تابعنا على

جلـ ... منار

مأزق ثلاثي الأبعاد

نشرت

في

أقصد بالمأزق الحالة الوطنية في الظرف الراهن، وخصوصاً بعد «تأجيل» حوارات القاهرة، وبعد تناسل وتكاثر شروط تحقيق الحد المطلوب من وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة استحقاقات المرحلة.

<strong>عبد المجيد سويلم <strong>

البعد الأول في هذا المأزق ان نتائج الحرب الأخيرة قد تمّ توجيهها «بقدرة قادر» الى الداخل الوطني، بدلاً من ان تتجه الى إسرائيل، وهو الأمر الذي أدى حتى الآن، الى «تأجيل» حوارات القاهرة في مؤشر واضح الى ما يمكن ان يؤدي إليه إخفاق معلن في إنهاء الانقسام، والى قطيعة فعلية ستؤدي بالضرورة، وربما بصورة موضوعية الى تعزيز اتجاه الانفصال، وصولا الى الموافقة الضمنية أولاً، ثم الصريحة ثانياً، ثم ترسيم الانفصال ثالثاً.

وإذا استمر هذا النهج – أي نهج استثمار الحرب في تحسين شروط التموقع دون ان ينتقل الى الانقلاب التام على كامل المعادلة الوطنية فوراً ـ فإن انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية في العام 2007 يكون المرحلة الأولى من خطة سياسية مدروسة بعناية في حين ان التحضير لمشروع البديل هو المرحلة الثانية والذي هو مرحلة انتقالية نحو الانفصال، ونحو «إقامة» كانتون سياسي في القطاع كبديل عن مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، وبذلك يتضح ان خطة إنهاء وتصفية المشروع الوطني، والحقوق الوطنية الفلسطينية هي خطة مزدوجة قائمة على تعاون «ما» بين المشروع الإسرائيلي في هذه التصفية او بالأحرى خطة التصفية وبين أطماع وطموحات سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.

لا توجد أية أهمية على الإطلاق فيما إذا كانت تقاطعات المصالح هنا هي تقاطعات «موضوعية» وليست تقاطعات منسقة او مُتفاهَما عليها، لأن النتيجة في هذه الحالة واحدة.وبهذا المعنى المحدد والدقيق والواضح اشدّ الوضوح، فإن سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة لا تستطيع ان تتهرب من الإجابة عن سؤال واضح ومحدد أيضا وهو: هل إنهاء الانقسام ما زال هدفاً تعملون عليه أم لا؟ وهل الشروط الجديدة التي تتحدثون عنها ستؤدي الى هذا الهدف أم يمكن ان تؤدي الى إنهاء هذا الهدف بدلاً من إنهاء الانقسام؟

بصراحة، فإن أية قراءة لما بين السطور في أطروحات حركة حماس الجديدة ليست مطمْئنة على هذا الصعيد، وهناك ما يكفي من المؤشرات ان ثمة اتجاهات قوية داخل الحركة باتت تعد نفسها لمشروع بديل نحو الانفصال الفعلي.

أما البعد الثاني في هذا المأزق فهو موقف القيادة الرسمية والسياسات التي تنتهجها هذه القيادة على هذا الصعيد. فإذا كانت هذه القيادة تعرف وتعي وتدرك المخطط الإسرائيلي، ومن خلفه الموقف الأميركي، والى جانبه من هنا وهناك مواقف عربية رسمية وإقليمية أيضا بهدف الانقضاض على المشروع الوطني، وان احد المداخل الكبرى هو الوضع الداخلي الفلسطيني، وانه ثمة من سيستخدم ويستثمر ويتقاطع، او ربما سينفذ هذا المخطط، وان ترهل واقع منظمة التحرير الفلسطينية، وهشاشتها، وتهميش دورها وتحويلها الى «مؤسسة» من مؤسسات السلطة هو نقطة الضعف الأساسية على كل هذا الصعيد، فماذا تنتظر القيادة الرسمية؟ وما الذي فعلته لقطع الطريق على هذا المخطط؟ وكيف لنا ان نقتنع بأن استمرار الحال على ما هو عليه سيمنع هذا المخطط؟؟

بل ان السؤال الذي لم يعد يحتمل التأجيل هنا هو: لماذا تلوم القيادة كل الطامعين والطامحين. إذا كان الحل هو أساساً بيدها؟؟ماذا تستطيع ان تفعل سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة لو ان المنظمة في وضع ديمقراطي وفعال، وموجودة في مكانها، وتقوم بدورها، وتتصدر المشهد، وتقود كل الفعاليات السياسية والدبلوماسية والكفاحية، وتجدد شرعية مؤسساتها وتخلق نموذجاً وطنياً كفاحياً وديمقراطياً مقابلاً لنموذج غزة والذي هو حالة من النماذج الأكثر تخلفاً وقمعية وسلطوية على مستوى كامل الإقليم؟؟؟

لا توجد أجوبة مقنعة من قبل القيادة الشرعية والرسمية على كل هذه الأسئلة، وهي لم تتمكن من بناء نموذج ديمقراطي وكفاحي يدرأ أخطار التقاطعات التي اشرنا إليها، او يحافظ على تماسك الحالة الوطنية بالشكل الذي يحمي الحقوق ويجابه المخطط الإسرائيلي نفسه.ان استمرار حالة «البيات» المؤسسي، واستنكاف القيادة عن إحداث تغيرات كبيرة وجذرية في مسار التعاطي مع الأحداث والتطورات، وفي أساليب الأداء على كل الصعد والمستويات ليس سوى الوجه الآخر من القصور الذي يسهل على الجانب الإسرائيلي المضي قدماً في مخطط التصفية، وفي «إعطاء» كل الطامعين والطامحين الفرصة تلو الأخرى، والمبرر تلو الآخر لاختراق الحالة الوطنية وبعثرة الجهود الوطنية. بل وتمكينهم من شل المشروع الوطني برمته أيضاً.

وعليه فإن القيادة الرسمية والشرعية مطالبة هي أيضاً بالإجابة عن السؤال التالي: إذا كنتم على استعداد لمواجهة مخطط تصفية المشروع الوطني والحقوق الوطنية فهل لديكم استعدادات مقابلة للمراجعة الشاملة لكامل المسار سياسياً؟ وهل انتم جادون في بناء شراكة وطنية مؤسسية وديمقراطية؟، وهل لديكم برامج وخطط عمل حقيقية لإنجاز ذلك؟؟؟ لم يعد بمقدور القيادة الفلسطينية الرسمية والشرعية الإجابة عن هذه الأسئلة واستحقاقاتها بـ«لعم»، ولم يعد مقنعاً هذا المسار البطيء للتعامل مع أحداث ومتغيرات هائلة تحدث أمامنا عالمياً، وإقليمياً، وإسرائيلياً وعلى الصعيد الوطني الشامل.

البعد الثالث في هذا المأزق هو غياب البديل الذي يمثل نقطة التوازن الارتكازية في الحالة الوطنية، والذي يرفض، وبإمكانه ان يرفض الى درجة ان يمنع الانزلاق نحو الانفصال، والعمل على فرض إنهاء الانقسام وإعادة إحياء المشروع الوطني بعد إعادة قراءته في ضوء المتغيرات … و الأهم من كل ذلك ان يكون هذا البديل هو صمام الأمان الوطني الذي يحافظ على المؤسسة الوطنية، والذي يعمل على تطويرها بصورة دائمة، والذي يدافع عنها بكل قوته وإمكاناته؟. غياب هذا البديل هو عنوان المأزق الأهم، وهو قاعدة الحل وضمانة التغيير.لا صوت لهذا البديل، والذي دونه على ما يبدو لن تكون هناك وحدة حقيقية، او ضمانات لوحدة راسخة او مرتكزات صلبة لنظام سياسي متماسك.

هل يمكن ان تبادر «فتح» لإدراك خطورة المرحلة وتبدأ بالبحث الجاد عن إيجاد البديل بالتعاون والتنسيق التام مع كل القوى الحية، بما في ذلك في إطار «حماس» و»الجهاد» للخروج من هذا المأزق الخطير..؟؟الجواب برسم حركة فتح وليس غيرها حتى الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*جامعي فلسطيني

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!

نشرت

في

صبحي حديدي:

بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.

صبحي حديدي

ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.

ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.

ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.

في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.

وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.

كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.

وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!

والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.

وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

موجات

نشرت

في

وفاء سلطان:

مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.

لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.

وفاء سلطان

معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.

إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!

(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)

أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.

ضبطت أعصابي بشق الأنفس

لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،

ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!

نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط

حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!

القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!

لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها

هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!

الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!

طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها

كنا ندفع على الأقل 20٪؜ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة

فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

أناقة ما بعد السبعين

نشرت

في

وفاء سلطان:

في الثمانينات من عمرها.

أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.

وفاء سلطان

التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.

وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.

رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!

فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.

إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،

فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.

لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ

نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:

قشرة من الخارج وفراغ من الداخل

المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:

حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة

ثم تابعت:

منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول

أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا

أكمل القراءة

صن نار