جور نار
إلى قيس سعيد … البلاد لا تُحكم بالأحقاد…
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashإلى أين ستأخذنا الأحقاد؟ وهل هكذا سننقذ البلاد؟ المتابع لما يجري في البلاد يدرك أن ساكن قرطاج حوّل وجهة “شعبه” أو لنقل أتباعه ومن بايعوه إلى هدف آخر غير الذي ينتظره عموم الشعب…
ساكن قرطاج أصبح يتعامل مع خصومه، أو لنقل من يكرههم ومن يعتبرهم حجر عثرة أمام سيطرته على كل مفاصل الحكم في البلاد، بحقد غريب عجيب لم تعرفه تونس سابقا أبدا…فحتى ما وقع بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 لم يكن بهذا الحجم…فالرجل لم يأت بشيء يوحي بأنه فعلا يريد خدمة البلاد، ولم يظهر ولو قليلا من العقل والحكمة في تعامله مع الأحداث وكأني به لا يأبه لوضع البلاد، ولا لحال العباد…همّه الوحيد فسخ كل تاريخ تونس وكتابة تاريخ على مقاسه، وكأنه هو من بناها وشيّد أعمدتها، وكأني بقيس سعيد يريد إعادة كتابة تاريخ البلاد دون ذكر من ضحوا من أجلها، ومن عانوا السجون والمنافي من أجل استقلالها ليكون اسمه فقط ببنط عريض في أول وأخر صفحات هذا التاريخ…
ماذا يريد قيس سعيد بما أتاه؟ ما سرّ كل هذا التردّد؟ ولماذا لا يهتمّ بكيف ينقذ البلاد من أزمتها؟ هل هو على بينة بوضع البلاد الاقتصادي؟ وهل هو على دراية تامة بما يجب أن يفعله في هذه الحالة؟ هذه الأسئلة قد لا نجد لها الأجوبة التي تليق بخطورتها…وأظنّ أن قيس سعيد نفسه لا يعرف الإجابة عنها…عليه أن يعي جيّدا أن السياسة ليست فقط ما دَرَسَهُ في الجامعة، وليست فقط ما يمكن أن يسمعه من طالب درَّسهُ…فالسياسة صراع من نوع آخر لا وجود لمدينة فاضلة فيه…ومن يحلم بأن يكون كالفاروق أو كعمر بن عبد العزيز في زمن كالذي نعيشه، فهو واهم وعليه أن يستفيق من غفوته قبل فوات الاوان…فالبطء الذي اتسمت به تصرفاته وردود فعله يؤكّدان جهله التام بما يجب أن يفعله في مثل هذه الظروف، وأن خوفه من كل خطوة قد يقدم عليها مأتاه انعدام ثقته في كل من هم حوله، ومن يؤثثون معه المشهد السياسي الحالي، فهل سنضطرّ لجلب ساسة من كوكب آخر غير كوكبنا…
فالسياسة هي نفاق …وكذب….وتآمر…ومخاتلة…وغرف مظلمة….وخيانات…ووطنية أيضا…ووفاء كذلك…وتضحية…وكثير من الحقد….وكثير من الحبّ…ولم تكن أبدا حتى أيام الرسول الأعظم عكس ذلك…فلم كل هذا الذي يقع لتونس مع قيس سعيد، فهو لن يبني المدينة الفاضلة ولن يكون الفاروق؟ عليه أن يعلم أننا قد نتفق كثيرا…وقد نختلف كثيرا…وقد تفرقنا السياسة عمن نحب، ومن هم أقرب الناس إلينا، لكن علينا فقط أن نُبقي على وحدة الهدف الذي نجتمع حوله من أجل تونس…وتونس فقط…فهدفنا ليس إقصاء هذا، والإبقاء على ذاك كما فعلت النهضة ومن معها من قوى اليسار الغبي يوم استولوا على حكم البلاد بعد 14 جانفي…كما أنها ليست التنكيل بهذا وتعذيب ذاك كما فعلت النهضة ومن معها من اليسار الأحمق بعد 14 جانفي…فالتاريخ لا يكتبه من يخرّب بل من يبني ويرفع البناء عاليا…لذلك على قيس سعيد أن يعي جيدا أننا في حاجة إلى رجل وطني قادر على تجسيد الخروج من مأزق الأحقاد والانتماءات الحزبية، ليكون تعبيرا آخر يتجاوز بمفهومه الوطني الشامل حدود الأحزاب لكن دون أحقاد….وهذا ما يُعاب على قيس سعيد فالرجل ارتفع عنده منسوب الحقد إلى درجة اصبح من الصعب التعامل معه خدمة لهذه البلاد…
ومن أجل كل ما ذكرت يمكن أن أقول لقيس سعيد، إنه عبثا تحاولون محاكاة ما فعله قبلكم بورقيبة، فبورقيبة كان زعيما…كامل الأوصاف…وعبثا تواصلون حربكم ضدّ كل من يختلف معكم ويخالفكم الراي فمن خالفوكم الرأي…منهم من جمعتهم الشوارع…ومنهم من جمعتهم الدماء…ومنهم من جمعتهم السجون…ومنهم من جمعتهم المنافي…فعبثا تفرقون بينهم وأنتم تحقدون…وأنتم لم تعرفكم الشوارع…ولم تجمعكم دماء من ماتوا في الشوارع…وفي جبال عرباطة وتوجان وأنهج وشوارع بنزرت، وغيرها من جبال ومدن معارك التحرير الوطني…فالفرق بينكم وبينهم شاسعا…فهم ناضلوا وفَدَوْا بأرواحهم…وبدمائهم وطنهم…وأنتم درستم القانون…والدساتير…وانقلبتم عليها مباشرة بعد أن غادرتم قاعة التدريس…وأعود لأقول عبثا تحاولون محاكاة بن علي رحمه الله…أو حتى قايد السبسي رحمه الله فكلاهما خدم بلاده…ودفن أحقاده…هم عملوا وبنوا…ومن يبني يخطئ أحيانا…وأنتم لم تبنوا حجرا واحدا…وأخطأتم قبل أن تبدؤوا البناء…
أسألكم أنتم، هل تعلمون ما قد يتسبب فيه تعنّتكم…ورفضكم للآخر…وحقدكم على الآخر…قد يكون هو عود ثقاب فتنة قد تطلّ برأسها بين الفينة والأخرى…فهل تونس اليوم في حاجة إلى فتنة تأتي على ما تبقى من بناء؟ فلا توقدوا نار الفتنة تلبية لشهواتكم…وأحقادكم وما تبتغون…ولا تقلبوا الرأي إلى نزوة…ولا تجعلوا من عاطفتكم شهوة قد تحوّل وجهتكم إلى هدف يخلّد اسمكم في قائمة من خربوا أوطانهم واضاعوا الفرص أمام شعوبهم…وأعلموا أن السياسة ليست فقط ما دَرَستم…وما دَرَّستم…السياسة والحكم في زماننا هذا، هي اليوم دمار وغدا اعمار…واليوم سكوت…وغدا حوار…واليوم انحناء …وغدا استكبار…كما أنها قد تنقلب إلى أكثر من كل ذلك لتصبح اليوم هجوم… وغدا فرار…والعكس بالعكس…
أسألكم أنتم، هل تعلمون أن هذا الشعب عاش حتى يومنا هذا وأعي ما أقول بيومنا هذا، وأقصد يوم كتابتي للمقال…أقول هل تعلمون أن هذا الشعب عاش ومنذ 17 ديسمبر 2010 عهدا مشؤوما …ألبس كل عائلاتنا الحداد مرّة وأحيانا أكثر…عهد ظلم وما أكثرهم من ظلموا في هذا العهد…عهد لم تُنكب البلاد بمثله منذ ولادتها على يد عليسة وثورها المسكين…فهل جئتم أنتم لإدخال اليأس في قلوب الناس أم نزعه؟ وهل جئتم للانتقام والثأر لمن ظُلموا أم لإصلاح حال العباد والبلاد…هل جئتم لملء صدور بعضهم على بعضهم الآخر بالحقد، أم جئتم لنزع الأحقاد؟ أتعلمون ما حاجة البلاد إليه اليوم…هي فقط في حاجة إلى خصومة سياسية شريفة …خصومة لا مخاتلة فيها…ولا تلفيق تهم…خصومة لا تعمل في جنح الظلام…خصومة هدفها واحد…انقاذ وطن يضيع…
أسألكم أنتم، هل تعلمون…وأنتم تعلمون بأن من حكموا قبلكم لم يتورعوا عن المساس بقدسية واستقلالية القضاء، وهل تعلمون أن بعض ما أتيتم مسّ من قدسية القضاء واستقلاليته أيضا…فهل جئتم لتفعلوا ما فعلوه…وهل جئتم لتخطئوا اين أخطأوا…؟ أليس من واجب الدولة ومن يحكمها بأن يُطمئِن الشعب بعدالة القضاء وقدسيته حتى لا يقتصّ الشعب لنفسه من بعضه البعض…
أسألكم أنتم، أتعلمون أنكم بخطابكم قسّمتم البلاد إلى من مع الأمير ومن ضدّ مولاه الأمير…فهل جئتم لتحافظوا على ما لم تمسسه يد التدمير أم جئتم لتواصلوا التدمير…اتهمتم خصومكم…شيطنتم من تختلفون معه…ولم تصوروا لأنفسكم لحظة واحدة ما كنّا مع من اخترتموه لكرسي القصبة نعانيه…فهل أدركتم الآن وبعد انقلابكم عليه، ما كان يمكن أن يكون في وسعكم ووسعنا أن نتقيه…
أسألكم أنتم، هل تريدون أن يكبر كرسي قرطاج بكم، أم تريدون أن تكبروا بكرسي قرطاج…فإن أردتم أن يكون كرسي قرطاج كبيرا بكم فتَخَلُوا عن أحقادكم…وادفنوها…فالبلاد تنخرها الأحقاد منذ يوم حكمها بعض الأوغاد…واعلموا أن الظلم يقسو على المظلوم زمنا…وعلى الظالم أزمنة…وأعلموا أن مشيئة الشعب دائما تكون، فوق ما يشاء الحاكم، وما يشاؤون…والشعب ليس فقط من يهتف باسمك…وينكّل بخصومك نيابة عنك…الشعب أيضا من يعارضك…ومن لا يصفّق حين يمرّ ركبك…ومن يكتب عنك وفيك كلاما لا يعجبك…ومن لا يعجبه كلام الأمير…وظلم الأمير…فلم لا تستمع لصوت الضمير…مناجيا…فربما ينقلب غدا صوت الضمير إلى زئير…
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
استطلاع
صن نار
- فُرن نارقبل 8 ساعات
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يوم واحد
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يومين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يومين
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يومين
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل