جلـ ... منار
هل تفعلها كامالا هاريس؟
نشرت
قبل 3 أشهرفي
من قبل
التحرير La Rédactionعبد الله السنّاوي:
إنه سؤال الساعة في العالم كله، لا فى الولايات المتحدة وحدها بقدر الدور الذى تلعبه فى أزماته وحروبه.
إثر الصورة الكارثية، التي بدا عليها الرئيس “جو بايدن” في المناظرة التي جمعته مع غريمه “دونالد ترامب”، كان استبدال الجياد أمرا محتما.
حسمت الأمور سريعا لصالح نائبته “كامالا هاريس”.
لم يكن الحزب يحتمل منازعات جديدة على من يخلف بايدن والانتخابات تطرق الأبواب، وإلا فإن الهزيمة مؤكدة.
كان اختيارها إجباريا دون رهانات كبرى على قدراتها بالنظر إلى حضورها الباهت في ظل “بايدن”.
المفاجأة الحقيقية أنها أعادت اكتشاف نفسها عندما أخذت تتحرك كرئيسة محتملة لأكبر قوة دولية.
بدت أكثر ثقة في قدرتها على إلحاق الهزيمة بـ”ترامب”، الذي يمثل هاجسا مقيما بأوساط الحزب الديمقراطي أن يعود مجددا إلى البيت الأبيض.
بدا السؤال مقلقا وملحا: هل بوسعها أن توقف زحفه؟
بأسرع من أي توقع أخذت السمت الرئاسي، وامتطت موجة الرهان الاضطراري عليها.
تحدثت كمدعية عامة سابقة عن الرئيس السابق كـ”مجرم” ثبتت بحقه اتهامات مخلة بالشرفين الشخصي والسياسي.
كان ذلك بحد ذاته داعيا إلى ضخ الحماس في حملة ديمقراطية باهتة لوقف صعود ترامب، خاصة في أوساط الشباب والأجيال الجديدة.
بنزعتها اليسارية مثلت نقيضا متماسكا لخيارات وسياسات “ترامب”.
بصورة قياسية تدفقت الأموال في خزينة الحملة الانتخابية في اليوم الأول لطرح اسمها.
كان دعم بايدن داعيا جوهريا في قطع الطريق أمام الذين حاولوا منازعتها على الترشح باسم الديمقراطيين بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
تبارت رموز الديمقراطيين وقيادات أوروبية ودولية في الإشادة المفرطة بـ”بايدن” ووصف فترة ولايته بـ”الاستثنائية”.
بالمفارقة فإن أغلبهم دعوا، أو تمنوا خروجه من السباق الانتخابي خشية خسارته على خلفية حالته الصحية والإدراكية.
لدواعٍ انتخابية استهدف المديح الزائد الحفاظ على وحدة الحزب أمام دعايات “ترامب”، الذي دأب على وصفه بأنه أسوأ من تولى المنصب الرئاسي قبل أن يلحق السوء نفسه بنائبته “هاريس”.
على بعد مائة يوم من الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن كل شيء محتمل ووارد.
لم تعد الانتخابات محسومة لـ”ترامب” سلفا ولا صعود “هاريس” مستبعدا.
حسب استطلاعات الرأي العام الأمريكية فإن نسبة تأييد المرشحة الديمقراطية بين الشباب تصل إلى نحو (60%)، غير أن المعركة الانتخابية سوف تظل مفتوحة بلا حسم ربما حتى إغلاق لجان الاقتراع.
وإذا وفقت في اختيار نائب رئيس جديد له حضوره وشعبيته فإن ذلك قد يكون من دواعي رفع سقف فرصها بحصد المنصب الرئاسي.
بالحساب العرقي في بلد متنوع يعاني من وطأة العنصرية فإنها أول سيدة سوداء مرشحة أن تصل إلى الموقع الأول في النظام السياسي الأمريكي.
وبالحساب التاريخي فإنه من غير المستبعد أن تكون الشخصية السادسة عشرة في قائمة من صعدوا من ظل الرئيس إلى المكتب البيضاوي.
إذا ما طالعت قائمة نواب الرئيس بعد الحرب العالمية الثانية، الذين صعدوا للموقع الأول، فإنها تضم رئاسات فوق العادة، كـ”هارى ترومان”، و”ليندون جونسون”، و”ريتشارد نيكسون”، و”جيرالد فورد”، و”جورج بوش” الأب.
صعود “هاريس” الصاعق أزعج “ترامب”.
في البداية سخر قائلا إن هزيمتها أسهل من هزيمة بايدن، لكنه اكتشف سريعا أنها لن تكون لقمة سائغة.
هكذا عاود سيرته الأولى في إثارة الشكوك حول كفاءتها والقول إنها يسارية متطرفة سوف تفضى بالولايات المتحدة إلى التهلكة!
دعا إلى مناظرتها لعله ينجح في وقف ظاهرتها من أن تتمدد وتحسم الانتخابات قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
بالمفارقة فإنها تصل إلى الستين من عمرها في (20) أكتوبر المقبل قبل الانتخابات الرئاسية بأيام قليلة، فيما هو يكون قد تجاوز الثامنة والسبعين.
كأن السحر ينقلب على الساحر، فهو بحكم الزمن مرشح لتكرار سيناريو بايدن إذا ما دخل البيت الأبيض مجددا.
إذا انتخبت هاريس لن تكون نسخة جديدة من بايدن.
هناك ما هو ثابت بحكم المصالح والاستراتيجيات شبه الراسخة، وهناك ما هو متغير بحكم طبائع الرئاسات والأولويات التي تتبناها وقدر ما تتمتع به من كفاءة.
بايدن وهاريس خياران متباينان.
الأول، ابن المؤسسة الأمريكية ويلتزم حقائقها ومصالحها.
الثانية، مدعية عامة سابقة ونائبة مخضرمة، جاءت من أصول أفروآسيوية.
على وجه آخر فإن ترامب وهاريس خياران متناقضان.
أولهما، يمثل اليمين الشعبوي .. وثانيتهما، تمثل النزوع اليساري.
لن تمضى “هاريس” على خطى بايدن في الأزمات والحروب التي أدارها.
ستحاول أن تتخفف من نزعته العسكرية المفرطة في حرب أوكرانيا وغزة دون تعديل في التوجهات الرئيسية.
تقف، كـ”بايدن”، مع ترسيخ التحالف الغربي ممثلا فى حلف الناتو ودعم العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين وحصار روسيا تحت سقف عدم التورط في صدام عسكرى معها.
لن تمضى كـ”ترامب” في تسوية سريعة للأزمة الأوكرانية، وقد تحاول عكسه أن تتخفف من درجة التحالف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كان مستلفتا تجنبها المشاركة في الجلسة الخاصة، التي تحدث فيها نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس بذريعة التزامها بمؤتمر انتخابي في الوقت نفسه.
أرادت عن قصد سياسي ألا يجمعها مشهد احتفالي واحد مع نتنياهو، أو أن تكون طرفا في مظاهرة سياسية تدعم سياسته العنصرية، أو أن تسيء إلى صورتها أمام جمهورها الانتخابي في أوساط الديمقراطيين.
كان ذلك داعيا لهجوم ساخط عليها من جمهوريين استدعوا نتنياهو لإحراج بايدن بدعوى منع السلاح عنه لإلحاق الهزيمة الكاملة بالمقاومة الفلسطينية.
كانت تلك مغالطة مع الحقائق ومناكفة انتخابية بالوقت نفسه.
بالأرقام، غاب نحو ثلثي الديمقراطيين في مجلسى الكونغرس عن حضور تلك الجلسة.
بدت الجلسة نفسها استعراضا سياسيا مبتذلا أخذ فيه نتنياهو يمتدح بطولات الجيش الإسرائيلى وحرصه على حياة المدنيين مكيلا الاتهامات لخصومه ومعارضيه الأمريكيين خاصة المتظاهرين أمام مبنى “الكابيتول” ضد زيارته.
وصف كل من يعارض حرب الإبادة على غزة ب”معاداة السامية”، ونالت نفس التهمة من المحكمة الجنائية الدولية، التي تنظر في استصدار مذكرة ايقاف بحقه.
في وقت لاحق التقى نتنياهو ب”بايدن” و”هاريس” كل على انفراد.
بدت “هاريس” حريصة على التوازن المحسوب بين تأكيد الالتزام التقليدي بأمن “إسرائيل” و”حقها” في الدفاع عن نفسها، وبين الموقف الأخلاقي والسياسي الذي استدعى أن تقول بصراحة لافتة: “لن أصمت على معاناة الفلسطينيين في غزة”.
اختبار غزة يدخل في صميم السباق الانتخابي الأمريكي، وهذه مسألة تتعلق بمستقبلنا ومصيرنا.
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
صن نار
- ثقافياقبل 30 دقيقة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 39 دقيقة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 11 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل 22 ساعة
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟