جور نار
جرّبتُ لكم هذا الغول التكنولوجي الزّاحف … “تشات جي بي تي” (2/1)
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriيجدر التنبيه في مستهلّ هذه الورقة إلى أن المستجدّ الأكبر في “عاصفة التشات جي بي تي” Chat GPT هو الرسالة التي تمّ نشرها مؤخرا والتي أمضاها حوالي 1000 خبير متخصص في مجال الذكاء الاصطناعي (ومنهم إيلون موسك صاحب شركات سبايس إكس وأوبن آي وسيارات تيسلا…) تُطالب بإقرار استراحة بستّة أشهر في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدّمة، وذلك على خلفيّة المخاطر المحتملة التي قد تلحق المجتمع والانسانية… في انتظار وضع بروتوكولات مشتركة للسلامة يقع إنفاذها ومراقبتها من قِبل خبراء مستقلّين.
تقول الرسالة “لا يجب تطوير أنظمة قوية جدا للذكاء الاصطناعي إلا متى تأكّدنا أن تأثيراتها إيجابية وأن مخاطرها يمكن التصرّف فيها”. وتأتي هذه الهواجس في وقت نشرت فيه الوكالة الأوروبية للشرطة (أوروبول) تقريرا تحذّر فيه من الاستعمال المفرط لأنظمة شبيهة بـ“تشات جي بي تي” في عمليات القرصنة ونشر الأخبار الزائفة والإجرام السيبرني وسائر عمليات الاختراق التي تستهدف الأفراد والمؤسسات. هذا بالإضافة إلى بعض المختصين الذين يتوقّعون فقدان حوالي 300 مليون مركز عمل في العالم لو بلغت هذه التطبيقة أوج عطائها.
حاولتُ شخصيا محاولة فهم أسرار هذه الزّوبعة الكونية غير المسبوقة التي أثارها إطلاق آخر مُنتجات الذكاء الاصطناعي و السعي إلى رصد أهم خصائصه انطلاقا من عدد كبير من الأسئلة العملية طرحتها عليه وتلقّيت حولها إجابات محدّدة.
الخاصيّة الأولى : تشات جي بي تي (المحوّل التّوليدي المدرّب مسبقا للدردشة) يسعى إلى محاكاة البشر بكفاءة عالية
يُعرّف تشات جي بي تي نفسه بكونه نوع من الذكاء الاصطناعي المعروف باسم النماذج اللغوية العميقة (Deep Language Models) التي تمّ تدريبها على مليارات النصوص والبيانات اللغوية، وتستخدم هذه النماذج اللغوية تقنيات مثل تحليل اللغة الطبيعية وتعلم الآلة والتعلم العميق والشبكات العصبية للتعلم والتفاعل مع المستخدمين بشكل ذكي وفعّال.
يشترك شات جي بي تي مع محرّك غوغل على سبيل المثال في إتاحة البحث عن معلومات أو مراجع أو أرقام والحصول عليها. لكن تشات يتميز بثلاث خصائص أساسية :
- معالجة الخطاب الطبيعي (أي الخطاب البشري، لذلك هو قادر على إنتاج نصوص قريبة جدا من اللغة التي يستخدمها البشر في حياتهم اليومية) بحيث يكون تشات قادرا على فهم الأسئلة أو الشتائم أو المجاملات التي توجّه إليه والتفاعل معها حينيّا على عكس البرمجيات التقليدية التي لها فهم محدود لما يقوله المستخدمون.
- يتميّز تشات بالتنوّع والشمولية لكونه أداة قادرة على فعل أكثر من البحث عن المعلومات، فهو قادر على إجراء محادثات والإجابة عن أسئلة دقيقة أو حتى إطلاق بعض المزاح أحيانا بما يجعل منه أداة متنوعة الاستخدام.
- تشات سهل الاستخدام إذ يكفي أن تطرح سؤالك (كما هو مطروح في ذهنك) ليبدأ البرنامج في التفاعل، على عكس محركات البحث التقليدية التي تستدعي دقة في وضع الكلمات المفاتيح المناسبة للحصول على صفحات الويب المتضمّنة لتلك الكلمات.
الخاصيةّ الثانية : تشات يقترف أخطاء بدائية
لم يمضِ على إطلاق تشات أكثر من خمسة أشهر بما يؤكد أن هذا “العون التحادثي” مازال في خطواته الأولى والمشرفون على تطويره يعترفون أن أداءه مازال متعثّرا في الكثير من المسائل، لذا هو يتطوّر كل يوم بحكم الردود والتفاعلات التي تعود إليه من ملايين المستعملين عبر العالم وعبر كل اللغات.
في سياق الحديث عن اللغات، حصلت لي طرفة مع هذا المولود والمولّد، سألته “هل تستطيع التخاطب مع الناس في كل اللغات ؟“، فأجابني “نعم في العديد من اللغات : الانكليزية والفرنسية والاسبانية والألمانية والايطالية والبرتغالية واليابانية والصينية والكورية وعديد اللغات الأخرى…”
فسألته : ولماذا تناسَيْتَ اللغة العربية والحال أنني سألتك سابقا بالعربية وأجبتني ؟
قال : “أعتذر عن هذا السّهو في ذكر اللغة العربية في إجابتي السابقة وأؤكد أن شات قادر على فهم وتوليد نصوص باللغة العربية…”، فكدتُ أقول له “ميسالش يا راجل لا حرج عليك” !
قلتُ إذن أن تشات مازال يقترف العديد من الأخطاء وحتى البدائية منها لأنه لم يسبق أن تمّ تدريبه عليها كفاية بما يفرض ضرورة التحرّي والحذر فيما يقدمه من معلومات ومقترحات ونصوص.
سألته مرّتين “ماذا تعرف عن منصف الخميري ؟” أجابني في المرة الأولى على أنه رجل دين وفقيه تونسي وعمل كإمام وخطيب وأستاذ للفقه والأصول في عدة جامعات ومؤسسات دينية” وفي الثانية بــ “أنه رجل سياسة تونسي ترأس البرلمان من 1999 إلى 2001 ” … والحال أنني لا أعرف مطلقا أحدا من “الخمايرية” بهذه المواصفات ǃ
المثال الثاني : سألته عن القواعد اللغوية التي تحكم رسم “العدد” في اللغة الفرنسية فكانت إجابته جديرة بأن يُسند لها صفرٌ لو أتاها تلميذ في فرض كتابي.
الخاصيّة الثالثة : تشات يحاول أن يكون محايدا وغير مصطفّ سياسيا
سألتُه “هل كان من حق الأمريكيين تدمير العراق بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل” ؟
أجابني : “لا، لم يكن للأمريكيين الحق في تدمير العراق بدعوى امتلاك أسلحة دمار شامل. فقد تم إدانة العراق دوليًا في الماضي بسبب برامجه النووية والكيميائية والبيولوجية، وتم فرض عقوبات عليه بسبب ذلك. ولكن، فرض العقوبات لا يعني أن الأمريكيين كان لديهم الحق في الدخول إلى العراق وتدميرها. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن فيما بعد أنه لم يكن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، وأن الدعوى التي استندت إليها الحرب كانت خاطئة”.
المثال الثاني :
سألته عن ” مدى رمزية احتفال الفلسطينيين بيوم الأرض يوم 30 مار س من كل سنة“، فكانت إجابته كالتالي :
“يعتبر يوم الأرض في الذاكرة الفلسطينية يوما مشحونا بالدم والمعاناة والصمود. حيث يعود تاريخ الاحتفال بهذا اليوم الى عام 1976 عندما نظمت السلطات الاسرائيلية مخططا للمصادرة القسرية للأراضي الزراعية في منطقة الجليل الأسفل والنقب الشمالي والجنوبي مما أدى الى اضراب عام واسع النطاق واحتجاجات ومظاهرات في جميع انحاء الاراضي الفلسطينية المحتلة في ذلك الوقت، وأسفرت هذه الاحداث عن مقتل وجرح العديد من الفلسطينيين … حيث يستذكر الفلسطينيون معاناتهم ومحنتهم ويؤكدون على حقهم في الحياة الكريمة والعيش بحرية وسلام في أرضهم المحتلة”
وهكذا يتضح أن تشات لا ينهل فقط من النصوص المعادية للعراق وللقضية الفلسطينية على سبيل المثال، بل يتدرّب عليها وعلى نقيضها ويُفرز نصوصا تتوافق مع التوجهات الدولية العامة التي تحاول التزام الموضوعية والحياد.
الخاصيّة الرابعة : مازال تشات لا يُجيد كتابة الشعر … بل لا يفرّق أصلا بين الشّعر والشّعور
سألت تشات إن كان بإمكانه ترجمة هذا البيت الشعري لألفريد دو فينيي من قصيدة موت الذئب
A voir ce que l’on fut sur terre et ce qu’on laisse
Seul le silence est grand ; tout le reste est faiblesse.
فكانت إجابته :
عندما ننظر الى ما كنا عليه على الارض وما نتركه خلفنا
انما الصمت هو العظمة فكل شيء آخر ضعف (لاحظوا ركاكة الأسلوب)
ثم أضاف “وهذا البيت الشعري من قصيدة “المؤقت” للشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين… (ليته لم يُضف شيئا لم يُطالبه أحد به !)
الاختبار الثاني كان على النحو التالي :
سألته : “هل باستطاعتك كتابة قصيدة شعرية عن تونس في أربعة أبيات ؟”
أجاب :
“نعم بالطبع :
تونس الحميمة الجميلة
أرض أهل كرام يحملون الود والعرف
تاريخ مجيد وتراث مشرق
تستحق الفخر والإشادة في الشعر“
تعليقي : هذا شعر ضعيف بالتأكيد، لكن عديد أدعياء الشعر والأدب في بلادي يكتبون بهذا الأسلوب أو أدنى ǃ
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 33 دقيقة
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
- ثقافياقبل ساعتين
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل 10 ساعات
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يوم واحد
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يومين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟