تابعنا على

وهْجُ نار

هل يتحمّل الرئيس تبعات فشله منفردا … أم سيورّط الجميع معه؟؟

نشرت

في

كنت من الذين سعدوا بما وقع يوم 25 جويلية في جانبه الإصلاحي أو “الردعي” لمشهد سياسي نيابي حكومي بائس شرط ألا ينقلب الأمر إلى حالة حكم دائمة، جاثمة على شعب يئن ويتوجّع ودولة على حافة الانهيار، وقد كنت إلى حدود ليلة الخامس والعشرين من جويلية أكبر معارض لحكومة المشيشي و”شلّته” إلى درجة مهاتفتي من احد الاصدقاء من مستشاريه ومطالبتي بهدنة نقدية حتى اشعار آخر، وهو الأمر الذي لم أنخرط فيه، عن قناعة بما أفعله،  لكن كنت أيضا ممن تنبؤوا بانحراف قيس سعيد يوم 22 سبتمبر عمّا وعد به يوم 25 جويلية ودخول البلاد… كل البلاد، في إقامة جبرية تحت سلطة مطرقة “التدابير الاستثنائية”...

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

قيس سعيد كان كثير المفاخرة بشرعية انتخابية غير مسبوقة وكان يرى أن هذه الشرعية ستسمح له بالتصرّف بما يريد وكما يريد في دولة أنهكتها الأحقاد، وكان يظنّ أن هذه الشرعية الانتخابية ستغلق كل الأفواه التي خاب ظنّها فيه منذ وصوله قصر قرطاج … فبرنامج قيس سعيد الذي افتتحه يوم 25 جويلية لم يكن اقتصاديا أو اجتماعيا او برنامجا ثوريا يقلب حال البلاد إلى ما يتمناه كل العباد، قيس سعيد استوحى برنامجه من مخزون الحقد والغضب المتنامي على كل منظومة الحكم التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه منذ احدى عشرة سنة، وقد ساهم في تأزيم الأمر وتنمية الأحقاد باختياره لمن جلسوا على كرسي القصبة منذ انتخابات 2019 فهو من اختار الفخفاخ فخرج بفضيحة فساد، وهو من اختار المشيشي فسلّم البلاد في يد مجموعة  من الانتهازيين الذين حوّلوا الدولة إلى ضيعة يفعلون بها ما يريدون…

إذن فقيس سعيد هو من “صنع” مبررات ما أتاه يوم 25 جويلية، بعد أن درس مزاج جزء كبير من الشعب التونسي الرافض للنهضة ومن معها … وكما وقع معه في الدور الثاني حين هرولت نحوه كل الأحزاب قطعا للطريق أمام خصمه، ادرك قيس سعيد أنه أمام تاريخ يعيد نفسه، فالنهضة والمشيشي ومن معهما هم اليوم في نفس مكان نبيل القروي في الدور الثاني من انتخابات 2019 وابعادهم سيجلب له دعم ومساندة كل خصومهم وكل من يكرهونهم ويريدون ابعادهم عن المشهد السياسي … فقيس سعيد إذن قطع الطريق امام من قطعوا الطريق أمام القروي من أجله وتنكّر لهم جملة وتفصيلا، لكنه أخطا حين تصوّر انه أمام حالة دائمة وستقبل بكل ما سيترتب عنها وعن استحواذه على جميع مفاصل الحكم والدولة، وأن هؤلاء سيرافقونه وسيتبعونه حيث ذهب بهم وأمرهم، وسيدعمون كل ما قد يقدم عليه بعد ذلك…وهو الخطأ الذي  قد يكلّف قيس سعيد (سياسيا) والبلاد (اقتصاديا واجتماعيا) غاليا في قادم الأيام، فالرئيس لم يقرأ حسابا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتحوّلات التي يشهدها العالم، وتصوّر أن ما أتاه سيكون كافيا لكي يبايعه الجميع بغضّ النظر عن النتائج التي قد يحققها بسياساته العشوائية غير المدروسة.

بعد 25 جويلية أخفق قيس سعيد في كل ما أتاه تقريبا ولم ينجح في حلّ مشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الأمر الذي لا يزال يفاخر به اتباعه ومن بايعوه “سلطانا” على البلاد والعباد كان نتيجة للدعم العالمي الواسع لجميع الدول الفقيرة في محاربة الوباء، فساكن قرطاج واصل وهو المتخصّص الأكبر في خلق الخصوم والأعداء، أقول واصل قيس سعيد معاداة واستعداء كل مكونات المشهد السياسي بأحزابه وحركاته ومنظماته، من خلال سياسة واضحة المعالم تهدف إلى إفراغ المشهد كاملا لتعبيد ومسح الطريق أمامه لمواصلة حكم البلاد والعباد لعهدة أخرى، أو حتى عشرية أخرى طمعا في أن يكتب اسمه في تاريخ من حكموا البلاد وتركوا أثرا في العباد، فقيس سعيد لا يختلف كثيرا عمن سبقوه وجلسوا على كرسي قرطاج بعد خديعة 2011، جميعهم مهووسون بالزعيم الخالد الحبيب بورقيبة وجميعهم يريدون تخليد مراحل حكمهم كما فعل بورقيبة، لكن جميعهم فشلوا في ذلك ولم ينجح أي منهم في أن يترك اثرا يُنسي الشعب بورقيبة ومآثر بورقيبة بل جميعهم وبفشلهم الفظيع ساهموا أيضا في نحت وتخليد اسم بن علي أيضا في تاريخ من خدموا البلاد وتركوا أثرا طيبا في تاريخها…

لا يزال قيس سعيد واتباعه وفرقة “حسب الله” التي تمجّد أفعاله يعيشون على أوهام الدور الثاني من انتخابات 2019 فحجم من صوّتوا له أصبح سلاحا بيدهم ويد الرئيس يرفعه ويرفعونه في وجه كل من يعارضهم  ويعارض سيدهم، ومن يشكّك في أحقيته بما يأتيه اليوم، وهنا يكمن الخطأ الذي قد يكون سببا في كل ما سيترتب عنه من أخطاء أخرى وفي كل سياسات قيس سعيد الفاشلة، فحجم من صوّتوا له في الدور الثاني ليس هو حجم من يطالبون به حاكما أوحد سلطانا على البلاد والعباد، فكل تلك المئات من الآلاف التي هرولت نحو صناديق الاقتراح في الدور الثاني لتختار قيس سعيد للجلوس على كرسي بورقيبة لم تفعل ذلك من اجل عيون “قيس” بل فعلت ذلك قطعا للطريق أمام خصمه، بعد ان ألصقوا به كل تهم فساد الدنيا واصبح في نظر الشعب احد إخوة ابليس من الرضاعة… هكذا خيّل لرئيسنا ولاتباعه اليوم انه معبود الملايين وان صراخ بعض “الفتية والمجانين” ممن يسمون أنفسهم “مواطنون ضدّ الانقلاب” كما يقول اتباع الرئيس لن يكون سببا في ابعاد النوم عن جفنه ليلا…

لم يستفق اتباع الرئيس من غفوتهم وواصلوا إلى يوم الناس هذا الهتاف والتصفيق دون أن يكلوا ولا يملوا، ولم يتفطنوا أن عددهم يتضاءل يوما بعد يوم بسبب تراكمات فشل الرئيس وسياسات الرئيس، ومن اختارهم لتنفيذ برنامجه الذي لا أحد يعلم محتواه ولا منتهاه…فهدف الرئيس اليوم ليس هدفه الذي جاء في ما قاله للشعب يوم 25 جويلية بل توسّع ليصبح تغييرا شاملا في نظام الحكم ودستورا على مقاس ما يريده، ومناشدة في شكل استشارة تكون مبررا لما قد يقرره وما سيفعله في قادم الأشهر، دون حتى مجرّد الانتباه إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تنذر بانهيار الدولة في كل لحظة…

 كان فشل الاستشارة وعودة الجميع إلى واقع لم يتفطنوا إليه ولم يقرؤوا له حسابا، ففشل الاستشارة رغم إصرار الرئيس ومن معه على نجاحها هو مؤشر واضح وجلي على فشل ما سيأتي بعدها… ثم جاءت واقعة لقاء الطبوبي ومن معه ببعض المسؤولين من صندوق النقد الدولي ورفضهم القطعي لما جاء في الاتفاق بين حكومة قيس سعيد والصندوق وهو الأمر الذي اشعل الحرب بين قرطاج والقصبة ومن معهما من اتباع وموالين، وسكان ساحة محمد علي … وخسر الرئيس احدى أهمّ معاركه فكسب ودّ الاتحاد كان يمكن أن يكون حاسما في كسب حرب قيس سعيد ضدّ بعض مكونات المشهد السياسي لكن اختياره لي ذراع الطبوبي ومن معه يعتبر خطأ استراتيجيا في غير موقعه، ورغم اختلافي مع قيادات الاتحاد الحالية والسابقة على ما فعلوه بالبلاد، منذ يوم الخديعة فهم (وهذا رأي يعنيني) أحد اهمّ أسباب ما نحن فيه اليوم من خراب وحين أقول “هم” فلا اعني الاتحاد كمنظمة بل أقصد قياداته الحالية، لكن هذا لا يعني أن أكون اليوم في صفّ قيس سعيد، وأن أدعمه في معركته ضدّ سكان ساحة محمد علي، فموقف الاتحاد اليوم رغم مآخذي على ما “أجرمه” في حقّ البلاد والعباد طيلة عشرية كاملة هو موقف منطقي وعقلاني في ظلّ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها البلاد ويعيش تبعاتها المواطن التونسي من شمال البلاد إلى جنوبها…

ما تعيشه البلاد اليوم من تمزّق وتفكّك وضياع للهوية، لا يمكن معالجته باستعداء كل مكوّنات المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإلغاء بعضها وضرب بعضها ببعض، فالخروج من حالة التيه التي تردينا فيها اليوم لا يعالج من طرف واحد بل من جميع الأطراف…فهذا الانقسام الحاد الذي تعيشه البلاد اليوم بسبب ما أتاه ساكن قرطاج قد يجرّ البلاد إلى عدم استقرار وعنف داخلي، وقد يكون سببا مباشرا في سيادة الظلم والتعتيم وتكميم الافواه والقهر الاجتماعي بجميع عناوينه ومكوناته، وقد يكون سببا أيضا في غياب المساواة والعدالة باستئثار طرف وحيد بكل مقاليد ومفاصل الحكم والسلطة والدولة…فتعاظم فقدان الثقة في جميع مكونات الحكم المتعاقبة وتدهور منسوب مصداقية هذه المكونات الحاكمة، إن كانت أحزابا أو افرادا، سيكون سببا مباشرا في فقدان كل من سيأتي بعدها لشرعيته سواء كان أفرادا أو مؤسسات…

رئيس البلاد لم يأت بحلّ واحد لمشكلات البلاد بل بحث عن إرضاء كل الحاقدين على خصومه واستقطابهم لمعركته، بقرارات شعبوية فرجوية، فالإيقافات العشوائية غير المبررة، ووضع البعض في إقامة جبرية دون أدلة، ودون عودة إلى القضاء، والحروب على الفساد والاحتكار هي مجرّد دغدغة لمشاعر الاتباع والناخبين ومجرّد بحث عن التهليل والهتاف والتصفيق، فلا أثر ولا نفع سيأتي لهذا الشعب من ورائها، خاصة وهو يعلم خفاياها وما يعيشه كل العالم من أزمة تموين وتخزين ونحن نعيش حربا في أهم مواقع انتاج الغذاء في العالم…

كما أن الانسياق وراء سياسة الترضيات التي دأب عليها كل من حكموا بعد يوم الخيبة لن تفيد البلاد، ولن تساعدها على درء الأسوأ في قادم الايام، فجميعهم خيّروا إسكات من يعارضهم او من يخرج عليهم رافعا شعارات الغضب والاحتجاج بالزيادة في الأجور أو بحملات لتسوية وضعيات مهنية بمساعدة وضغط من قيادات الاتحاد الحالية والسابقة، فلا أحد فكّر في حلّ مشكلات البلاد جذريا درءا لما نعيشه من خراب، وكمن سبقوه اختار قيس سعيد أن يكون الإرضاء لمن قاموا بحملاته الانتخابية متناسيا عامل الكفاءة والتجربة فأن تكون دكتورا عاطلا عن العمل لا يعني انك ستكون واليا ناجحا او وزيرا قادرا على وضع برامج ثورية تخرج البلاد مما هي فيه، وهنا كان على الرئيس نسيان احقاده على كل من حكموا البلاد وتشريك الجميع أو لنقل “توريط” الجميع معه في أم المعارك، وام المعارك اليوم هي إنقاذ البلاد من انهيار كامل وشامل… ولا أظنّ ان أم المعارك يمكن ان يكسبها منفردا دون توحيد كل الجهود ودون تشريك الجميع فيها ودون تحميل الجميع تبعاتها، إن كانت نصرا أو هزيمة…

تعالوا لنخوض في ما يمكن أن يكون رئيسنا قد أتاه منذ “انقلابه” على شركائه في الحكم وفي موقعة انتخابات 2019 لكنه لم يأته…فمشكلتنا اليوم هي التدهور الاقتصادي والاجتماعي الخطير الذي تعيشه البلاد، فمشكلات الميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، ومعدلات النمو والتزامات الدولة …ومقاومة الفساد، لا تعالج بخطب حماسية تلقى في مجلس وزاري يكتفي من يؤثثونه بالاستماع وطأطأة الرأس موافقة ومساندة…وتدهور الخدمات المتوفرة للمواطنين وعدم القدرة على التجديد لا يعالج بشيطنة الخصوم…وتهميش الشباب الذي يعتبر اساس العملية الاقتصادية والتنموية لا يمكن أن يعالج بمجرّد حملات تفسيرية لبرنامج تغيير سياسي لن يخرجنا مما نحن فيه…كما أن ارتفاع نسبة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر لا يعالج بالغضب واتهام كل من سبقنا في حكم البلاد…

لا يمكن معالجة غياب القدرة على تطوير وسائل الانتاج والموارد الاقتصادية بالجهات والمناطق الداخلية بمرسوم الصلح الجزائي، فهذا المرسوم سيرهق كل رجال الأعمال وسيجبر بعضهم على الهجرة والهروب من جحيم عقاب لا موجب له ولا شرعية… ولا أظنّ أن إلغاء العديد من الاستثمارات والمشاريع القادرة على تحريك عجلة التنمية، واستبدالها بمشاريع وهمية تسويقية إرضاء للبعض سيحلّ بعض المشاكل التنموية والاقتصادية لقطاعاتنا الصناعية الإنتاجية الاساسية… فما يأتيه ساكن قرطاج اليوم وما يعد به وما يظنّ أنه سيفعله لن يقضي على  التفاوت الكبير بين الطبقات الاجتماعية التي انحصرت خلال هذه العشرية في طبقتين، احداهما أقلية فاحشة الثراء، واخرى أغلبية مسحوقة بعد ان تمّ القضاء على الطبقة الوسطى التي كانت أهمّ نجاحات التوزيع العقلاني والمنطقي للثروة خلال عقود من حكم المنظومة القديمة…

 قيس سعيد لم يقرأ حسابا للتصدّع وشبه الانهيار والضعف في العديد من المؤسسات الاقتصادية للدولة وفروعها الانتاجية بسبب سياسات الترضية والمحاباة، والصمت المريب عن سياسات التخريب التي طالتها وطالت أيضا كل الأملاك والمؤسسات المصادرة التي أصبحت تُوزع كغنائم حكم، هذه السياسات التي انتهجها كل من حكموا البلاد منذ يوم الخيبة حفاظا على مواقعهم…كانت أيضا من أهمّ أسباب ما نحن فيه…

 كما أن اللجوء الى المساعدات الخارجية والقروض دون وضع استراتيجية واقعية لتطوير حقيقي وملموس للاستثمار الداخلي والصناعات التصديرية، ورفع في نسبة الإنتاج والنمو الداخليين سيغرقنا في مديونية متصاعدة سترهق الأجيال القادمة، وسيجعل البلاد عرضة للي الذراع من الدول والمنظمات المانحة… ولن نخرج مما نحن فيه دون العودة الكاملة إلى العمل والإنتاج … 

خلاصة ما نحن فيه فشل شامل في كل السياسات التي جاء بها قيس سعيد منذ استحواذه على كل مفاصل الحكم…ومن المنطقي ألا نرمي بكل أسباب الفشل على كاهله، لكن العقل والمنطق يقولان إنه هو اليوم من يتحمّل تبعات كل فشل سيدق على بابنا، فهو من اختار أن يتحمّل بمفرده مسؤولية البلاد بعد إلغائه لكل من كانوا يؤثثون معه الحكم…فأهمّ أسباب فشل الدول في الخروج من أزماتها، هو بالأساس فشل قياداتها في تحديد الخيارات والبدائل التي  تمكنها من بلوغ غاياتها المرجوة… كما أن عدم الاستئناس بالتجارب السابقة التي أخرجت البلاد من ازماتها التي مرّت بها، وعدم تقييمها تقييما موضوعيا، بعيدا عن الأحقاد على من سبقونا لن يفيدنا في وضع استراتيجيات قادرة على انقاذ البلاد من انهيار وشيك…

على قيس سعيد أن يعي أن العامل الاقتصادي هو العامل الوحيد الضمان لأمن البلاد واستقرارها، وهو العامل الوحيد الذي يضمن عدم انفجار الوضع الاجتماعي…فاستقرار اقتصاد البلاد وتطوره الدائم دليل على سلامة سياسات الدولة الداخلية وامتداداتها الخارجية، وعليه أن يعي ان انعدام الاستقرار الاقتصادي سيكون بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت إن لم تتحرّك الدولة لتطويق الأزمة وتلبية كل احتياجات مواطنيها وحلّ مشكلات شبابها والقضاء على أزمة البطالة وغيرها من الأزمات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه…

لذلك لا أظنّ شخصيا ان قيس سعيد سيخرجنا مما نحن فيه دون ان يهدم الحائط الذي يفصل بينه وبين أصحاب النوايا الطيبة وبين الكفاءات الحقيقية القادرة على انقاذ البلاد، فإلغاء الآخر لن يخرج البلاد من فشل يتحمّل تبعاته من اختار أن يحكم البلاد بمفرده…فالحفاظ على الدائرة الاستشارية التي تحوم حول الرئيس لن يغيّر من أوضاع البلاد وسيكلفنا غاليا… فالرئيس في حاجة إلى من يقول له “أخطأت سيدي الرئيس” لا من يكتفي بطأطأة الرأس مؤيدا مساندا وداعما لأمر يرفضه ضمنيا ويخاف البوح برفضه…والبلاد في حاجة إلى رئيس يستمع لمن يقول له ذلك…وعلى الرئيس أن يعلم أن بعض المنعطفات قاسية، لكنها إجبارية لمواصلة الطريق…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة … وحمار سعد زغلول (2)

نشرت

في

كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا حين تمّ قصف باب منزلي طرقا من مجهول …فالطرق كان أشبه بالقصف الذي نسمع صوته في نشرات أخبار القنوات العربية الإخبارية التي تنقل إلينا مباشرة مشاهد الخراب والموت والدمار في جنوب فلسطين…الحمد لله أني لم أكن نائما في تلك الساعة فأنا تعودت على ترك الفراش باكرا جدّا لإعداد فطور صباح قططي والقطط الصديقة والشقيقة واللاجئة من الأنهج المجاورة الباحثة عن بقايا أكل لإطفاء جوعها…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

خرجت مسرعا إلى الباب الخارجي لأرى من الطارق، فكان خليفة صاحب الحمار… لم يفاجئني حضوره في تلك الساعة فنحن في ليلة فرز أصوات الانتخابات المحليّة والأكيد أن “خلفون” لم ينم إلى حدّ الساعة وجاءني مباشرة من مركز فرز الأصوات ليبشرني…

ارتمى عليّ خليفة صاحب الحمار واحتضنني أقصد عصرني يمنة ويسرة حتى كاد يكتم أنفاسي فصرخت بأعلى صوتي وقلت: “سيبني قتلتني يا منجوه…” …فردّ: “ربحت يا ولد عمّي ربحت…جبت أكثر من خمسين بالمائة مالاصوات…صرفڨتهم وهردتهم جبتهم يدورو وخليت الكوني والشعلاء يلعبوا في الزربوط والبتشي…وينها الحاجة باش نعلمها …؟؟” أجبت على عجل: “لا لا الحاجة؟؟؟ لا تحضنها لا تمدلها ايدك يا جلف… تحب تكسرلها ضلوعها…قوللها من بعيد راني ربحت وسكر جلغتك…”…

نظرت إليه وسألته أين الحمار يا صاحب الحمار؟؟ فقال كالعادة خلف شجرة “الكلاتوس” يتنفس الصعداء بعد حملة انتخابية أرهقته وكسرت ظهره من كثرة ما جاب بي كل أرجاء الدشرة …قلت لحظة أذهب إلى الحمار أهنئه بهذا الفوز الساحق وأعود…نظر إلي وقال “اشنوة تهني الحمار …تي شكون ربح انا والا هو…؟؟؟ مخيبك ولد عمّي” قلت: “هو من كان سببا في فوزك اليوم لو لم يكن هو إلى جانبك وسندك الأكبر وداعمك الوحيد المصاحب في كل أيام الحملة لما فزت بهذه النتيجة الساحقة؟؟”…

 جاءت الحاجة مسرعة وهي تقول: “اش ثمّة شنهي هالحس يا ولد عمي…وشكون ها البغل اللي يدق في الباب هكاكه يعطيه مدفع ان شاء الله…” سمعها السيد النائب وأقصد خليفة فقال: “أنا يا حاجة …سامحيني جيت طاير مالفرحة حبيت نعلمكم انتو الاولانين لأنكم انتم الاولانين اللي ما شككتوش في قدرتي على الفوز بالأغلبية المطلقة…توه أنا بغل يا حاجة حرام عليك…؟؟ وعلاه يا حاجة تدعي علي بمدفع…؟؟” نظرت إليه المرأة ضاحكة وقالت: “سامحني خلفون نائبنا التحفون …نسخايله واحد آخر…ايا امالا نضربلها زغراطة بالقوي خلي الدشرة الكل يفيقوا يا خلفون..” قاطعتها وقلت: ” لا..لا…تزغرط توّه فاش قام الناس راقدة وانت تزغرط…اش يقولوا علينا الناس؟؟؟” 

اختنقت الزغروطة في حلق الحاجة ونظرت إلى النائب صاحب الحمار وقالت: ” تي وينه البهيم يا خلفون…خليني نهنيه مسكين اش عانى منك وهزّك على ظهره…؟؟” نظر إليها غاضبا وقال: ” اشبيكم انتو الكل عالبهيم …تهنوه يخي قولولي أنا والا هو النائب؟؟”…نظرت إليه ضاحكا وقلت:” اشنوة خلفون تغير مالبهيم…يخي موش هو السند متاعك وأكبر داعم لحملتك…يخي ما هزكش على ظهره ايامات وليالي…شبيك اليوم باش تنكر فضل البهيم عليك…موش حرام عليك راهو بكمة…؟؟” فرك خليفة ذقنه بيده اليسرى وقال: “صحيح هو اللي عانى معايا وهزني على ظهره…وما ننكرش فضل البهيم واش خصّ لوكان عندنا برشة بهايم كيفو…لكن موش لدرجة تنسوني جملة…راني جيتكم نحب نتفاهم معاكم كيفاش باش نعمل زردة واحتفال وحفل استقبال على شرف هذا الفوز العظيم يا أولاد عمّي..”.

اقتربت من الحاجة وطلبت منها إعداد فطور صباح “قمقوم” للنائب صاحب الحمار فالرجل متعب من سهرة فرز الأصوات ثم توجهت لخليفة وقلت: “تعال رتّح فخّار ربي…ونقعدوا نبرمجوا الحفل وشكون تستدعاله؟؟” جلس خليفة إلى جانبي مرهقا شارد الذهن وكأنه في مكان آخر ليس بيننا …وكأنه يحمل أوزار كل الدنيا…قلت له: “شبيك تخمّم لاباس أمورك فسفس هاك وليت نائب…وتوه عاد باش تاخذلنا كرهبة تطنطن وتولي اجتماعات وسفرات للعاصمة ولقاءات مع المسهولين الكبار…” ضحك وقال: “لا…كرهبة لا…بهيمي هو نصف ديني …هو اللي هزني وقت اللي ركايبي فرغوا …بهيمي عشيري ما نبدلاش بخردة حديد لوكان يعطوني مال الدنيا…” ضحكت وتمتمت خوفا من أن يسمعني النائب صاحب الحمار “وعلاه انت اش تسوى من غير البهيم…يا بهيم..” نظر إلي خليفة وقال ” اش اتمتم…بربي؟؟” قلت: ” لا لا لا شيء …”.

جاءت الحاجة بفطور الصباح فنظرت إليها قائلا: “ما تنسيش فطور البهيم يا حاجة؟؟” أجابتني: “اشنوة حتى هو قهوة وحليب زادة…؟؟” قلت: لا لا لكن شوية ڨرط هوكه شريت على ما يواتي بالة ڨرط محطوطة وراء الڨاراج مساهمة مني ودعم استراتيجي ولوجستي لخلفون…وصُبيلَه شوية ماء راهو عطشان مسكين اش عانى من بلاء”…أنهى خليفة فطور صباحه النيابي فبالأمس كان خليفة مولى البهيم واليوم أصبح النائب صاحب الحمار…ونظر إلي وقال: “اعطيني فكرة على البرنامج ولد عمّي تعرفني جهلوت ما فاهم حتى كعبة ولوكان موش البهيم هزّ معايا ثقل الحملة كاملة راني توّه نجر في أذيال الخيبة…”.

فكرت قليلا وقلت: “اسمعني جيدّا…أولا يلزمك تكتب كلمة ترحيبية بالحضور باهي…وتنادي العمدة يحضر وكان لزم المعتمد…باهي…(كان خليفة يهزّ راسه كلما سمع كلمة باهي …فيعيدها محركا رأسه خلفا وأماما…ويضيف: حاضر..)…ثانيا يلزمنا نعرفوا قداه من واحد صوتوا في الدشرة الكل…باهي…ونعرفوا نسبتهم من عدد الناخبين …ويلزمنا نعرفوا اشكون صوتولك انت والبهيم بالذات…باهي”…هنا قاطعني خليفة في حالة غضب وقال: “اشنوة صوتولي انا والبهيم.. بصراحة كثرتولها ولد عمّي…أنا المترشح راهو…والبهيم مساند رسمي وداعم…وعضدي الأيمن…اكهو…” نظرت إليه وقلـت: “يا خليفة بربي قلّي موش الناس الكل في الشارع وعندهم مدّة يقولوا شوفوا النائب خليفة والبهيم متاعه يخي انتو قاسمين…انت وليت معروف ببهيمك…نهار اللي يشوفوك وحدك باش يسالوك عالبهيم وينه…ونهار اللي يشوفوا البهيم وحده ما نتصورش باش يسألوه عليك…خاطر هو ولى اشهر منّك بصراحة…باهي…وخليني نكمل البرنامج حسب وجهة نظري باهي..”

نظر إليّ خليفة وقال: “باهي ولد عمّي كمّل …كملّ…” وهنا تدخلت الحاجة لتقول: ” يا خلفون خلّي ولد عمّك يكمّل راهو طيارة في تنظيم الاستقبالات وحفلات التوسيم والانْتِخَيْبَات…” ضحكت وقلت للحاجة “انتخابات…انتخابات يا حاجة موش انتِخَيْبَاتْ…باهي” حركت رأسها كالنائب وقالت: أوكي…وضحكت… نظرت مرّة أخرى إلى النائب صاحب الحمار وقلت “نسألك وتجاوبني أوكي خلفون..” قال نعم …

قلت: كم عدد الناخبين المسجلين الكلّ في الدشرة حسب ما أعلموكم هناك في مركز الفرز؟

خليفة: 112 ناخب…البقية ثمة اللي ماتوا وثمة اللي حرقوا العام اللي فات وثمة اللي ما حبوش يسجلوا…

أضفت: كم صوّتوا ؟؟

خليفة: 10 صوّتوا…والبقية ثمّة اللي ما فيبالهمش…وثمة اللي ممتنعين…وثمّة اللي نسوا…

قلت: كم صوّتوا لك وللبقيّة…

خليفة: 8 صوّتوا لي …علي ولد حفصية…واحمد ولد مغلية…وحمّه ولد العمياء…ومرت عمر ولد الحفيانة…وسعد ولد شوشانة…وأنا صوتت لروحي …وأنت والحاجة…

قلت: كيفاش عرفت اللي هما صوتولك انت؟؟

خليفة: ماني اتفقت معاكم اللي يصوتلي يدخل صبعه للأخر في المحبرة…

قلت: يا مهف… وضحكت وضحكنا معا…

قلـت: هذوما نسموهم “المنعوتون بالصبع”…هوكه صوابعهم فيها الحبار لتوّه باهي…وشكون صوت للكوني وللشعلاء؟؟

خليفة: كل واحد صوّت لروحه…

قلت: اذن موش مشكل حتى هما يجوا في الحفل باهي…باش الناس الكل تتوافق وتتصالح بالمناسبة باهي خلفون…

خليفة: باهي ولد عمّي…والكلمة شكون باش يكتبها؟؟

قلت: انت النائب وانت المعني الأول بكتابة نصّ الكلمة برّه ارتاح شوية وبعد قوم حضر أمور الحفل…واشري اش لازمو الكل…حلو ومشروبات…واعمل عشاء خاص بــ”المنعوتين بالصبع”…أذبح فيه كان تحب علوش والا حتى جدي باهي…

خليفة: بااااااهي ولد عمي اما انت مهف في البرمجة…

قلت: استناني أولا انت اش ناوي حفل استقبل على شرف الكل والا كان على شرف “المنعوتين بالصبع”؟؟

خليفة: لا لا الكل أنا مع المصالحة الشاملة…أما “المنعوتون بالصبع” نقَعْدُوهُمْ في بقعة باهية ومع بعضهم…خاطر ناوي نعطيهم قفيفة فيها حثيويلة صغيرة مللي كتبه ربي…شوية فارينة وسكر وقهوة وروز وزيت زيتونة وزيت الحكومة…ودبيبزة كونوليا جابهملي ولد خوي من سوق ليبيا …باهي…انت فاهمني …تي من كل زوجين اثنين…باهي…

قلت: أيا امالا برّه روّح وبعد طل عليّ نقروا كلمة الترحيب ونصلحهالك وتحفظها من راسك خير مالورقة باهي خلفون…وبالله ما تنساش ترتّح شوية البهيم راهو تاعب مسكين…وحتى هو راهو فرحان بالنتيجة خاصة وهو أكثر واحد تعب عليها…هنا نظر لي خليفة معاتبا بعيونه…وقال اَيَّه بَهْنَاكُمْ…

خرج خليفة مسرعا نحو الحمار وغادر المنزل إلى مقرّ سكناه لإعداد مراسم الحفل وكتابة كلمة الترحيب…فنادتني الحاجة وقالت: “برّه شوف تلقاش هدية باش نهزوها معانا لخلفون راهو نائب محلي محطوط على كريمة…(قاطعتها وقلت: شنوّه…) ثم واصلت الحاجة لتقول…لا لا نفدلك…وبالنسبة للبهيم تو نهزوله شوية من بالة الڨرط اللي جبتها كمساهمة في الحملة الانتخابية لخلفون التحفون…

خرجت مسرعا بعد ان ارتديت معطفا فالطقس بارد بعض الشيء…وقصدت السوق، وأنا في طريقي اعترضني الحاج أحمد ابن خالتي فاحتضنني قائلا: “مبروك على خلفون…وربي يخليله البهيم ..” ضحكت وقلت: “يبارك فيك يا حاج…أما البهيم امشي هنيه وحدك…” ورويت له كيف أن حمار خلفون كان الأكثر حماسا والأكثر دعما لخليفة فلولاه لما نجح خليفة في تجاوز خصومه…

واصلت طريقي وتركت الحاج أحمد صحبة رفقة طيبة من أهالي الدشرة …وكنت كلما اقتربت من مجموعة في مقهى أو في الشارع يتحدثون …أقول كلما اقتربت من مجموعة أسمعهم يتحدثون عن “بهيم النائب” وفطنته ورؤيته السياسية ونجاحه في لمّ شمل سكان الدشرة…اقتربت من بعضهم وسألتهم ما الأمر يا جماعة فقال أحدهم: “هاتفنا منذ قليل السيد النائب خليفة ودعانا إلى حفل استقبال الليلة ولم يستثن أحدا من أهالي وسكان الدشرة حتى أولئك الذين لم ينتخبوه ولم يذهبوا لمكتب الاقتراع…وسنذهب جميعنا صراحة إلى منزل السيّد النائب وكلنا شوق لرؤيته ورؤية الحمار الذي أوصله إلى نيابتنا في المجلس المحلّي…وعلينا جميعا أن نفاخر بما أتاه هذا الحمار وصبره خلال شهر كامل من الحملة الانتخابية، كيف لا ونحن عشنا معه كامل مدّة الحملة ورأيناه يجوب الدشرة طولا وعرضا دون أن يشتكي مما يحمله على ظهره ودون ان يطالب بأجر أو بامتيازات كبيرة…هذا ما يمكن اعتباره صراحة نضالا…فحمار النائب ناضل من أجل إيصال صاحبه إلى المجلس المحلّي وقد يناضل من أجل إيصاله إلى مراتب اكبر وأعلى …فنعم الحمار هذا…إنه البهيم الوطني الذي وجب أن نفاخر به”

نظرت إليه وقلت: أنا الآن هنا لأشتري هدية صغيرة للحمار أو للبهيم كما نسميه…وهدية أخرى لصاحب الحمار نائبنا العزيز خلفون التحفون…واخترت أن تكون الهدية ربطة عنق ما رأيكم؟؟” نظر إلي جميع من بساحة السوق وقالوا “نحن أيضا سنفعل مثلك يا ابن عم صاحب الحمار…” قلت متمتما…”حتى أنا وصلني اللقب واصبح يتذيّل اسمي…يا لبخت هذا البهيم وصاحبه..” فكّرت في ما يمكن أن أهديه آخر لخليفة فقلت لا شيء يحتاجه اليوم غير ربطة عنق جميلة من مغازة عمّ الجيلاني قشّابية…وكان الأمر كذلك ثم مررت بأحد باعة العلف واشتريت “بالة” ڨرط لبهيمنا المناضل والمساند الرسمي لنائبنا المحلّي…على أن أسدّد ثمنها على قسطين…

عدت إلى المنزل بعد أكثر من ساعتين بالسوق فوجدت النائب في انتظاري وهو يمسك ورقة بيضاء وليست بالبيضاء وكأنه ذلك الورق الذي عند الجزار الخاص بلفّ اللحم…اقتربت منه وقلت: “هل كتبت شيئا للترحيب؟” قال: “لا، صراحة لم أجد الكلمات…” قلت: “هات الورقة سأكتب الكلمة، فقط عليك حفظها…” وكتبت…

إخوتي الحضور…أهالي دشرتنا الكرام…

أتوجّه إليكم أنتم يا من انتخبتموني وأقصدكم أنتم “المنعوتين بالصبع” …أقول أتوجه إليكم وأنتم بقية من جاؤوا ليشرفونني في هذا الحفل الكريم وهم لم يكونوا هناك في مكاتب الاقتراع، بالشكر والثناء على دعمكم ومساندتكم طيلة أيام الحملة الانتخابية…كما لا يفوتني أن أنوّه بدعمكم ومحبتكم لي ولحماري العزيز وسندي الأكبر في هذه المعركة…فلولا مساندتكم لما أمكن لي ولحماري العزيز والمناضل مواصلة مشوار الحملة…فهو الذي كان يسجل في ذاكرته كل المنازل التي زرناها وكان يرفض الذهاب إلى منازل زرناها سابقا…فحماري هو ذاكرتي وذاكرة سكان الدشرة الكرام وهو سندي وملهمي في هذه الرحلة السياسية الشاقة…وهو الذي وجب أن أفاخر بما أتاه وما فعله من أجل أن أكون انا هنا …وبهذه المناسبة أجدّد تمسكي بالشرعية الدولية في ما يخصّ ما يقع الآن في جنوب فلسطين المحتلة…وأندّد بالإبادة التي يتعرّض إليها الشعب الفلسطيني…وأندّد أيضا بالقتل الممنهج للصحفيين…كما لا يفوتني أن أندّد بما تتعرّض له الحيوانات الأليفة وخاصة الحمير من قتل وتهجير في العديد من الأماكن في العالم العربي وبعض الدول الأخرى…أخاطبكم نائبا عنكم في مجلسنا المحلّي الموقّر…

عاشت دشرتنا…عاش سكان دشرتنا

وعاش حماري سندي وأخي في الكفاح…

والسلام عليكم

نظر إلي خليفة وقال: ” لماذا أتيت على ذكر الحمار في الكلمة الترحيبية؟” قلت: “أنا كنت في السوق وسمعتهم يتحدثون بإطناب عن الحمار ونضاله معك لإيصالك حيث انت يا خليفة فذكر الحمار في الكلمة الترحيبية أصبح ضروريا حتى لا تُنعت بناكر الجميل…أليس كذلك؟؟” ضحك صاحب الحمار وقال: “لست ناكرا للجميل…سألقي الكلمة على الحضور بعد حفظها عن ظهر قلب…”

تناولنا طعام الغداء ثم قلت للنائب لنذهب إلى منزلك فمراسم الحفل تبدأ بعد ساعتين، وصلنا إلى منزل النائب المحترم، ربط خليفة حماره بشجرة وراء المنزل بمكان يبعد عنه قرابة العشرين مترا ثم دخلنا المنزل لنعدّ العدة وليحفظ خليفة كلمته الترحيبية ليلقيها على ضيوفه في حفل الاستقبال…

خرجنا أمام المنزل حين حانت ساعة استقبال الضيوف…بدأ “المنعوتون بالصبع” يتوافدون على منزل خليفة…وصلوا جميعهم وأدخلهم السيّد النائب إلى بهو المنزل الذي فرش بأجمل الزرابي يتجاذب معهم أطراف الحديث…ونوّه جميعهم بالحمار ونضالاته وحرصه الشديد على إنجاح صاحبه وإيصاله إلى حيث ترشح، ووصل الأمر بأحدهم إلى اقتراح تمثال تخليدا لموقعة الحمار أمام مغازة عمّ الجيلاني قشّابية لتكون في واجهة الساحة مدخل الدشرة ولتكون شاهدا على العصر وعلى “التوافق” والتعايش اللذين تعيشهما دشرتنا…فجأة سمعنا تصفيقا حارا لا أحد منّا يعلم مصدره…قلت للحاجة “بره شوف منين هالحس ووين التصفيق هذا…”

أسرعت الحاجة وراء منزل خليفة لتجد حشدا من أكثر من مائة شخص من نساء ورجال الدشرة حول حمار النائب يصفقون ويتغنون بنضالاته…عادت الحاجة إلينا وهي في حالة من الذهول وقالت “يريدونكم هناك حول الحمار …يريدون الاحتفال هناك…” التفتّ إلى خليفة وقلت…تعال إلى حيث الحمار ألم أقل لك إن الحمار هو الذي أدار رقاب كل سكان الدشرة…ذهبنا إلى حيث ينتظرنا أغلب سكان الدشرة…هناك وجدنا أغلب السكان بهواتفهم النقالة يخلّدون الذكرى في صورة “سلفي” مع الحمار المناضل…ولا أحد منهم فكّر في أخذ صورة مع النائب المحتفى به…نظرت إلى يمين الحمار فرأيت يا لهول ما رأيت، رأيت سورا مبنيا ببالات الڨرط التي أتى بها سكان الدشرة لحمار النائب…وقلت في خاطري: يا بختك يا حمار…

اقتربنا من الحشد الكبير من ضيوف الحمار…عفوا ضيوف النائب… رفع خليفة يده طالبا بعض الهدوء وقال هل تسمحون لي بإلقاء كلمة ترحيبية بهذا الحضور الكريم…وبدأ خلفون في إلقاء كلمته وكان كلما ذكر الحمار صفّق كل من هم هناك وزغردت كل النسوة الحاضرات …ووصل الأمر ببعضهم بالهتاف بالحياة للحمار وصاحب الحمار…وطالب أحدهم الآخر بأن يرفع الحمار على الاعناق…حينها وفي تلك اللحظة وكأني بالحمار يفهم ما يقال حوله نهق نهقتين بأعلى صوته فتفاعل الجمهور معه بالتصفيق والهتاف والتفت إليه مصفقا داعيا له بطول العمر …وأسرع بعض الشباب من الموجودين بين الحضور إلى الحمار ورفعوه على الأعناق وسط تصفيق حار من جميع من جاؤوا لهذا الحفل…

التفتّ يمنة أبحث عن خليفة وجدته حزينا باكيا يتمتم كلاما لم افهمه…مسكته من يده وقلت: “ما بك يا ابن العمّ…شبيك تبكي؟؟” قال: “من جاؤوا لتكريم الحمار أكثر ممن ذهبوا لانتخابي…وفي الأخير رفعوا الحمار على الاعناق وأنا أخطب فيهم…أتريدني ان اصرخ معهم “يعيش الحمار… يعيش الحمار…فمن النائب ومن الحمار هو أم أنا؟؟”…

غادرت منزل النائب أنا والحاجة بعد انتهاء الحفل وبعد أن ودعت ابن عمّي وضيوفه الكرام …في الصباح قصدت السوق باحثا عن بعض احتياجات المنزل ثم قصدت سوق الدواب للسؤال عن ثمن خروف فوجدته…من؟…أي نعم وجدته…ابن عمّي متنكرا في لباس فلاّح عارضا حماره المناضل للبيع…ومعه كمية الڨرط التي غنمها من سكان الدشرة في غزوة الانتخابات المحلية… فصرخت في ابن عمّي قائلا:” تهون عليك العشرة؟؟؟…”…

أكمل القراءة

وهْجُ نار

أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

نشرت

في

الإقرار بتزوير الانتخابات في الأردن - سواليف

غريب أمر هذه البلاد وبعض شعب هذه البلاد وخاصة بعض من جعلوا من هذا الفضاء وسيلة لتصفية حساباتهم والانتقام ممن لا يتفقون معهم…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

فمجرّد ألاّ تكتب مادحا لما يسمونها “ثورة” بمناسبة حلول ذكراها يقذفك بعضهم بأقبح الكلام…دون أن يبدأ حديثه بالسلام…أسأل ألستم أنتم من يشتكي اليوم من اسقاطات ما تعتبرونها ثورة وتبعات كل من جلسوا على كراسي الحكم بعدها…ألستم أنتم اليوم من تنعتون سنواتها بسنوات الخراب؟؟ إذن…ما ذنبي إن لم يكتب قلمي حرفا واحد يمجّد فيه ما يسمونها “ثورة” فكيف تريدون منّي أن اشكر الخراب ومن أتى بالخراب ومن صنع الخراب؟؟ ألم تكتبوا في أوراقكم أن “ثورة” تونس كما تقولون هي من صُنع الغرب وعرّابها تعرفونه وأهدافها تعلمونها…فلم تريدون منّي أن أحتفل بذكرى حلول سنوات الخراب وما أتاه العرّاب؟؟ ألم ترفعوا أصواتكم كثيرا وطويلا منادين بالديمقراطية؟؟ أليست الديمقراطية هي أن يسمح لي بأن أصفق لمن أريد وأمدح من أريد وأن أرفض ما اريد وأختلف مع من أريد وأختار من أريد ليحكمني؟؟ فهل عدتم يا جماعة الديمقراطية عمّا كنتم تصرخون وتطالبون به وتدعون إليه؟؟ وهل أصبحت الديمقراطية عيبا ومن الكبائر وستعاقبون عليها يوم الحشر؟؟

 يا عجبي على نسبة الغباء المرتفعة في رؤوس بعض أغبياء الوطن من الذين يركضون أحيانا على “حافرين” ويصفّقون دون وعي منهم…في تونس بعد حادثة “صاحب البرويطة” إن التحيت سيقولون عنك “نهضاوي”…إن استمعت لمدح الرسول سيقولون إخواني…إن سكرت يقولون عنك ماركسي ملحد…إن شكرت القديم يقولون عنك “زلم” ويهجرونك…إن شتمت القديم سيقول البعض عنك خائن وعميل ومتلون كالحرباء…إن كتبت يوما عن مآثر الماضي سيقولون عنك مستبد وتعشق الجلاد وسياط الجلاّد…إن كتبت سوءا عن منظومات ما بعد من يسمونها “ثورة” سينعتونك بالعمالة لفرنسا وبعض الدول الشقيقة والصديقة…وإن انتقدت رئيس البلاد أو حكومة رئيس البلاد سيصرخون في وجهك ويقولون أنت ضدّ الحكومة وأنت من دعاة إسقاط الحكومة ووجب جلدك إن لزم الأمر، فانتقاد الحكومة ومن يرأس الحكومة ومن يعمل بالحكومة من الذنوب التي لن يغفرها لك الاتباع …

ألم يفعلوا هم ذلك سابقا ولا أحد رفع صوته ليقول لهم ما أنتم “فاعلون”؟؟ اليوم إن التقيت أحد خصومهم وأقصد من يرون أنهم أرفع منك درجة وأقرب منك إلى الصواب وأنهم على حقّ وأنت على باطل…و”باطل يا حمّة باطل”…سيقولون عنك لست منا فأغرب عنّا…إن شكرت أحد من يكرهون سيقولون عنك “مرتزق وبائع لذمته” وربما يتهمونك بالخيانة والتآمر…إن انتقدت أحد من يشيطنون سيقولون عنك كل موبقات الدنيا ولن تسلم من القصص الخيالية…إن انتقدت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر…وإن شكرت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر أيضا…فلن تسلم إن شكرت مما عاناه مالك…ولن تسلم إن انتقدت مما تكبده مالك…هم يتعاملون معك بسياسة “ڨاتلك … ڨاتلك”…وفي تونس أيضا إن شاهدوك كئيبا سيقولون “من عمايله”…وإن شاهدوك ضاحكا سيقولون “يضحك وحده هبل”….وإن شاهدوك تعرج سيقولون “محلاها فيه”…وإن شاهدوك سعيدا سيقولون “الأكيد تحيّل على احدهم”….في تونس لن تسلم من ألسنتهم أبدا حتى وأنت تحت التراب…

في تونس اليوم إن تأففت من عدم توفر السكر سيقولون عنك معارض ووجب ردعك…وإن تألمت لغياب الحليب سيقولون عنك تبحث عن خرابها…وإن قلت أين الزيت يا أصحاب الزيت فسينعتونك بالخائن الذي لا يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد…لذلك لم أعد أستغرب كل الضجيج الذي يقوم به بعض من لم يعوا إلى يومنا هذا ما تعنيه حقّا كلمة “ديمقراطية”…ولن أستغرب حجم الاستهبال والاستحمار والاستغباء الذي يعتري المشهد ….فالاستغباء والاستحمار في أيامنا هذه طغى على كل مفاصل…وتفاصيل الحياة، فظلال بعض من يؤثثون المشهد الاتصالي والتواصلي اليوم أولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الديمقراطية وهم اليوم يرفضونها…وأولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويرفضون ما كانوا عليه… ويأتون اليوم مثله ويمنعونك من رفض ما كانوا هم يرفضونه…

هؤلاء ومن معهم وزبانيتهم وبعض من يحسبون على الإعلام والبعض من فصيل “الخرونيكارات” والبعض من رجال الإعلام وغيرهم من الذين يسبحون في فضاءات التواصل، أقول ظلال هؤلاء جميعا أصبحت ظلاًلا طويلة الأذنين… هؤلاء “المستحمرون” في الأرض… “الملهمون” في هتك أعراض الناس حسب الطلب وبعد دراسة الجدوى… سيخلدون في ذاكرة التاريخ “بغالا وحميرا”…فلكل تاريخ بهائمه ولكل مرحلة بغالها… وفي تونسنا العزيزة سجّل لنا التاريخ الكثير منهم…منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال ينهق…هؤلاء هم رموز الجهل والنهيق النشاز…هؤلاء هم رموز الكذب والخداع…هؤلاء لا ينطقون صدقا…بل ينهقون كذبا…

لأمثال هؤلاء أقول… إن البدلة “المشحوطة” لن تظهر أناقتك بل ستظهر تلك التي يقال عنها “وحدة توزن ووحدة تقرطس” وأقصد المصون “المؤخرة”…وربطة العنق لا تصنع من كل من يلبسها رجلاً …بل قد تصنع حمارا بربطة عنق وسروال يثقبه ذيل يتدلى…وأضيف أنا لست من جيل الأغبياء والمغفلين…أولئك الذين باعوا ملابسهم الداخلية…مقابل كأس نبيذ في خمارة شارع الحريّة او شارع قرطاج…أنا ممن يحبون البلاد كل أيام الأسبوع…وحتى يوم الاحد كما قال شاعرنا رحمه الله “أولاد أحمد”…أنا ممن يحبونها اليوم…وغدا وبعد غد…أنا لست من الذين يتسلقون السلم …نحو الأسفل…أنا من الذين يؤمنون ان تونس قادرة أن تعود تؤنس كما كانت لو فقط نزعنا من صدورنا ما علق بها من أدران الحقد والكراهية…نحن شعب واحد وسنبقى…وإن حاول بعض “الذرّي” الإيقاع بيننا وبين بعضنا…بنشرهم لثقافة الحقد والفتنة…تعالوا نعِشْ معا…ونختلف معا…في وطن واحد يجمعنا في الخير وللخير معا… تعالوا ففي اختلافنا حاضر أجمل…ومستقبل لأحفادنا أفضل…

فلم كنتم تصرّون على النهي عن شيء…وتأتون اليوم مثله؟؟ أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

أكمل القراءة

وهْجُ نار

بلقاسم بوطحش… والديمقراطية… والقضية الفلسطينية…

نشرت

في

أحلام مستحيلة» كاريكاتير بريشة «سحر عيسي»

استضافني أحد الأصدقاء إلى سهرة كروية في أحد مقاهي المدينة لمشاهدة دربي برشلونة وجيرونا، وافقت وأنا المتيّم بالبارسا والعاشق لطريقة لعبها منذ أيام كرويف رحمه الله ورزق أهله وذويه وابنه جوردي وزوجته جميل الصبر والسلوان…والمال الوفير…وكما يعلم الجميع خسرت البارسا وخسرت انا رهاني مع صديقي العاشق للريال…غادرت المقهى في وضع نفسي غير مريح، كيف لا وأنا الذي كان يتمنى اقتراب البارسا من الريال وجيرونا في انتظار الانقضاض على صدارة الترتيب…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

وأنا أقترب من منزلي في ليلة باردة كبرد صحراء سيبيريا فاجأني بلقاسم بوطحش أحد أصدقاء السوء من الذين يمارسون يوميا لعبة الغياب عن الوعي مع سابقية الاضمار والترصّد، واقسم كعادته حين يحاصرني ان أقبل منه سيجارة ناسفة وأقاسمه الغياب عن الوعي…رفضت…وتمنعت…لكنه وقف منتصبا وهو الذي لا يقوى على الوقوف واقسم برأس غالية بنت أحمد …قلت “ومن تكون غالية هذه يا ابن الحرام؟” قال: “صديقتي في غيبتي عن الوعي البارحة…” ضحكت وقلت صديقة في الحلم يا لغرابتك يا ابن الحرام…لا أستغرب إن قلت لي يوما أنك وغالية تزوجتما وأنجبتما أبناء افتراضيين في الحلال …تنازلت عن رفضي أخذا بخاطر غالية بنت أحمد واحتضنت شفتاي سيجارته الملغومة المحشوة سُمّا لا أعرف اين سيأخذني هذه المرّة…ونطقت بالشهادتين فقد أتجاوز مجرّد الغياب عن الوعي إلى حيث لا يمكن العودة قبل يوم الحشر…

لم تدم فترة الانتظار طويلا حتى غبت عن الوعي ودخلت عالما آخر…وفجأة ودون تخطيط مسبق أجد نفسي مع حشد بعشرات الآلاف في ساحة القصبة نصفّق ونصرخ بأعلى اصواتنا “الله واحد الله واحد حكومتنا ما كيفها حدّ”… نظرت يمنة ويسرة وأسفل واعلى والتفتّ خلفي…حشد رهيب لم أر مثله في حياتي قط… سألت أحدهم وكان مرفوعا على الأعناق من قبل شابين يصرخان عاليا كالجميع…ويرددان في تناسق كبير وتام وبنغمة جميلة ورائعة “الله واحد الله واحد…” أقول سألت أحدهم وكان مرفوعا على الأعناق “ما الذي يحدث …أش ثمّة صاحبي”…التفت إلي ضاحكا وقال: “ألم تسمع بما قاله رئيس الحكومة؟ ألم تبلغك قرارات الدولة؟؟” قلت “لا، وماذا قررت الحكومة ونحن في ساحتها؟؟”

نظر في اتجاهي نظرة استغراب وقال: ” وين عايش انت…قررت الحكومة تشغيل 666 ألف عاطل عن العمل… والتعويض لعائلات كل من ماتوا دون أن يشتغلوا يوما واحدا وهم من أصحاب الشهائد” وماذا أيضا؟ قال: ” تمتيع كل سكان البلاد بالتغطية الاجتماعية وتمكين أصحاب الأمراض المزمنة من العلاج مجانا في كل المؤسسات الصحية حتى الخاصة منها…” لم أتمالك نفسي وانطلقت في نوبة تصفيق وصراخ بأعلى صوتي في تناسق تام مع من هم حولي “الله واحد الله واحد…اش اسمه ما كيفو حدّ…الخ…الخ…” ثم نظرت إلى صديقي سائلا:” هو اش اسمه سيدنا رئيس الحكومة…” أجابني “تي بره هكاكه بره هكاكه…من غير ذكر الأسماء…”

 ثم واصلت وقلت: “وماذا آخر يا صديقي؟؟؟” قال: “الزيادة في الأجور بنسبة أكثر من 66 في المائة من قيمة الأجور الحالية…ورفع قيمة منحة الإنتاج إلى أكثر من ستة آلاف دينار لكل الشغالين في جميع القطاعات…” نظرت إليه مستغربا…وقلت: “هاهي جنّة …يا دين الزكش…” فقال ” لا لا انتظر البقية…قرض لكل عائلة دون فوائض لشراء سيارة بـــ 9 خيول ونصف يقع تسديده على عشرات السنين…” كاد الخبر يغيبني عن الوعي وقلت “تسعة خيول ونصف يا دين الزكش…معناها تسعة خيول وبهيّم صغير…وزززززز في ساعة نكون في العاصمة…

وماذا آخر يا صاحبي؟؟؟” فنظر إلي صديقه الذي يحمله على الأعناق وقال: “تمكين كل من لا يملك مسكنا من منزل بثلاث غرف وقاعة جلوس يدفع ثمنه على 66 سنة وإن مات يدفع ورثته ما تبقى من المبلغ …” قلت: “رائع وجميل وهل تقع مساعدة من يريدون اكمال نصف دينهم؟؟” قال: “نعم طبعا ستتكفل الدولة بكل مصاريف الزواج…وتتكفل في ما بعد بمصاريف ولادة الأبناء وختان الذكور منهم ودراستهم حتى تخرجهم من الجامعة مع إمكانية ارسالهم إلى دولة أوروبية لمواصلة الدراسة لمن يتفوقون في الامتحانات النهائية…”

وهنا سألته: ” هل وفرت الحكومة الزيت…والحليب والفارينة والسكر والخبز…وهل جمدّت الأسعار ؟؟” أجاب: ” اللي فاتك اغرب…عملت برنامج القفّة العائلية توزعها شركة حكومية على كل سكان البلاد مرتين في الأسبوع…وتكون مليئة بالخضر والغلال وكل ما تحتاجه العائلة لثلاثة أيام ومجانا…” نظرت إليه وأنا أكاد أفقد عقلي مما اسمعه عن قرارات الحكومة أطال الله عمرها وملأ خزائنها تفاحا ومالا وخضروات وفارينة…أقول نظرت إليه وقلت: “وتوكّل فينا زادة…ملاّ حكومة وملاّ هي… هل أنا أحلم أم هي الحقيقة يا صديقي؟؟؟ بالله عليك أجبني واصدقني القول؟؟؟” قال: “أتكذبني يا هذا؟؟” قلت: “حاشى أن افعل ذلك…فقط أنا مستغرب من كل هذا الذي يقع في البلاد؟؟؟” قال لي وهو يبتسم: “انتظر لتسمع بقية القرارات والإجراءات…” قلت: “وماذا أيضا؟؟؟” قال:” إطلاق سراح كل المساجين دون استثناء وإفراغ كل السجون في كامل أنحاء الجمهورية باستثناء المحكومين في جرائم قتل…”

جلست أرضا من هول حجم ما سمعت وقلت: “ماذا…حتى الكوني ولد الحولاء مرت خليفة الاعوج اللي عطى طريحة لعمّ الرتيمي بياع اللاڨمي وغشّه في بيدون قيشم في رمضان اللي فات؟؟؟” قال: “الجميع ما لم يقتلوا أحدا…” قاطعته لأقول” الكوني ڨتل نخلة راهو والنخلة متاع عمّي الصحبي شراها من عمّي الصادق من 66 عام التالي…” وهنا أضاف:” وقد أعلنت الدولة المصالحة الشاملة بين جميع فئات ومكونات المشهد السياسي والاجتماعي وبدء مرحلة جديدة من الديمقراطية الشاملة وإعادة هيكلة المشهد السياسي وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها يشارك فيها الجميع دون استثناء…” نظرت إليه وقلت “احلف…براس أمك…”

نظر إلي ورفع يده ليضربني…صارخا تكذّب فيّا يا اش اسمك…” فأسرعت بالاعتذار وقلت: “والله لا يا صاحبي…أما شيء كبير تحكي فيه…تي انا عندي سنين نطالب بالمصالحة الشاملة لأنها المخرج الوحيد والاسلم لما وصلنا اليه من 14 جانفي…وراس أمي وأمك وامهات المسلمين والمسلمات…والمؤمنين والمؤمنات لا نكذّب فيك يا صلاح…” ضحك وقال: ” ما اسميش صلاح يعطك ضربة بمفتاح…ولا تنس قرار الحجّ لكل كبير في العائلة والذي تجاوز عقده السابع على كاهل الدولة والحكومة…”

هنا وقفت وقفزت عاليا…وأنا اصرخ “جو …صبيّح باش يحجّ بعد سنوات الخمر والسلتيا…وعمّ الهادي الراجل الطيب كيف كيف…جو …نكلمهم توّه نبشرهم زعمة والا من بعد …” أضفت وسألته: ” هل تدفن الدولة من يموت من شعبها…؟؟ أجاب: “نعم وتعمل دعوة للجميع لحضور الجنازة حسب قيمة الميت…وتتكفل بمن يقول آمين عند الدعاء” قلت: ” هاهي دولة حلال هذه يا دين الزكش…خليني نكلّم عمّ الهادي وصبيّح على الحجّ مجانا ودون عناء…” نظر إلى صديقي وقال: “خلي من بعد كمّل مسيرة التوحيد…والله واحد الله واحد…حكومتنا ما كيفها حدّ…” نظرت اليه مبتسما ضاحكا في حالة ازبهلال قصوى وقلت: “حكومة ترسلنا إلى مناسك الحج على كاهلها هذه حكومة مسلمة حكومة يجب أن تبقى مدى الحياة…وصرخت … الله واحد عليك يا سيدنا…ويا تاج راسنا…يا زميمنا…الله يطول في عمرك وعمر العائلة…والصغار…وبقية أفراد العائلة …وأنسابك زادة كان لزم طبعا يا سيدنا…”…

استرجعت بعض الأنفاس بعد ساعة كاملة من الصراخ والتوحيد…ونظرت إلى صاحبي وقلت: “تنجمش تقلي منين جابت حكومتنا ودولتنا الفلوس هذه الكلّ يا خوي الغالي…؟؟” وضع يده اليمنى على كتفي وقال:” اسمعني مليح يا صاحبي…بعد اللي صار في غزّة فيبالك بالقمّة العربية…أكيد…العرب ومن تحالف معهم قرروا قرارات ثورية وقرروا مهاجمة إسرائيل …الأردن من الجهة الشرقية بمساعدة العراق وايران ودعم جوي من الباكستان…وسوريا مدعومة بحزب الله والجيش اللبناني من الشمال…والسعودية ومصر وبقية الدول العربية من الجنوب والبحر غربا…ايران استهدفت المستوطنات بصواريخ بعيدة المدى…مع دخول الاستشهاديين من جنوب لبنان ومن هضبة الجولان…المغرب أغلقت مضيق جبل طارق بــ”الياجور” واليمن أغلقت كل مداخل خليج عدن بالالغام بمساعدة دجيبوتي والاسطول السادس السوداني…ثم اخترقت الجيوش العربية كل الخنادق وحقول الألغام التي زرعتها إسرائيل وحاصروا كل المدن الكبرى وصولا إلى العاصمة تل ابيب…

طالبت الولايات المتحدة بوقف اطلاق النار ودعت إلى التهدئة وعقد جلسة في مجلس الأمن لدراسة تدهور الوضع في الشرق الأوسط…وطالبت بعدم قصف المدنيين والالتزام بمعاهدات جينيف وحقوق الانسان…وطالبت بفتح المعابر لإدخال المساعدات الغذائية والأدوية للـ “شعب” الإسرائيلي…كما طالبت بإطلاق سراح طاقم السفينة الإيريترية التي احتجزته قوات اليمن الحوثي الموحّد وجيش الصومال الشعبي بعد اكتشاف شحنة من الذخيرة موجهة إلى القوات الاسرائيلية…رفضت الدول العربية التهدئة وقالت لا للتسوية…وتقدمت نحو القدس مع دعم جوي من القوات المصرية والسعودية والاماراتية وقصف مدفعي وصاروخي متواصل لكل مطارات إسرائيل من الجانب الإيراني على مدى شهر ونصف الشهر…تمّ على إثره القبض على أغلب القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية… وتمّ اعلان وقف الحرب بعد استعادة كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة…”

 استمعت الى صاحبي وأنا مشدوه وفي حالة غريبة لم أحرك جفنا…ولم أغيّر نسق تنفسي مرّة واحدة، هي فقط دقات قلبي التي أصبحت اسرع كثيرا مما كانت عليه وأسرع من سيارة التسعة خيول التي ستوفرها الحكومة للشعب ونظرت إلى صاحبي وقلت: وأنا أتمتم “بالياجور؟ أبَيْ…احلف…” كنت على يقين ان “الكفّ” سيأتيني وسيحيلني إلى حالة أخرى من اللاوعي…وكان الامر كذلك، قصفني صديقي الذي لا أعرفه بــ”شلبوق” عنقودي قاصم فجّر خدّي الأيمن واسقطني أرضا… استفقت من الغيبوبة والسقطة واعتذرت من صديقي الذي لا اعرفه…نظرت إلى صاحبي وسألته: لم تقل لي من اين جاءت الحكومة بكل هذا المال الذي تغدقه علينا…؟؟ ضحك وقال: “هو كغنيمة حرب حكومتنا أطال الله مقامها هناك حيث هي كان دورها سياسيا في هذه الحرب فكان التخطيط الديبلوماسي من حكومتنا ومفاوضات مجلس الأمن أيضا…بفضل ذكاء كفاءاتنا وخبرتهم في معالجة القضايا والنزاعات الإقليمية” واضفت: “وليبيا والجزائر وبقية الدول ماذا كان دورهم في هذه الحرب؟؟؟” قال: “ليبيا والجزائر كانتا هما جيش الاحتياط والإمدادات بالمحروقات…أما الكويت وعمان والبحرين فكان دورهما لوجستيا (كسكروتات) و(كراب) و(بيتزا) للجنود العرب”…وهنا سألته: “ويعملوا مقلوب وملاوي زعمة…؟؟؟” ضحك وواصل حديثه: “وقطر كان دورها إعلاميا وكلفت (الجزيرة) بإيهام العالم بما ليس موجودا…”..

في تلك اللحظة مرّ بجانبي تاجر متجوّل يجرّ عربته ويبيع موزا سألته “بكم الصبع يا حاج؟؟” قال الموزة بــ100 مليم يا كبدي…” صعقت من إجابته وقلت: “بمائة مليم …يا دين …درا شنوة…هات عشرة يا بوقلب…وبربي منين الموز هذا؟؟ ” أجاب “هذا من الشيلي …تشري والا لا خوي؟؟” قلت: “طبعا هات خلي نتذكروا بينوشيه صديقنا الله يرحمه وينعمه ويبارك فيه…حتى الموز عندهم بلاش غادي…” حين عرفت ثمن الموزة تأكدت من صدق كل ما قاله لي الصديق الغريب الذي “شلبقني” بضربة لن أنساها…وعرفت أن حكومتنا حكومة حلال أطال الله عمرها…”

التفتّ إلى حيث محطة الحافلات وبدأت أدندن أغنية “حكومتنا تشبه القمر..انشاء الله بطول العمر…حكومتننننننننا…” وفي تلك اللحظة شعرت وكأن راسي ينفجر من شدّة ارتطام جسم صلب بمؤخرته…وسمعت صوت زوجتي وهي تسألني “حكومتنا تشبه القمر…علاه عندك حكومة أخرى غيري…يا اش اسمك..؟؟؟” رفعت رأسي نحوها وقلت “أين أنا؟؟؟ شبيك يا حكومة يا قمقومة ودمدومة”…( زوجتي اسميها كأغلب أبناء هذا الشعب “الحكومة”…وذلك بسبب استحالة تغييرها مهما أخطأت وتقاعست في خدمة الشعب والشعب هو أنا وبقية العائلة)…قالت:” اشبيك راقد في العتبة وتغني حكومتنا….موش وصيتك البارح تعمل دورة كبيرة تلقاش سكر والا فارينة والا زيت والا قهوة توه عندي جمعة ما دخلوش الدار…يخي وين مشيت تتطلفح حتى الصبح؟؟؟”

نظرت إليها ورأسي يكاد ينفجر من الارتطام…ورويت لها كل الحكاية…فأطلقت عقيرتها بالدعاء “برّه الله يهلكك يا بلقاسم يا بوطحش…حررت فلسطين…وعملت مصالحة شاملة…وأوهمتنا بالديمقراطية…الله يهلكك…” نظرت إليها وانا أتوجع من الارتطام…وقلت “آمين…آمين…يا حكومتي …”…فأضافت “ادخل نصبلك شوية سبيريتو على هاك الكردوغة خلي تتفشّ…” حينها عرفت حجم الكارثة …واثار العدوان…يا حليلي نا…كردوغة…

أكمل القراءة

صن نار