جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 6
نشرت
قبل سنة واحدةفي
ذاكرة الواحد منا علميا هي اشبه بزجاجة ..كلما تقدمنا في السن الا وكانت ذاكرتنا منتعشة للغاية مع قاع القارورة (اي فترة الطفولة والشباب) وعكس ذلك ذاكرتنا يصيبها الهزال مع بقايا القارورة وخاصة اعلاها وبالتالي آخر ما نعيشه لذلك نقول “تي الواحد نسى حتى عشاء البارح اشنوة”…

ومن نفس هذا المنطلق العلمي نفهم الان ذلك المثل الشعبي القائل (العزوزة خرفت قامت تحكي على ليلة دخولها) من هذه الزاوية وقبل البدء في علاقتي بالمذياع في السنة الخامسة ابتدائي (ساعود معكم الى ذكريات تلك السن في المناسبات الخاصة )…علاقتي بالبحر بدأت مثلا في تلك السن قبلها كنا نكتفي بالبيسين …وهي بيسين دياري (السباحة في جفنة) هذه الجفنة متعددة الاختصاصات فهي طوال السنة لغسل الادباش بالصابون العربي وهي في فصل الصيف للـ”فتلان” اي اعداد الكسكسي والمحمص والتشيش والملثوث اي العولة … وهنا لابد من الاشارة الى الام رحمها الله ودورها في معالجة الملفات الاقتصادية في مملكتها كانت حقيقة صيدا باتم معنى الكلمة لم تخضع يوما للمحاصصة ولشطحات الدهر … هي تلعب بلاد على اصبع ساقها الصغير عليسة زمانها كعديد الامهات …
فرغم الفاقة التي لازمتنا دهورا الا ان عولتنا لا تنقطع واعيادنا تكاد تكون في احتياجاتها الرئيسية كسائر الناس … رحماك يا عيادة يا للة النساء واحكمهن …..الجفنة هي ايضا تلك التي نملؤها ماء ونسبح في بعض صنتميتراتها عمقا …المهم عومة …في السنة الخامسة ابتدائية كانت لنا اول زيارة للبحر ..ومن لنا غير شاطئ سيدي منصور وبالتحديد قرب الولي الصالح الذي سمي باسمه … كانت السفرة تتم ليلا على عربة مجرورة (كريطة) حيث نحمل زادنا وزوادنا، وهذا يعني ما خف حمله ورخص ثمنه لان ما غلا ثمنه لا نملكه … دون نسيان جلد الكبش وصوفه لغسلهما في البحر …قلت تكون السفرة ليلا حتى نبتعد عن اعين المتحرشين، خاصة ان الوالد شعراوي (اي عندو شعرة سيدنا علي) او حزار.والويل كل الويل لمن يقترب منه اذا طلعتلو الكلبة بنت الكلب …
وهنا تروي لي الوالدة انها ذات مرة بينما كانت راجعة من زيارة اهلها في البرنوص (محطة بطريق منزل شاكر) وكان والدي قد اقترض كريطة للعودة بها معززة مكرمة من هنالك (وفي الحقيقة حرصا منه على ان لا يقترب منها طامع ما) ..اثناء تلك العودة كان هناك رجل يمشي الهوينا وراء الكريطة و”عينيك ما ترى النور” … نزل سي محمد (هكذا كنت اسميه دوما حتى مماته) وانهال على ذلك المسكين ركلا وضربا وسبّا …وامي مندهشة من صنيعه وتقسم لي باغلظ القسم انه “خاطيه وكلاها في عظمو ورقد مسيكن” … اذن تفهمون الان لماذا الزيارة لسيدي منصور تكون ليليا ذهابا وايابا …
السفرة تنطلق الساعة العاشرة ليلا وسيدي منصور يبعد عنا حوالي 15 كلم ..اي ان الوصول الى الطائرة لباريس اسرع من الوصول الى سيدي منصور على “الآرباس” الكريطية …حال وصولنا تهرع امي الى مقام الولي تبركا به لتشعل شمعة …(والحمد لله اني كنت كل سنة حتى وفاتها البّي رغبتها وامتعها بنفس الزيارة لتناول العشاء على “سطحة” مقامه …اما انا فكنت اهرع الى البحر اجلس على الشاطئ) ….يااااااااااه تصوروا المشهد الليلي …السماء تغطينا بنجومها والبحر يعزف في خريره سمفونية الوجود …مشهد حفر منذ اول زيارة لي للبحر ومازلت لحد الان افضل ما اعشقه في البحر (الليل وسماه ونجومو وقمرو) وزد على ذلك البحر وهديرو ….يا الله ما اعظمك ….في الاثناء كان الوالد مع البنتين الاكبر مني سنا ابقاهما الله، يبني قصرنا على الساحل الازوردي: “كيب” مصنوع من اعواد خشب مشدودة بشكل متقن ومغطاة بـ “طرف عربي” او كليم او بعض الملاحف … قلت متقنا لان الوالد كان اسطى بناء …. ومما اذكره في هذا الباب كان لا يعمر كثيرا مع من يعمل معهم سواء في البناء او في موسم الزيتون في المعصرة، او في (المرادم ) وهي لصنع الفحم … هو فعلا “ذريع” وعليه الكلام، ولكنه “بلابزي” بشكل فادح ولهذا السبب كان عاطلا عن العمل اغلب الوقت …
لا علينا في سيدي منصور نقضي ثلاثة ايام بطولها وعرضها بالنسبة للوالدة واخوتي لا سباحة خارج منظومة الليل …والصباح باكرا كتب عليهن ان يكون حبهن للبحر.. للحياة.. للجمال ..للوجود من نوع ذلك الفيلم المصري (حب لا يرى الشمس) … بالنسبة لابي يكتفي بـ”عومة الصباح” لان دوره في سيدي منصور ان يكون عونا ممتازا في الجوسسة والاستخبارات على حريمه …اما انا فكنت لا اخرج من البحر الا نادرا … ادخله اسمر واخرج منه فحمة في خاتمة المصيف… اخرج منه ربما لاخذ لمجة (ڨدمة خبز يابسة بشكشوكة بايتة) … وكنت الوكها وانا اردد القول ‘مرجتونا كبيدتنا بالشكشوكة) فترد الوالدة بكل حدة (احمد ربي غيرك ما طالهاش) … يا لسخرية القدر …هل هنالك اليوم افضل منها تلك الشكشوكة وهي مزدانة بكريكشة او بعصبانة القديد …او بكعيبات سردينة مقلية ..؟؟؟؟..
البحر في بداية اكتشافي له هو عالم آخر عالم لم نكتف فيه بالسباحة والام تلاحقني بندائها الذي لا ينقطع (ما تفوتش الحزام البحر غدار ) ربما لان والدها رحمه الله مات غريقا …وعبثا حاولت دوما ان “اصب لها بالقمع” ان السباحة في سيدي منصور قد تصل في بحره الى الكوت دازور دون وصول مائه الى الحزام …لانه فعلا من البحار غير العميقة (هو على فكرة بالحق شيّط في هذه النقطة، نازح حتى وهو مليان) ….البحر ايضا كان التقاط صدفات حلزونه على الشاطئ بانواعها في مرحلة اولى ثم التدرب على صيد سرطان البحر وحفظ التكتيك اللازم حتى لا يلدغنا بمنقاريه الحادين …والبحر انذاك لم تقف اختصاصاته عند هذا الحد بل تجاوزها الى بيت كبييييييير للراحة (مرحاض) وما لم نفهمه وقتها ونحن نعمل العملة ونبتعد عنها …انها تصر الحاحا على ان تتبعنا …وكم هربنا منها تاركينها تتبختر على سطح الماء حتى لا يتفطن الينا المصطافون (ويا لها من فضيحة) رغم اننا عرفنا في ما بعد انه مأوى لكل الفائض منا جميعا …
من المناسبات الاخرى التي لها نكهة خاصة امحت تماما: شهر رمضان …وهنا لا اقصد النكهة المعنوية بل النكهة التي نشتمّها بانوفنا …نعم والله اعي ما اقول دون مبالغة تماما كالمطر عند نزوله كنا نستنشق رائحة الغيث النافع ..الان وعند نزول القطرات الاولى من المطر نشتم رائحة قنوات التطهير العطرة …رمضان كان بسيطا جدا لا جواجم ولا تجوجيم …كنا في تلك السن نتسلق طابيتنا القبلاوية اي المتجهة الى القبلة، حيث هنالك فجوة بين ظلفة هندي واخرى ننتظر عندما تبدأ الشمس بالمغيب نور ثريا الجامع، بل قل طراطيش ثريا فوق صومعة جامع ساقية الدائر الوحيد …وذلك النور الذي يشتعل فجأة يعني …حان وقت الافطار حسب التوقيت المحلي جدا للطابية القبلاوية وما جاورها …
انذاك لا وجود لمذياع عندنا ولا وجود لمكبر صوت في الجوامع …وتعلو صيحاتنا ونحن اطفال (افطروا يا صايمين كسكسي بلحم ابهيم) ولم افهم لحد الان ما السر في هذه المعزوفة ….. كما لم افهم ما السر في مشاكستنا نحن الفتيان للفتيات في سننا بالتهكم عليهن (يا بنية شحمة نية) فيكون ردهن (يا وليد عود جويد) وكما لم افهم عند نزول المطر تلك الاغنية التي نرددها (يامطر صبي صبي والليلة عرس القبي، والقبي بسلامتو ضربة على قنباعتو ؟؟؟) … وكما لم افهم مجموعة من الامثال التي فيها نبز بالالقاب من نوع (كان لقيت الارض حايرة مشاو عليها الشطايرة) … او (كان لقيت الارض كالة مشاو عليها القلالة) …او (عرة الزنوس المعالج والفلوس) …او (غربال المليح فيهم مالطي ياكل الستاكة ويبات معلق) … مع اعتذاري لكل اصحاب هذه الالقاب … انا انقل فقط دون قصد اهانة اي كان …
حلمكم اذن واعود لرمضان …رمضان يتميز بخاصيات اخرى ايضا ليلة السابع والعشرين …هي ليلة مقدسة عند الوالد ليلة ختم القرآن والختم عنده يبدأ من سورة الضحى حتى المعوذتين … كنت واياه نتداول على السور وهنيئا له بمن ينهي الختم سيتمتع بهدية رمضان (نظريا زلابية ومخارق، وعمليا هي للجميع لانها من الفرص القليلة التي نتمتع بها بفاكهة رمضان: زلابية السيالة) … رمضان بالنسبة للوالد هو 30 على 30 مع احترام رؤية المفتي باااااااازين في السحور ولا شيء غيره وكان يأكله بكل نهم متغنيا بمعزوفته المعهودة (التشيشة ماهي عيشة من هم الزمان، والبازين هو الرزين اه يا لو كان) ر… مضان ايضا هو مرطبات العيد ( المقروض) … و”مرطبات” هذه كلمة بورجوازية جدا امام ما كنا نحضره والذي يتلخص في ابسطها واقلها ثمنا: الدرع ..الڨاطو …واكا هو ….لكن بتقدم الزمن وحسب محصول الجنان في محاصيل اللوز …مقروض اسمر وهو محشو باللوز وبعض كعك اللوز والڨيزاطة (كعبات) اغلبها لضيوف العيد ونحن من حقنا ان نتذوق ما يتبقى …حتى مقروض العيد على بساطته كانت له ونحن نحمل صوانيه ودائما ليلا الى الكوشة، نكهة تغني وتسمن من جوع …اقولها وانا الذي لم اكن يوما اكولا طيلة عمري ….
آخر مناسبة لها خاصيتها هو يوم العيد …هو اليوم الوحيد الذي اصاحب فيه ابي الى المسجد لصلاة العيد …لا كسلا او تكاسلا مني ولا الحادا او اهمالا مني … ولكن لان الوالد رحمه الله وكغيره من اغلب الناس في تلك السنوات الصلاة كانت بالنسبة لهم هي بمناسبة العيد لا غير …غفر الله لهم…. نعود من صلاة العيد التي لا نفهم فيها سوى تلك الترانيم التي نترنم بها قبل مجيئ الامام -(لا الاه الا الله، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله) …نعود بعد الصلاة الى المنزل فرحين مسرورين والشمس بازغة والعصافيرتزقزق ….نعم فرحون مسرورون بلباس العيد الذي تنتهي مهمته في ثالث ايام العيد في انتظار العيد المقبل …
نعم الشمس بازغة لانه يوم مشرق بزيارة ضيوفنا وخاصة منهم خالي الطيب والد زوجتي رحمه الله، الذي كان الوحيد في قمة الكرم حيث بناول الصغار منا 5 مليمات لكل واحد و10 مليمات للكبار فينا …اما بقية الزوار فكثيرا ما يتحلقون للعب الكارطة (روندة وشكبة) وللوالد فيها باع كبير من جهة لحذقه للعبة ومن جهة ثانية لحرصه على الربح مما يجعله احيانا يقوم بتقطيع اوراق اللعبة حين تبدو له الخسارة في الافق (بلباز من طراز رفيع ) … رحمة الله عليه كنت وقتها اتصور ان الالعاب الورقية تنحصر في ذينك النوعين، وبعدها اكتشفت ان تلك الالعاب لا تعدو ان تكون بدائية امام البليڨو .. و التريسيتي .. والبيلوت وخاصة الكونتريه …اما الرامي… انت والجواكر …
اختم بالعصافير التي تزقزق وهذه مرتبطة بعصافير بطني .. بالمأكول يوم العيد… الخاصية في عيد الفطر لدينا تتمثل في (الحوت المالح) و(الشرمولة) … وانا كل همي الحوت المالح ..لان السمك عموما مالحا كان او حلوا هو اكلتي المفضلة …ولاننا قليلا ما ناكله ايام السنة فان العيد بالنسبة لي هو زردة عظيمة …اما الشرمولة وعلى عكس اغلب الصفاقسية لا تعنيني (لا آكلها بتاتا) …
يااااااااااااه الم اقل لكم ان رمضان له نكهة خاصة … كم افتقدناها .وهذا يتم من نوع آخر …
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟
في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…
مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…
تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…
اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…
إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…
قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…
الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟
موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…
قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …
ـ يتبع ـ

جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل شهر واحدفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ


القدس: المستوطنون يعدّون لمظاهرة عنصرية… وشرطة الاحتلال توفّر لهم حماية مشددة

رغم مساعي الوساطة التي بذلها أكثر من طرف… روسيا تعد صاروخا بالستيا نوويا لأوكرانيا

معروف بعدائه للعرب والمهاجرين: “روتايو” زعيما جديدا لليمين الفرنسي… في انتظار رئاسيات 2027

غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها

بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 15 ساعة
رغم مساعي الوساطة التي بذلها أكثر من طرف… روسيا تعد صاروخا بالستيا نوويا لأوكرانيا
- صن نارقبل 16 ساعة
معروف بعدائه للعرب والمهاجرين: “روتايو” زعيما جديدا لليمين الفرنسي… في انتظار رئاسيات 2027
- صن نارقبل 3 أيام
غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها
- صن نارقبل 3 أيام
بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي
- صن نارقبل 3 أيام
لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!
- ثقافياقبل 4 أيام
الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم
- صن نارقبل 4 أيام
لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
- صن نارقبل 4 أيام
جدل في الكونغرس الأمريكي… حول صفقة أسلحة بـ 3 مليار دولار مع قطر والإمارات