جلـ ... منار
هيكل في ظل عبد الناصر (ج 2)
نشرت
قبل 4 سنواتفي
اكتساب الثقة موهبة متأصلة عند هيكل، وفن يتقن قواعده، وكانت مواهبه الأخرى كثيرة ومتعددة، فتفوق على ثلاثة كانوا قد سبقوه إلى الاقتراب من كثيرين من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعرفوهم معرفة وثيقة، إبان سنوات الإعداد لها، وكانوا ثلاثتهم يصادقون عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم (6).
تفوق هيكل على إحسان عبد القدوس صاحب معركة «الأسلحة الفاسدة»، وتفوق على أحمد أبو الفتح (7) بكل معاركه حول قوانين «تعبيد الصحافة»، وتفوق على حلمي سلام صاحب الحملة على «فساد إدارة الجيش».
تفوق على الجميع، لأنه بلا شك كان يملك ما لا يملكونه، تفوق عليهم، لأنه كان مؤهلاً لهذا التفوق، ولأنه كان موهوباً بالفطرة ليتبوأ تلك المكانة.
**
كان هيكل مجرد صحفي بين صحفيين. لا هو أشهرهم و لا أخملهم. و لكنه بالقطع كان من أذكاهم. و قد صادفه حظه، و صادف هو قدره.
و لم يكن أياً من دعاة النظام السابق مؤهلاً لأن يكون داعية النظام الجديد خاصة لدى الرجل الأول في هذا النظام. كانت الساحة مليئة بأسماء تتقدم لتنال رضا النظام الجديد و رجله القوي.
مصطفى أمين حاول، و لكن عبد الناصر كان يشك في نواياه، لأنه كان مسموعاً و مقروءاً في نظام ما قبل الثورة.
كان الذين قاموا بثورة يوليو سنة 1952 قد طلعوا من المجهول، و لم يكن ليقبلوا التعامل مع هؤلاء الذين كانوا نجوماً في عصر ما قبل الثورة. و هكذا سقط واحد مثل التابعي. و تأرجح موقع وموقف مصطفى أمين. و الآخرون جميعاً قصرت مؤهلاتهم عن أن تدفع بهم إلى الموقع الأثير لدى رجل النظام الجديد.
وحده هيكل، دفعته جملة مصادفات إلى حيث يمكنه أن ينفرد بتلك المكانة و ذلك المكان. لم يكن ملوثاً قدر ما كانوا ملوثين. لم يكن منخرطاً قدر ما كانوا منخرطين. لم يكن ذا لون سياسي قدر ما كانت لهم ألوان و انحيازات. و اللون السياسي يجذب كما أنه ينفر.
و كان مؤهلاً أكثر من غيره لتقدير و تفهم و التعبير عن أفكار القادم الجديد. بدا كأنه واحد من القادمين الجدد، عمره قريب جداً إلى أعمارهم. يوم الثورة كان عمره حوالي 29 سنة، و هم أكبر بسنوات معدودة، لا تزيد على الخمس و الست سنوات.
كان معهم من نفس الجيل، من نفس الطبقة، من الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى. كانوا تواقين لصناعة مجد الأمة. و لتخليد أسمائهم في التاريخ. و كان تواقاً لصناعة مجده و تخليد اسمه في التاريخ. لم يكن مثلهم ثورياً. و إن كان مثلهم يأمل في عهد جديد يتيح له و لطبقته ما حُرمت منه طويلاً.
**
من حسن حظ جمال عبد الناصر أنه وجد واحداً مثل هيكل بالقرب منه. و من حسن حظه أيضاً أنه وجد مفسراً و معبراً عن سياسته بهذه الروعة التي وجدها في هيكل الكاتب و الصحفي.
كان عبد الناصر فوق قمة الهرم، في أعرق سلطة دولة في العالم، و هناك فوق تلك القمة لا أحد غير العزلة و الوحدة، و لا شيء غير صقيع القمة. و في هذه العزلة، و في تلك الوحدة، و في ذلك الصقيع يصبح واحد مثل هيكل هدية من السماء.
وقد لامس هيكل هذا الصقيع بيديه، و كتب عن ذلك مرة قال: «كنا ليلتها على ظهر باخرة الحرية، في وسط الأدرياتيكي قادمة من يوغوسلافيا، بعد اجتماع بين عبد الناصر و تيتو(8) ، و كانت الثورة في العراق قد قامت يوم14 يوليو سنة 1958، و فى وسط طريق العودة، و نحن بعد في الأدرياتيكي، جاءت الأنباء بحشود الأسطول الأمريكي السادس في البحر الأبيض و بالإنزال الأمريكي على شاطئ لبنان.
و فكر جمال عبد الناصر أن يقطع عودته إلى الإسكندرية، و فكر في وسيلة يطير بها إلى موسكو يتباحث مع القادة السوفييت في التطورات الجديدة، لكي يستطيع تقدير موقفه بجلاء و يقين، قبل أن يعود إلى منطقة الشرق الأوسط، و العواصف المتحفزة للهبوب عليها.
و دعانا إلى مكتبه على ظهر الباخرة الحرية: الدكتور محمود فوزي و أنا، ثم طلب رأينا في فكرته بأن يطير إلى الاتحاد السوفيتي، و أعطانا ربع ساعة، لكي نعود إليه بجواب.
و خرجنا نفكر معاً، ثم عدنا بعد ربع ساعة، و قال الدكتور فوزي للرئيس: «إنك وحدك تستطيع أن تجيب على هذا السؤال بتفاعلك الداخلي مع الحوادث، و باتصالك العميق بالجماهير العربية، هذا سؤال يتولى الجواب عليه «إلهام الزعامة»، و لا يتولى الجواب عليه «حساب المنطق»، قرر بإحساسك ماذا تريد؟، و ما تقرره سوف يكون الصواب»، و أصغى الرئيس جمال عبد الناصر في سكون، ثم كان قراره وحده بالسفر. و كان تعليق هيكل: «أحسست بالوحدة المروعة عند القمة».
أحس هيكل بالصقيع الذي يعانيه من هم فوق القمة. و لعلها لم تكن المرة الأولى التي يلمس تلك البرودة عن قرب، و لكنها بالنسبة لنا تدل على وعيه المبكر بما يعانيه صاحب القرار من وحدة و عزلة، و مسؤولية، و أمانة ناءت بحملها الجبال. و لا شك عندي أن وعي هيكل المبكر بهذه الحالة جعله يرسم لنفسه دوراً إلى جانب الرئيس، دور يكون مفيداً فيه، بأكثر ما يكون مجرد عالة على صاحب القرار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
* محمد حماد: كاتب و صحفي مصري، مؤلف كتابي “الرئيس و الأستاذ” – “دراما العلاقة بين الكاتب و السلطان و قصة الدستور المصري”، و نائب رئيس تحرير صحيفة العربي السابق
(6) صلاح سالم (1920 ـ 1962): ضابط مصري، تخرج في الكلية الحربية سنة 1940 و هو في الثامنة عشرة من عمره. تخرج في كلية أركان الحرب سنة 1948، و شارك مع قوات الفدائيين التي كان يقودها الشهيد أحمد عبد العزيز، و هو الأخ الأصغر لجمال سالم، انضما إلى تنظيم الضباط الأحرار، ثم صارا عضوين بمجلس قيادة الثورة بعيد 23 يوليو سنة 1952، تولى وزارة الاعلام في بداية الثورة، و اشتغل بالصحافة حيث تولى الاشراف على صحيفتي الشعب و الجمهورية، و تولى رئاسة مجلس ادارة دار التحرير للطباعة و النشر، و رأس تحرير جريدة الجمهورية. كان صلاح سالم أول من توفى من أعضاء مجلس قيادة الثورة، حيث توفي في سن صغيرة عن عمر 41 عاما في 18 فيفري 1962 بمرض خبيث، و تصادف موته مع الانتهاء من الأعمال التنفيذية للطريق الذي أطلق اسمه عليه، و أصبح من أشهر شوارع القاهرة.
(7) في كتابه: « لمصر لا لعبد الناصر» ص 72 يذكر الأستاذ هيكل أن أحمد أبو الفتح كان قد تعرف إلى جمال عبد الناصر عن طريق صهره ثروت عكاشة الذي كان عضواً مرموقاً في حركة الضباط الأحرار، و يعترف هيكل بأن: «صوت الأستاذ أحمد أبو الفتح كان من الأصوات المسموعة لدى مجلس الثورة في الفترة الأولى، فقد كان دوره وسط مجموعة الشباب التقدمي الجديد الذي ظهر في حزب الوفد و على اليسار من التيار الرئيسي فيه، دوراً ظاهراً و من هنا كان طبيعياً أن يكون الأستاذ أحمد أبو الفتح حلقة الاتصال بين النظام الثوري الجديد و بين حزب الوفد الذي كان حزب الأغلبية في ذلك الوقت. و مع بداية سنة 1953 بدأت الخلافات تدب في العلاقات بين جمال عبد الناصر و الأستاذ أحمد أبو الفتح لأسباب سياسية و أخرى نفسية و بعضها يعود إلى وفاء الأستاذ أحمد لأخيه محمود».
8) جوزيف بروز تيتو (7 مايو 1892 ـ 4 مايو 1980): رئيس يوغسلافيا في الفترة من 14 جانفي سنة 1953 حتى وفاته في 4 ماي سنة 1980 بعدما حكم يوغوسلافيا لمدة 35 عامًا، و انقسمت الدولة بعد رحيله بحوالي تسع سنوات. بدأت مواقف تيتو من القضايا العربية منذ لقائه مع الرئيس جمال عبد الناصر، و وقفت يوغسلافيا بجانب مصر و أيدتها في قرار التأميم، و ظهر موقفها الداعم لمصر في الأمم المتحدة، و كان تيتو من الداعمين للوحدة العربية بين مصر و سوريا سنة 1958 و إعلان الجمهورية العربية المتحدة. و ساند مصر في حرب الاستنزاف التي أعلنها الرئيس عبد الناصر ضد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، و قام تيتو بزيارات عديدة إلى مصر، و جرى خلال تلك الزيارات توحيد الجهود ضد الاستعمار و الصهيونية، و حتى بعد رحيل عبد الناصر سنة 1970، ظل تيتو وفيا لخطه الأول و لم يحد عن دعم القضايا العربية العادلة حتى رحل في 4 ماي سنة 1980.
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!
بنزرت… ملتقى إقليمي عن برامج المؤسسات الثقافية وتوقيت عملها
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 7 ساعات
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
- ثقافياقبل يوم واحد
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل يوم واحد
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يومين
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات