تابعنا على

جور نار

ويل للمصفقين … الذين كانوا باسم مولاهم عاليا يصرخون !!

نشرت

في

لسائل أن يسأل هل درس مولانا أمر انقلابه جيّدا قبل أن يُقدم عليه؟ من استهدف بالضبط من جمهور الأحزاب والأتباع والأنصار ليدير رقابهم نحوه؟ مولانا جلس طويلا أمام التلفاز …وقرأ جيدا تبعات ما يدور تحت قبّة باردو…كما أنه تابع عن قرب نشاط المشيشي وتحركاته خارج أوقات عمله…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

مولانا كان يعلم جيدا أنه لن يكسب ودّ الجميع، ولن يدير رقاب كل قواعد الأحزاب، وعليه أن يكسب البعض منها، حتى يتمكّن في مرحلة أخرى من كسب ولاء البقيّة…والأكيد أن مولانا سأل نفسه “من يا ترى يثير الغثيان من الأحزاب ومن يتحمّل تبعات كل هذا الفشل؟” طبعا مولانا يدرك أنه مُقْدم على عملية “انتقامية” سياسيا من خصومه الذين افتكوا منه كرته …عفوا وزيره الأول “الهشْ”…مولانا لم ولن يغفر للمشيشي ارتماءه في حضن الغنوشي، فقرر أن يعاقبه ومَن احتضنه ومن حوّل وجهته…كيف ذلك؟ وكيف يضرب العديد من العصافير بحجر واحد؟ فهو يبحث عن طريقة يقضي بها على الأحزاب…وعن خطّة يقضي بها على طموح بعض الأحزاب…فتفتيت المشهد الذي عملت عليه النهضة طويلا ونجحت فيه لمدّة قاربت العشر سنوات، هو الأمر الوحيد الذي قد يضمن لمولانا البقاء على العرش، وفي رعاية كل أغلبية الأنصار…والأتباع…

مولانا وضع في كنش حساباته “كره” الدساترة أو أغلبهم للنهضة…وحقد النهضة على الدساترة ومتفرعاتهم…ووضع في حسابه أيضا “كره” الدساترة وبقية الأحزاب الوسطية لائتلاف الكرامة ونوابه…كما لم ينس الثأر الذي بين اليسار والنهضة ومن معها ومن يحوم حولها من ائتلاف وصولا إلى قلب تونس، فاليسار حين يصرخ في خرجاته التنشيطية لشارع بورقيبة يصرخ “الشهيد خلى وصية لا دساترة ولا خوانجية” هكذا إذن قرأ مولانا كل المشهد وكل اسقاطات وتبعات “انقلابه” على بقية المنظومة التي يرأسها بوصفه رئيسا للجمهورية…وللمنظومة الحالية…

فمولانا أدرك أنه بضرب النهضة والشيخ، وبفعل الصدمة سيكسب ودّ الدساترة أولا وهم أغلبية من في المشهد، بمن انضموا إلى بعض الأحزاب، وبمن صعدوا على الربوة وشاهدوا حجم الخراب…كما أن مفعول الصدمة سيجعل أغلب قوى اليسار ينضمون دون تردّد إلى جوقة المصفقين لمولانا…ولم ينس مولانا أنه سيكسب آليا دعم ومساندة كل القوى القومية والعروبية من حركة الشعب إلى بقية الأحزاب الناصرية والعروبية التي تحقد على النهضة ومن معها…دون أن ينسى التيار الديمقراطي الذي سيجد منه مساندة ربما غير مشروطة في بادئ الأمر…لكن مولانا لم يقرأ حسابا لإمكانية انقلاب الدساترة ضدّه لو تفطنوا أنه يريد ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن خلال ضرب النهضة وصبيانها سيضرب الدستوري الحر في برنامجه العلني “معاداة النهضة ومن معها” الذي أكسبه كل الدعم والمساندة وجعله يصعد إلى المرتبة الأولى على سلّم الزرقوني…فمولانا ليس بورقيبيا كما يروّج البعض ولا ولم يتفق مع الدساترة أبدا سابقا …ولا أظنه مستعد للبحث عن كسب ودّهم في الوقت الحاضر…كما أنه لم ينس عمود أنصاره الفقري أيام الانتخابات وهم قرابة النصف مليون ناخب ومصفّق منخرط…

هكذا إذن اختار مولانا إعلان الحرب على من افتكوا منه “صَبِيه” وجعل مما وقع يوم 25 جويلية خطرا داهما لينفّذ به مخططه لكنه نسي أمرا مهمّا، وهو أن عامل الصدمة لا يدوم طويلا ويجب أن يكون متبوعا بقرارات صادمة ارتدادية أخرى لا تترك مجالا ووقتا للخصوم لمجرّد التفكير في ردّة فعل أو ما شابه…

مولانا طرب كثيرا لردّة فعل الشارع والجماهير التي تهتف طويلا باسمه…وأعجبته حكاية الدروس التي يلقيها أمام كل من يلتقيهم…ونسي أن من خرجوا إلى الشارع ليباركوا ما أتاه  ليسوا من موظفي الدولة ولا من قواعد الكثير من الأحزاب….كما نسي أن من انتخبوه ليسوا من أتباعه ولا من مسانديه بل أغلبهم من الأحزاب التي قررت قطع الطريق أمام نبيل القروي…مولانا أدرك بعد مدّة أن من خرجوا يصرخون باسمه أغلبهم من العاطلين عن العمل، وهم الذين ينتظرون معجزة من السماء تخرجهم مما هم فيه، وتعيدهم إلى الحياة فالعاطل عن العمل كالميت مع تأجيل التنفيذ، فهؤلاء سيخرجون غدا بعد أن ينفد صبرهم ليطالبوا من صفّقوا له طويلا بحلّ لمشكلاتهم…فقد يصفقون طويلا ويصرخون كثيرا وعاليا على كل ما يأتيه مولاهم من إيقاف لشخصية مكروهة…ومن وضع لشخصية أخرى تحت الإقامة الجبرية، ومن درس ألقاه في قرطاج على أحد ضيوفه…لكنهم سيشعرون يوما بأوجاع وألم وجوع واحباط وأرق…وسيصرخون “إلى أين نحن ذاهبون” أين وعود مولانا …

مولانا ومولاهم نسي أيضا أنه استعمل فصلا من الدستور لينقلب على شركائه في المنظومة…وأنه قد يجد معارضة قانونية واسعة للمسّ من الدستور دون تشريك الجميع في الأمر، وقد يصبح ما أتاه انقلابا في نظر الداخل والخارج، حينها قد يتأزم الوضع كاملا وقد يخسر كل ما بناه… ودرءا لما قد يعترض طريقه استنجد مولانا ببعض أساتذة القانون الدستوري من الذين يفوقونه تجربة وعلما ودراية بعمق القانون الدستوري فأفتوا له وأصبحوا من المصفقين…الناطقين باسمه…والرافعين لرايته…

هكذا إذن فشل مولانا في العبور بمشروعه الانقلابي من محطّته الأولى، إلى بقية المحطات…فمولانا تورّط في مسؤولية التسيير الحكومي وغرق في وحل الأجور والميزانية ولم يتقدّم خطوة واحدة نحو الانفراج بل أصبحت البلاد على مشارف إعلان الإفلاس الرسمي…وتورّط في تشكيل حكومة بسبب عقدة الخوف والريبة من كل من سيرشحهم لحقائبه الوزارية، فما أتاه المشيشي أصبح هاجسا تطوّر إلى عقدة عند مولانا، فهذا الأخير يعاني اليوم من “العقدة المشيشية” ولا أظنّ أنه سيثق في أي اسم يعرض عليه لذلك فلا غرابة أن يأتي بتشكيلة حكومية من داخل القصر أو بتزكية من بعض سكان القصر…في انتظار أن يفقد ثقته في بعض من هم حوله داخل القصر…لينقلب على من هم حوله…في القصر…

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم بعد فشل مولانا في العبور بمشروعه من محطته الأولى، هو ماذا سيفعل من هرولوا وراء مولانا وهل سيواصلون التصفيق والصراخ…؟؟ أم سيرددون داخلهم ” ويل للمصفقين…الذين كانوا باسم مولاهم عاليا يصرخون”…؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

حرب عالمية… تجارية، دون ذخيرة حيّة… على الأبواب!

نشرت

في

محمد الأطرش:

يتساءل الجميع اليوم عن حجم ردود الفعل العالمية المنتظرة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هيكل تعريفي جديد للولايات المتحدة في “يوم التحرير الثاني”… وهي التسمية التي أطلقها ترامب على يوم الثاني من أفريل من هذه السنة، ترامب يعتبر ذلك اليوم ثاني أهمّ يوم في تاريخ الماما بعد اعلان استقلالها يوم 4 جويلية من سنة 1776 …

يرى ساكن البيت الأبيض أن الإجراءات التي أعلن عنها يومها ستعيد الحياة للعصر الذهبي لأمريكا، وستجدد من استقلالها حسب رأيه… ولسان حاله يقول انه لم يجد حلاّ لمشاكل الماما الاقتصادية غير فرض ضرائب على دول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند والصين واليابان وكندا والمكسيك والعديد من الدول الأخرى، رغم أنه يدرك جيّدا ان أغلب هذه الدول ستعامله بالمثل وقد لا تخرج الماما من الازمة الاقتصادية بالسهولة التي يتصورها… فدول الاتحاد الأوروبي تسعى لتكوين جبهة موحدة في الأيام المقبلة لتقف في وجه ما قرره ترامب… ومن المحتمل أن يتم الاتفاق حول مجموعة أولى من الإجراءات المضادة تستهدف واردات أمريكية تصل قيمتها إلى 28 مليار دولار…

 هذا التحرك المنتظر يعني بالتأكيد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الصين وكندا في فرض تعريفات ردعية انتقامية على الولايات المتحدة في تصعيد مبكّر لما يخشى البعض أن يتحول إلى حرب تجارية اقتصادية عالمية… والخوف كل الخوف أن ترتفع تكلفة الآلاف من السلع لأغلب سكان المعمورة مما قد يدفع أغلب الاقتصادات حول العالم إلى الركود.

وتهدف الجبهة التي يسعى الاتحاد الأوروبي لتكوينها إلى الخروج برسالة موحدة تعبر عن النيّة والرغبة في التفاوض جدّيا مع ساكن واشنطن لإزالة التعريفات… مع التلويح بالاستعداد الدائم للمعاملة بالمثل والرد بإجراءات جمركية ثأرية مضادة، إن فشلت هذه المفاوضات في إزالة التعريفات الجديدة التي يريد ترامب فرضها على الجميع أو في التخفيض منها… ومن بين المنتجات التي حظيت باهتمام الجبهة الأوروبية الموحدة وأثارت قلق الرئيس ترامب، فرض رسوم جمركية جديدة على “البوربون” الأمريكي (الويسكي) بنسبة قد تصل إلى 50%… وهو الأمر الذي جعل ترامب يهدّد برسوم نسبتها 200% على النبيذ والشمبانيا وغيرهما من المنتجات الكحولية من فرنسا وإيطاليا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي.

تغطي التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على الاتحاد الأوروبي حوالي 70% من صادراته نحو الولايات المتحدة… وقد بلغت قيمتها الإجمالية 532 مليار يورو (585 مليار دولار) العام الماضي، مع احتمال فرض رسوم أخرى على العديد من الصادرات الاخرى في المستقبل إن تعنتت الجبهة الأوروبية وردّت بالمثل… وتفيد بعض المصادر ان المفوضية التي تنسق السياسات التجارية للاتحاد الأوروبي قد تكون اقترحت على أعضائها قائمة بالمنتجات الأمريكية التي يجب ان تخضع لرسوم جمركية إضافية، ردّا على ما فرضه ترامب من تعريفات جديدة على الصلب والألومنيوم بدلاً من الرسوم المتبادلة… ومن المتوقع أن تشمل هذه المنتجات اللحوم الأمريكية، والحبوب، وغيرها من المنتجات التي قد تثير قلق ترامب…

وبالعودة إلى تاريخ الصراعات التجارية التي شهدها العالم، يذكر جميعنا انهيار سوق الأسهم سنة 1929 والإجراءات الحمائية التي تبعته وما وقع في السنوات التي تلته… فقد تمّ القضاء على ثلثي التجارة العالمية إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت عن تخفيض الولايات المتحدة لجميع التعريفات الجمركية على أي شريك تجاري سيقوم بالمثل… لذلك لا يمكن تجاهل حدوث انخفاض حاد في التجارة العالمية لو تعنّتت جميع الأطراف وواصلت سياسات الردّ بالمثل وعدم العودة إلى رسومات جمركية يقبل بها الجميع …

لكن في هذه الحرب التجارية الطاحنة، لكن هل فكّر ترامب وخصومه في “كيف سيكون حال الدول الفقيرة وشعوبها؟؟” فأغلب الشعوب التي قد تتضرر مما اقدم عليه الرئيس ترامب عانت من أزمة 2008 ولم تخرج من اسقاطاتها وتبعاتها إلى يومنا هذا… وبعضها انهارت اقتصاديا بعد سنوات الكوفيد ولم تخرج إلى يومنا هذا من وجعها ومعاناتها… لذلك علينا ان لا ننسى أن أكبر الخاسرين هم أغلب دول إفريقيا وجنوب شرقي آسيا وبعض دول الشرق الأوسط التي لا تعيش على ما يجود لهم به باطن الأرض… فما يفعله اليوم ترامب وخصومه بالشعوب الفقيرة يعتبر جريمة وطوفانا مدمرا لاقتصاداتها فأغلب هذه الدول تعيش على التسوّل وقروض صندوق النقد الدولي ومساعدات البنك الدولي…

ترامب لم يفكّر في مصير شعوب الدول الفقيرة بل فكّر فقط في إصلاح اختلال ميزان الماما التجاري… ونسي اختلال الميزان التجاري لدول لا يفوق اقتصادها اقتصاد مدينة من مدن أفقر ولاية من ولايات الماما… فهل يزحف الركود التجاري والاقتصادي إلى اغلب دول العالم بما اتاه ترامب بشطحاته الغريبة؟؟ وهل يعود الجميع إلى العقل، أم أن حلقة تصعيد إضافية ستفتح؟؟… ويصل بنا الأمر إلى حرب عالمية تجارية قد تكون …تبعاتها أخطر من كل الحروب التي عرفها العالم؟؟

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 113

نشرت

في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الكريم قطاطة:

من طباعي منذ كنت شابا انّ الله وهبني نعمة الصبر على كل شيء… وكان العديد من اصدقائي يغبطونني على (دمي البارد)… وعندما هرعت الى الله تعمّقت في داخلي القدرة على تحمّل كلّ المشاكل ومخلّفاتها… قد اكون واحدا من سلالة ايّوب، ولكن… واذا فاض كأس الصبر كما غنّى شكري بوزيان… واذا علا صوت ام كلثوم بـ (ما تصبرنيش ما خلاص انا فاض بيّ وملّيت)… وتختمها بـ(للصبر حدود يا حبيبي)… اردّ كأيّ بشر الفعل، لكنني كنت آخذ قراراتي ودائما باعصاب هادئة في ردّ الفعل…

عبد الكريم قطاطة

عندما اسرّت لي زميلتاي باذاعة الشباب بالحوار الذي دار بينهما وبين مديري سي عبدالقادر الله يرحمو… وفهمت انّ حدسي كان في محلّه بالشكّ في نواياه بعد الجلسة الصلحية مع زميلي الصادق بوعبان… تكسّر كأس الصبر… والكأس اذا تكسّر يستحيل لمّ شتاته…. ايقنت ان لا فائدة تُرجى من ايّ صلح بل وقررت ان تكون الحرب معه… اكاهو… وعليّ ان استعدّ لاوزارها… وليضحك كثيرا من يضحك اخيرا… انتهت السهرة الخاصة بتكريمي مع زميلتيّ وكانتا سعيدتين بها شكلا ومضمونا وعدت الى بيتي لاخطّط لحرب فعلية مع مديري…

وفي الصباح الباكر ذهبت لمكتبه… سلّمت عليه وسألته هل استمع الى حصّة التكريم البارحة… اجابني بالايجاب بل وشكرني على كلّ ما قلته في تلك السهرة… سالته باستعباط هل صدر منّي كلام او تعليق في غير محلّه لايّ كان؟.. اجابني: (ابدا ابدا، يخخي انت جديد عليّ نعرفك معلّم) … كنت جالسا فنهضت واقفا امامه واضعا كفّي يديّ على طاولة مكتبه وكأنّي تحوّلت من لاعب وسط ميدان الى مهاجم صريح وقلت له: (انا طول عمري كنت راجل معاك رغم كل الاختلافات والخلافات… ولم اقل في ظهرك كلمة سوء لكن وللاسف الذي حدث امس بينك وبين زميلتيّ في اذاعة الشباب ونُصحك اياهما بتغييري كضيف لهما اكّد بالدليل القاطع انّو بقدر ما انا كنت راجل معاك انت ما كنتش…..)

نعم هي كلمة وقحة ولكنّي قلتها لانّو فاض كاس الصبر… اندهش مديري منّي وانا اتلفّظ لاوّل مرّة بكلمة لا تليق به وقال لي: انت غلطت في حقّي راك.. قلت له: اعرف ذلك وانا جئت اليوم لاثبت لك اني ساعلن الحرب عليك ..ودون هوادة .. وصحّة ليك كان ربحتها وخرجتني قبل التقاعد مثلما قلت ذلك مرات عديدة، اما صحّة ليّ انا زادة كان خرجتك قبل التقاعد… وباش تعرف رجوليتي معاك ثمشي واحد يعلن الحرب على الاخر ويجي ويعلمو بيها ..؟؟ اذن اعتبرني من اليوم عدوّا لك ولكن ثق انّ الحرب بقدر ما ستكون شرسة بقدر ما ستكون من جانبي شريفة بمعنى ـ وربّي شاهد عليّ ـ لن الفّق لك ايّة تهمة لكن سافضح كلّ اعمالك)…

ولم انتظر اجابة منه… غادرت مكتبه وعزمت على التنفيذ… اتّصلت بالعديد من الزملاء الذين تضرروا من تصرفات مديري وسالتهم هل هم مستعدون للادلاء بشهادتهم كتابيا؟؟.. ولبّى العديد منهم طلبي… دون نسياني كتابة تقرير ل بكلّ ما حدث منذ قدومه على رأس اذاعة صفاقس… وللشفافية، كان هنالك ايضا تقرير على غاية من الاهمية وفي ثلاث ورقات كتبته احدى سكريتيراته وبتفاصيل مرعبة بعد ان ذاقت منه الويل… واعتقد انّ ذلك التقرير لعب دورا هاما في قرار اصحاب القرار…

اذن اصبح عندي ملفّ جاهز يحتوي على 30 ورقة ولم افكّر بتاتا في ارساله لا الى رئيس المؤسسة ولا الى ايّ كان… كان هدفي ان ارسله رأسا الى رئيس الدولة دون المرور عبر الرجل النافذ في الاعلام انذاك السيّد عبدالوهاب عبدالله الذي اعلم انه يكنّ لمديري ودّا خاصّا… وهذا يعني اذا يطيح بيه يبعثو لمؤانسة اهل الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)… وكم هو عدد الكلاب في حاشية الحكّام… لكن كيف يمكن لي ارسال الملفّ على الفاكس الشخصي للرئيس بن علي؟ ووجدت الحلّ (عليّ وعلى هاكة الناقوبة)… الناقوبة هي كنية لزميل يعمل في الصحافة المكتوبة وماشاء الله عليه في اجندا العلاقات… نعم مع الولاة مع الوزراء مع عدد لا يُحصى… تذكّرت وانا ابحث عمن يوصلني الى الفاكس الشخصي لرئيس الدولة…

تذكرت ذلك الناقوبة وتذكرت خاصة يوم زفافه… كنت يومها ممن حضروا حفل زفافه، خاصة انّ علاقتي به كانت من نوع علاقة الاستاذ بتلميذه… اذ هو ومنذ كان طالبا كان من مستمعيّ وعندما بدأ يخربش اولى محاولاته في الكتابة الصحفية مددت له يدي وشجعته … ولكن في اجندا العلاقات تفوّق الناقوبة التلميذ على استاذه… وللامانة حمدت الله على انّ اجندة العلاقات في حياتي سواء العامة او المهنية خلت من مثل اولئك الكبارات، هكذا يسمّونهم… ولكن وحسب ما عشته، قليل منهم من يستحق لقب الكبير…

يوم زفاف ذلك الناقوبة اشار اليّ من بعيد وهو بجانب عروسه كي اتوجّه اليه… توجهت لمنصة العروسين واقتربت منه فهمس في اذني (ماشي نوريك ورقة اقراها ورجعهالي) .. ومدّ اليّ تلغراف تهنئة لزفافه وبامضاء من؟… بامضاء زين العابدين بن علي… رئيس الجمهورية… الم اقل لكم انه باش ناقوبة ..؟؟ اذن عليّ به ليصل الملفّ الى الفاكس الشخصي للرئيس بن علي… بسطت له الفكرة وبكلّ برودة دم ووثوق اجابني: هات الملفّ وغدوة يوصل للرئيس وفي فاكسه الشخصي…

كان ذلك وسط شهر جوان ..ولم يمض يومان حتى هاتفني المرحوم كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية ليقول لي: (يا سي عبدالكريم الملفّ الذي ارسلته للرئيس بن علي احاله لي شخصيا وكلفني بالقيام بابحاث مدققة مع جميع الاطراف وانت واحد منهم… ما يعزش بيك هذا امر رئاسي وعليّ تنفيذه)… اجبت على الفور: (وعلاش يعزّ بيّ؟.. ونزيد نقلك اكثر ما نسامحكش قدام ربّي اذا تقول فيّ كلمة سمحة ما نستاهلهاش)… وانتهت المكالمة وقام السيد كمال عمران رحمه الله بدوره كما ينبغي مع الجميع وللامانة ليست لي ايّة فكرة عن تقرير السيّد كمال عمران الذي ارسله للرئيس بن علي…

وما ان حلّ الاسبوع الاوّل من شهر جويلية حتى صدر القرار…ق رار رئيس الدولة باقالة السيّد عبدالقادر عقير من مهامه على راس اذاعة صفاقس وتعيين السيد رمضان العليمي خلفا له… يوم صدور القرار ذهبت الى مكتب سي عبدالقادر واقسم بالله دون شعور واحد بالمائة من خبث الشماتة… استقبلتني سكرتيرته زميلتي فاطمة العلوي ورجوتها ان تعلن للسيد عبدالقادر عن قدومي لمقابلته… خرج اليّ مديري الى مكتب السكرتيرة… سلّم عليّ ولم اتركه للضياع وقلت له : (انا ما اتيتك شامتا ولكن اتيتك لاقول لك انّ قرار اقالتك انا عملت عليه وانا الذي ارسلت الى الرئيس ملفا كاملا حول تصرفاتك ويشهد الله اني لم افترِ عليك بتاتا… الآن جئت لاودّعك ولأتمنى لك الصحة ولاقول لك انا مسامحك دنيا وآخرة…

عانقني سي عبدالقادر والدموع في عينيه وقال لي: (انت هو الراجل وانا هو اللي ما كنتش راجل معاك وربي يهلك اصحاب الشرّ)… غادرت المكان وتلك كانت الحلقة الاخيرة مع السيد عبدالقادر عقير رحمه الله وغفر له… سامح الله ايضا الشلّة التي عبثت بالمدير وبمصلحة اذاعة صفاقس وبالعديد من الزملاء… وهذه الفئة ذكرها الله في القرآن بقوله عنها (الملأ) ووُجدت في كل الانظمة عبر التاريخ وستوجد حتى يوم البعث… انها شلّة الهمّازين واللمازين والحاقدين والاشرار وخاصة ذوي القدرات المحدودة فيعوّضون عن ضعفهم وسذاجة تفكيرهم بنصب الفخاخ للاخرين وبكلّ انواع الفخاخ…

انهم احفاد قابيل…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 112

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقتي بالاشخاص عموما كنت ومازلت اعطي اهمّية قصوى لنظرة العيون… لا ادّعي فراسة كبيرة في ذلك لكن ربما هو بعض مما جاء في اغنية الكبير محمد عبدالوهاب (حكيم عيون افهم في العين وافهم كمان في رموش العين)… طبعا مع بعض الاحتراز على كلمة حكيم…

عبد الكريم قطاطة

فقط نظرة العيون في مراحل عديدة من حياتي وفي علاقاتي كانت النافذة الاولى للتعرّف احساسا على ما تحمله تلك العيون من صدق او نفاق او من مواقف باهتة لا روح فيها… يوم التقيت مع زميلي وصديقي الصادق بوعبان ونظرت الى عينيه احسست بامرين… الاول انّ الصادق كان صادقا في إقدامه على محاولة الصلح بيني وبين مديري… والامر الثاني وهذا ما حدث بعد ذلك في اللقاء، انه اراد ان يكون محتوى لقائنا بعيدا عن التصعيد منّا نحن الاثنين… وقبل ان نجتمع رجاني (بالكشخي) قائلا: خويا عبدالكريم رجاء ما تصعّدش، وساقول نفس الشيء لسي عبدالقادر … اجبته: داكوردو اما بشرط انّو سي عبدالقادر يتحدّث عنّي باحترام ولا يفتري عليّ… طمأنني سي الصادق وذهب لمقابلة مديري في مكتبه قبل اللقاء الثلاثي…

بعد ربع ساعة تقريبا هاتفتني كاتبته في تلك الفترة (الزميلة فاطمة العلوي) بالقول: سي عبدالقادر يحبّ عليك في بيروه… فاطمة هي السكرتيرة الرابعة للمدير بعد ان قام بطرد ثلاث قبلها… وميزة فاطمة انها كانت تعمل مع رئيسها بكلّ انضباط واخلاص… وانا احترم هذه النوعية من السكرتيرات، وللامانة كذلك كانت سكرتيرتي وزميلتي سامية عروس بمصلحة البرمجة وزميلتي وسكرتيرتي نعيمة المخلوفي رحمها الله بمصلحة الانتاج التلفزي، كانتا في منتهى الوفاء والاخلاص لي رغم كلّ الاغراءات التي سلّطت عليهما ليكونا (صبابّة) لاعوان المدير …

دخلت مكتب المدير، صافحته بادب واحترام وبدا زميلي الصادق بخطابه متوجها لنا الاثنين… خطابه كان منذ البداية واضح المعالم ومبنيّا على عنصرين مفصليّين اولهما الاشادة بمحاسن كل واحد فينا وحاجة اذاعة صفاقس لكلينا… والعنصر الثاني تحاشي الجدال في كلّ ما وقع بيننا اذ لا طائل من ورائه… وكانت اخر كلماته وهو يتوجه لنا هل انتما مستعدان لطيّ ملفّ الماضي وفتح صفحة جديدة من اجل مصلحة الاذاعة لا غير؟.. وطلب مباشرة موقف مديري من رجائه كوسيط بيننا… سي عبدالقادر ودون تردّد كانت اجابته كالتالي: والقرآن الشريف ومنذ هذه اللحظة انا طويت صفحة الماضي وفتحت صفحة جديدة مع سي عبدالكريم… استبشر خويا الصادق بهذا الامر وقال لي: اشنوة رايك خويا عبدالكريم؟ صمتُّ للحظات وقلت: ارجو ذلك ان شاء الله…

لماذا كان ردّي مختصرا للغاية وفيه نوعا ما من الشكّ في ما قاله مديري ؟ اجيبكم… هل تتذكّرون ما قلته لكم في بداية الورقة حول نظرة العيون ؟؟ نعم كنت طوال الجلسة الثلاثية انظر واتفحّص جدا عينيْ مديري… نعم انّ بعض الظنّ اثم … ولكنّ نظراته لم تكن مُريحة وهو اقلّ ما يُقال عنها… تصافحنا جميعا وتمنّى لنا زميلي الصادق بوعبان تكليل محاولته الصلحية بالنجاح… وغادرت معه مكتب المدير وما ان ابتعدنا عن مكتبه حتى قال لي الصادق: علاش نحسّ بيك شاكك في نوايا سي عبدالقادر ؟ قلت له حدسي لم يرتح له وارجو ان يكون حدسي كاذبا…

ودّعت الصادق وذهبت الى مكتبي بوحدة الانتاج التلفزي… لم البث اكثر من ربع ساعة حتى اعلمتني سكرتيرتي نعيمة رحمها الله انّ منشطتين من اذاعة الشباب جاءتا لمقابلتي… استقبلتهما بكلّ حفاوة ويا للمفاجأة… اتضح أنهما مستمعتان ومراسلتان لعبدالكريم في برامجه منذ اكثر من 15 سنة… واليوم اصبحتا زميلتين في اذاعة الشباب… عبرت لهما عن سعادتي وفخري بهما وطفقتا تطنبان في فضلي عليهما حتى في اختيارهما لمعهد الصحافة وعلوم الاخبار بعد الباكالوريا تاثّرا بي وبرسالتي الاعلامية… وبلّغتاني تحيات بعض اساتذتهما لي وتقديرهم لمسيرتي المهنية (عبدالقادر رحيم، منصف العياري ، رشيد القرقوري، الصادق الحمامي…) وبعد يجي واحد مڨربع مللي قال فيهم المتنبي وهو يهجو ذلك الكافور المخصي (وقدره وهو بالفلسين مردود) ويقلك اشكونو هو عبدالكريم واش يحسايب روحو ؟؟ اي نعم هذا ما تبوّع به البعض عنّي… واقسم بالله اقول مثل هذا الكلام واخجل منكم جميعا لانّي لا احبّ والله ايضا لا يحبّ كلّ مختال فخور…

انا لم ادّع يوما انّي فارس زمانه الذي لا يُشقّ له غبار… لكن على الاقلّ اجتهدت وعملت ليلا نهارا وتعبت وكان ذلك في فترات طويلة على حساب زوجتي وعائلتي وارجو منهما ان يغفرا لي… وما قمت به في اذاعة صفاقس كان واجبي ولا انتظر عليه لا جزاء ولا شكورا… اما توجع وقت تجيك من انسان مديتلو اليد واحطت بيه ووقفت معاه وعلى مستويات عديدة وهو اصلا لم يصل الى مرتبة خُمُس منشط او هي لم تصل ثُمُن منشّطة، ويتجرّا يقول تي اشكونو هو عبدالكريم واعيد القول انا اوثّق للتاريخ لكن انا مسامحهم دنيا واخرة …

اعود للزميلتين من اذاعة الشباب طلبتُ منهما كيف استطيع خدمتكما في ما جئتما من اجله… ابتسمتا وقالتا جئنا من اجلك يا استاذنا… ولغة اعيُنهما كشفت لي عن حديث او احاديث لهما رايتها بقلبي قادمة في الطريق… ولم تخذلني مرة اخرى لغة العيون اذ عبّرتا عن سعادتهما بانّ ادارة اذاعة الشباب وافقت على سهرة خاصة من استوديوهات اذاعة صفاقس يقع فيها تكريم الاعلامي عبدالكريم قطاطة وموعد السهرة هو الليلة من العاشرة ليلا الى منتصف الليل… شكرت لهما حركتهما النبيلة معبّرا عن سعادتي وشرفي بنزولي ضيفا على مستمعتيّ… زميلتاي شكرتاني على كلّ شيء واستأذنتا الذهاب لمديري لشكره على منحهما استوديو وفنّيا لاتمام المهمة وودّعتاني على امل اللقاء في الموعد في الاستوديو… اي العاشرة ليلا لذلك اليوم …

الساعة انذاك كانت تشير الى منتصف النهار… كدت اغادر المكتب للعودة الى منزلي (واللي فيه طبّة عمرها ما تتخبّى، وين المشكل مادامني معروف عند مديري بعدم الانضباط في القدوم الى الاذاعة و في مغادرتها ؟؟ خاصة ونحن اليوم ومنذ سويعة ونصف بدأنا صفحة جديدة في علاقتنا… وبالقرآن الشريف زادة… لكن كان هنالك حبل سرّي خفيّ شدّني الى مقعدي في مكتبي… احسست بنوع من الانقباض لم ادر مأتاه… استعذت من الشيطان دون ان اغادر مكتبي… وماهي الا عشر دقائق حتى عادتا اليّ زميلتا اذاعة الشباب وعيونهما توحيان بامر ما قد حدث… كانتا واجمتين وصمتهما كان ثقيلا ايضا ولكنّه كان يحمل اشياء وسترون كم هي ثقيلة ايضا…

تقدّمت احداهما وهي ماسكة شجاعتها بيديها كما يقول المثل الفرنسي وسالتني… يخخي ما زلت متعارك مع سي عبدالقادر عقير مديرك ؟؟ قلت بهدوء وبكثير من الرصانة: لا في بالي توضحت الامور منذ هذا الصباح وطوينا صفحة الماضي ..وسالتهما: يخخي صارت حاجة بينكم وبينو توة وقت شفتوه ؟؟ نتبادلتا النظر وكأنّ كلّ واحدة تقول للاخرى (ايّا قللو اشنوة اللي وقع.. تي اتكلّم يا سخطة انا والله لتو لفهمت شيء)…تكلمت احداهما وقالت (شوف يا سي عبدالكريم انت عزيز علينا ومكانتك ما ياخذهاش لا سي عبدالقادر ولا غيرو… احنا طول عمرنا يستحيل ننساو فضلك علينا ولهذا نحكيلك شنوة اللي وقع بالضبط مع سي عبدالقادر… هو استقبلنا بكل حفاوة وترحاب وعندما اعلمناه بما نحن عازمتان عليه لتكريمك تغيّرت ملامح وجهه وسالنا يخخي لازم ضيفكم يكون سي عبدالكريم ؟ انا مستعد نوفرلكم اي منشط او منشطة عوضا عنه وانا راهو نحكي في مصلحتكم ومصلحة برنامجكم… انتوما تعرفو سي عبدالكريم من عيوبو انو سليط اللسان واشكون يعرف يقولشي حاجة او بوحاجة.. ويخليكم في ورطة… انا نعاود نقوللكم راني حريص انو برنامجكم يتعدّى من غير مشاكل…. فردّت عليه احداهما: احنا راهو جايين خصوصي لبرنامج الهدف منو تكريم استاذنا الاعلامي الكبير سي عبدالكريم اللي علّمنا فيما علّمنا تحمّل مسؤولية افعالنا وقراراتنا…

انذاك وحسب ما اضافته الزميلتان احسّ السيّد عبدالقادر عقير بخطورة ما قاله وكاّنه يقول اش عملت اش عملت… وفي رواية اخرى جمرة وطاحت في الماء، ولسان حاله يتساءل زعمة جيت نطبّها عميتها؟؟… ورجانا (تواصل الزميلة الشابة) ان لا نذكر لك ما حدث… تذكرتوها هاكي الخاتمة متاعو في لقائنا الصباحي وفي نفس يوم قدوم زميلتيّ من اذاعة الشباب مع الزميل الصادق بوعبان (والقرآن الشريف صفحة جديدة بداية من اليوم مع سي عبدالكريم)؟؟؟… ربي يسامحك ويغفرلك خويا عبدالقادر …

ومع مطلع جانفي 2025 اي غدا* ستكون الحلقة الاخيرة في الورقة 113 من حكاياتي مع مديري سي عبدالقادر . رحمه الله وغفر له كلّ شيء… و كتهنئة بحلول سنة 2025 ادعو للجميع بهذه الدعوة (الامن والامان لتونس العزيزة لفلسطين المحتلة وهي في قلب محنتها مع اعدائها من الداخل والخارج … لكلّ الشعوب الشقيقة والصديقة ولكلّ انسان لم يمُت في داخله الانسان ..الله لا يحرمكم من السلام الروحي في هذه السنة الجديدة… صدقوني انها من اعظم نعم الله)…

ـ يتبع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المقال منشور لأول مرة في 31 ديسمبر 2024

أكمل القراءة

صن نار