جور نار
عندما يغني الطبّوبي لقيس سعيد: “عزرني واضرب بالكفّ…” !
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashالتقيت صباح الاستفتاء وأقصد يوم الخامس والعشرين من شهر الاستفتاء من السنة الأولى “انقلاب” وبعد بضعة أشهر من شهر الاستشارة بأحد الذين يُسَوِّقون لــ”نعم”، سألته يا صديقي هل أنت على يقين ان حالنا سيصبح أفضل غدا صباحا؟ هل تعي جيّدا ما تقوله وتراهن عليه؟
هل حقّا سنصبح إحدى ضواحي الجنة والمدينة الفاضلة يا صديقي؟ قال نعم ضاحكا مبتسما شاهرا إصبعه الملطّخ بحبر الفاروق…اقصد “بوعسكر” طبعا ليس الفاروق عمر…نظرت إلى إصبعه المقوّس والملطّخ كاملا بحبر الاستفتاء، وكأني بصديقي قام بعملية ايلاج كاملة لإصبعه في محبرة “بوعسكر” عشقا ورغبة في الاستمـ …عفوا الاستفتاء، وكأني به يحلم بـعملية تشخيص لـــ”ليلة دخلته” وهي الليلة التي مُنع فيها من الانتصاب بقرار بلدي…قلت لصديقي الذي يقطر سعادة وهناء أتمنى أن لا تكذّبك الأيام يا صديقي…وأتمنى أن تكون تونسنا بخير غدا وبعد غد…واستأذنت في الانصراف فأنا لم أنم منذ أكثر من ليلتين…
عدت إلى منزلي وأنا أمنّي النفس بمدينة فاضلة ألتقي فيها بجميع أصدقائي لنسعد وننسى سنواتنا القاحلة التي أوجعتنا كثيرا…وضعت رأسي على مخدّة أسميتها “عشيرتي” منذ يوم دخولها منزلي فهي التي عاشت معي كل أحلامي وأوجاعي، واستسلمت لرحلة طويلة لا أعرف اين ستأخذني…فجأة ودون سابق إعلام وجدت نفسي في الصفّ الأخير من حشد كبير يفوق عدده المليون وثمانمائة من أبناء هذا الشعب…وفجأة وصلني صوت صارخ مرتفع…هذا الصوت ليس غريبا عن اسماعي، صوت ألفت سماعه يوميا لكن لم يكن بهذه الرقّة والدفء وكل هذا الحنان …
وكأني برئيسنا قيس سعيد خرج علينا صباح السادس والعشرين من شهر الاستفتاء من سنة الانقلاب الأولى يخطب فينا عمّا ينتظرنا معه وفي ظلّ حكمه الرشيد…يقول رئيسنا “يا شعب قيس العظيم… لا مجال للظلم بعد اليوم ولن نقبل به ابدا…وسننصف المظلوم ومن ذاق مرارة الظلم وعلقمه سنوات كثيرة من عمره…إنى والله سأكون مع كل مظلوم حتى وإن كان خصمي، وسأتعاطف مع أي مظلوم… فأنا أشعر بالذل والهوان إن وقفت عاجزا عن مد يدى لمساعدته…وإنصافه…لن أكون شريكا بالصمت في ظلم أي مواطن تونسي ولو كان من خصومي أو من لم يبايعوني …سأطلق سراح كل مظلوم سُجن ظلما وعدوانا دون أدلّة…وسأطلق سراح كل من ظلموا في قضايا سياسية واهية لا أساس لها من الصحّة…لا يمكن أن أسكت عن الظلم وعن الباطل …” ارتفع صوت الحشد المليوني يهتفون بحياة الرئيس ودون أن اشعر وجدتني اهتف “يا سعيّد يا تحفون…محلى صوتك يا قيسون”.
طالت فترة التصفيق إلى أكثر من ربع ساعة وأنا أصرخ كما لم اصرخ من قبل…ثم عاد الرئيس إلى خطابه التاريخي قائلا ” لن يبقى في تونس عاطل واحدا عن العمل…ولن يجوع في تونس مواطن تونسي وأنا أحكم…ولن يظلم تونسي وأنا هنا…سأعمّم الزيادة في الأجور والمرتبات إلى أكثر من ثلاث مرّات ما هي عليه…وسأخفّض الأسعار إلى ما لن تصدّقوه، وسأفرض مجانية الخبز وكل المواد الأساسية الغذائية…وسنعود إلى مجانية كاملة للصحّة والتعليم… والنقل …لن يمنع أي مواطن تونسي من السفر…ولن نضع أي معارض أو إعلامي أو حقوقي في الإقامة الجبرية أبدا…وسأسمح بانتقاد كل ما أفعله…وبالنقد الساخر أيضا…وبالكاريكاتور الجارح أيضا…فأكتبوا ما شئتم وما تشاؤون عنّي متى تريدون …فأنتم الطلقاء”، وانفجر الحشد المليوني صارخا يهتف بحياة الرئيس وأهل الرئيس وجيران الرئيس، وسائق الرئيس، ومن كتب مضمون ولادة الرئيس، وعمّ الرئيس، وخالة الرئيس، و”كابوسان” الرئيس، حتى قطّة الرئيس هتفوا باسمها “صحّة لربّها” ورقصوا على نخبها…
انطلقت أنا دون أن أشعر في وصلة مدائح وأذكار “زيد تحدّى يا قيسون…يا معبود اثناش مليون…” لم تسكت أصوات الحشود إلا بعد نصف ساعة من الهتاف والزغاريد… حتى سعيدة قراش أطربتنا بــ”زغروطة” يسارية “لينينية ستالينية” تقطر اشتراكية عمّالية وكأنها جاءت لتوّها من مدينة العدل والنضال وحقوق الانسان “ستالينغراد”…وإن نسيت فلا يجب أن أنسى حمّة الهمامي الذي رفع عقيرته بالهتاف مغنيّا “يا قيس مسّي علينا أو حتى لمّح بكلمة…” حمّة العظيم يغني للطيفة…يا بختك يا “بتّ”….نظرت إلى يميني فوجدت الشيخ راشد أبقاه الله ورضي عنه وأرضاه متأبطا شرّا…عفوا متأبطا سامية عبّو في رقصة “فالز” من أربعة أوقات وهو يتمتم ولم أفهم ما يتمتمه، فقط استمعت إلى سامية وهي تقول للشيخ “محلى صوتك يا شيخنا”…أي نعم هكذا هو خطاب الرئيس بعد غزوة الاستفتاء في شهر الاستفتاء من سنة الانقلاب الأولى…
عاد الرئيس إلى خطابه …قائلا: (لن نتخلّى عن الأحزاب…وسندعمها…وسنضمن لها جميعا موقعا في مجلس النواب…ولن أنسى “عشيري” الذي دونه لما وصلت كرسي قرطاج…سأطلق اسم “نبيل القروي” على أكبر شوارع البلاد…فلولاه…) وهنا قاطعه الحشد المليوني مغنيا صارخا هاتفا “لولاكي…لولا لولا لولا…لولاكي ما حبيت…ولقرطاج ما حجيت…” ثم التفتُّ يسارا لأرى مشهدا لم أحلم يوما برؤيته، سيف الدين مخلوف أو “سيفون التحفون” وعبير موسي يرقصان رقصة دستورية ثورية لا شرقية لا غربية وسط هتاف حبيب بوعجيلة وجوهر بن مبارك وعبد اللطيف العلوي في رقصة بطن فاقت دقّتها ما تأتيه تحيّة كاريوكا ببطنها رحمها الله (أقصد تحيّة طبعا وليس بطنها) وجازاها الله ألف أجر عمّا قدّمته للأمة والعباد…
عاد الرئيس إلى خطابه التاريخي الفاضل وكأنه “طاغور” في عزّ شبابه…وقال “سأعلن عفوا شاملا عن كل المساجين …وسأعلن عن مؤتمر للمصالحة الشاملة بين كل أطياف المجتمع التونسي…ولن أترك تونسيا واحدا بعيدا عن داره وأهله وذويه”…وهنا ارتفعت الأصوات من جديد منادية بطول عمر العهد السعيد تحت حكم دولة قيس سعيد…ورأيت ما لم أتصوّر يوما أن أراه أمينة الزغلامي تتأبط جلال بريك وهتافهما يرتفع إلى السماء مرددان أغنية “قيسون يا قيسونتي” …ويجيبها جلال “أمون يا امونتي…” …ويتواصل الهتاف ويلوح لي من بعيد هشام المشيشي وهو يراقص نادية عكاشة ويهمس في أذنها كلاما “سرّي مطلق” …وسط قهقهات لزهر لونقو الذي انخرط في وصلة غناء ترحيبا بما قاله الرئيس “ينجيك وينجيني من عين الحساد.. يا قيسون الامجاد…ومخلّص البلاد… ومهني العباد”…
فجأة استمعت إلى صخب مرتفع وكأن البعض يرقص على بعد بضعة أمتار من مكاني…وجدت منفذا للحشد الراقص ويا جمال ما رأيت جماعة ساحة محمد علي وهم يرقصون على طريقة الدبكة اللبنانية و”زميمهم” عفوا أمينهم العام يغني بأعلى صوته “عزرني واضرب بالكفّ يا قيس ما نقلك أف… وانت ديمه الحق معاك…يا قيسووونتي…” ويردّ عليه بقيّة أعضاء المكتب التنفيدي “يا قيسووووونتي…” وهنا شعرت بلطمة قويّة تهزّ خدّي الأيمن…قطّتي جاعت فقفزت على وجهي تريدني أن استيقظ لأعدّ لها وبقيّة المجموعة القططية فطور الصباح…وقفت مذعورا ساخطا صارخا…وعرفت أني كنت احلم…فالرئيس لم يخطب وتحية كاريوكا لم ترقص…ولم يغن حمّة للطيفة العرفاوي…كما لم يراقص الشيخ راشد سامية عبو…نهضت مسرعا لأعدّ فطور صباح القطط…وأنا أردّد ما جادت به قريحة ابن هاني:
يا ماسح البوسة عن خدّه
من بعد ما قد كان أعطاها
ولو علمنا أنه هكذا
كُنّا إذا بسنا مسحناها
ومتمتما “وانا نغني ونرقص ونصيح يعيش قيسون لتحفون…وهو ما خطبش وما قال شيء…”…وقطّتي الصغيرة تنظر إلي مستغربة ما اتمتم وكأنها فهمت كل الأمر…وكأنها من الذين قالوا “نعم” يوم الاستفتاء….
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 3 أيامفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 13 ساعة
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
- صن نارقبل 13 ساعة
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
- ثقافياقبل 14 ساعة
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل 22 ساعة
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يومين
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية