جور نار
لا تصدّقوا الرئيس…و لا تصدّقوا الحكومة….
نشرت
قبل 4 سنواتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashأن تختار الكفاءات عليك أن تكون كفاءة أكبر من بقية الكفاءات…لذلك أتساءل أحيانا هل اختار حقّا مولانا أمير المؤمنين أطال الله عمره، الأقدر و الأكفاء لإدارة المرحلة القادمة و هل حقّا مولانا هو الأكفأ لاختيار الأكفأ و الأقدر…منذ أن خرجنا على هذه الدنيا و نحن نردّد شعار “الرجل المناسب للمكان المناسب” فهل حقّا نحن نفعل ذلك؟؟
منذ أن أصبحنا نعي بعض دواليب السياسة عرفنا و قرأنا في دساتيرنا و قوانيننا و استمعنا إلى منظرينا و جهابذة دولتنا أطال الله عمرها، أن الحلّ يكمن دائما في وضع الرجل المناسب على الكرسي المناسب…حفظنا كل هذه الشعارات عن ظهر قلب فجميعنا يرددها …أحزابنا…مجتمعنا المدني…منظماتنا…جميعهم يرفعون هذا الشعار و لا أحد طبّقه يوما… فهل حقّا من يجلسون اليوم على كراسي السلطة هم الأنسب لتلك الكراسي…و هل فعلا نجح أمير المؤمنين أطال الله عمره في اختيار الأنسب للجلوس على كرسي القصبة و هل حقّا نجح الشعب في اختيار الأنسب و الأقدر ليسكن قرطاج…
أظنّ أننا خُدعنا و خدعنا أنفسنا جميعا، و أن الآتي سيكون أفظع من الحاضر و من الماضي…و لا أظنّ أن وضعنا الحالي سيستقيم حاله حتى و إن عاد بورقيبة و بن علي رحمهما الله و من معهما إلى كراسي الحكم فالخراب أتى على كل ما بنيناه…و أتمنى أن لا تصدّقوا من يخرج عليكم من “صبيان” المنظومة السابقة ليقول لكم لنا الحلول لكل مشاكلكم، فأغلب من ترونهم من الذين يقدّمون أنفسهم أبناء المنظومة السابقة بشقيها الدستوري و التجمعي هم من الصفوف العاشرة و أغلبهم من الاحتياطيين الذين كانوا يتمنون خطّة معتمد أو عمدة فوق الرتبة …
لا تنصتوا إليهم فرجالات بن علي القادرون و الأكفاء لا يتقنون الصراخ و لا يقبلونه أصلا و لا يعرضون خدماتهم على قارعة الطريق…فهم يتقنون العمل و البناء فقط…و يبدعون في قيادة المجموعات…و لا أظنهم سيقبلون بالعودة إلى كراسي السلطة بعد أن ظلمناهم و قلنا فيهم ما لم يقله مالك في الخمر…و سجَنَا بعضهم ظلما فقط لأن سي الباجي رحمه الله و غفر له سكت عن ذلك ليُرْضي شركاء المرحلة ضمانا لكرسي قرطاج …قد تؤلم هذه الحقيقة أو الصراحة بعض الذين لا يعترفون بها، لكن هل حقّا اخترنا الأنسب لينقذ ما أمكن إنقاذه من دولة قصموا ظهرها؟…
قبل 14 جانفي كان هؤلاء الذين يحكموننا اليوم يصرخون “لنا البديل و سنجعل من البلاد جنّة…سننشر العدل…و سنقطع دابر التهميش…و سنكرّس اللامركزية…و المساواة بين الجهات….و سنقضي على البطالة….و سنرفع المظالم…و سنقضي على الفساد…” ثم ماذا قالوا لنا بعد أن أغرقوا البلاد في وحل لن تخرج منه قبل ثلاثة عقود على الأقل…قالوا احمدوا الربّ فنحن خلّصناكم من الدكتاتور المستبد الطاغية بن علي…و بعثنا بطواغيته إلى السجون …و أخرجناكم من الظلمات إلى النور…احمدوا الربّ اليوم تستمتعون بحرية التعبير ….و تنعمون بحرية الانتماء و الاختلاف…احمدوا الربّ اليوم تعيشون أجمل أيام ديمقراطيتكم….
يا سلام…أكان حقّا بن علي كما يصفون…أكان رجالاته طغاة كما يتهمون و ينعتون؟؟ أعرفتم أننا فعلا خدعنا فمن خرجوا علينا بعد 14 جانفي باعوا لنا الأوهام، و شوهوا لنا تاريخا كان بكل المقاييس أجمل من حاضر أصابنا بالاكتئاب رغم يقيننا أنه في حاجة إلى إصلاح شامل و عميق…ماذا فعلوا بعد خروجهم علينا…لا شيء يذكر…أغلقوا مواقع الإنتاج بدافع حرية الاعتصام و الإضراب …أطردوا الكفاءات بدعوى الفساد و المحسوبية …قاموا بحملات تسوية للوضعيات في كل القطاعات رفعا للمظالم كما يزعمون ….تمتعوا بالتعويضات يسارا و يمينا تعويضا على نضالهم ضدّ بن علي و بورقيبة و كأن بورقيبة و بن علي كانا يعملان مع المستعمر، و كأن بلادنا كانت مستعمرة إلى حدود ليلة الرابع عشر من جانفي…
أغدقوا العطاء على كل من رفع صوته مطالبا بالزيادة في الأجور و لسان حالهم يقول “أعطه ألف درهم يا عبيدة و سيصمت”…ماذا فعلوا للعاطلين لا شيء سوى الترخيص في جمعية ينشطون تحت رعايتها… هؤلاء هم من وعدوكم بالتشغيل …و الكرامة…و العدل….و المساواة…فلماذا تشتغلون و أنتم تنعمون بحرية الرأي و النباح…و ماذا تفعلون بالمساواة و أنتم تنعمون بحرية شتم بعضكم لبعضكم….و ماذا تفعلون بالكرامة و أنتم تنعمون بحرية غلق الطرقات و غلق مواقع الإنتاج و طرد أرباب عملكم…خلاصة قولي مشكلتنا ليست مشكلة كفاءات أو أحزاب، مشكلتنا اننا نتنفس حقدا…و لا أحد يقبل بالآخر…فجميعنا يعرقل الآخر كي لا ينجح في إدارته للبلاد…هكذا…و جميعنا يشيطن الآخر كي لا يخرجنا مما نحن فيه اليوم…
سادتي أهدافنا أصبحت مغايرة عن تلك التي نشرناها في برامجنا الانتخابية….أهدافنا اليوم كيف نتخلص من خصومنا و كيف نمرّغ رؤوسهم بالتراب….و بعد “يعمل الله”… حين تستمعون إلى نائب من سكان مجلس باردو يصرخ عاليا بكلام يقطر قذارة…و حين تستمعون إلى صحفي باع ذمته يصرخ عاليا في أحد منابر قنواتنا الإعلامية الهابطة لمجرّد أن مشغّله أمره بذلك و دفع له مسبقا ثمن صراخه و تفوهه بأقذر الكلام…ستعرفون أننا لن نخرج مما نحن فيه بالسهولة التي يتصورها البعض…فهؤلاء هم من يحكمونكم اليوم…تعالوا لنصعد إلى قصر مولانا…فهل مولانا معصوم من الخطأ يا جماعة…لا….و لن يكون…فمولانا مثله مثل البقية يستعمل بعض ما توفر لديه من مخزون حقدي لتصفية بعض حساباته مع بعض خصومه…و لا أنصحكم بالتصفيق لما يقوله مولانا فمولانا يعيش حالة غريبة لا شأن لها بالسياسة و لا بمن يحكمون….هذا هو حالنا …و لن يتغيّر …
من يخرج عليكم صارخا “ستكون حكومة إنجازات”….لا تصدقوه…فجميعهم رفعوا نفس الشعارات منذ عشر سنوات…و لا تغركم الأحزاب أو الكتل التي خرجت و أعلنت البيعة لمن اختاره مولانا ساكن قرطاج فجميعهم سعداء فقط لأنهم سيحكمون بالوكالة…و قد يعلنون البيعة لمن سيأتي بعده …و من سيأتي بعد الذي سيأتي بعده…كما لا تغركم الأصوات التي ارتفعت ضدّ حكومة مولانا أمير المؤمنين و أميره المختار لكرسي القصبة فجميعهم وجدوا أنفسهم خارج حسابات جلالته…إذن فلا أحد غضب أو سعد بما يجري بين القصرين من أجل تونس بل من أجل حسابات و مصالح ضيقة لن تستفيد منها البلاد و لا العباد….
أقولها و أنا على يقين من قولي…لا تُصدّقوا الرئيس، و لا تصدّقوا الحكومة…فما لم يخرج منكم من يصرخ عاليا: كفانا أحقادا…فلن يتغيّر حالنا…ما لم يخرج أحدكم ليُجْلِسكم حول طاولة واحدة تنسون فيها كل ما مضى بحلوه و مرّه لن يتغيّر حالكم و حال البلاد و العباد….و ما لم يخرج منكم من يقول لمن كانوا سببا في ما نحن فيه “أخرجوا فلا حاجة لنا بمبادراتكم و حلولكم الملغومة” فلن يصلح حال البلاد….و لا أمر العباد…و لمن يصرون على خراب البلاد أقول… دمتم في أحقادكم تسبحون….و للوطن غارقا تبكون….
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 18 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟