جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 6
نشرت
قبل 10 أشهرفي
ذاكرة الواحد منا علميا هي اشبه بزجاجة ..كلما تقدمنا في السن الا وكانت ذاكرتنا منتعشة للغاية مع قاع القارورة (اي فترة الطفولة والشباب) وعكس ذلك ذاكرتنا يصيبها الهزال مع بقايا القارورة وخاصة اعلاها وبالتالي آخر ما نعيشه لذلك نقول “تي الواحد نسى حتى عشاء البارح اشنوة”…
ومن نفس هذا المنطلق العلمي نفهم الان ذلك المثل الشعبي القائل (العزوزة خرفت قامت تحكي على ليلة دخولها) من هذه الزاوية وقبل البدء في علاقتي بالمذياع في السنة الخامسة ابتدائي (ساعود معكم الى ذكريات تلك السن في المناسبات الخاصة )…علاقتي بالبحر بدأت مثلا في تلك السن قبلها كنا نكتفي بالبيسين …وهي بيسين دياري (السباحة في جفنة) هذه الجفنة متعددة الاختصاصات فهي طوال السنة لغسل الادباش بالصابون العربي وهي في فصل الصيف للـ”فتلان” اي اعداد الكسكسي والمحمص والتشيش والملثوث اي العولة … وهنا لابد من الاشارة الى الام رحمها الله ودورها في معالجة الملفات الاقتصادية في مملكتها كانت حقيقة صيدا باتم معنى الكلمة لم تخضع يوما للمحاصصة ولشطحات الدهر … هي تلعب بلاد على اصبع ساقها الصغير عليسة زمانها كعديد الامهات …
فرغم الفاقة التي لازمتنا دهورا الا ان عولتنا لا تنقطع واعيادنا تكاد تكون في احتياجاتها الرئيسية كسائر الناس … رحماك يا عيادة يا للة النساء واحكمهن …..الجفنة هي ايضا تلك التي نملؤها ماء ونسبح في بعض صنتميتراتها عمقا …المهم عومة …في السنة الخامسة ابتدائية كانت لنا اول زيارة للبحر ..ومن لنا غير شاطئ سيدي منصور وبالتحديد قرب الولي الصالح الذي سمي باسمه … كانت السفرة تتم ليلا على عربة مجرورة (كريطة) حيث نحمل زادنا وزوادنا، وهذا يعني ما خف حمله ورخص ثمنه لان ما غلا ثمنه لا نملكه … دون نسيان جلد الكبش وصوفه لغسلهما في البحر …قلت تكون السفرة ليلا حتى نبتعد عن اعين المتحرشين، خاصة ان الوالد شعراوي (اي عندو شعرة سيدنا علي) او حزار.والويل كل الويل لمن يقترب منه اذا طلعتلو الكلبة بنت الكلب …
وهنا تروي لي الوالدة انها ذات مرة بينما كانت راجعة من زيارة اهلها في البرنوص (محطة بطريق منزل شاكر) وكان والدي قد اقترض كريطة للعودة بها معززة مكرمة من هنالك (وفي الحقيقة حرصا منه على ان لا يقترب منها طامع ما) ..اثناء تلك العودة كان هناك رجل يمشي الهوينا وراء الكريطة و”عينيك ما ترى النور” … نزل سي محمد (هكذا كنت اسميه دوما حتى مماته) وانهال على ذلك المسكين ركلا وضربا وسبّا …وامي مندهشة من صنيعه وتقسم لي باغلظ القسم انه “خاطيه وكلاها في عظمو ورقد مسيكن” … اذن تفهمون الان لماذا الزيارة لسيدي منصور تكون ليليا ذهابا وايابا …
السفرة تنطلق الساعة العاشرة ليلا وسيدي منصور يبعد عنا حوالي 15 كلم ..اي ان الوصول الى الطائرة لباريس اسرع من الوصول الى سيدي منصور على “الآرباس” الكريطية …حال وصولنا تهرع امي الى مقام الولي تبركا به لتشعل شمعة …(والحمد لله اني كنت كل سنة حتى وفاتها البّي رغبتها وامتعها بنفس الزيارة لتناول العشاء على “سطحة” مقامه …اما انا فكنت اهرع الى البحر اجلس على الشاطئ) ….يااااااااااه تصوروا المشهد الليلي …السماء تغطينا بنجومها والبحر يعزف في خريره سمفونية الوجود …مشهد حفر منذ اول زيارة لي للبحر ومازلت لحد الان افضل ما اعشقه في البحر (الليل وسماه ونجومو وقمرو) وزد على ذلك البحر وهديرو ….يا الله ما اعظمك ….في الاثناء كان الوالد مع البنتين الاكبر مني سنا ابقاهما الله، يبني قصرنا على الساحل الازوردي: “كيب” مصنوع من اعواد خشب مشدودة بشكل متقن ومغطاة بـ “طرف عربي” او كليم او بعض الملاحف … قلت متقنا لان الوالد كان اسطى بناء …. ومما اذكره في هذا الباب كان لا يعمر كثيرا مع من يعمل معهم سواء في البناء او في موسم الزيتون في المعصرة، او في (المرادم ) وهي لصنع الفحم … هو فعلا “ذريع” وعليه الكلام، ولكنه “بلابزي” بشكل فادح ولهذا السبب كان عاطلا عن العمل اغلب الوقت …
لا علينا في سيدي منصور نقضي ثلاثة ايام بطولها وعرضها بالنسبة للوالدة واخوتي لا سباحة خارج منظومة الليل …والصباح باكرا كتب عليهن ان يكون حبهن للبحر.. للحياة.. للجمال ..للوجود من نوع ذلك الفيلم المصري (حب لا يرى الشمس) … بالنسبة لابي يكتفي بـ”عومة الصباح” لان دوره في سيدي منصور ان يكون عونا ممتازا في الجوسسة والاستخبارات على حريمه …اما انا فكنت لا اخرج من البحر الا نادرا … ادخله اسمر واخرج منه فحمة في خاتمة المصيف… اخرج منه ربما لاخذ لمجة (ڨدمة خبز يابسة بشكشوكة بايتة) … وكنت الوكها وانا اردد القول ‘مرجتونا كبيدتنا بالشكشوكة) فترد الوالدة بكل حدة (احمد ربي غيرك ما طالهاش) … يا لسخرية القدر …هل هنالك اليوم افضل منها تلك الشكشوكة وهي مزدانة بكريكشة او بعصبانة القديد …او بكعيبات سردينة مقلية ..؟؟؟؟..
البحر في بداية اكتشافي له هو عالم آخر عالم لم نكتف فيه بالسباحة والام تلاحقني بندائها الذي لا ينقطع (ما تفوتش الحزام البحر غدار ) ربما لان والدها رحمه الله مات غريقا …وعبثا حاولت دوما ان “اصب لها بالقمع” ان السباحة في سيدي منصور قد تصل في بحره الى الكوت دازور دون وصول مائه الى الحزام …لانه فعلا من البحار غير العميقة (هو على فكرة بالحق شيّط في هذه النقطة، نازح حتى وهو مليان) ….البحر ايضا كان التقاط صدفات حلزونه على الشاطئ بانواعها في مرحلة اولى ثم التدرب على صيد سرطان البحر وحفظ التكتيك اللازم حتى لا يلدغنا بمنقاريه الحادين …والبحر انذاك لم تقف اختصاصاته عند هذا الحد بل تجاوزها الى بيت كبييييييير للراحة (مرحاض) وما لم نفهمه وقتها ونحن نعمل العملة ونبتعد عنها …انها تصر الحاحا على ان تتبعنا …وكم هربنا منها تاركينها تتبختر على سطح الماء حتى لا يتفطن الينا المصطافون (ويا لها من فضيحة) رغم اننا عرفنا في ما بعد انه مأوى لكل الفائض منا جميعا …
من المناسبات الاخرى التي لها نكهة خاصة امحت تماما: شهر رمضان …وهنا لا اقصد النكهة المعنوية بل النكهة التي نشتمّها بانوفنا …نعم والله اعي ما اقول دون مبالغة تماما كالمطر عند نزوله كنا نستنشق رائحة الغيث النافع ..الان وعند نزول القطرات الاولى من المطر نشتم رائحة قنوات التطهير العطرة …رمضان كان بسيطا جدا لا جواجم ولا تجوجيم …كنا في تلك السن نتسلق طابيتنا القبلاوية اي المتجهة الى القبلة، حيث هنالك فجوة بين ظلفة هندي واخرى ننتظر عندما تبدأ الشمس بالمغيب نور ثريا الجامع، بل قل طراطيش ثريا فوق صومعة جامع ساقية الدائر الوحيد …وذلك النور الذي يشتعل فجأة يعني …حان وقت الافطار حسب التوقيت المحلي جدا للطابية القبلاوية وما جاورها …
انذاك لا وجود لمذياع عندنا ولا وجود لمكبر صوت في الجوامع …وتعلو صيحاتنا ونحن اطفال (افطروا يا صايمين كسكسي بلحم ابهيم) ولم افهم لحد الان ما السر في هذه المعزوفة ….. كما لم افهم ما السر في مشاكستنا نحن الفتيان للفتيات في سننا بالتهكم عليهن (يا بنية شحمة نية) فيكون ردهن (يا وليد عود جويد) وكما لم افهم عند نزول المطر تلك الاغنية التي نرددها (يامطر صبي صبي والليلة عرس القبي، والقبي بسلامتو ضربة على قنباعتو ؟؟؟) … وكما لم افهم مجموعة من الامثال التي فيها نبز بالالقاب من نوع (كان لقيت الارض حايرة مشاو عليها الشطايرة) … او (كان لقيت الارض كالة مشاو عليها القلالة) …او (عرة الزنوس المعالج والفلوس) …او (غربال المليح فيهم مالطي ياكل الستاكة ويبات معلق) … مع اعتذاري لكل اصحاب هذه الالقاب … انا انقل فقط دون قصد اهانة اي كان …
حلمكم اذن واعود لرمضان …رمضان يتميز بخاصيات اخرى ايضا ليلة السابع والعشرين …هي ليلة مقدسة عند الوالد ليلة ختم القرآن والختم عنده يبدأ من سورة الضحى حتى المعوذتين … كنت واياه نتداول على السور وهنيئا له بمن ينهي الختم سيتمتع بهدية رمضان (نظريا زلابية ومخارق، وعمليا هي للجميع لانها من الفرص القليلة التي نتمتع بها بفاكهة رمضان: زلابية السيالة) … رمضان بالنسبة للوالد هو 30 على 30 مع احترام رؤية المفتي باااااااازين في السحور ولا شيء غيره وكان يأكله بكل نهم متغنيا بمعزوفته المعهودة (التشيشة ماهي عيشة من هم الزمان، والبازين هو الرزين اه يا لو كان) ر… مضان ايضا هو مرطبات العيد ( المقروض) … و”مرطبات” هذه كلمة بورجوازية جدا امام ما كنا نحضره والذي يتلخص في ابسطها واقلها ثمنا: الدرع ..الڨاطو …واكا هو ….لكن بتقدم الزمن وحسب محصول الجنان في محاصيل اللوز …مقروض اسمر وهو محشو باللوز وبعض كعك اللوز والڨيزاطة (كعبات) اغلبها لضيوف العيد ونحن من حقنا ان نتذوق ما يتبقى …حتى مقروض العيد على بساطته كانت له ونحن نحمل صوانيه ودائما ليلا الى الكوشة، نكهة تغني وتسمن من جوع …اقولها وانا الذي لم اكن يوما اكولا طيلة عمري ….
آخر مناسبة لها خاصيتها هو يوم العيد …هو اليوم الوحيد الذي اصاحب فيه ابي الى المسجد لصلاة العيد …لا كسلا او تكاسلا مني ولا الحادا او اهمالا مني … ولكن لان الوالد رحمه الله وكغيره من اغلب الناس في تلك السنوات الصلاة كانت بالنسبة لهم هي بمناسبة العيد لا غير …غفر الله لهم…. نعود من صلاة العيد التي لا نفهم فيها سوى تلك الترانيم التي نترنم بها قبل مجيئ الامام -(لا الاه الا الله، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله) …نعود بعد الصلاة الى المنزل فرحين مسرورين والشمس بازغة والعصافيرتزقزق ….نعم فرحون مسرورون بلباس العيد الذي تنتهي مهمته في ثالث ايام العيد في انتظار العيد المقبل …
نعم الشمس بازغة لانه يوم مشرق بزيارة ضيوفنا وخاصة منهم خالي الطيب والد زوجتي رحمه الله، الذي كان الوحيد في قمة الكرم حيث بناول الصغار منا 5 مليمات لكل واحد و10 مليمات للكبار فينا …اما بقية الزوار فكثيرا ما يتحلقون للعب الكارطة (روندة وشكبة) وللوالد فيها باع كبير من جهة لحذقه للعبة ومن جهة ثانية لحرصه على الربح مما يجعله احيانا يقوم بتقطيع اوراق اللعبة حين تبدو له الخسارة في الافق (بلباز من طراز رفيع ) … رحمة الله عليه كنت وقتها اتصور ان الالعاب الورقية تنحصر في ذينك النوعين، وبعدها اكتشفت ان تلك الالعاب لا تعدو ان تكون بدائية امام البليڨو .. و التريسيتي .. والبيلوت وخاصة الكونتريه …اما الرامي… انت والجواكر …
اختم بالعصافير التي تزقزق وهذه مرتبطة بعصافير بطني .. بالمأكول يوم العيد… الخاصية في عيد الفطر لدينا تتمثل في (الحوت المالح) و(الشرمولة) … وانا كل همي الحوت المالح ..لان السمك عموما مالحا كان او حلوا هو اكلتي المفضلة …ولاننا قليلا ما ناكله ايام السنة فان العيد بالنسبة لي هو زردة عظيمة …اما الشرمولة وعلى عكس اغلب الصفاقسية لا تعنيني (لا آكلها بتاتا) …
يااااااااااااه الم اقل لكم ان رمضان له نكهة خاصة … كم افتقدناها .وهذا يتم من نوع آخر …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 13 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 13 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 24 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟