تابعنا على

جلـ ... منار

العنقاء الفلسطينية والبحث عن الحرية

نشرت

في

لم يكن هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن “جلبوع” الإسرائيلى شديد الحراسة مشهداً هوليوودياً مقتطعاً من شرائط سينما، بقدر ما كان تعبيراً حقيقياً عن إرادة شعب قابع تحت الاحتلال ينهض مرة بعد أخرى كالعنقاء من تحت الرماد ليؤكد حقه فى الحياة والحرية.

عبد الله السنّاوي
<strong>عبد الله السنّاوى<strong>

الرموز أهم من الوقائع والسياق يضفى عليها معانيها ورسائلها إلى المستقبل المنظور حيث يوشك الشرق الأوسط أن يدخل مرحلة جديدة بالانسحاب الأمريكى المتوقع من العراق.نحن أمام خرائط متحولة واتصالات واجتماعات تجرى لإعادة ترتيب الأوراق حتى لا تفلت التفاعلات على النحو الذى أعقب الانسحاب العشوائى من أفغانستان.

القضية الفلسطينية عقدة الموقف كله حيث يراد تحجيم إيران بالعودة إلى الاتفاق النووى أو بغيره وتمكين إسرائيل من التمدد بغير ممانعة كبيرة باسم أحاديث مخاتلة جديدة عن السلام والتطبيع وقدرتها على ملء الفراغ الاستراتيجى الذى يعقب الانسحاب الأمريكى بما يحمى مصادر النفط.

هكذا فإن حادث الهروب بتوقيته ومغزاه وتداعياته يتجاوز بكثير وقائعه المثيرة، وملف الأسرى نفسه، إلى مستقبل القضية الفلسطينية بكل ملفاتها المعلقة، القدس والمستوطنات وطبيعة الدولة المقترحة وحق العودة المنصوص عليه فى القوانين الدولية ولا يملك أحد حذفه بجرة قلم.

فى لحظة تأهب لإعادة ترتيب أوزان القوى فى الشرق الأوسط يؤكد الفلسطينيون الحقيقة الأساسية فى اللعبة كلها، أنه لا يمكن المضى فى ألعاب ترتيب الإقليم بتجاهل حقوقهم المشروعة.

أهم رسالة حملها الهروب الكبير “أننا هنا”، أصحاب قضية وأصحاب حق ولا يمكن تجاوز قضيتنا بسطوة القهر.

بالإصرار والدأب على حفر نفق فى زنزانة بملاعق طعام تمكن ستة أسرى من اكتساب حريتهم رغم المطاردات بالطائرات وحواجز التفتيش فى كل مكان والمداهمات التى لاحقت كل من يفترض أنه على علاقة بهم.

كان ذلك معنى رمزياً ملهماً لقدرة الإنسان على تحدى جبروت القوة.

” إسرائيل الآن غوليات والفلسطينيون ديفيد.. وأنا مع ديفيد!”.

هكذا واجه الموسيقار اليونانى “ميكيس تيودراكيس” إسرائيل بحقيقتها على صفحات جريدة “هاآرتس”، مستلهما القصة التوراتية الشهيرة.بصياغة أخرى، مستعيناً هذه المرة بالإرث الإغريقى، فإن إسرائيل المدججة بالسلاح تشبه أسبرطة تحارب شعباً أعزل، نساءً وأطفالاً.

لم يعد ممكناً الادعاء بأن إسرائيل المحاصرة تواجه عالماً عربياً لا يريد أن يعترف بحقها فى الوجود، الحقيقة الماثلة أنها من يقمع ويقتل، يتوسع ويهجر قسرياً، يمارس العنصرية داخل الدولة العبرية نفسها ضد مواطنيها العرب.

القضية الفلسطينية اكتسبت زخمها من عدالتها، وقد جسد “تيودراكيس”، الذى رحل قبل حادث الهروب بساعات قليلة، رمزيتها فى مواقفه المناصرة، فوحدة المصير الإنسانى تلهم أحرار العالم.

فكرة المقاومة داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة تكتسب مشروعيتها من القوانين الدولية رغم فوارق القوة مع سلطات الاحتلال.

بقوة الرموز والمعانى بدا الفلسطينيون فى الضفة الغربية وغزة وخلف الجدار والمخيمات والشتات موحدون وجدانياً مع الأسرى الستة الذين اكتسبوا حريتهم بالأظافر، يوزعون المشروبات والحلوى فى الشوارع احتفالا بالحدث ومغزاه، لا يحفلون كثيراً إلى أى تنظيم سياسى ينتسبون، فهم فلسطينيون أحرار من حقهم الحرية.

أحد الأسباب الإضافية للاحتفاء الفلسطينى بالهروب الكبير هو كسر هيبة المنظومة الأمنية الإسرائيلية وإثبات عجزها أمام إرادة الحياة والحرية بذات قدر كسر هيبة منظومتها الدفاعية أمام صواريخ المقاومة الفلسطينية أثناء الحرب الأخيرة على غزة.

المعنى أنها ليست قوية إلى حد الاستهانة بحقوقنا ووجودنا نفسه، وأننا لسنا عاجزون إلى حد الانصياع لما تقرره.

الحقائق الفلسطينية أكدت نفسها بوحدة وجدان جماعى تشبه ما جرى أثناء الانتفاضة التلقائية دفاعا عن المسجد الأقصى أمام محاولات اقتحامه من جماعات المستوطنين، كما فى “الشيخ جراح” دعماً لأهله ضد محاولات تهجيرهم قسريا.كان ذلك دليلاً مستأنفاً على “وحدة الشعب والقضية” رغم الشقاق والانشطار بين “فتح” و “حماس”، فالقضية أكبر من الفصائل، ولا يمكن تجاوزها بالتدليس والتخاذل.

بدا لافتاً أن الأسرى الستة ينتسبون إلى جنين صاحبة التاريخ المجيد فى المقاومة والتصدى لآلة الحرب الإسرائيلية، قد تجرى ضغوطاً على السلطة الفلسطينية للتعاون الأمنى فى الوصول إلى الأسرى المحررين.

إذا ما حدث ذلك فإنه عار تاريخى لا يمحى.

هم الآن فى حماية شعبهم حتى يصلوا إلى حيث تتأكد سلامتهم، فحادث الهروب يكتسب كامل معناه من البحث الفلسطينى الطويل عن العدل والحرية.

وقد كانت رحلة طويلة ومضنية استبيحت فيها كل حقوقه بقوة السلاح والاغتصاب الاستيطانى والاستخفاف بأية قوانين دولية.

المعانى الرمزية لا تأخذ مداها إلا فى السياق الذى تجرى فيه الحوادث.فى هذه اللحظة بالذات تتواتر من جديد إشارات واجتماعات واتصالات تستهدف إحياء عملية التسوية السياسية دون أن يكون واضحا: على أى أساس؟.. ووفق أية مرجعيات؟

يصعب التعويل على أية تنازلات يمكن أن تقدمها “حكومة نفتالى بنيت”.

إذا ما أقدمت على أية تنازلات تقتضيها أية تسوية مفترضة، فإنها سوف تنهار فورا بالنظر إلى هشاشتها السياسية وتناقضات بنيتها الداخلية.

إن لم يكن ممكناً وقف التوسع الاستيطانى وسياسات التهجير القسرى، فما معنى التفاوض وما قيمة أية تسوية إلا أن تكون إقرارا بالهزيمة النهائية وضياع ما تبقى من حقوق فلسطينية.

التسوية أيا كانت طبيعتها غير مطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلى، ما هو مطروح بالضبط المضى قدماً فى تطبيع العلاقات مع الوطن العربى، دولة إثر أخرى، وإحكام الحصار على إيران وطرح نفسها بديلا يملأ الفراغ الاستراتيجى الذى يخلفه الانسحاب الأمريكى المتوقع من العراق.

بمعنى آخر، يقارب الأوهام، تطرح إسرائيل نفسها قوة عظمى إقليمية تعمل فى إطار الاستراتيجية الغربية، تتعاون مع حلف “الناتو”، ودول عربية عديدة باسم التصدى لـ”العدو الإيرانى المشترك”.

هكذا فإن العودة إلى مسار التسوية محض قنابل دخان لا تتجاوز أهدافه حدود تخفيض التوتر دون أدنى تنازلات إسرائيلية.مرة جديدة: سلام بلا أرض ــ بتعبير المفكر الفلسطينى الراحل “إدوارد سعيد”.

قد تختلف ــ هذه المرة ــ المقاربات وتتحول لغة الخطاب من الخشونة المفرطة التى انطوت عليها أطروحات “صفقة القرن” إلى مراوغات تصل إلى نفس النتائج.

نحن أمام عودة محتملة لأحاديث مخاتلة عن السلام دون أن يكون هناك فعل يؤكدها على الأرض، بما يشبه عملية التفريغ للقضية بعوامل التعرية والتجريف والتيئيس.

عند الصدام بالحقائق فإن الأوهام كلها تتبدد، فلا إسرائيل تملك مقومات القوة الإقليمية العظمى، ولا وجودها فى الإقليم طبيعى، ولا العنقاء الفلسطينية مستعدة لرفع الرايات البيضاء.

ـ عن “الشروق” مصر ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

«مسرحة بلا مسرح”.. ومفاوضات بلا أفق!”

نشرت

في

عبد الله السنّاوي:

مرة بعد أخرى تعود مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى نقطة الصفر، كأننا أمام عرض ارتجالي بلا نص معروف، أو أفق منظور.

عبد الله السنّاوي

بتعبير الدبلوماسي المصرى العتيد الدكتور محمود فوزى: “أرى أمامي مسرحة بلا مسرح، أصوات وأضواء وحركة ممثلين دون أن يكون هناك نص يضبط الحركة، أو بوصلة تقول لنا ماذا يحدث؟.. ثم ماذا بعد؟”.

كان ذلك توصيفا ساخرا من موقعه نائبا لرئيس الجمهورية عندما بدأت ما أطلق عليها “عملية السلام” إثر حرب أكتوبر (1973) – حسبما روى لي الأستاذ محمد حسنين هيكل.

الأجواء تتكرر على نحو هزلي هذه المرة.

الفارق بين الحالتين هو نفسه الفارق بين “هنرى كيسنجر” و”أنطونى بلينكن”.

كلما بدا أن هناك تقدما بالمفاوضات يضع حدا للمأساة الإنسانية المروعة في غزة تتبدى أسباب وذرائع جديدة لإفشالها جولة بعد أخرى.

في كل مرة تنسب الإدارة الأمريكية مسؤولية الإفشال إلى الجانب الفلسطيني وتعفي رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” من أية مسؤولية رغم مواقفه المعلنة، التي تناهض التوصل إلى أي اتفاق.

حسب “بلينكن” هناك خطة جديدة لإنهاء الحرب بصفقة تبادل للأسرى والرهائن تحظى (90%) من نصوصها بالتوافق عليها!

قبل أن يردف بأن هناك نقطتين جوهريتين معلقتين: محور فيلادليفيا والأسرى المشمولين بالصفقة، حتى يكون بوسع إسرائيل ترتيب أولوية الإفراج عن رهائنها وأسراها والاعتراض بنفس الوقت على أي اسم فى قوائم الإفراج الفلسطينية.

على مدى جولات تفاوض متعاقبة لم يتطرق نتنياهو إلى محور فيلادليفيا بطلب السيطرة العسكرية الإسرائيلية عليه بذريعة منع تهريب السلاح من سيناء إلى غزة.

لماذا الآن؟

هذا سؤال ضروري.

إفشال المفاوضات داع أول.

غياب الردع داع ثان.

ما يحدث تجاوز بحق مصر وأمنها القومي لا يمكن تقبله، أو الصمت عليه.

إنه خرق صريح ومباشر لاتفاقية “كامب ديفيد” وبروتوكولاتها الأمنية، التي تمنع التمركز العسكري في ذلك المحور دون ترتيبات مسبقة، أو موافقة عليه من الطرف الآخر.

بقدر مماثل بدا الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح البري من الناحية الفلسطينية خرقا لاتفاقيات وتفاهمات د”.

المعنى السياسي المباشر أن مصر لم تعد وسيطا في المفاوضات.

إنها طرف مباشر وأمنها القومي على المحك.

في مؤتمرين صحفيين متتاليين، أولهما بالعبرية والآخر بالإنجليزية، بدا “نتنياهو” مأزوما بفداحة إثر مقتل (6) من الأسرى الإسرائيليين.

لاحقته اتهامات واسعة حملته مسؤولية مقتلهم وجرت تظاهرات غاضبة في تل أبيب دعت إلى عقد صفقة تبادل للأسرى والرهائن دون إبطاء.

حاول دون جدوى إعادة صياغة أهدافه من الحرب، تقويض قدرات “حماس” أولا، وعودة الرهائن ثانيا، وألا تعود غزة مرة أخرى مصدر تهديد للأمن الإسرائيلي ثالثا.

تخلى واقعيا عن هدف إنهاء “حماس” بعدما ثبت استحالته.

قلص وعوده بإرجاع جميع الرهائن إلى بيوتهم بالضغط العسكري وحده.. الأمن له الأولوية حتى لو عادوا جميعهم في توابيت.

ولمح مجددا إلى إعادة احتلال غزة، دون أن يقولها مباشرة خشية رد الفعل الدولي.

لم يجد أمامه للدفاع عن نفسه غير اصطناع تناقض بين عودة الرهائن والأمن الإسرائيلي، والتحرش المتكرر بمصر!

تجاوز كل حد واعتبار، وهو ما يستحق الرد عليه بالأفعال، لا بالأقوال وحدها.

أقل رد ممكن: تعليق اتفاقية “كامب ديفيد” على ما لوحت مصر سابقا.

بقوة الحقائق لا تحتمل إسرائيل ذلك، إذ ينظر لهذه الاتفاقية كأهم حدث في تاريخ الدولة العبرية بعد تأسيسها، كما قالت وقتها صحيفة “الجيروزاليم بوست” الإسرائيلية.

ولا تحتمل مصر التجاوز بالإهانة والاستخفاف دون ردع مناسب.

بكل حساب جيواستراتيجي فإن الإدارة الأمريكية ليست بوارد أن تسمح بانهيار جوهري في استراتيجيتها بالشرق الأوسط.

لسنا فى موقف ضعف رغم كل الأزمات الداخلية والإقليمية.. ولا إسرائيل المنهكة عسكريا والمأزومة داخليا في مركز قوة.

لا تقدر إسرائيل على حرب إقليمية إلا إذا حصلت على دعم عسكري واستراتيجي كامل من الولايات المتحدة.

ولا تحتمل حربا دينية مفتوحة إذا أفضت اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة من وزراء فى حكومة نتنياهو إلى النيل من سلامته.

هو نفسه كشف منذ شهرين أنه سيعارض أي اتفاق.

كان ذلك قبل طرح ذريعة “محور فيلادليفيا.

حسب مسودة الاتفاق المقترحة تبدت أفكار أمريكية غير مقنعة وغير متماسكة للالتفاف على تلك الذريعة، كالتفرقة بين الأجزاء المكتظة وغير المكتظة بالسكان في ذلك المحور، أو فكرة إنشاء قوات دولية لا تشارك فيها الولايات المتحدة!!

في اللحظة الحالية تبدو الإدارة الأمريكية لأسباب انتخابية أكثر حماسا عن أية مرة سابقة للتوصل إلى اتفاق، لكنها لنفس الأسباب تبدو أضعف من أن تمارس ضغوطا حقيقية على إسرائيل للتوصل لصفقة.

تدرك أن نتنياهو»اول شراء وقت حتى نوفمبر المقبل، أملا في صعود دونالد ترامب حليفه التقليدي للبيت الأبيض، لكنها لا تفعل شيئا غير الإلحاح الدعائي على أن الاتفاق وشيك.

الحقائق تعلن عن نفسها والكلام التفاوضي يدور بنفس الدائرة، كأنه مقصود أن يقال إن هناك مفاوضات وهناك أمل في وقف الحرب وعدم تمددها إلى حرب إقليمية لا تقتضيها المصالح الأمريكية.

لا “نتنياهو” مستعد للمضي في أية تسوية، إذ إنها تعني مباشرة خسارة منصبه، ولا المقاومة الفلسطينية مستعدة بنفس الوقت أن تخسر كل شيء، أو أن تضفي شرعية على احتلال غزة مجددا، أو أن يعود نتنياهو لمواصلة حرب الإبادة والتجويع بعد أن تكون قد تخلت عن أقوى أوراقها، ورقة الأسرى والرهائن.

ما يحدث بالضبط انفلات قوة تطلب إبادة شعب بأسره في غزة والضفة الغربية معا، تتجاوز القانون الدولي، تدمر البنى التحتية لجعل الحياة مستحيلة والتهجير القسري ممكنا.

التصعيد عنوان رئيسي لا يمكن تجاهل تبعاته رغم أجواء المسرحة في مفاوضات بلا أفق.

ـ عن “الشروق” ـ المصرية ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

“الملاك يهبط في بابل”

نشرت

في

وفاء سلطان:

ليس كل كتاب أقرأه ويعجبني معناه أنني اؤمن قطعا بكل ماجاء فيه.

لكنني حتما أستفيد من كل فكرة أقرؤها، لأنها تساهم في توسيع مداركي اتفقت معها أم لم أتفق.

وفاء سلطان

انتهيت لتوي من قراءة كتاب أهدتني إياه ابنتي بالتبني الشابة الجميلة Zara Otaifah

الكتاب بعنوان:

The Three Waves of Volunteers

And The New Earth!

(الدفعات الثلاث من المتطوعين والعالم الجديد)

……..

الكاتبة فيلسوفة أمريكية مختصة في علم التنويم المغناطيسي.

على مدى عدة عقود قامت بتنويم الكثير من مرضاها،

واستطاعت، بناء على قولها، أن تقرأ اللاوعي عندهم وتتعرف على حيوات سابقة عاشوها،

وبالتالي وصلت إلى قناعاتها المذكورة في الكتاب،

والتي لست بصدد شرحها، ولا يهمني أن تؤمن بها أم لا. حتى لو كان الكتاب محض خيال،

ما أعجبني فيه هو وضوح الفكرة وجمالها الإنساني.

إذ لا يوجد عبارة واحدة فيه تحتاج إلى رجل دين (مشعوذ) كي يفسرها ويحاول أن يغطي قبحها بما هو أقبح منها!

هذا من جهة ومن جهة ثانية، لا يمكن لعبارة واحدة أن تسيء إلى أي جزء من هذا الكون، بل على العكس

تتدفق نهرا من المشاعر الطيبة في نفس القارىء

وترتقي بروحه فوق قبائح المعتقدات سواء بالوعي أو باللاوعي عنده!

……..

كل الكتب التي تحكي عن هكذا تجارب تشرح أننا نأتي إلى الحياة لنتعلم درسا، نموت ونعود إليها لكي ندفع

ثمن أخطائنا، وبالتالي لنستمر في التعلم واكتساب الحكمة، حتى نصبح مع الزمن مجرد أرواح نقيّة طاهرة تسبح في عوالم أرقى من عالمنا الأرضي!

هذا الكتاب لم يشذّ عن هذه القاعدة.

الفكرة الجديدة فيه: أن هناك أرواحا نقية لم يسبق أن أتت إلى الأرض لتخطيء وتتعلم.

هذه الأرواح تتطوع بين الحين والآخر لتأتي إلى الأرض من عوالم أخرى، كي تساهم بطاقتها الجميلة في التخفيف من حدة كوارثها.

وجودها على الأرض يحملها عبئا ثقيلا في بعض الأحيان

تعجز عن حمله فتقرر العودة.

……..

وهذا، وفقا لرأي الكاتبة، يشرح الكثير من حالات الانتحار

ويشرح أيضا وجود حالات لأشخاص لا يستطيعون إطلاقا أن يتكيفوا مع جنون البشر.

ويعزز صحّة المثل الشعبي: لو خليت خربت

طبعا، علميّا لست متأكدة من استنتاجات الكاتبة،

ولا اؤمن بحرفيّتها.

لكن لا أستطيع أن أنكر الدور الذي لعبته في تعزيز قناعاتي وسلوكياتي،

والتي ملخصها أن عليّ أن أتعامل مع كل شخص ألتقي به كروح كونية متحررة من أي خلفية دينية أو ما شابه.

وأن أية محاولة لأميّز نفسي عن الآخر دينيا، فكريا، ماديا، علميّا أو لأي اعتبار آخر، هي محاولة عنصرية تسبب اضطراب الروح وبالتالي هزمها

……..

لقد استعرت تعابير (مضطربة ومنهزمة) من كتابين،

إحداهما للعالمة الروحانية الأمريكية Salvia Brown

التي تسمي هكذا أرواح

Troubled Souls

في كتابها On The Other Side

والآخر للمفكر الأمريكي Don Baker

الذي يسميها الأرواح المنهزمة defeated Souls في كتابه

What Happy People know

……..

نعم عندما تتخندق ضد الآخر تضطرب روحك وتنهزم،

وكذلك تساهم أيضا في اضطراب روح الآخر وهزيمتها.

من هذا المنطلق بت أرفض وأكره المعتقدات، التي تخلق عالما مهزوما ومضطربا حتى النخاع

أكمل القراءة

جلـ ... منار

مع اقتراب الذكرى 20 لرحيله… ياسر عرفات في جنين

نشرت

في

صبحي حديدي:

مادة ياسر عرفات (1929ــ2004) في غالبية الموسوعات الغربية التي تؤرّخ لـ”النزاع العربي ــ الإسرائيلي” تشدد على دوره في “عملية السلام” من مؤتمر مدريد، ومفاوضات أوسلو واتفاقياتها، وصولاً إلى كامب دافيد والتفاهمات المختلفة مع رؤساء حكومات إسرائيلية أمثال إسحق رابين وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك؛ أكثر من تركيزها على مواقعه القيادية، سواء داخل حركة “فتح” أو منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية في رام الله. وهذا تفصيل مفهوم الدوافع بالطبع، لا تخفى عنه مفارقات التاريخ بين حين وآخر، أو عموماً في واقع الأمر.

صبحي حديدي

على غرار المفارقة التالية: مع اقتراب الذكرى الـ20 لرحيل أبو عمّار، تشهد اليوم محافظات جنين وطولكرم وطوباس، والضفة الغربية والقدس إجمالاً، حروب اجتياح إسرائيلية لا تضرب عرض الحائط بقسط كبير من بنود اتفاقيات “عملية السلام” على امتداد مراحلها، فحسب؛ بل تحيلها، فعلياً، ومعها العملية بأسرها، إلى حبر باهت على ورق بالٍ. الأخبار، حتى الساعة، تشير إلى استشهاد أعداد إضافية من الفلسطينيين، بما يرفع عدد الشهداء في الضفة الغربية إلى 667 منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

وإلى جانب حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة، وامتدادها على أكثر من مستوى واحد إلى الضفة الغربية والقدس المحتلة، فإنّ الحال الرسمية للسلطة الفلسطينية عموماً، ورئيسها محمود عباس خصوصاً، تحيل بدورها إلى شخص عرفات، وإلى مفارقة قائد قال لا كبيرة، حاسمة ومبدئية ومشرّفة في كامب دافيد، صيف 2000، أمام الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك؛ إزاء محمود عباس، القابع في أروقة “المقاطعة” أو الخطيب أمام البرلمان التركي، أو طالب التوسط من ولي العهد السعودي.

وهذه حال تعيد إلى بُعد خاصّ، خلاصته أنّ عرفات لم يكن أقرب إلى تجسيد مشروعيات فلسطينية وطنية شتى، سياسية وتاريخية ونضالية وحقوقية وقانونية وأخلاقية، فحسب؛ بل لاح مراراً أنه التمثيل الرمزي الأخير، عملياً، لتراث في الكفاح المناهض للاستعمار والإمبريالية بدأ بعد الحرب العالمية الثانية على امتداد آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعُرف باسم “حركة التحرّر الوطني”. ولعلّ من المتفق عليه أنّ ذلك الكفاح اتخذ العديد من الأشكال والأساليب، وسار وفق خطوط عقائدية متباينة، وبلغ ذروته في الستينات والسبعينات، قبل أن يشهد محاقاً سريعاً حين أخذت الحرب الباردة تضع أوزارها، وانهار “المعسكر الاشتراكي” وتداعى نظام القطبين ليفسح المجال أمام هيمنة أمريكية ـ إمبريالية شبه مطلقة.

ومن الخير، والإنصاف المحض، ألاّ ينسى أحد ــ ويتذكّر الفلسطينيون خصوصاً ــ أنّ عرفات انتسب إلى تراث كفاحي تعدّدي مدهش، ضمّ أسماء أخرى شغلت نضالاتها النصف الثاني من القرن العشرين، واحتلّت مواقع أيقونية خالدة في ذاكرة الشعوب: ستيف بيكو ونلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، أميلكار كابرال في غربي إفريقيا، فرانز فانون في المارتينيك والجزائر، هو شي منه في فييتنام، جمال عبد الناصر في مصر والوطن العربي، كوامي نكروماه في غانا، أحمد سيكوتوري في غينيا، شي غيفارا في كوبا وأمريكا اللاتينية…

وممّا يُسجْل فضيلةً خاصة لصالح عرفات أنّ حركة التحرّر التي قادها لم تكن شبيهة أبداً بسواها: لم تكن القضية بعدُ على الخريطة، فضلاً عن أنّ “الشعب الفلسطيني” ذاته لم يكن موجوداً في عُرف قوى كبرى عديدة؛ وكانت الحركة في المنفى أساساً، ضمن بحر من الأنظمة الاستبدادية، التابعة أو المفرّطة في الحقّ الفلسطيني. خصمها الإسرائيلي، في المقابل، كان ويظلّ مخفراً متقدّماً للإمبريالية عموماً، وللولايات المتحدة خصوصاً: قوىّ حصين منيع نووي، مدلّل في الغرب بأسره، مرفوع فوق القانون الدولي، مستثنى من شرعة الأمم. وأخيراً، ولعله الاعتبار الأهمّ، أنّ حركة التحرّر الوطني الفلسطينية كانت في الآن ذاته نقيض حركة عقائدية واسعة النفوذ والتأثير هي الصهيونية، تزعم أنها “حركة تحرير” يهود العالم، وتتسلّح حتى النواجذ بعقدة الذنب التي حملها الغرب بعد أوشفيتز والمحرقة، وتحتكر عقدة الضحيّة الكونية الفريدة في عذاباتها!

في سنة 1991 نشر جون والاش وجانيت والاش كتاباً ضخماً بالإنكليزية تحت عنوان “عرفات: في أعين الناظر” وقع في أكثر من 540 صفحة، وكتب شمعون بيريس مقدّمة إحدى طبعاته؛ وانطوت فصوله على عناوين مثيرة مثل: “إماطة اللثام عن عرفات” “اللغز في الأحجية” “الجدار المقدّس” “أخوة وأعداء” “أيلول أسود/أيلول أبيض” “أقنية سرّية” “محرّمات كيسنجر” “من أوسلو إلى الخليل: مصافحات الأيدي وغصّات القلوب”…

في السطور الأولى، حيث جرت العادة أن يضع المؤلّف تصديراً خاصاً أو إهداءً، يكتب جون وجانيت والاش التالي: “القرد في عين أمّه غزال… مَثَل عربي اقتبسه مناصر لمنظمة التحرير، على سبيل شرح الفارق في صورة عرفات عند الغرب وعند الفلسطينيين”! وهنا فقرة أولى من تصدير الناشر على طيّة الطبعة المجلدة من الكتاب: “من مصافحة 1993 التاريخية مع إسحق رابين إلى التوتّر الراهن مع بنيامين نتنياهو، استأثر ياسر عرفات بمفاتيح السلام في الشرق الأوسط. ولقد حدث مراراً وتكراراً أن أُعلنت وفاته السياسية، ولكن الزعيم الفلسطيني كان ينهض ثانية مثل العنقاء لكي يتجاوز المعارضة. وبعد ستة أعوام من تحالفه مع صدّام حسين في حرب الخليج، يهلل له شعبه ويرى فيه صورة البطل، ويعتبر الكثيرون أنه صانع سلام. ومن خلال سلسلة اتفاقيات مرحلية انتقل من صورة المنبوذ إلى الرئيس والزعيم البرلماني للحكومة الفلسطينية. وجهوده جلبت له جائزة نوبل للسلام”.

وللمرء، غير المتغافل عامداً، أن يلاحظ هذا البناء الخلفيّ للصورة السلبية، أو لتضخيم الاحتمالات السلبية في معطيات محددة من الصورة:

ــ إذا كان عرفات هو الذي يستأثر بمفاتيح السلام في الشرق الأوسط، فإنه منطقياً واستطراداً صانع العراقيل والعقبات في وجهه، أو حتى كاره، السلام الذي لم يتحقق حتى الآن.
ـ وإذا صحّ أنّ وفاته السياسية أُعلنت مراراً وتكراراً، فإنه لم يكن يعود كالعنقاء لكي يتجاوز المصاعب والأزمات والمآزق، بل لكي يتجاوز… المعارضة! إنه إذن، منطقياً واستطراداً، رجل لاديمقراطي ما دامت روحه السياسية لا تُردّ إليه إلا لكي “يتجاوز المعارضة”!
ـ لقد تحالف مع صدّام. هل فعل، حقاً؟ وهل كان موقفه السياسي يندرج في صيغة “التحالف” أياً كانت حدود المصطلح السياسية القصوى؟
ـ ومع ذلك فإنّ شعبه يهلل له ويعتبره بطلاً. الترجمة الأخرى هي أنّ ذلك الشعب على شاكلة قائده: متحالف مع صدّام حسين، بل ويرى عنصر البطولة في ذلك التحالف!
ـ انتقل من صورة المنبوذ Pariah إلى صورة الرئيس، ليس لأنه استحقّ ذلك في نظر شعبه وبعد انتخابات ديمقراطية، بل بسبب “اتفاقيات مرحلية”! وهو ليس الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وقائد حركة فتح بل “زعيم برلماني” ليس أكثر!
ــ وأخيراً، ما الذي جلب له جائزة نوبل للسلام؟ “جهوده” وليس أفعاله وأقواله في سبيل السلام، وليست نضالاته وتضحياته التي جعلت ذلك السلام ممكناً وتلك الجائزة تحصيل حاصل، خصوصاً أنها مُنحت مُثالثة مع رابين وبيريس… الأمر الذي لا يشير إليه الناشر!

هذا محض أنموذج على تشويه صورة عرفات، وأمّا التاريخ فإنه لا يكفّ عن صناعة حضور عرفات في جنين وطولكرم وطوباس، كما في غزّة المدينة ودير البلح وخان يونس؛ أو حيثما يتعالى شعبه عن روائح جثة هامدة كانت تُسمى “عملية السلام”!

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

صن نار