يمكنه أن يفاخر بأنه أجدر واقدر واشرف من غيره…
أربعة عشر سنة مرّت منذ أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك خالها بعضنا ورودا من ربيع سيُنْسي العرب كل العرب صيفهم الحار وشتاءهم القارس وخريفهم الذي تساقطت فيه كل أوراق اشجارهم… نعم أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك جرحت أيادينا حين احتضنّاها فرحا وطعنتنا بخناجر أشواكها من قرطاج إلى دمشق مرورا بطرابلس والقاهرة وصنعاء حين ائتمنّاها على أنفسنا ومصيرنا ومستقبل أبنائنا… باقة أشواك خلناها فرحا فأوجعتنا وأيقظت قابيل الذي يسكننا وأبكت مرّة أخرى هابيل الذي لا يزال بعضنا يلاحقه ليقتله مرّة ومرّات… ومنذ ذلك اليوم ونحن نقرأ الدرس تلو الآخر… ونعيش الوجع تلو الوجع…
بعضهم قرأ الدرس جيدا… وبعضنا يرفض ولا يريد ان يقرأ عمق الأشياء وخلاصة الدرس ومعانيه… وبعضنا قفز على اللحظة وخرج علينا فاتحا شاهرا سيفه صارخا مولولا “أنا ربكم الأعلى ودوني أنتم الأخسرون”… وإلى يومنا هذا يواصل بعضنا ايهامنا أنهم أقدر ممن سبقهم… وأنهم أشرف ممن حكم قبلهم… وانهم أجدر ممن ينافسهم…وأن الجميع أهل فساد وأنهم “الواحد الأحد” الذي لا يمكن ان يضاهيه احد ولا أن ينافسه احد… هكذا نحن… وهكذا غرقنا في بئر تعنتنا ورفضنا لبعضنا البعض… وعدم اعترافنا بأننا لسنا من الملائكة وأن خصومنا ومنافسينا والآخر ليسوا أعداء لنا وليسوا حتما من الشياطين…
لذلك أقول إنه حان الوقت لنعلن على الملأ وامام الجميع وعلى مسمعهم جميعا أن هذه المرحلة تتطلب منّا جميعا واعي ما أقول جميعا، ولا استثني أحدا… أقول وأكرّر، تتطلّب منّا مراجعة كاملة لما عشناه وما أخطأنا فيها وما فعلناه… علينا ان نعترف جميعا بما اتيناه من خير… ونعترف جميعا بما فعلناه من سوء… فمن نحن حتى لا نقول أننا أخطأنا في أمر ما؟… أخطأنا في قراءة الدرس… وفي قراءة التاريخ… اخطأنا في حق بعضنا البعض… اخطأنا في تاريخ البعض… أخطأنا في حكم البلاد…
من نحن حتى لا نعترف بأننا ظلمنا… وبأننا أقصينا بعضنا البعض… وأننا رفضنا الآخر وبعض الآخر… من نحن حتى لا نقول ونعترف بأن ما اتيناه يمكن اعتباره استبدادا… وظلما… وانتقاما… علينا ان نترك “الجبن” جانبا… فمن الشجاعة أن نراجع ما أخطأنا فيه… ومن الشجاعة أن نعترف بحق البعض علينا… ونعترف باننا أسأنا قراءة التاريخ وما يعنيه… والأحداث وما تستدعيه… ومن حقّ الوطن علينا، والشعب والأجيال القادمة أن نراجع بعض ما أخطأنا فيه … وما اسأنا فيه… كما وجب أيضا أن نفاخر بما نجحنا فيه… وما تميزنا فيه… وما يمكن ان نكبر به…
لذلك وأكثر من ذلك علينا ولأول مرّة شكر هذه المرحلة من يوم تلقينا باقة أشواك العمّ سام التي طعنتنا من قرطاج إلى دمشق… إلى يومنا هذا وجراحنا تنزف حقدا وكراهية وسوء تسيير وضعف تدبير… فأنا اليوم اقولها عاليا شكرا للعمّ سام فلولاه لما عرفنا حجمنا الحقيقي ولما عرفنا حجم العملاء والخونة في هذه الأمة… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما كشفنا وجوهنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض… فجميعنا طعن جميعنا وجميعنا ظلم جميعنا وجميعنا يحقد على جميعنا وجميعنا يحسد جميعنا وجميعنا يتآمر على جميعنا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أن بعض هذا الشعب مريض ولا يحتاج إلى أسباب ليحقد ويكره بعضه الآخر…
شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا حجم الفساد الذي يعيشه العرب من المحيط إلى الخليج مرورا بالخاصرة وأفخاذ العرب ومؤخرتهم ايضا… شكرا للعمّ سام ولباقة اشواكه التي أيقظتنا من سباتنا فعرفنا من الظالم ومن المظلوم… من الوطني ومن الخائن… من المستبد ومن العادل والديمقراطي… شكرا للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاه لما عرفنا أن العرب كل العرب يبدعون في صناعة جلاديهم ويعشقون الضرب على قفاهم… شكر للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاها لما عرفنا أن بعضنا لا يمكن ان يعترف بك ويحبك ولا يقبل بك أبدا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أننا شعوب أصابها الجهل في مقتل… واننا شعوب تفكّر بنصفها الأسفل… وأننا أشدّاء على بعضنا رحماء على الآخرين…
أخيرا أقول… شكرا للعمّ سام وعائلته وأصهاره ومن يخدمونه من الخونة والعملاء وباعة الأوطان… فلولا باقة أشواكه لما أيقنت أن الحقّ وإن طال سباته لا بدّ أن يستيقظ يوما على أنين حَمَلَتهِ، وأنّ الإنسان مهما عاش على ظهر الأرض فمصيره في بطنها… وكفاك حقدا وكرها وقتلا يا قابيل … فنحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…
عبد الكريم قطاطة:
في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …
منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …
وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:
وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …
وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟
سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..
سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…
اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…
صفاقس في 20 نوفمبر 2001
ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…
ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…
هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..
وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…
وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…
إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.
انطلاق أيام قرطاج الموسيقية
بني مطير: الدورة الثانية لـ”المهرجان الدولي للفوتوغرافيا والطبيعة”
مصادر عبرية: جيش الاحتلال “منهك”… وفي حاجة إلى استعادة الأنفاس!
الحرب على أشدّها في أوكرانيا… حرائق في مصانع روسية، وقتلى وجرحى في كييف
بموجب الهدنة… تحرير 737 أسيرا فلسطينيا من سجون الاحتلال
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 16 ساعة
انطلاق أيام قرطاج الموسيقية
- ثقافياقبل يومين
بني مطير: الدورة الثانية لـ”المهرجان الدولي للفوتوغرافيا والطبيعة”
- صن نارقبل يومين
مصادر عبرية: جيش الاحتلال “منهك”… وفي حاجة إلى استعادة الأنفاس!
- صن نارقبل يومين
الحرب على أشدّها في أوكرانيا… حرائق في مصانع روسية، وقتلى وجرحى في كييف
- صن نارقبل يومين
بموجب الهدنة… تحرير 737 أسيرا فلسطينيا من سجون الاحتلال
- صن نارقبل يومين
غدا صباحا… انتهاء الحرب في غزة
- اجتماعياقبل يومين
العدالة الاجتماعية النسوية، في مائدة مستديرة
- جور نارقبل يومين
نحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…