تابعنا على

جلـ ... منار

“روش طحن” … عن انحطاط اللغة، أو لغة الانحطاط

نشرت

في

ذات مرة كنت جالسًا في القطار أصغي لشاب يكلم صاحبه، فلو كانت المحادثة باللغة السنسكريتية لفهمت أكثر. لا أنكر أن أكثر هذه التعبيرات يمكن فهمه من سياق الكلام وتعبيرات الوجه، لكن بعضها عسير فعلاً.

<strong>أحمد خالد توفيق <strong>

كل لغة تتطور مع الوقت، وأية مقارنة بين لغة (المنفلوطي) ولغة (صنع الله إبراهيم) تريك الفارق الهائل.. قارن بين لغة (شكسبير) ولغة (جون جريشام) مثلاً.. وحتى القواميس الإنكليزية الرصينة صارت تحوي قدراً لا بأس به من العامية وربما الشتائم. أذكر المعركة الأدبية النارية بين (العقاد) و (ميخائيل نعيمة) حول لفظة (تحمم) التي قال الأول إنه لا وجود لها في اللغة العربية، بينما أصر (ميخائيل نعيمة) على أنها لفظة مفهومة لأي شخص، فلماذا نسمح لشاعر من البادية ـ والكلام لـ (نعيمة) ـ أن يخترع لفظة لا وجود لها، مثلما اخترع (امرؤ القيس) لفظة (تتفل) لأنها تناسب القافية والوزن وأعلن أن معناها (ثعلب) من الآن فصاعداً، بينما نمنع شاعراً آخر من ابتكار لفظة مثل (تحمم)؟

حتى على مستوى المحادثة، يسهل أن تجد فارقًا شاسعًا بين لغة أفلام الماضي وأفلام اليوم .. لم يعد أحد يحيي الآخر بـ (سعيدة مبارك) أو يصف الجو بأنه (طقس في غاية البداعة).. هذه لغة تناسب الماضي الجميل حينما كان شوقي بك يذهب مع حبيبته إلى النيل ليركبا فلوكة و “تعال من فضلك خدنا”..وكان المراكبي مهذبًا يرد بصوت ملائكي: “دي ستنا و انت سيدنا” ؛ فلم يطلب سعرًا فلكيًا ولم يخرج مطواة قرن غزال ويغتصب الفتاة أمام شوقي بك.

تتنازعني هنا كراهيتي ـ التي لا حيلة لي فيها ـ لهذه اللغة الجديدة التي يدور 80% منها حول معنى الاستهتار وعدم الاكتراث وأن الأمر لا يستحق. لغة فيها تحد غريب وقدر لا بأس به من الوقاحة، فأنا ما زلت مصراً على أن لفظة (بيئة) هي لفظة (بيئة) فعلاً. وماذا عن لفظ (موزّة) التي تعني (فتاة جميلة) ؟.. هناك قدر من الوقاحة والاستهتار بالأنثى كأنها شيء يؤكل لا أكثر، والغريب أن الفتيات يقبلن هذه اللفظة باعتبارها (مجاملة رقيقة). يتنازعني هذا المقت مع إيماني بأن على جيلي ألا يفرض تحفظاته على الجيل الجديد .. لقد حورب (سيد درويش) عند ظهوره باعتباره (شاباً لا يحترم أساطين الغناء)، وحورب (عبد الحليم حافظ).. واليوم يُحارب المطربون الشباب لأنهم ليسوا (عبد الحليم حافظ).. كان آباؤنا يزغرون لنا حين نستعمل لفظ (سكّة) ـ بفتح السين ـ بمعنى (الشيء التافه)، واليوم لا يفهم الأب ما يقوله أولاده حتى يوبخهم عليه.. هذه هي القصة دائماً إلى يوم الدين. الشباب يبدو غريباً جامحاً بالنسبة للكهول، والكهول يبدون ماموثات متحجرة عاجزة عن التغير بالنسبة للشباب، و(أحمد عدوية) صار تراثاً كلاسيكياً راقياً بالنسبة إلى (شعبولا).

أعتقد أن النقلة الأولى الكبرى في لغة الشباب المصري كانت في السبعينات مع مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي ولدت مصطلحات جديدة، بل وطريقة جديدة تماماً في المزاح. قبلها كان الناس يضحكون من أسماء مثل (السناكحلي) ومن كوميديا الموقف مولييرية الطابع ومن سلاح التكرار الذي تكلم عنه (برجسون) كثيرًا .. التكرار .. التكرار .. وحتى يصفق المشاهدون فتلتهب أكفهم. جاءت (مدرسة المشاغبين) بأسلوب خاص جدًا من الدعابة؛ ولمدة عشرين عامًا ظل طلبة المدارس يكررون دعاباتها التي لا تخلو من وقاحة واستهتار.

النقلة الثانية هي في التسعينات…

هنا يتعرض شبابنا لضغط يفوق بمراحل سُنة التغيير التي تكلمنا عنها.. الظروف القاسية التي يواجهونها، وعلامات الاستفهام التي تملأ المستقبل، ولدت فيهم تحدياً قد يتجاوز ما هو مطلوب أو صحي. إن لغتهم قد اتسعت لتحتوي عوالم الميكروباص والكمبيوتر ومترو الأنفاق والإنترنت..

المعلومات كثيرة جدًا .. الوجوه كثيرة جدًا …لا سبيل لاستيعاب هذا كله إلا بالسطحية والمزيد من السطحية .. كل شيء يجب أن يتم بسرعة وبلا تعمق .. وهذا يظهر بوضوح في اللغة قبل أي شيء آخر.

لقد تنبأ أندي وارهول – الفنان المجنون غريب الأطوار – بأنه في عام 2000 ستكون فرصة كل إنسان للشهرة ربع ساعة لا أكثر ..

يمكن أن نقول إن نبوءته تحققت.. ويمكن أن نضيف إلى الشهرة أن كل معلومة .. كل رأي .. كل انفعال .. فرصته في البقاء ليختمر ربع ساعة لا أكثر..أتذكر الموقف الطريف الذي حكاه د. (جلال أمين) عندما كان في الولايات المتحدة وضل طريقه بسيارته .. كانت هناك لافتات كثيرة جدًا تدل على كل شيء وهذه اللافتات جعلت الأمور تختلط عليه .. وهنا خطرت له فكرة غريبة: إنه كان بحاجة بالضبط إلى كم أقل من المعلومات كي يتخذ قراره !.. هذه عبارة جريئة جدًا لا يجسر على قولها إلا من هو في وزن (جلال أمين).. بالفعل كم المعلومات المتدفقة على الشاب عبر الفضائيات والإنترنت وآلاف الصحف يجعله في حيرة حقيقية .. لا وقت لتكوين رأي أو استيعاب أي شيء .. في الماضي كان هناك فيلم أجنبي واحد يعرض أسبوعيًا في برنامج نادي السينما، وكنا نرتب يومنا كله من أجل ساعة العرض هذه، ونلتهم عشاءنا أمام الشاشة .. ثم يعرض الفيلم فتستوعب كل حرف منه .. يتسرب إلى كل خلية من خلاياك .. أما اليوم فمن النادر أن تستكمل الفيلم إلى منتصفه قبل أن تقلب القناة بحثًا عن متعة أسهل..

هناك موضة جديدة أطلق عليها اسم (الروشنة الدينية) هي أغان دينية ملحنة بإيقاع عصري.. وترى الفيديو كليب في التلفزيون، فترى مجموعة من الشباب المتأنق أناقة الحراسات الخاصة يقف متخشبًا كأنه يحرس موكب (إبراهيم بيه)، وهو يردد أسماء الله الحسنى .. سرعان ما تدرك أنه لم يتسرب إلى أرواحهم مما يقولون إلا النغمات .. فقط يحركون شفاههم .. هذه أغان تم تصميمها ببراعة لسد حاجة الأفراح وذلك النشاط المصري الوليد: حفلات افتتاح المحلات الجديدة .. في مرة أخرى راقبت شابًا يرقص في ميوعة وانتشاء على أغنية شعبان عبد الرحيم فائقة الشهرة (أنا بأكره إسرائيل)، فساءلت نفسي: هل يعي أية كلمة من الكلمات التي يرقص على لحنها ؟.. هل يفهم ؟.. هل يهمه أن يكره إسرائيل أو يهيم بها حبًا؟

إنها السطحية في كل شيء ..

إن لغة (الروشنة طحن) تعبر عن هذا كله .. وسوف تجد من يرصدها بشكل أكاديمي يومًا ما، أما في المرحلة الحالية فإنني أشكر ذلك الشاب المتحمس الذي قرر جمعها في كتيب حتى لا تضيع. وذلك تحسبًا لليوم الذي يتكلم فيه أبناؤه فلا يفهم حرفًا مما يقولون. يومها تبدو عبارة مثل (كله في الأمبلايظ) عتيقة لها ذات رنين (طقس في غاية البداعة) في مسامعنا!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*طبيب و كاتب مصري (1962 ـ 2018) يعتبر من رواد أدب الخيال العلمي في المدونة العربية.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!

نشرت

في

صبحي حديدي:

بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.

صبحي حديدي

ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.

ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.

ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.

في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.

وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.

كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.

وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!

والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.

وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

موجات

نشرت

في

وفاء سلطان:

مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.

لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.

وفاء سلطان

معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.

إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!

(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)

أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.

ضبطت أعصابي بشق الأنفس

لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،

ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!

نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط

حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!

القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!

لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها

هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!

الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!

طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها

كنا ندفع على الأقل 20٪؜ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة

فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

أناقة ما بعد السبعين

نشرت

في

وفاء سلطان:

في الثمانينات من عمرها.

أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.

وفاء سلطان

التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.

وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.

رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!

فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.

إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،

فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.

لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ

نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:

قشرة من الخارج وفراغ من الداخل

المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:

حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة

ثم تابعت:

منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول

أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا

أكمل القراءة

صن نار