جلـ ... منار
أعمال و نوايا
نشرت
قبل 3 سنواتفي
هذا العالم محكوم بنواياه، وليس فقط بأعماله، وكذلك أنت!
لقد كانت حياتي، كحياة أي إنسان في عمري، كانت محطات…لم أصل يوما إلى محطة ونظرت إلى الوراء، إلا ورأيت أعمالي و نواياي قد عبدّت الطريق إلى حيث وصلت!
تبلورت لدّي قناعة مطلقة بأن حياة الإنسان هي محصلة نواياه، وليست فقط محصلة أعماله!
فالنية أشمل وأعمّ من العمل.كل عمل لا بد أن تسبقه نية، ولكن ليست كل نية تؤدي إلى عمل.قد تنوي شيئا، خيرا كان أم شرا، ولا تسمح لك ظروفك بأن تنجز ما نويت عليه.ولأنك نويت ولم تنجز، قد يخطر ببالك أنك لست مسؤولا عن شيء لم تنجزه، متجاهلا النية التي تحكّمت بك، وتركت آثارها سواء نفذتها أم لم تنفذ!
…………..
النية هي كل فكرة يفرزها دماغك، وتدور حول علاقتك بتفاصيل العالم المحيط بك!
أنت أكثر شخص تتحدث مع أنت، فعلى مدار الساعة يضج صوت في أعماقك،وهذا الصوت هو نواياك!
(سأتصل اليوم بأختي لاطمئن عليها…جارتي مها الحقيرة ليتني أستطيع أن أحرقها حية….كم بودي أن أفسد على أحمد حياته، ليته يطلق زوجته لأشمت به وبها…سأقطف بعض العنب من هذه الدالية وأحمل صحنا منه إلى جارتي…لن أعزم حماتي على الغداء إلا على جثتي…. عندما يرسل ابني معونته الشهرية لي ولوالده سأرسل جزءا منها إلى أخي، فهو بحاجة ماسة.سأعيد ترتيب خزانتي وسأعطي الفائض من الملابس إلى السيدة التي تنظف البيت.لو رسب ابن ابراهيم في المدرسة سأنتشي فرحا…لو ربحت في الصفقة الفلانية سأدفع للعائلة الفلانية اجرة منزلهم لعام…سأنظف مدخل البناية ولن أكترث إذا ساعدني أحد من سكانها أم لا…أعتقد أن فلانة تنام مع فلان ولذلك حصلت على الوظيفة….فلان يتودد لفلان كي تستفيد منه…يافرحي لم تتمّ الصفقة ولم يحصل فلان على المبلغ الذي كان يحلم به…هذه الشرموطة وضعت صور عرس ابنتها على الفيس بوك، انشالله ما بتشوف الفرح بحياتها….لقد قدمت لابنة فلانة في عرسها هدية بقيمة كذا وكذا، أما هديتها لابني بمناسبة زواجه فلا تصلحإلا لبرميل الزبالة….عندما تتصل بي مريم لتتطلب حاجة سأمسح الأرض بها…)
هذه الأفكار ومئات على شاكلتها تدور كل يوم في أذهاننا…قد نتبعها بأفعال، وقد تبقى مجرد أفكار ونوايا…لكنها لا تمر دون أن تترك أثرا، فلكل فكرة طاقة، سلبية كانت أم إيجابية،وحياتك حصيلة تلك الطاقات!لا أستطيع أن أنكر أنها تراودني أيضا، بخيرها وشرها.لكنني درّبت نفسي لأكبس على الفرامل عند كل فكرة تعبر رأسي وتحمل طاقة سلبية.أتوقف لحظة لأفكر في الأمر، ثم أعيد صياغتها بطريقة أكثر إيجابية عن وعي وتصميم!
كأن أغلي غضبا، فيضج ذلك الصوت في داخلي:“سأبصق في وجهها وسألقنها درسا لن تنساه”على الفور تشدني كلمة (سأبصق)، فأراجع موقفي:“ربما لها ظروفها، فلماذا علي أن أعطي الأمر أهمية أكبر من حجمه،لماذا لا أتجاهلها وأنهي القضية، ما الذي سأستفيد لو بصقت في وجهها؟”
عندها يهدأ روعي، وبعد لحظات اشعر بسعادة غامرة، فأعيد صياغة عبارتي:“سأتجاهل الأمر وأعانقها، ثمّ أسألها عن حالها وحال عائلتها”
…………..
باحت لي سيدة عربيّة مؤخرا بعمل مشين قامت به.طبعا مشين بناء على أي عرف من أعراف الأرض، لكنه لا يبدو كذلك في عرفها.وإذا أردت أن تبحث عن تلك السيدة ستجدها معظم الأوقات تزور معابد حيها،كي تتبارك بجدرانها!
غادرتْ البيت في الثانية ليلا، بعد أن تركت رسالة لزوجها انها ذاهبة إلى الصيدلية،فلقد أصابها صداع شديد وتحتاج إلى بعض الأدوية.لكنها كانت تنوي شيئا آخر، شيئا مغايرا تماما…توجهت إلى بيت تسكنه سيدة من معارفها في حي مجاور.أوقفت سيارتها بعيدا عن البيت، ثم ترجّلت منها وفي بيدها مفك براغ.مشت موازية لسيارة السيدة، والتي تقف أمام البيت، محدثة بالمفك حزا عميقا امتدّ من مؤخرة السيارة حتى مقدمتها.
حسبما وصفت السيارة لا أعتقد أن ثمنها يقل عن مائة ألف دولار…تروي القصة وهي تقهقه، وكأن شيئا لم يكن..ظنتْ أنه لم يرها أحد فاطمأنت وانتشت فرحا.لم تكن تدري أن للكون بليون عين تتلصص على كل شبر منه، وفي مليون اتجاه….وبأن ذاكرة الكون حاسوبية، وهي أدق من أدق آلة حاسبة!
نحن ننسى الحوادث، لكن الكون لا ينساها وتظل مسجلة في ذاكرته تنتظر يوما كي ترتد إلى مرسلها….
لنفرض أن تلك السيدة نوت أن تقوم بفعلها المشين، لكنها ـ لسبب ما ـ لم تستطع!
هل هذا يعني أنها فلتت من العقاب؟ أبدا لا!
فالفكرة بحد ذاتها تفرز طاقتها….رصيدك في البنك الطاقوي، وليس في البنك المالي، هو الذي يحدد طبيعة حياتك،وسر سعادتك أو شقائك، حتى ولو كنت أفقر أو أغنى عباد الله!
…………..
منذ حوالي عشرين عاما أو ربما أكثر، وأنا في حالة بحث دائم عن تلك الحالة التي يطلقون عليها Consciousness or Enlightment، والتي يصل إليها بعض الناس.أستطيع من خلال معرفتي وفهمي لها أن أترجمها إلى كلمة “يقظة” أو ربّما “استنارة”.لكن مفهومها أعمق بكثير من أن أترجمها بكلمة…
حضرت مئات المحاضرات حولها، ومارست الكثير من الطقوس في سبيل الوصول إليها، وزرت عدة منتجعات معنية بمساعدة زوارها للوصول إليها…وخرجت من المعممة بمفهوم يخصني، وطريقة تخصني وحدي،وتساعدني على أن أمارس ما فهمته!
هذه الحالة لا تصل إليها بين ليلة وضحاها، وعندما تصل تصبح طريقة حياة…قد تجيدها في لحظة لتنساها تماما في اللحظة التي تليها…تحتاج إلى تدريب حواسك ورفع مستوى الوعي عندك ليلتقط كل ما يدور في ذهنك وحولك، فتعي كيف تضبط صوتك الداخلي، وتتعامل مع كلّ ما يحدث بطريقة تُحسن ولا تُسيء إلى الكون!
لو فعلت ستكون يقظا كما يكون جرّاح ماهر وهو يسبر بمشرطه منطقة حساسة في الدماغ، ليستأصل ورما خبيثا استقر فيها، مستعينا بمجهره كي لا يخرب خلية سليمة!
نعم إلى هذا الحد تستطيع أن تعيش حياتك يقظا، فلا تدوس على نملة قصدا، ولا تجرح شعورا عن عمد، وتمشي في الحياة كرياضي ماهر يمشي على حبل بين جبلين، لو اختل توازنه جزءا من الثانية سيقع في لج الوادي.لو فعلت لن يدوس عليك الكون، ولن يجرح لك شعورا، وعندما تقع سيتلقفك بيديه!
ليس الأمر سهلا في بداياته، لكنك تصبح مع الزمن هدّارا وايجابيا كشلالات نياغرا،فتنساب مع الدفق الكوني، ولا يمكن أن تشحّ يوما!
…………..
هذه هي حياتي أو هكذا أشعر، وبثقة لا يتخللها أي شك!
من الطبيعي أن تتسلل بعض الأفكار السلبية إلى رأسي بعد أن تخدع جهاز المراقبة هناك، لكن في نهاية المطاف تبقى المحصلة هي الأهم…
هذا الشعور يساعدني على أن أعيش السكينة التي يعيشها رضيع يغفو على صدر أمه.أعيشها حتى وأنا أتشقلب في قلب عاصفة هوجاء، وفي ليل حالك السواد!
…………..
لا تستطيع أن تصبح يقظا ومستنيرا عندما تتجنب الظلام، بل عندما تكون قادرا على أن تنير ذلك الظلام…
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل 51 دقيقة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل ساعة واحدة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل ساعة واحدة
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل ساعتين
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل ساعتين
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل ساعتين
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 3 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!
- ثقافياقبل 4 ساعات
بنزرت… ملتقى إقليمي عن برامج المؤسسات الثقافية وتوقيت عملها