جور نار
ورقات يتيم … الورقة 89
نشرت
قبل أسبوعينفي
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
بعد هدوء نسبي دام بضع سنوات، تحركت مؤخرا طوابير الإرهابيين بمختلف انواعهم ومشاربهم… وليس من الصدف ان يتحرك معهم في وقت واحد مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية…
لعل المحلل اليوم لا يفرق بين جبهة النصرة الإرهابية وبين معارضة تقودها جهات لا تقل خطورة عن الإرهابيين… فبعض فصائل الإرهابيين يقودها النظام التركي لا سيما في أطراف مدينة حماه…وهناك فصائل مدعومة ومسلحة ومدربة على يد الجيش الأمريكي الذي يقبع على جزء من خارطة سوريا تحت ذريعة كرة لهب هو من أججها ودفع بها إلى اتون الحرب بسوريا… للروس والإيرانيين أيضا موضع أقدام على الجسم السوري…
كذلك عدد من العصابات ترتع تحت إمرة الموساد الصهيوني الذي يضرب على ثلاث جبهات متماسكة ومتوازية: الإرهابيين عن طريق دعمهم بالتعاون مع الامريكان من جهة، والأكراد الذين يحاولون الوقوف في وجه الإرهابيين وكسب انفصال لاقليم قادم تقوده الجهات الصهيونية والأمريكية بالاسلحة والدعم اللوجستي و الاعلامي… أما الجزء الأهم في مخطط الكيان الصهيوني فهو مواصلة تركيع الدولة السورية وضرب مسالك تحالفها مع إيران لقطع طريق إمداد الأسلحة (التي تتوجس منها اسرائيل) نحو حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الكامنة أيضا بلبنان…
ليس غريبا ان تشتعل نار المواجهات ضد الشعب السوري في هذه الفترة التي قد تحقق هدوءا محتملا في إطار اتفاق مخترق يوميا من الكيان الصهيوني …وراء كل فصيل جهته الداعمة ولكل جهة أهدافها الإرهابية التي لاتقل عن فظائع الإرهاب الذي عرفته افغانستان… فتركيا بذريعة مقاومة الأكراد تنهش في التراب السوري، واسرائيل تمارس نازيتها واحلام توسعها مستغلة مشاكل سوريا الداخلية… والامريكان رابضون على الأرض بقواعدهم واسلحتهمم لحماية ارهاب صنعوه… والروس و الايرانيون يبغون افتكاك موطىء قدم لحماية مصالحهم الاستراتيجية ودعم النظام السوري مقابل ذلك.
وليس صدفة أيضا أن تتصاعد الأحداث فجأة بهذه الكثافة بعد ضرب ذراعين من أذرعة “محور الممانعة” والمتمثلين في المقاومة الفلسطينية أولا عبر تدمير شيه شامل لغزة في اتجاه إعادة استيطانها … وثانيا المقاومة اللبنانية في اتجاه احتلال الجنوب وفرض وشيك للتطبيع على الحكومة اللبنانية… وها أن المرحلة الثالثة من المخطط تتجه نحو دمشق كآخر القلاع العربية الرسمية المتمنّعة على برنامج الشرق الأوسط الجديد… وكآخر خيمة يتظلل بها المقاومون المطلوبة رؤوسهم من التحالف الإمبريالي الصهيوني…
ولكن هذه المرة لم يكن ذلك بوسائل جيش الكيان المباشرة، بل بخلايا الإرهابيين النائمة منذ 2011 والملتحفة باطلا بلحاف الدين أو الحرية أو الديمقراطية وغير ذلك من الشعارات… ولو أن طيران العدوّ ما انفك يعتدي على المدن السورية طيلة هذه السنوات، وخاصة في الأشهر الأخيرة… كما أن أدلة عديدة أثبتت تواطؤ الجماعات المتأسلمة مع الكيان الغاصب، ليس أقلها التكفل بعلاج جرحاها داخل المستشفيات الإسرائيلية طوال عملياتها الإجرامية هذه السنوات، في كل من سوريا والعراق الشقيقين…
إن انفجار بؤر الإرهاب مجددا وتحقيق بعض المكتسبات الميدانية بمدينة حلب التي تعد ثاني اهم مدينة سورية واول مدينة اقتصادية تتصارع لاحتلالها كل القوى… من معارضة عميلة لتركيا او فصائل إرهابية ستدور فيها او حولها اهم المواجهات… ولن تكون الا بسحق فلول العملاء والإرهابيين المستثمرين في أوجاع الشعب السوري الذي أصبح مستهدفا من الأشقاء والأعداء مجتمعين او مفترقين…
عبد الكريم قطاطة:
علاقتي زمنيا بالتلفزة كمخرج لم تمنعني من حضوري اذاعيا امام المصدح العشق … وللعشق احكام لا تخضع لمنطق العقل… هذا يعني اني واصلت علاقتي بالمصدح العشق… وهو ما احدث اشكالا اداريا في كيفية التعامل ماديا في هذه الحالة…
دعوني افسّر لكم كيف تتم معاملة الموظف في الاذاعة والتلفزيون… ايّ موظف وكسائر الموظفين وفي ايّ قطاع… له راتب شهري يتناسب وشهائده العلمية ..مع اضافة بعض المنح كمنحة الانتاج لكل الموظفين ومنحة المسؤولية لكلّ من تقلّد مسؤولية ما… لكن وفي صورة قيام الموظف بمهام اخرى خارج اختصاصه تتعامل المؤسسة بمنظومة عقود انتاج… مثلا عندما يكون الموظف مخرجا كحالتي او مهندس او او او ويقوم بانتاج برنامج ما، يصبح من حقه الحصول على عقد انتاج مكافأة على انتاجه… بالنسبة لي وعندما كنت اقوم بعملي الوظيفي كمخرج كنت وبشكل مواز اقوم بانتاج وتنشيط بعض البرامج الاذاعية كمواعيد ومساء السبت واصدقاء الليل…
عندما طالبت ادارة اذاعة صفاقس بتفعيل قانون عقود الانتاج… انذاك كان مدير اذاعة صفاقس المرحوم النوري العفاس وكان وللامانة مقتنعا بحقوقي وبحقوق بعض الزملاء امثالي… خاصة انّ الزملاء في الاذاعة الوطنية كنجيب الخطاب وصالح جغام رحمهما الله كانا يتمتعان بعقود انتاج… ووعدني السيد النوري العفاس بمراسلة الادارة العامة لتمكيننا من حقوقنا… فقط طلب منّي (شوية وقت) حتى يُنهي الامر… وفعلا كان الامر كذلك ..لكنّ (هالشوية بطا) … وبرشة زادة… وقتها عاد عبدالكريم المشوم خرج من القمقم متاعو… اعلنت التمرّد وهمست لاخرين للتمرّد معي (عبدالجليل بن عبد الله وكمال بوخضير)… وقرر ثلاثتنا الانسحاب من برامجنا الاذاعية…
وطبعا الصحف وكعادتها تهتم جدا بمثل هذه الاخبار… بعضهم بتعاطف صادق معنا واغلبهم تلك الاخبار وحسب تعبيرهم (تبيع) اي تجد قراء لشراء صحفهم .. حيث كتبت “الصدى” انذاك والبنط العريض (لهذه الاسباب توقف برنامج اصدقاء الليل) في 19 ـ 2 ـ 91 … وفي نفس الجريدة وبتاريخ 5 ـ 3 ـ 91 مقال بعنوان (ويتواصل الانسحاب)… وفي “الصباح” مقال بعنوان (متى يعود منشطو اذاعة صفاقس؟) 16 _ 3 _ 91 … وفي جريدة الصدى مقال بعنوان (انسحاب بسبب العقود) 30 ـ 7 ـ 91 … لكنني في المقابل تطوعت مع زميلي عبدالجليل وثلة من براعم مجموعة شمس لاعداد وتنشيط عيد ميلاد اذاعة صفاقس في الذكرى الثلاثين لتاسيسها 8 ديسمبر 1991 وعلى امتداد 14 ساعة ..نعم … على خاطر عين تتذارى ميات عين ..
ومما زاد الطين بلّة انه ورغم توقفي عن الانتاج وكما جرت العادة في جريدة البيان في استفتائها السنوى عن دنيا الاعلام، يحوز هاكة المشاغب اللي هو انا على جائزة افضل منشط …البيان 30 _ 12 _ 91… ونفس النتائج بجريدة الصحافة 31 ، 12 ـ 91 … ونفس النتائج بجريدة الصباح 15 ـ 1 ـ 92… وتواصل الامر على حاله دون حلحلة لمشكلة عقود الانتاج حتى شهر جوان 92… حيث كتبت الصدى مقالا بشكل استفهامي و بعنوان (عبدالكريم قطاطة يغتزل العمل الاذاعي؟) الصدى 20 ـ 6 ـ 92 … وكما عادة المسؤولين الاوائل على راس مؤسسة الاذاعة والتلفزة، يقلقون جدا من الاخبار السيئة التي تتناول المؤسسة، فكان التدخل من رئيسها انذاك السيد عبدالحفيظ الهرقام ..دعاني للحضور بمكتبه في المؤسسة الام ..وفعلا كان اللقاء معه ..
استقبلني بكثير من الجدية واللوم ايضا ..وكان مختصرا جدا في بداية لقائه معي ويمكن اختزال ما قال: (اما كان من الاجدر ان تكلمني في الاشكال عوض اللجوء الى الصحف والجرائد؟)… استاذنته في طرح المشكل بكلّ حيثياته واذن لي بالحديث ..كان مستمعا جيّدا للغاية ..حدثته عن كل مشاكل الاذاعة الجهوية وعن مشاكل عقود الانتاج طبعا ..اندهش جدا من الامر ووعدني بحلّ الاشكال وبالسرعة القصوى… ورجاني في خاتمة اللقاء بان يكون ما حدث في حواري معه داخلا في خانة الكتمان… ووعدني بزيارة في اقرب الاجال للاطلاع عن كثب عما تعيشه اذاعتنا الجهوية من مشاكل ومشاغل ..ووفى الحرّ بما وعد ..سبتمبر 93 …
وان انسى شيئا فلن انسى اني فوجئت صباح ذات يوم بالزميل المكلف بالاستقبال، يعلمني انّ الرئيس المدير العام حلّ باذاعة صفاقس هذا الصباح وانّه مجتمع بالموظفين والاطارات باستوديو التلفزة ..وماكدت الج باب الاستوديو حتى لمحني السيد عبدالحفيظ الهرقام وجاء لاستقبالي ..اخجلني فعلا بتلك الحركة والتي كانت مقصودة منه للتعبير عن تقديره لي والتعاطف معي ..وكان العديد من الاطارات تحت صدمة… وبّهت الذي كفر _ والبعض منهم كان يتساءل في داخله (تي اشنوة هالمخلوق ؟ يخخي عندو سبعة ارواح ؟؟ كل مرة يخرج مظفّرا من مشاكله التي لا تنتهي) ..
اختم بالقول شكرا سي عبدالحفيظ على الدعم وعلى الفعل خاصة لانه فعّل قانون عقود الانتاج… ولانه خاصة قام بتحويرات في المسؤوليات والمسؤولين والله شاهد انه ليس من اجل سواد عينيّ بل من اجل مصلحة المؤسسة .. وحتى مجلّة الاذاعة التي تتبع في خط تحريرها للمؤسسة، بادرت بنشر مقال عن عودتي للتنشيط الاذاعي 24 ـ 6 ـ 93… وكان بعنوان (بعد سنة من التأمل سيعود عبدالكريم قطاطة لجمهور المستمعين) ..سنة تامّلا يا كاتب المقال ؟؟ اتفهّم جدا العنوان… الم اقل لكم انّ المجلّة تخضع لخط تحرير المؤسسة ..؟؟
للتاريخ بدات افكّر في مشروع برنامج يحمل اسم اذاعة بالالوان حت ىكُتب له ان يخرج للنور ويكون اخر برنامج انتجته ونشطته في اذاعة صفافس …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …
حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…
العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…
وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….
نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …
ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….
تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …
قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …
التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …
تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …
ـ يتبع ـ
ندوة تطورات الوضع الدولي والإقليمي وانعكاساتها
القيروان… القيم العلمية لدى الجامعيين في ندوة
سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة
بني مطير… “الطبيعة في عيونهنّ” شعار مهرجان الفوتوغرافيا والطبيعة”
قرعة كأس العالم… الترجي في مجموعة تشيلسي
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 5 ساعات
ندوة تطورات الوضع الدولي والإقليمي وانعكاساتها
- ثقافياقبل يوم واحد
القيروان… القيم العلمية لدى الجامعيين في ندوة
- جور نارقبل يوم واحد
سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة
- ثقافياقبل يوم واحد
بني مطير… “الطبيعة في عيونهنّ” شعار مهرجان الفوتوغرافيا والطبيعة”
- رياضياقبل يوم واحد
قرعة كأس العالم… الترجي في مجموعة تشيلسي
- ثقافياقبل يومين
معهد التراث… برنامج ضخم لجرد كنوزنا وترميمها
- صن نارقبل يومين
بداية من اليوم… قد أقبل الشتاء، والثلج والأنواء
- صن نارقبل يومين
الاحتلال سيعرض على ترامب، الاستيطان بغزة