جور نار
مئات المدارس لتدريس السّعادة في ألمانيا
حوار مع إرنست فريتز شوبيرت، مؤسس دروس السعادة
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri“عندما يسُوء كل شيء، يرتقي التفاؤل إلى درجة الواجب الوطني”
جدول الأوقات في مئات المدارس الألمانية قد يكون على النحو التالي : الاثنين 24 أكتوبر، الثامنة صباحا : درس في الحساب يليه درس في الألمانية ثمّ درس ثالث في السعادة… وهو درس نظامي إجباري يدوم ساعة كل أسبوع في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
أليست سعادة حقيقية هذه أن ترى ابنتك أو ابنك يحضُر درسا إجباريا يُؤمّنه معلّم أو أستاذ تلقّى تكوينا خصوصيّا لمدة سنة كاملة بالإضافة إلى تكوينه الأساسي في مجال التدريس، ويتعلّم خلاله كيف يكون مُتصالحا مع ذاته ومع أقرانه وكيف يكون قويّا في وجه الاحباطات التي تعترضه ؟
أؤكّد بشكل متعمّد على التكوين الأكاديمي والعلمي المختصّ لمن يتولّى تدريس هذه المادّة في ألمانيا والنمسا للتفريق منذ البداية بين “تنمية الذات” كمفهوم علمي أسّس له عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو مُطلِقا عليه “تحقيق الذات” في أعلى هرم الحاجيات البشرية (وهو حاجة الفرد إلى تحقيق ذاته مُوظّفا كل مُقدّراته) وبين “التفكير الإيجابي” و “علم النفس الإيجابي” اللذين تدعو لهما الخيمات الدعويّة للتنمية البشرية التي تؤسّس لتيار فكري كوني يلقى رواجا كبيرا اليوم خاصة بين النفوس المرتجّة يسمّونه “السعادوقراطية” happycratie أي أن تكون سعيدا رغما عنك ورغم ظروفك.
يقول الصحفي الفرنسي جان لوران كاسيلي الذي ألّف كتابا حول موضوع مغالطات التنمية البشرية: “خلال الفترة التي تلت أزمة 2008 والتي تعمّقت فيها الفوارق وتقلصت فيها حظوظ الحركية الاجتماعية وانكمش فيها سوق العمل، أصبحت الدعوة إلى التحلي بالحماس والإيجابية والاستقلالية عبارة عن تحميل الأفراد مسؤولية كل التوازنات المختلة”.
وُلدت فكرة بعث دروس نظامية في السعادة بمدينة هايدلبرغ (عاصمة الرومانسية في ألمانيا التي ألهمت الشاعر الكبير هولدرلين وحيث توجد أعرق الجامعات التي يؤمّها بعض المتفوّقين التونسيين من شعبة الرياضيات) على يد إرنست فريتز شوبرت الذي مارس مهنة التدريس لمدة ثلاثين عاما قبل أن يؤسس معهدا متخصّصا يُكوّن المدرسين في مجال تقنيات تدريس السعادة .
وهذا نص الحوار الذي أُجري مع مؤسّس هذا الدرس في أحد المواقع الرسمية الألمانية :
سؤال : كيف خطرت ببالك هذه الفكرة ؟ وهل من الضروري أن نُعلّم تلاميذنا في ألمانيا كيف يتحسّسون السعادة ؟
جواب فريتز شوبيرت :
كنت حينها (بدايات القرن الحالي) مدرّسا منذ ثلاثين عاما وكان واضحا لديّ أن التلاميذ لا يتمثّلون المدرسة كفضاء يهِبُهم بعض السعادة بالرغم من أن دور المدرسة بالنسبة إليّ ليس محمولا فقط على بلوغ أهداف أكاديمية، بل كذلك على إيقاظ بهجة التعلم وجعل شُعلة الإقبال على التعلّم متّقدة بشكل مستمرّ…. أعتقد أن المدرسة غالبا ما تُجرّدنا من الفضول والاندهاش. وعكس كل تأكيدات المعارف في علم النفس، كثيرون هم المدرّسون الذين يعاملون تلامذتهم باعتبارهم “آلات للتعلّم” تُعيد إنتاج محتويات معيّنة. بينما لو اعتبر المعلّمون أنه يتعين عليهم البحث عن الكنوز بدلا من البحث عن الأخطاء لاستفاد الطرفان. كنت منشغلا خاصة بالتلاميذ القادمين من أوساط اجتماعية متواضعة والمتأثرين بشكل سلبي جدا على مستوى علاقتهم بالمدرسة حتى فقدوا تماما متعة التعلم. دروس السعادة تصلح لتأكيد الشخصية وإحكامها وعديد الدراسات تُظهر أن الأشخاص الفرحين والمُبتهجين يتخاصمون أقل ويكونون في حالة صحية ونفسية أفضل ويستوعبون أكثر ويبدعون أحسن.
سؤال : ما هو برنامج دروس السّعادة ؟
جواب : أن تكون مسرورا ومتملّكا للكفايات الاجتماعية الأساسية، هذه هي غاية دروس السعادة. ويتضمن ذلك، البحث الدائم عن المعنى وحرية الفعل وأن تُحسّ بالأمان وأن تبني علاقات اجتماعية نقية وأن تتعلّم كيف تتآلف مع ذاتك وتسيطر على المحيط وتُنمّي شخصيتك.
ويمكن تنظيم كل هذا ضمن أربع أسئلة : من أنا ؟ ما هي حاجياتي ؟ ما الذي أقدر على فعله ؟ ماذا أريد ؟ يتعلم التلاميذ كيف يكونون واعين بأحلامهم وحاجياتهم، وكيف يبلورون أهدافا انطلاقا من ذلك والبحث عن الوسائل والإمكانيات الكفيلة ببلوغها. لكنهم يتناولون أيضا الفشل ومواطن القصور في ما يأتونه من أفعال وتمارين. فمن المهم التدريب بشكل مُبكّر على التصرف في الفشل واعتباره فرصة ثمينة حتى يكون الفرد قادرا على مواجهة تحديات اللاحقة.
سؤال : كيف تُشبّه ساعة درس في السعادة ؟
جواب : تبيّن أنه من المُجدي المزج بين المعارف النفسية والتمارين التطبيقية التي تستهدف نقاطا حساسة من أجل ترسيخها بشكل أفضل في الذهن. أحد تلاميذي يُعرّف الدرس على النحو التالي : “ما يُعلّموننا إياه في درس القيم والأخلاق، نتدرّب عليه في درس السعادة“. بالنسبة إلى تلاميذ الابتدائي، هنالك تمرين جيد لتكريس قيمة تثمين الذات: طفل جالس والآخرون يمرّون ويهْمِسون بكلام عذب وطيب في أذنه. وتكون النتيجة أن الأغلبية المطلقة من التلاميذ يشعرون بمتعة كبيرة في تلقّي المجاملات أو إرسالها ويكتشفون أن الانسان يشعر بالقرف عندما يوجّه ملاحظات مُهينة نحو الآخرين. أما بالنسبة إلى الإعدادي، فقد ابتكرت لعبة “معبد الفضائل” التي تتأسس على تعليم الفضيلة على طريقة أرسطو (حلّ المشكلات والصعوبات المتأتية من الاعتقادات السائدة حول موضوع ما) يقوم خلالها التلاميذ بتحديد ملمحهم الشخصي ويحاولون تحسّس مواطن القوة في مزاجهم.
سؤال : ما هو أثر دروس السعادة على الناشئة ؟
جواب : المتابعة العلمية تؤكد أن التلاميذ يُطوّرون تثمينا أفضل للذات ويُعبّرون عن تفهّم وانفتاح أكبر على بعضهم البعض ويجرؤون بشكل أوضح ويتابعون أهدافهم بتفاؤل بيّن. واللافت أيضا أن التلاميذ يكتشفون خصالا في شخصيتهم هم غير واعين بها.
سؤال : كم من مدرسة تبنّت هذا المنوال ؟
جواب : مئات المدارس في ألمانيا ومثلها في النمسا وكونّا منذ 2009 أكثر من 700 من المدرّسين المختصّين في معهد فريتز شوبيرت.
ثلاث حقائق ذات دلالة مؤسِّسة أستشفّها شخصيا من خلال هذه التجربة الألمانية :
أولا : السعادة ليست غُنمًا شخصيا بل هي نسيج من الوشائج ذات البُعد الاجتماعي والعلائقي قبل كل شيء.
ثانيا : البهجة والسعادة ومتعة التعلّم وجودة الحياة المدرسية… مصطلحات وقيمٌ لا أثر لها مُطلقا في نصوصنا القانونية والتوجيهية للتربية، بل أكثر ما يشدّ انتباهنا فيها هو “التصدي لظواهر العنف والإدمان والتنمّر والغشّ وسوء الأخلاق والسلوك…” أي كل ما هو سلبي وباعث على الإحباط.
ثالثا : العالم ليس بحاجة إلى أدلّة إضافية لتأكيد أن النجاح المدرسي مرتبط في جزء كبير منه بطبيعة العلاقات الاجتماعية مع العائلة والأقران والمُدرّسين، وكذلك بالصحة النفسية وحقيقة المشاعر التي تمتلئ بها الناشئة حيال الطرق المؤدّية إلى المدرسة والإحساس بالانتماء إليها. فالاقتدارات المعرفية مهمّة ولكن نجاح التلاميذ مرتهن أيضا بمنسوب رفاههم وراحتهم النفسية داخل الفضاء المدرسي.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 19 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 19 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟