تابعنا على

جور نار

“الهوية الثقافية لموريسكيي تونس” *

نشرت

في

الهوية هويات تتراكم في الزمن و لمَ لا في المكان الواحد … و كما يقول أمين معلوف “هي لا تسنَد دفعة واحدة، بل يتم بناؤها و تحوّلها على طول العمر” … نعم … و نحن في جمهورية تونس عرفنا ذلك و قرأناه و عجبنا من كثرة هذه البناءات التي رفعناها و هدمناها و أعدنا الإنشاء مرارا و تكرارا على مدى ثلاثين قرنا … و ها أن صديقي منذر شريّط يسلّط ضوءه الكشّاف على إحدى هويات هذه البلاد المعمّرة المعمورة، هوية طرأت علينا منذ أربعة قرون و استقرت نهائيا على ما يبدو … اندمجت؟ لم تندمج؟ أضافت؟ لم تضف؟ هذا ما حاول باحثنا الشاب التنقيب عنه، و هذا مما حاولنا مطالعته و مساءلته في كتابه البكر “الهوية الثقافية لموريسكيي تونس” …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
<strong>عبد القادر المقري<strong>

من هم هؤلاء الموريسكيون؟

يقول الكاتب (ص 36): “هم المسلمون بالأندلس بعد سقوط غرناطة سنة 1492 و هم الذين اجبروا على اعتناق المسيحية و تظاهروا بذلك و فقدوا استعمال اللغة العربية، ثم هاجروا خلال القرن السادس عشر و بداية القرن السابع عشر، و كانت ثقافتهم تختلف عن الثقافة العربية الإسلامية لأسلافهم الملقبين بالأندلسيين و الذين هاجروا من الأندلس قبل القرن السادس عشر” … و قد غادر الموريسكيون إسبانيا فتفرقوا بين النواحي و خاصة بالمغرب العربي … و حط منهم ما يزيد عن 80 ألفا الرِّحال بتونس، و هو العدد الأكبر بين دول شمال إفريقيا، حسب معظم المؤرخين (ص: 37) …

جاء الموريسكيون إلى تونس، خاصة بين سنتي 1609 و 1614 … و قد جلبوا معهم إرثا ثقافيا متنوعا في المعمار و الريّ و الملابس و الموسيقى و الأغذية أثرى و أثّر في تراث تونس و ثقافتها … هذا بديهي و شواهد منه ما زالت قائمة إلى اليوم، و سنعود إليه قليلا في ما بعد … و تأسست مدن لهم أو بهم أو لأجلهم ما تزال تنتشر في شمال البلاد خاصة … و انحدرت منهم عائلات عدة بقيت ألقابها متعاقبة إلى زمننا، و شكّل ذلك جزءا حيويا من فسيفسائنا الوطنية الجميلة …

و لكن ما يدهشني في علم التاريخ و متخصصيه، أنهم لا يقعون في ما نسقط فيه نحن عادة من أوهام نتوارثها كما نتوارث السقوط فيها … فكلما دار بيننا حديث عن الأندلس البعيدة و الوافدين منها القريبين، سارعنا إلى جملة من القوالب الرومانسية التي تكاد تضع الأندلس في مقام الجنة الضائعة، و ذوي الأصل الأندلسي من ذوي الكرامات نزلوا على حضارتنا بردا و سلاما … بينما أتت الحقيقة مختلفة قليلا (و حتى كثيرا) عن هذه الصور الحالمة التي كانت إلى وقت قريب من المسلّمات…

فمخطئ من كان يعتقد أنها قصة عرب مسلمين هربوا من “بلاد الكفر” إلى “بلاد الإيمان” أي بلادنا، سعداء بالرسوّ أخيرا على أرض أشقّاء و أجداد، معترفين لها بفضلها، مندمجين بسرعة بين رعاياها، مضيفين إليهم من فنون و علوم أوروبا النهضة الشيء الكثير … إذ أوّلا، و هذا موضوع الكتاب، كانت لهؤلاء “هوية متفرّدة حافظوا عليها بقواعد نقل مختلفة كالتقية و السرية و التمويه” (ص 11) شأنهم شأن “أمة لها لغتها و دينها و حضارتها” (ص: 15) و قد حافظوا مثلا “على لباسهم المختلف عن العرب و البدو (التونسيين) و على اللغة الإسبانية التي يتسامرون بها” (ص: 143) كما أن “نساء تستور بقين يتبادلن الحديث بالإسبانية إلى أوائل القرن الثامن عشر” (ص: 155)

كما أن نسبتهم ـ حصريا ـ إلى مقاطعة الأندلس الإسبانية تستحق تدقيقا، إذ يوجد منهم من وفدوا من كاتالونيا و قشتالة (ص: 146) … و جميعهم خرجوا من شبه الجزيرة الإيبيرية مُكرهين لا راغبين (ص 15)… و بعضهم جاء مطرودا من فرنسا حيث حاولوا الاستقرار، رغم أن فيهم تجارا أثرياء و معارف إفرنج (ص 40) … أي أن هؤلاء لم يكونوا تونسيين من أصل أندلسي، بل هم إسبان وقع تهجيرهم بالقوة عن موطن و قارّة لم يفارقهم الحنين إليهما …

و يجد توافدهم بتلك الضخامة إلى تونس تفسيره في إطار لعبة سياسية قام بها الاحتلال العثماني … فقد كانت ” الجالية الأندلسية غريبة عن البلاد تماما مثل الأتراك … و قد جعل هؤلاء منها فئة محظوظة نسبيا بالمقارنة مع الأهالي المبعدين عن الهياكل السياسية للبلاد … فأدرك الأندلسيين شعور بالتفوق على الأهالي و هو نفس الشعور الذي نجده عند الأتراك” (ص 38) … و مقابل ذلك، كانت الجالية الوافدة تمثل قاعدة متقدمة للسلطة في عدد من الجهات، و تضع نخبها على ذمة الحكم في إدارة شؤون الدولة (ص 145)

و قد ترتبت عن ذلك نتيجتان: خلق طبقة إقطاعية جديدة تم تمتيعها بإعفاءات جبائية (ص 131) و ضيعات شاسعة بأخصب مناطق البلاد … فانتشروا في أربع من هذه المناطق: ريف العاصمة الفلاحي كأريانة و سكرة و طبربة و مرناق و رادس، ولاية نابل كسليمان و قرمبالية و منزل تميم و منزل بوزلفة و دار شعبان، سهول وادي مجردة كتستور و السلوقية، بنزرت و ما جاورها كماطر و رفراف و رأس الجبل و ماتلين و غار الملح. (ص 42) كما أنهم تحوّزوا على أراضي زغوان الثرية و مياهها (ص 132) و النتيجة الثانية، أن أهالي البلاد ضاقوا ذرعا بهذا التمييز فـ “قامت جماعات محلية (أي الشعب الكريم)  بالتمرد في القرن 18 زمن حمودة باشا على الامتيازات التي حصلت عليها الجالية الأندلسية” (ص: 170)

نأتي الآن إلى باقي عناصر الهوية الثقافية لهؤلاء الوافدين … ذكرنا اللغة الإسبانية التي تشبثوا بها قرابة المائة عام، و كذلك الملابس (المختلفة عن عرب تونس و بدوها، للتذكير) و المعمار ممثلا خاصة في الجامع الكبير بتستور (ص: 150)… كما ذكر الكتاب معتقدات خرافية حول السحر و الجن مردها الخوف بسبب ما عانوه من اضطهاد في اسبانيا (ص: 139) … و تمنيت عليه لو ذكر لنا علاقة هذه الجالية بالتراث الغنائي الأندلسي بما فيه من موشحات و أزجال و مالوف … و لو أن بي شكّا في علاقتهم بذلك رغم وجود مهرجان بتستور ينسب إليهم …

ما يلفت النظر أيضا … غياب أية إضافة صناعية متطورة جاء بها الموريسكيون إلينا من أوروبا عصر النهضة، حيث عُرفت بعدُ الطباعة و أول المناظير الفلكية و حتى الميكروسكوب … دون الحديث عن الاكتشافات الكبرى التي وسّعت جغرافيا أوروبا ترابيّا و اقتصاديا و علميّا …  و دون الحديث أيضا عن فنون الرسم و النحت التي شهدت تطورا مذهلا خاصة في إسبانيا (فيلاسكيز، الغريكو …)، و كذلك الأدب (سيرفانتس) و المسرح … و هنا، يقول أحد الموريسكيين المذكورين في الكتاب لصاحبه: “أُصِبنا بهوس المسرح فلا نتخلف عن أي عرض و قد نشاهد المسرحية الواحدة مرتين أو ثلاثا” (ص: 154) و هو يروي أحداثا حصلت سنة  1604 بمدينة طليطلة … فلماذا ـ يقول قائل ـ لم يجلبوا هذا الفن معهم إلى تونس في ذلك الوقت ؟!

غريب حقا … خاصة إذا عرفنا أن كل من جاء من هناك كان إما مواطنا عاديّا  أو مزارعا أو فقيها (على غرار الشريف القسطلّي ـ ص: 145) أو حِرَفيّا … و على ذكر الصناعات التقليدية، فكثيرا ما راجت عندنا حكاية صناعة “الشاشية” و كأنها عملية تخصيب لليورانيوم … حتى هذه، هناك شكوك في أن موريسكيينا أتوا بها إلى تونس، إذ أن “صناعة الشاشية مثلا تنسب عادة إلى الأندلسيين، في حين كانت موجودة في تونس منذ الربع الأخير من القرن 16، أي قبل مجيء الأندلسيين إلى بلادنا” (ص: 36) … كما أن”الازدهار الذي عرفته بلادنا خلال القرن 17 لم يكن بفضل قدوم الأندلسيين و إنما يعود لانتعاشة قطاع القرصنة” (ص: 36)

و قد نفهم هذا التعظيم لفضل الموريسكيين على تونس (لا العكس) حين نجد “الرحالة الأوروبيين الذين زاروا تونس خلال القرن 18 يتحدثون عن الدور الريادي الثوري الذي لعبه الأندلسيون في البلاد التونسية منذ حلولهم بها”، فيما ” لم يعبر المؤرخون التونسيون في تلك الفترة عن انبهارهم بالحضور الأندلسي” (ص: 35) … و هنا يتساءل مؤلف الكتاب: “ألم يكن الحديث عن دور ريادي للأندلسيين مجرد أسطورة ابتكرتها المدرسة الاستعمارية؟” (ص: 35) و يستخلص نقلا عن عبد الحميد هنية: “يبدو أن المبالغة في تثمين نتائج الهجرة الأندلسية مردها تلك النظرة القائمة على الذات الأوروبية المركزية” (ص: 57)

صفوة الاعتبار … هذا كتاب يُقرأ و تُعاد قراءته، لا من الباحثين أو الشغوفين بتواريخ الشعوب فحسب … بل من أغلب التونسيين الجاهلين قدر بلادهم كملجأ لمضطهدي العالم شرقه و غربه … و خاصة أولئك الذين ـ عن حق أو باطل ـ يتبرّجون بألقاب و أنساب يرون فيها علوّا على بني وطنهم … و العار يكبر حين يكون ذلك النسب المجيد أجنبيا بالحتم … طبعا، لا ذنب للأحفاد في ما صنعه الأجداد، و لا فضل لهم أيضا … و لن ألوك شعارا عمّ حتى خمّ، حين أقول إن تونس لكل التونسيين، شرط أن يكونوا لها حصرا لا لغيرها …

لقد أُطرِد مئات ألاف الإسبان من بلدهم زمن حرب الاسترجاع و ما بعدها، و عاملهم المؤرخ الغربي “على أنهم مجموعة تحوم حولها شكوك في ما يخص ولاءها للوطن الإسباني” … فهل كثير على “الوطن التونسي” أن يطالب بولاء مماثل؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* “الهوية الثقافية لموريسكيي تونس” لمنذر شريط ـ نشر مؤسسة مجمع الأطرش للتوزيع ـ 199 صفحة ـ السنة 2021

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 85

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:
حتّى اختتم الحديث عن دورتنا التكوينية في الراي اونو والتي كانت على امتداد شهرين، عليّ ان ادوّن هذه الملاحظات التي بقيت عالقة في خانة الذكريات ..

عبد الكريم قطاطة

كلنا نعرف ان السفر مع فرد او مجموعة عنصر هام لمعرفة ذلك الشخص او تلك المجموعة معرفة عميقة .. وسفرة ايطاليا لم تخرج عن هذا الاطار ..اكتشفنا مثلا (القرناط) الذي يستخسر في نفسه شراء قهوة، في بلد اشتهر بمتعة قهوته… اكتشفنا اناسا غاية في الضمار الجميل، وكنا نحسبهم غاية في المساطة… اكتشفنا ميولاتنا الى السهرات بكلّ الالوان من حيث مشروباتنا، ومن حيث ميولاتنا لمشاهدة نوعية اخرى من البرامج الايطالية في القنوات الخاصة والتي لا يصلنا بثها الى تونس… وانا ما نقلّكم وانتوما ما يخفاكم (كولبو غروسّو ـ الضربة الكبيرة) مثال من تلك البرامج التي هي في شكل مسابقات والعاب حيث يتنافس فيها رجل وامراة للاجابة عن بعض المسابقات وبعد كلّ سؤال يقوم الخاسر بنزع قطعة من ثيابه… ستريبتيز، ما تمشيوش لبعيد .. ينتهي خلع الملابس وقت نوصلو لهاكي الاشياء …

روما ايضا هي عاصمة الاناقة في اللباس .. تقف امام واجهة متجر لبيع الملابس للرجال وللنساء ..تقف ساعات مشدوها بجمالها وفيانتها ومصدوما باسعارها … وتكتفي بالعشق ..نعم وقفت مرة امام متجر واعجبت بكوستيم (بدلة) ايّما اعجاب ..وغادرت ..وأعدت زيارة نفس المتجر مرات ومرات ولم اشتر البدلة ..الذي يعرفني يعرف اني من النوع الترتاق الفلاق في الفلوس ..ولكن كان كلّ همّي ان اخصص مدخراتي المالية لعائلتي ..وفي الاخير اشتريت ما شاء الله من ادباش وهدايا لعائلتي واكتفيت بقميص لي .. فقط فقط فقط …

وعدنا الى تونس بعد انقضاء فترة التدرب التكويني .. وان انسى فانني لن انسى ما حدث لي عند وصولي الى مقرّ سكناي بصفاقس ..ولدي انذاك كان عمره سنة ونصف ..نظر اليّ نظرة باهتة لا روح فيها ..ثمّ وبعد ثوان ارتمى بين احضاني دون ايّة اشارة من ايّ طرف من العائلة ..سعادة مثل هذه المواقف تدّخر منها فرحا طفوليا من الابن ومن والده ما يكفي لسنوات من الازمنة العجاف …نعم من مثل هذه الاحداث يستمد الواحد منّا طاقة لا تفنى في مواجهته لمصاعب ومصائب الزمن .. يكفي ان يتذكّر طفلا له يرتمي في احضان ابيه بتلك السعادة والفرح حتى يقول (وان تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها)…

سنة 1988 عشت فيها اذاعيا محطات لا يمكن ان انساها ..اوّلها التفكير ثم الانجاز لمشروع اسميته انذاك في احد برامجي (من اجل عيون الطفولة) ..والذي اردته تفكيرا منّي وانجازا من المستمعين في شكل بعث مكتبات خاصة بالاطفال المقيمين بالمستشفيات الجامعية… لنخفّف من احزانهم ووحشتهم ولنعوّدهم على مقولة (الكتاب خير جليس وخير انيس) ..قمت بدعوة المستعمين للقيام بحملة تجميع الف كتاب او مجلة لكلّ مكتبة وكان التآلف عجيبا مع هؤلاء المستمعين… ولم تمض 3 اشهر حتى ارسينا اوّل مكتبة بقسم الاطفال بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس ..وتواصل المشروع مع مستشفيات اخرى ..

كنت وما زلت مؤمنا بانّ التونسي عندما تكلّم فيه لغة العقل والقلب يستجيب ..وهذا عامل من عوامل تفاؤلي الدائم بتونس والتونسيين ..اعرف انّ تونس دخلت مرحلة سوداء في العلاقات المجتمعية والعائلية منذ 2011 ..ولكن ثقتي لا حدود لها في انّ معدن الانسان الاصيل مهما مرّغوا انفه في مخططاتهم (ونجحوا ايما نجاح في ذلك ) لا بدّ ان يعود الدرّ الى صدفته .. فالذهب قد يعلوه الغبار ولكن ابدا ان يصدأ …في نفس السنة فكّرت ادارة اذاعة صفاقس في تخصيص مساحة اسبوعية للشباب حيث ينتقل فريق اذاعي الى مناطق عديدة من الجنوب التونسي لربط مباشر مع الاستوديو الذي كنت اشرف عليها تنشيطا… هدف البرنامج اعطاء الفرص وعلى امتداد 3 ساعات للشباب ليعبروا عن مشاغلهم بكلّ حرية وبعيدا عن ايّة رقابة ..ايّة رقابة … وهذه التجربة كانت منطلقا لبعث اذاعة الشباب في اذاعة صفاقس سنة 88 وساعود للحديث عنها ..

في اكتوبر سنة 88 قامت الاذاعة التونسية بتجربة جديدة في البث الاذاعي اسمتها (فجر حتى مطلع الفجر)… وكما يدلّ العنوان هو برنامج مباشر ينطلق في منتصف الليل ويتواصل حتى الخامسة صباحا… وهو برنامج يومي ويُبث بشكل مشترك بين الاذاعة الوطنية واذاعة صفاقس واذاعة المنستير ..ينشطّه من الاذاعة الوطنية مجموعة من الزملاء ونصيبهم في ذلك 5 ايام في الاسبوع… بينما بقيّة فتات الاسبوع تتقاسمه اذاعة صفاقس واذاعة المنستير حصّة واحدة في الاسبوع …وشكرا على هذه الصدقة ..والله لا يضيع اجر المحسنين ..

كنت انا من عُينت لتنشيط تلك الحصة اسبوعيا ممثلا لاذاعة صفاقس … وللامانة كانت مناسبة متميّزة لمستمعي الاذاعة الوطنية ونظرا إلى انّ بثّ اذاعتنا لا يصل لبعض مناطق البلاد حتى يكتشفوا اصواتا اخرى والوانا اخرى واجواء اخرى… وهنا اتقدّم بالرحمة على روح الزميل الحبيب اللمسي الذي كان رابطنا الهاتفي مع المستمعين المتدخلين في ذلك البرنامج من غرفة الهاتف للاذاعة الوطنية… وسي الحبيب كان ممن يسمونه حاليا (فان) لعبدالكريم…

في اكتوبر 88 حدثان هامان عشتهما في مسيرتي الاذاعية… اولها الاعتراف بديبلومي الذي نلته من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس سنة 1979 .. اي نعم بعد 9 سنوات من الاهمال والظلم… والفضل في هذا يعود للمرحوم صلاح معاوية الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة ….علم بالاشكال الحاصل بيني وبين الادارات والمسؤولين الذين سبقوه، فدعاني لمكتبه ودعا مدير التلفزة انذاك الزميل مختار الرصاع والكاتب العام للمؤسسة، وطلب منهما وفي اقرب وقت رفع المظلمة التي تعرضت لها ..وفعلا وفي ظرف اسبوع قام بانهاء تلك الوضعية التي طالت وبكلّ جور ..

الحدث الثاني وقع بعد زيارة المرحوم معاوية لاذاعة صفاقس للاطلاع على حاضرها وآفاق تطويرها … يومها التقيته في كواليس الاذاعة وكان صحبة زميلي رشيد الفازع الذي انتمى في بداية السبعينات الى نفس دفعتي عندما قامت بتكويننا لتدعيم التلفزة التونسية باطارات جديدة كلّ في اختصاصه ..رحّب بي المرحوم صلاح الدين معاويو وهمس لي: ايّا اش قولك تشدلي انتي اذاعة الشباب ؟؟ ..واذاعة الشباب هذه انطلقت في اذاعة صفاقس منذ 1988 وهي عبارة عن فترة زمنية بساعتين من السابعة الى التاسعة مساء… فوجئت صدقا بالمقترح ..وعرفت في ما بعد انّ المرحوم صلاح الدين معاوي كان ومنذ بداية الثمانينات متابعا لاخباري بحلوها ومرّها في اذاعة صفاقس ..

اعيد القول اني فوجئت بالمقترح ..بل لم يستهوني ..وهاكم الاسباب ..انا منذ دخولي لمصدح اذاعة صفاقس كان لي مخطط لمستقبلي المهني ..هذا كان مخطّطي: 10 سنوات اذاعة …10 سنوات تلفزة … وبقية العمر ان طال العمر للسينما …. و(اللي يحسب وحدو يفضلّو) لان الانسان في كلّ حالاته ..في طفولته .. في شبابه .. في كهولته .. في شيخوخته ..وفي كلّ قرارات حياته منذ الولادة الى المغادرة لا تخطيط له ..نعم هنالك “اجندا الهية” نخضع اليها جميعا .. قد تاخذنا نرجسيتنا وثويريتنا لنقول: سافعل .. سافعل .. سافعل ..ولكن وعند الوصول الى سنّ الحكمة سنكتشف اننا جميعا خاضعون للاجندا الالهية … انا كنت وسابقى دائما من المؤمنين بالارادة والطموح والفعل …وهذا لا يتنافى مع ما قلته بل هو متناسق مع (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ..

اعود للعرض المقترح من السيد صلاح الدين معاوي وكان ردّي الفوري: تي انا نخمم نوقّف العمل متاعي في الاذاعة لانتقل للعمل كمخرج في التلفزة وانت تقللي اذاعة الشباب ؟؟ وفعلا انا منذ سنة 88 قررت التحضير لمغادرة المصدح ولكن على مراحل اوّلها ردم كوكتيل من البريد الى الاثير واعلان وفاته .. بالمناسبة، عندما سمع المرحوم صالح جغام بنيّتي في ايقاف الكوكتيل (قطّع شعرو) كما تعرفونه رحمه الله عندما يغضب ..طلبني هاتفيا وقال لي: يا خويا عبدالكريم يخخي هبلت توقف الكوكتيل ؟؟ برنامجك ضارب ودائما الاول في الاستفتاءات السنوية .. اش قام عليك ؟؟ ضحكت وقلت له يا صالح ستعرف يوما الاسباب وبعدها نحكيو…

انذاك فكرت في ايقاف الكوكتيل وفعلت ..الكوكتيل اصبح في اذهان المستمعين اسطورة ..وانا من موقعي الفكري كنت دوما ضدّ الاساطير … اذن عليّ ان اكون متناسقا مع نفسي واوقف الاسطورة ..نعم ربما بقساوة على نفسي وعلى المستمعين اوقفت الكوكتيل ..وتلك هي المرحلة الاولى ..وفي المرحلة الثانية التجات للتعويض .. عوضته في مرحلة اولى ببرنامج مساء السبت ثم باصدقاء الليل …واختيار هذه المواقيت كان مقصودا ايضا ..كنت محسودا على فترة الكوكتيل من العاشرة الى منتصف النهار وكان بعض الحساد ينسبون نجاحي الى تلك الفترة الزمنية من اليوم ..لذلك ومع كوكتيل الاصيل ومع البرامج التي ذكرتها كنت اريد ان ابرهن انّ نجاح ايّ برنامج ليس مأتاه فترته الزمنية… بل اقول اكثر من ذلك، المنشط هو الذي يخلق الفترة الزمنية وليست الفترة الزمنية هي التي تخلق نجاح المنشط ..وحتى عندما اوقفت الكوكتيل وعوضته بمساء السبت كان في نيتي وبكل حزم ان انهي علاقتي بالمصدح سنة 1990 لانتقل الى مخططي وادخل في الحقبة الثانية وبدءا من 1990 في عشرية العمل التلفزي …

سمعني السيد صلاح الدين معاوي بانتباه وبتركيز شديدين وانا اعلمه بنية مغادرتي العمل الاذاعي سنة 90… وقال لي (ما اختلفناش… شدّلي اذاعة الشباب توة، وعام 90 يعمل ربّي .. هذا طلب اعتبرو من صديق موش من رئيس مدير عام) ..ابتسمت وقلت له طلبك عزيز وعلى العين والراس لكن بشرط ….في بالي فيه البركة مع الورقة 85 .. وطبعا ندّلل عليكم لاترك ماهيّة شرطي الذي وضعته، للورقة المقبلة …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!

نشرت

في

عبد القادر المقري:

فوز دونالد ترامب بعهدة ثانية (غير متصلة) في سدة البيت الأبيض يحمل معه عددا لامتناهيا من الدلالات… خاصة إذا عرفنا أن منصب الرئيس الأمريكي هو عبارة عن “واجهة” لتوازن قوى وإرادات ونوايا داخل الطبقة النافذة وأجهزتها، بأكبر قوة على الأرض حاليا.

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

قد يبدو الأمر مستغربا خاصة من وجهة بلدان كمنطقتنا حيث تتجمع كل السلطات في يد شخص واحد تسبغ عليه أجلّ الأوصاف البشرية وفوق البشرية وحتى الإلهية… وهذا طبيعي بحكم الموروث الذي تراكم لدينا على مر آلاف السنوات، وتمركزت فيه السلطة بشكل مبالغ فيه لدى أفراد حملوا مختلف الألقاب التي توحي بالعظمة والقهر والسلطان المطلق، وبات ذلك مقبولا وبديهيا لدى العامة مهما كانت قشور بعض الدمقرطة هنا وهناك… وحتى في العشرية الماضية التي يسوّق أصحابها أنها كانت قوسين ديمقراطيين وسط عصور من الاستبداد، فلقد تصرف “الديمقراطيون” بشكل لا يختلف عمن سبق وعمن لحق… ويكفي هنا التذكير بذلك “الاعتصام” الذي دفعوا إليه بأنصارهم سنة 2012 أمام مبنى التلفزة التونسية، وطالبوا خلاله بعودة الإعلام الوطني إلى تمجيد “إنجازات” الحاكم، بدل عملنا الإخباري المحايد الذي حاولنا الشروع فيه بعد جانفي 2011…

إذن أسفرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن عودة دونالد ترامب إلى الحكم مجددا كإحدى النوادر في تاريخ تلك البلاد… إذ تذكر المصادر أنه وحده رئيس قديم يدعى “كليفلاند” حكم في بداية القرن 19 فترة أولى، ثم خسر معركة التجديد، وعاد بعد ذلك إلى البيت الأبيض … أما الـ 55 رئيسا الباقون فكانوا إما يجددون وهم في مكانهم، أو يخرجون خروجا لا رجعة بعده… وهذا قد يعكس قوة شكيمة لدى شخصية ترامب المضارب العقاري الذي لا ييأس وفي جعبته صبر التجار وعنادهم الأزلي… ويترجم هذا الرجوع خاصة رغبة الـ “إستابليشمنت” الأمريكي في حسم بعض الملفات التي بقيت مفتوحة، بل مبعثرة الأوراق، في عهد العجوز المريض جو بايدن…

من هذه الملفات أو في صدارتها الحرب في أوكرانيا… هي كما وصفها عديدون حرب أوروبية أوروبية، وقد اندفعت في خوضها (بالوكالة) إدارة بايدن أولا لتأكيد زعامة الولايات المتحدة على الحلف الأطلسي… وثانيا ربما لانتماء الرئيس المتخلي إلى جيل ولد ونشأ وكبر ومارس السياسة والأعمال زمن الحرب الباردة، وخلّف ذلك لديه نفورا من السوفيات والروس وكل ما له صلة بهم… فضلا عن سبب ثالث يتم التطرق إليه بين الفينة والأخرى وهو أنشطة ابنه “هونتر” التجارية ومصالحه بأوكرانيا، فيما يتهم الروس بايدن الإبن بامتلاك مختبرات في كييف لإنتاج أسلحة كيميائية… وعلى العموم، فقد كلفت هذه الحرب الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 174 مليار دولار على الأقل، من المساعدات العسكرية والاقتصادية … حسب آخر تصويت من الكونغرس (الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون) في شهر أفريل الماضي…

وفي هذا الباب، يقف دونالد ترامب على النقيض من بايدن… فمعروف عنه موقفه غير العدائي من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين خاصة… بل يمكن وصف علاقة الطرفين بنوع من التفاهم إن لم يكن بالصداقة… كما أن ترامب ينتهج بعضا من نظرية “مونرو” الانكفائية خصوصا في ما يتعلق بعدم الالتزام بقضايا لا تهم المصلحة الأمريكية المباشرة… فكما قلنا، الصراع الأوكراني هو شأن أوروبي، ومكانة هذه القارة (سيما بعد أن أصبحت اتحادا) في سياسة ترامب لا تعدو كونها منطقة منافسة أكثر منها حليفا تندفع الولايات المتحدة للذود عنه والإنفاق عليه…. وهذا ما يفسر تخوف العواصم الأوروبية من مآل السباق نحو البيت الأبيض، وهي عارفة ما ينتظرها في صورة رجوع ترامب بعد أن جربته في العهدة الأولى…

وتبعا لهذا، من المنتظر رؤية عديد الالتزامات الأمريكية الخارجية تتقلص إن لم نقل تتلاشى بصفة شبه كلية… لا ننسى أن ترامب انسحب من تعهدات دولية عديدة كالتي حول المناخ مثلا، وأهم منها تهديده المستمر بالانسحاب من الحلف الأطلسي ولو جزئيا… ويستتبع ذلك كما أسلفنا انحسار “السخاء” الأمريكي في مساعدة دول هذا الحلف عسكريا وحتى اقتصاديا… دول هذا الحلف ومن ترضى عنه هذه الدول أيضا… ولعل أول من استبق هذا الانحسار، كان إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الذي سارع إلى ترميم علاقاته بدولة كالمغرب… وقد تتبع ذلك خطوات مماثلة مع دول عربية وإفريقية تجمعها علاقات “تاريخية” بفرنسا والمتروبول الأوروبي عامة (في سياسات الهجرة والتأشيرات ربما)… وقد تمثل هذه الفضاءات وأسواقها بديلا، إلى حد ما، عن الدعم الأمريكي لاقتصاد القارة العجوز… عكس ما يتوقعه اليمين الأوروبي المتطرف من قمع متزايد للهجرة، اقتداء بسياسات ترامب في بلاده من هذه الناحية…

فلسطينيا… وإن كانت سياسة واشنطن المنحازة كليا للكيان الإسرائيلي لا تختلف بين شتى الجالسين في المكتب البيضاوي، إلا أن تفاصيل صغيرة قد تتغير مع إمساك ترامب بمقاليد إدارة الصراع… وهنا يتوجب الانتباه إلى الدور الإيراني في مجريات الأحداث الأخيرة الناجمة عن هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من عدوان إسرائيلي ماحق على غزة والحنوب اللبناني… وسواء كان الطرف الثاني في مواجهة الاحتلال منظمة حماس أو تنظيم “حزب الله”، فإن هذه الفصائل تمثل باعتراف إيران نفسها، أذرع طهران في المنطقة إضافة إلى مثيلاتها في سوريا والعراق واليمن البعيد…

وإذا كانت المواجهة في عهد بايدن ظلت تكتفي بمحاربة الأذرع العربية دون المساس بالجوهر الإيراني، فإنها مع ترامب قد تغيّر مسارها ومرماها تماما… ترامب له حساب قديم مع طهران وبرنامجها النووي وليس في وارده “ملاطفة” إيران كما فعل بايدن، كما أنه قد يركز على ضرب إيران مباشرة وتهدئة الجبهة مع أذرعها… مما قد يفضي إلى تشجيع تغيير في حكومة الكيان (وقد بدأت التصدعات بعد في فريق نتنياهو) يقضي بوقف ولو تدريجي لإطلاق النار في قطاع غزة وجنوب لبنان…

يقيت نقطة أخيرة في ما يخص “كامالا هاريس” المرشحة سيئة الحظ… لقد أثبتت هذه المرأة رغم هزيمتها، شجاعة وديناميكية منقطعتي النظير… امتطت قطار الانتخابات وهو سائر لتعويض “جو بايدن” بُعيد انسحابه المفاجئ في 21 جويلية الماضي… فيما كانت الحملة الانتخابية في أوجها على مسافة 100 يوم فقط من يوم الاقتراع، وفيما كان منافسها ترامب جاهزا منذ أشهر وحملته ماضية على أشدها… فكان عليها أولا الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ولم يكن ذلك بديهيا، ثم خوض حملة طاحنة في فترة قصيرة، ثم خاصة الرد على مثالب الخصم الشرس حول رئيسها وفترة حكمه، ثم حولها شخصيا وحول مقدار كفاءتها لاعتلاء منصب الرئيس…

ولئن تجاوزت الولايات المتحدة إرثها المثقل بالميز العنصري عند انتخاب أوباما كأول رئيس أسود ومن أصول غير بروتستانتية (ولا مسيحية حتى) سنة 2008، ولأسباب انكشف أنها جاءت وفق “كاستينغ” متلائم مع مرحلة تصعيد الإسلام السياسي لحكم البلاد العربية… فإنه لا يبدو أن ذلك سيتكرر بسهولة، خاصة أن هاريس تعترضها “عوائق” ما زالت ذات وزن في العقلية الأمريكية والغربية عامة… ورغم التطور الكبير في العقليات، إلا أنه يبدو أنه لم يحن الوقت بعد لرؤية امرأة على رأس بعض الديمقراطيات الكبرى… فقد فشلت “هيلاري كلينتون” سنة 2016 في سباق مماثل نحو الرئاسة الأمريكية، كما فشلت قبلها “سيغولين روايال” في فرنسا سنة 2007، وكلاهما بيضاوان أوروبيتان أصلا ومفصلا…

وهذا ما يضيف أسهما إلى شجاعة امرأة ذات أصول إفريقية وآسياوية، مثل كامالا هاريس…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 84

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الحديث عن ايطاليا البلد الذي احتوانا في تدرّبنا بالراي اونو حديث يحتاج الى مجلّدات .. اليوم ساحدثكم عن ايطاليا والمعمار والجمال ..

عبد الكريم قطاطة

لا نختلف في انّ جمال المدن الايطالية له رونق خاص وهذا ما دفع بالبعض وهو يصف بعض هذا الجمال يردد مقولات من نوع: (اشاهد فينيسيا، اي “البندقية” المدينة العائمة، ثم اموت) VEDERE VENEZIA E MORIRE .. … رغم انّ تاريخ هذه المقولة يؤكّد انها قيلت عن مدينة نابولي وليس فينيزيا ..ولانّ الجنوب كان ومازال ضحية التحيّل والظلم، تحوّل المثل الى البندقية … اي نعم كل جنوب قدره الاحتقار ..وحتى ايطاليا نفسها الواقعة في جنوب اوروبا يعتبرها الاوروبيون الاخرون حثالة اوروبا… رغم انهم يدركون جيدا انّ الفنّ خُلق في ايطاليا ..والسباغيتي ايطالية او لا تكون… والمثلجات بفففففففففف دنيا اخرى .. خللي عاد من الكورة المحنونة .. نودّكم ولا نشهّيكم ..

نحكي على اوروبا .. اما كي نحكيو على العالم كُرويا بالنسبة لي تبقى البرازيل عنوان السحر وتجي بعدها تونس (متاع الجرو والقادري!! .. ايّا نبدّلو هالصحيّن) .. في زمن ما… القرن الخامس عشر… اصبحت ايطاليا زعيمة العالم ورائدته في الفنون والثقافة ..وهو ما يسمّى عصر النهضة ..طبعا النهضة متاعهم موش النهضة متاعنا …ما اقرب طز لشرّڨ …في ذلك الزمن وتحديدا في افريل 1507 وضع البابا يوليوس الثاني حجر الاساس لبناء معلم الفاتيكان… والذي هو وبعبارة موجزة يمثّل مكّة بالنسبة للمسيحيين، لانّه مركز القيادة الروحية للكنبسة الكاتوليكيّة… وككل المشاريع الضخمة في المعمار كان عرضة للعراقيل لانّ بناء معلم الفاتيكان نهائيا لم يتمّ الا في 14 ماي سنة 1590 …

وكيف نكون في روما ولا نزور الفاتيكان؟ … الفاتيكان اصبحت فيما بعد اصغر دولة في العالم 0 فاصل 49 كيلومتر مربع مساحة… وسكانا لا يتجاوز تعداده 850 فردا ..هذه المعلومات اسوقها فقط للتذكير بها لكن ما هالني وانا ألج إلى كاتدرائية “الفاتيكان”سيكستين” هذا المعمار الضخم والرهيب …كنت اتساءل كيف للانسان في ذلك الزمن (القرن 15) ان يشيّد مثل ذلك المعلم وبذلك الحجم ..اعمدة رهيبة طولا وسُمكا .. كيف صنعوها ؟؟ كيف رفعوها وهي طولا بحجم عشرات الامتار وسُمكا بقطر دائري ضخم؟؟ .. بكلّ امانة لم ار في حياتي لا الواقعية ولا الافتراضية معلما بتلك العظمة… وهو مُحلّى بابهى الزخارف والفسيفساء اتسمعني ليونارد ديفنشي ؟؟ وبتماثيل عملاقة … قلت في بداية توصيفي له هذا المعلم الرهيب ..اي نعم ..رهبته تتمثّل في انّ كلّ من لا يحمل في قلبه ايمانا عميقا بالاسلام، قادر هناك في لحظات وجيزة ان يعتنق العقيدة المسيحية !…

معلم آخر وهو في قلب العاصمة روما لا يمكن لكلّ زائر للمدينة الخالدة ان لا يذهب اليه .. انها نافورة تريفي (لافونتانا دي تريفي) ..النافورة تُعدّ من اجمل نافورات العالم وهي من مواليد القرن السابع عشر واستغرق بناؤها 30 سنة… و منذ ولادتها ولحدّ الان ظلت محلّ رعاية واصلاح وتطوير (كيف المعالم التونسية اللي عندنا بالضبط قريب يطيحو على روسنا … وهي المصنفة في خانة “دار الخلاء تبيع اللفت”)… الشيء الخاص بنافورة تريفي انّها تختزن اسطورة منذ القدم ..فالسائح عند الوقوف امامها عليه ان يرمي بقطعة نقدية في فسقيّتها… حسب المعتقدات الايطالية، فإن القاء تلك القطعة النقديّة يحقّق لصاحبها كلّ ما يتمنّى وحتما سيعود لزيارة روما ..انا كنت طبعا من الذين القوا بالقطعة النقدية .. فقط لاخذ صور تذكارية … ولانّ نيتي كانت مخوّزة .. لم تتحقق برشة امنيات ومللي دفنوه ما زاروه …

الايطالي في حياته انسان (تعشقو عشق) يحبّ جدّا الحياة بكلّ ملذّاتها .. وفي نفس الوقت يؤمن بالعمل كقيمة حضاريّة ..الايطالي يمكن ان نفهمه من اغنية لـ”توتو كوتونيو” بعنوان (دعوني اغنّ)… لاشاتا مي كانتاري… لانه حتى وهو يتحدّث ويداه في حركات سمفونية رائعة، يغنّي .. حتى وهو يمشي (وهنا الاصحّ حتى وهي تمشي) هي تغنّي وترقص …الباعة الذين ينتصبون كلّ ايام الاسبوع في اماكن مخصصة لهم يعرضون بضاعتهم على الآخرين وهم يغنّون .. ربما هم من فهموا (المغنى حياة الروح … يسمعها العليل تشفيه ..وتداوي كبد مجروح ..تحتار الاطباء فيه ..وتخلّي ظلام الليل .. بعيون الاحبّة ضيّ .. شوي شوي شوي شوي غنيلي وخذ عينيّ) .. اصبحت لديّ شكوك في انّ الكبير محمود بيرم التونسي صاحب كلمات هذه الاغنية عمل حرقة في زمانو لايطاليا واستلهم من روح شعبها الفنان في كلّ شيء ..اغنية الستّ غنيلي شويّ شويّ …

وهنا يتوقف قلمي عن مواصلة الكتابة ..معناها بعد رائعة بيرم كلمة، وزكرياء احمد تلحينا، والستّ غناء نواصل انا في لغوي؟؟ عيب يا عبدالكريم عيب …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار