جور نار
ورقات يتيم … الورقة 76
نشرت
قبل شهرينفي
عبد الكريم قطاطة:
من المتعارف عليه عندما يتقدّم الواحد منّا لطلب شغل ان يُقدّم مجموعة من الوثائق ومن ضمنها السيرة الذاتية … وهذه تعني فيما تعني الشهائد المتحصّل عليها وجردا للوظائف والمسؤوليات التي تقلّدها صاحبها وكذلك _ ان وُجدت _ شهادات التميّز والاوسمة …
ولئن عجّت مسيرتي الذاتية بوابل من هذه الاشياء فانّني كنت دوما من اولئك الذين ينظرون للاوسمة بشكل مختلف … فأنا اعتبر انّ وساما من نوع (يرحم والديك) يقولها سائق سيارة اجرة او بائع سمك او نادل مقهى ليُعبّر الواحد منهم عن سعادته بي … هو من اغلى الاوسمة … اذ هو تعبير صادق عن مدى توفيقي في ان اكون صوته عبر المصدح او قلمه عبر الصحيفة…
بعض الاوسمة في حياتي كانت من نوع الاسترضاء … وسام الاستحقاق الثقافي سنة 2006 لأنه كان ردّا على رسالة شديدة اللهجة وجهتها للرئيس بن علي شخصيا سنة 2002 اعبّر فيها عن سخطي من قرار تحويل اذاعة صفاقس من اذاعة يلعلع صوتها داخل تونس وخارجها بعد 41 سنة من الوجود الى اذاعة محلية ينطفئ صوتها في حدود مسافة قطر بثها 60 كلم … بدعوى او بتعلّة اذاعة القرب …وجاءني ردّه على رسالتي النارية بتوسيمي بوسام الصنف الثالث من الاستحقاق الثقافي …وذهبت يومها للتوسيم وقلت امام الجميع بما في ذلك الوزير المكلّف بالتوسيم _ بلّغ سيادة الرئيس اني ممتنّ له في شخصي ولكن مازلت مصرّا على انّ ما وقع لاذاعتي هو جريمة اعلامية في حقّ تونس … اندهش الوزير يومها ووجد نفسه في موقف محرج ولا يُحسد عليه … وكان عليه ان يدافع عن رئيسه ليُحاول اقناعي والجميع انّ وسام الرئيس يعني تقديره لمسيرتي ومكافأة لي عما بذلته … وعندا شرع بوضع الوسام على صدري همس هذه المرة في اذني بالقول: زايد معاك ديما راجل …
اردت بهذه التوطئة ان اقدّم المقال الذي وعدتكم به في الورقة الماضية والذي نقش كلماته ورصّفها زميلي وصديقي عبدالقادر المقري _ لا خوفا ولا طمعا _ والذي اعتبرته وما زلت وساما يشرفني ويسعدني سعادة حتى الغرق …وان اضيفه كورقة من اهمّ الاوراق في ملفّ سيرتي الذاتية … المقال كان بعنوان “يكرهون الجمال” وصدر بجريدة الايام بتاريخ 13 جوان 1985 كردّ على ادارة اذاعة صفاقس، بعد ايقاف برنامجي انذاك، كوكتيل من البريد الى الاثير… وهاكم المقال كاملا:
{ الذي وقع للزميل عبدالكريم قطاطة منذ ايام ادهش الكثير من الناس الذين استغربوا وتعجبوا وضربوا كفا على كفّ .. اما انا فلم اندهش ولم استغرب من هذا الاجراء الذي مارسته اذاعة صفاقس على عبدالكريم .. لم استغرب لاننا اولا نعيش في بلد يقطع رؤوس الموهوبين ويحقد حقدا قاتلا على النجباء ويكره الحديث عن اليد العاملة المختصّة … عندنا عباد مهمتهم في هذه الدنيا الفانية هي امساك الرشاشات وقنص الناجحين حتى لا يبقى سوى الفشل، وإرداء المثقفين حتى لا يسود هذه الارض سوى الظلام، واعدام العادلين حتى يُفرّخ الجور ويتناسل الاضطهاد، وصَلب الاذكياء حتى تخلو المدينة للسكارى والمدكّات والمتواكلين، فيسلموها كالخبزة لاوّل اجنبي يجدونه نائما امام باب المدينة… كما جاء في الاساطير …
عندنا بلد يا ويح فيه من يرفع صوتا جميلا حماميّ الهديل، فالمشارط الطويلة الحادة تقص الرقبة وتستأصل منها حبال الصوت .. يا ويح من يكتب عبارة انيقة او كلاما اصيلا فالفؤوس ترتفع في الهواء والقبضات في الهواء والمكانس والمساطر الحديدية … قُل ذات مرة فكرة جديدة وسترى الحواجب تعلو استهزاء والقهقهات تنفجر سخرية وفي افضل الظروف تهبط عليك النصائح والتحذيرات وتجارب من اكبر منك بليلة ووصايا النبي موسى وحكمة الاولين و… من خاف نجا .. وكلمة لا ما تجيب بلاء .. وعيشة تحت جناح ذبّانة خير من رقدة الجبانة ..وهكذا وهكذا وهكذا …
قد نكون ايضا بلدا غير محظوظ بالمرّة لأنّ الاقدار نفسها عاكستنا كما احبّت …فالجميع اليوم يتساءلون ماذا يكون مصير المسرح التونسي لو بقي علي بن عياد حيا ..؟؟ …والجواب البديهي عندي انه لو بقي علي بن عياد حيّا لكان مسرحنا الان سيّد المسارح العربية … فالرجل فلتة نادرة من تاريخنا الثقافي والفترة القصيرة جدا التي ظهر فيها اشعل النار تحت اقدام الجميع… ولكن جاء يوم وجاء خبر من باريس يقول انّ ابن عياد مات وهو شاب انداده مايزالون يتعلمون في اقلّ مشهد يمثّلونه … قبل علي بن عياد كان عندنا الشابي .. تناثرت اشعاره هنا وهناك وكلمات كلّما وجدت واحدة منها قلت كيف يكون شعر عام 35 افضل مليار مرة من شعر 85 …ومات الشابي وخسرناه وكان بامكانه البقاء اكثر والكتابة اكثر … عام 71 خسرنا (عبد العزيز) العروي … كان الرجل يشدّنا باسماره وحكاياته وكلامه المتعة ونقده الصراحة وماضيه الصحفي العظيم … يموت العروي وهو ايضا مازلنا نحتاجه و”الان ديكو” لم يكن اقلّ منه سنّا …
عام 78 كان عندنا عام الكوارث فقد خسرنا أرواحا كثيرة ومؤسسات كثيرة ومواطن شغل كثيرة وحريات كثيرة واموالا وسلعا كثيرة .. لكنّ اكثر شيء قتلتني خسارته كان محمد قلبي …لم يكن في تصوّر احد انّ هذا القلم المشتعل الجارح سوف يبرد ويحفى في يوم من الايام… ولم يكن في خيالنا انّ الحربوشة يأتي يوم ويبلعونها بلا ماء ..ولم يكن في احلامنا ان صحافيا تصل عنده تلك الشعبية التي تنافس رجال السياسة والتلفزة ويصبح عنده نفس الخطر الذي لدى قادة الاتحاد الكبار… ولم يكن احد يدري انّ ذلك الاسلوب الدوعاجي القاتل سيزحف على البلاد بجامعاتها ومدارسها ومزارعها زحفا لم يفعله ايّ كاتب او صحفي تونسي آخر الى اليوم… ومع ذلك جاء يوم وسكت محمد قلبي وارسل برقية اعتذار الى رؤوف يعيش وفرّ هاربا… واخيرا عاد ليُعوّض زملاءه المطرودين من جريدة يومية …ومن لم يمُت بالسيف مات بغيره …
وبما انّ عبدالكريم قطاطة _ مرجوع حديثنا _ لم يبع صوته بحفنة من الدينارات والامتيازات… وبما انّهم لم يأسفوا على شبابه وبما انّه مازال واقفا مثل مبنى اذاعة صفاقس، وربّما اعلى… فلا بدّ من الحلّ الثالث والاخير وهو التخلّي عنه مباشرة ودون تفاصيل زائدة .. وهنا ننتقل من اتهام مجتمعنا الى اتّهام مؤسسة من داخل مجتمعنا… الاذاعة والتلفزة التونسية… هذه المؤسسة مثل مدينة النحاس … طلاسم وسحر وتهويمات .. جنّ وعفاريت وعبابث …يحيط بها سور معدني ثقيل لا ينفذ منه الواحد ولو بأمّ عينيه … ومن قلعة الاسرار هذه ورغم قلعة الاسرار هذه تحدّث الناس وسرّبوا حكايات من واء الستار الحديدي … تحدثوا عن البرامج التي يفرضها المسؤول الفلاني والمذيع الذي تفرضه القرابة الفلانية والمنشط الذي يتفوّق بالعلاقة الفلانية …والاخر الذي تتكلم عنه تليفونات موجودة في الليستة الحمراء والآخر الذي .. والأخرى التي…
المشكلة في عبدالكريم قطاطة انه لم يسقط على الاذاعة بالباراشوت بل درس وتعلّم وتدرّب ولطالما نصحوه بأقصر الطرق والابتعاد عن التعب ووجائع الراس … فلم يسمع الكلام .. ولطالما نصحوه بالتقرّب من رؤسائه وحمل قفّة لهذا وهدية لهذا ووديدة لهذا ..الاّ انه لم يسمع الكلام … ولطالما نصحوه بالتنقيص من اغاني مارسيل خليفة واميمة الخليل واولاد المناجم وفيروز وزياد الرحباني والشيخ امام، وان يزيد قليلا من هشام النقاطي ومحسن الرايس وراغب علامة وجورج وصوف … الاّ انه لم يسمع الكلام …ولطالما نصحوه بمزاحمة جماعة (لقاء في ساعة) ومنافستهم الا انّه لم يسمع الكلام… ولطالما نصحوه بممارسة الاشهار لـ”ميّ يزبك” .. وجورج يزبك .. وبسام يزبك .. ومازن يزبك …وحديقة الازبكية … فاذا به لا يسمع الكلام …
وبما انه لا يريد ان يسمع الكلام فقد ارادوا ان يخاطبوه باسلوب تغيب فيه الكلمة .. باسلوب القرار المكتوب اسود على ابيض .. والممضى من تحت والمختوم من فوق … وهذا لعمري اسلوب يخاف من تلاحم الاجسام او تلاحم الرجال … انّه اسلوب جبان يختبئ وراء طاولة وكرسي وباب مقفل بدورتين .. ولا ادري والله لماذا يخافون عبدالكريم … فالولد ليس ملاكما سابقا ولا شلاّطا شهيرا ولا عربيدا شريرا وهو ليس مسلّحا ولا عنده عصابة ولا عنده عرش من بني عمّه … لا والله لا …لذلك فانا وانت وهو وهي وهما وهم وهنّ وكل الناس لا نخاف عبدالكريم لأنّنا لم نفعل له شيئا … اما الاخرون فانهم يعرفون ايّ ذنب يقترفون لمّا جاؤوا اباهم عشاء يبكون… تماما مثل اخوة يوسف…
سألني عبدالكريم ذات يوم ان كنت سمعت الكوكتيل ..فقلت لا لأنّ البرنامج يُبثّ في اوقات عملي فتأسّف كثيرا وبعد اسابيع اعطاني شريطين مسجّل عليهما شيء من الكوكتيل وقال اسمع واعطني رايك… فلمّا سمعت التساجيل وصعقني مستواها، قلت هذا يتواضع ويقول اعطني رايك … بل الاحرى ان اطلب انا رايه لا العكس والاحرى ان يتملّح من مستمع جاهل مثلي وعنده ملايين المستمعين والمعجبين وكلّهم على حقّ …تذكّرت هذه الفازة وانا اقرأ في النومرو الاخير من جريدة الايام ما كتبه عبدالكريم قطاطة من حقائق عرضها (“بكلّ غرور” كما قال) وانا هنا لاقول لكم ان عبدالكريم قطاطة يكذب عليكم وربّما هي الكذبة الاولى …فعبد الكريم قطاطة ليس مغرورا وليته كان مغرورا …
لو كان مغرورا لاحترموه وقدّسوه وارتعشوا منه ولعاملوه معاملة نجوم الكرة وباسوا صبّاطه والتراب الذي تعفسه قدماه …ولاعطوه دارا وسيارة وبونوات ايسانس وخدمة في بانكة لا يذهب اليها الا يوم قبض المرتّب … لو كان عبدالكريم داهية شرّاطا دلّولا مدلّلا لكان مصيره مثل ميشال دروكير … وجاك مارتان …وفيليب بوفار ….وغي لوكس …وساشا ديستال …وستيفان كولارو ..وبيبو باودو …وبيبو فرانكو …ورافا … ولوريتا … وغيرهم من نجوم الاذاعة والتلفزة الذين كسبوا الملايين من مواهبهم وصارت صورهم تظهر حتى على اعلانات الدنتيفريس ومايوهات السباحة …
يا عبدالكريم… اناس مثل هؤلاء وتلفزة مثل هذه واذاعة مثل هذه لا ينفع معها الا الغرور وقد اغترّ قبلك الصعاليك واولاد البارح فكيف لا تغتر وانت الاصيل الكادح الذي يُنبت الزهر في الصخر … والله ليس هذا بنديرا ولا سلامية وانا لست طامعا في عبدالكريم ولا خائفا منه .. فقط انا صرت واحدا من جمهوره العريض الطويل الذي الى الان لم يفعل شيئا من اجل المذيع الكبير… ولم يقدّم شيئا من اجل تعب عبدالكريم وسهر وارق ومرض عبدالكريم… ولم يقل شيئا في هذه المأساة التي تضرّ بنا جميعا وهاهي الان تصيب عبد الكريم …
واحرّ قلباه عليك يا ابن بلدي الكريم }
هكذا كتب عبدالقادر بمداد روحه وقلبه وفكره… واعود لاقول انا فعلا لم اكسب ممّا كسبه الاخرون ولكن كسبت ما اهمّ… كسبت رضاء نفسي و كسبت عزّة نفسي التي لم تُمرّغ يوما في التراب… وكسبت حبّ الناس وهذا لا يقدّر بكلّ كنوز الدنيا … وكسبت خاصة (يرحم والديك)…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …
حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…
العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…
وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….
نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …
ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….
تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …
قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …
التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …
تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …
ـ يتبع ـ
عبد القادر المقري:
نحتار حقا في توصيف ما جرى السنة الأخيرة في منطقتيْ شمال فلسطين وجنوب لبنان… ومبعث الحيرة هذا الدفق اللامتناهي من الدماء والدموع والشجن الذي يملؤنا ولا يترك وقتا ولا مجالا إلا للانحياز للمقتول ضد القاتل، وللمغتصب ضد الغاصب، وللمنزل الطائر شظايا ضد الطائرة الحاملة دمارا وعدوانا.
الدافع الثاني للحيرة هو ما يمكن تسميته بجلال الموت… نعم، ليس هناك من دليل أعلى على صدق أحد وبطولته وصفاء نواياه من أنه يقدم نفسه فداء لقضية ما… لذلك رحنا نطلق صفة الشهادة على من نتفق معه وهو حي، كما نطلقها على من نختلف معه حتى كليا عندما كان من هذه الدنيا… لا، الآن وبعد أن أهدى روحه على ميدان المعركة، فلا تجوز عليه سوى الرحمة والإكبار والتعميد بصفة الشهيد البار… المشكلة أن هذا المنطق يصلح في آداب التعامل مع الموت، في التنفيس عن مشاعر حنق تجاه عدو رئيسي ووجوديّ مكين… يصلح أيضا في رومانسيات الحروب وفرسانها الذين يستبسلون في معركة ويتحوّلون إلى أيقونات أمام عيون الصغار ودروس التربية الوطنية ومعاني الوطن… والعَبرة التي نشرق بها ونحن ننشد لحن الوفاء له، كلما رفرف علم وخفقت جرّاءه قلوب وتنادت أفئدة…
وتكبر الحيرة حين تختلط مع الرحيق المقدس أوشابٌ وأتربة وتساؤلات… نعم … للأسف لا تخلو كأسنا التي نتجرعها من بعض العلامات التي تجعلنا نتردد والزجاج الناعم يقترب من شفاهنا… جاء التردد من استرجاع بعض الصور والذكريات القريبة والبعيدة التي تقول لنا حذار… انتظروا… فاللون الأبيض النقي هو لون السكّر والملح في آن واحد، ورعود السماء تأتي بالمطر الطيّب والصاعقة القاتلة لنفس المُزارع المنتظر تحت شجرة… والبحار الطامية هي خير وسمك وبركة للصياد وهي أيضا الهلاك والغرق… تتشابه الأشكال بين مواد عدة وظواهر، ولكن هل تطابقت دوما الظواهر والجواهر؟
وتتداعى التمثّلات… ولكن على الأرض ماذا نقول في من قتلوا أنفسهم في عمليات داعش، وقتلوا معها تلاميذ مدرسة أو متزاحمين في سوق أو مصلين في جامع؟ … وماذا نقول في سقوط إرهابي صريعا ذات مواجهة مع الشرطة ويداه ملطختان بدم شكري بالعيد؟… وماذا نقول في المئات ممن غُسلت أدمغتهم فصاروا يعتبروننا كافة دار حرب وأقسموا على تصفيتنا فرادى وجماعات وهم معنا بالحزام الناسف؟ … للعلم فلهؤلاء مفتون من فئة خميس الماجري وأبي عياض والمرحوم حسن الغضباني، يسبغون عليهم نعت الشهيد بابتسامة هانئة وقلب مستريح… بل وينضمّ إليهم مذيع تافه لا همّ له سوى الحفاظ على كرسيّ أمام الكاميرا وريع سمين تحت أرجل الكرسي …
نهتف حتما للأبطال الذين استشهدوا، مع حسرة على فقدانهم وأمنية بأن يقتلوا العدوّ لا أن يسقطوا صرعى… الشهادة لهم لكن لنا الهزيمة في آخر المطاف… وهزائم الحروب ليست إنشاء ولا شعرا ولا لعبا بالمصطلحات… هي حصائل باردة لواحد مع واحد يساوي اثنين… من الذي خرج من الميدان (ولو شهيدا) ومن الذي بقي حيّا يصول ويجول؟… وهنا لا ينفع التأبين ولا التعظيم ولا الخلود ولا قناة الجزيرة… منطق الحرب أن تعيش لا أن تموت، وهذه أهم توصية تصدر عادة عن القادة وهم يوجهون جنودهم في مهمة… وحتى إذا شاء القدر وترك الواحد حياته على ساح الشرف، فيكون في المقابل أوقع بأعداد وافرة من صفوف العدوّ قبل أن يبذل الدم والروح…
ولكننا في هذه الموقعة إلى أين وصلنا وكم خسرنا من أرواح وكم خسر العدوّ؟ وكم كانت كلفة 7 أكتوبر 2023 وماذا كسبنا خلالها وأية رقعة حرّرنا؟ … دائما بمنطق الحروب القاسي، هذا ما حصل… عشرات الآلاف من مدنيي غزة والضفة وجنوبي لبنان، أعداد من “العسكريين” شبه العزّل تختلف الأرقام في تقديرها بين المتحاربين، ولكنها في النهاية كبيرة وموجعة… ويكفي أنها حرمت المقاومة من أهم قادتها وحتى التالين في الأهمية… دون الحديث عن دمار شامل فعلا لمدن وقرى وبلدات ومبان ومرافق تعجز قوى عظمى عن إعادة إعمارها بسرعة لو تمّت على أراضيها إثر كارثة طبيعية… فكيف بنا ولا زلزال سُجّل في غزة أو إعصار ضرب جنوب لبنان…
الزلزال الوحيد الذي ضرب أهالينا هناك كان قرارا بحرب غير متكافئة، سيئة التوقيت والحساب… بل ويجعلك تتساءل بعد هذا العبث وذلك الدمار: لفائدة من كل هذا؟ ولماذا انتقلت القضية من هدف تحرير الأرض إلى المناشدة بوقف إطلاق النار؟ ومن يعوّض لمن تيتّم أو ترمّل أو ثكل؟ ومن يؤوي الذين تشرّدوا؟ أم نكتفي بآية “لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله…”، وبمقولة ذلك القيادي في حماس عن مدى انشغاله بملايين المدنيين المعرّضين للقصف والموت: أولئك مسؤولية المجتمع الدولي؟!!!
محمد الزمزاري:
إثر تصميم الغربيين على تزويد اوكرانيا بصواريخ بالستية لضرب روسيا في العمق و تنفيذهم ذلك على الرغم من الإنذارات والتهديدات الروسية المتتالية التي يبدو اول الأمر أن الغرب لم يأخذها مأخذ الجد، كشف فلاديمير بوتين عن بعض نماذج من ترسانته العسكرية كما أدى زيارة هامة إلى كازاخستان خلال هذا الاسبوع مصرحا ان هذا البلد صديق لروسيا وشريك يعتمد عليه.
وتكتسي هذه الزيارة طابعا عسكريا اكثر من اي شيء آخر كما تخللها عرض لبعض من ترسانة موسكو العسكرية، و كذلك لما يعرفه الروس عن ترسانة الغرب بالتفصيل و بدقة متناهية و أماكن تركيزها وتحركاتها بالإضافة إلى مقارنة قدرات كل صاروخ بالستي فرنسي كان او ألماني او انكليزي او أمريكي بما يقابله من بالستي روسي… وأكد الرئيس الروسي ان مخزون بلاده من هذه الأنواع كاملة يفوق اكثر من عشر مرات ما تحويه ترسانة الغرب برمّتها، مما دفع الغربيين إلى وضعية جديدة من الاستنفار والاجتماعات المعلنة و السرية أيضا للناتو، هذا بالإضافة إلى ردود فعل حول تصريح فلاديمير بوتين الذي استشاط غضبا امام تحدي الغرب ووقاحته المتعمدة.
لقد ايقنت الدول الغربية اخيرا ان بوتين أنهى المزاح والتهديدات المحدودة ومر إلى قرارات وشيكة بالدخول في حرب للدفاع عن روسيا التي مثلت وتجسم اليوم إرث الاتحاد السوفياتي التي تم تدميره وها أن الناتو يرغب في الاجهاز على روسيا بدورها عبر استنزافها اقتصاديا واجتماعيا و عسكريا وفرض حرب بالوكالة من خلال “حصان اوكرانيا”. ويبدو أن الكريملين كان يفهم هذه المخططات ويحاول جاهدا الاستعداد لها جيدا باعتبارها محددة لمصير روسيا وصورتها التي ستثبت اما تأكيد قوتها و مكانتها الاستراتيجية او انحلالها وعلى الأقل اضعافها. ويتبين ذلك اعتمادا على مخطط حرب غربية واردة مع الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة العدو الأكبر والأخطر على جميع الواجهات اقتصاديا خاصة وعسكريا أيضا. وكان لابد قبل ذلك من إزاحة روسيا من الطريق او القضاء على ترسانتها للتفرد بالغول الصيني.
فشلت الحرب الاقتصادية الغربية ضد الروس بل ان هؤلاء فرضوا وجودهم بالبلدان الافريقية ونجحوا في تخطي كل المعطلات لاقتصادهم و أسسوا تجمعا نقديا و اقتصاديا جديدا (البريكس) توسع وعلى بابه اليوم قائمة كبيرة من منتظري الانخراط. كل هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع إيران ودعم التقارب الوثيق مع كوريا الشمالية التي بادرت بإرسال اكثر من 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد اوكرانيا.
واذا رجعنا للحرب الروسية الاوكرانية التي دامت طويلا جراء الدعم غير المسبوق من الناتو لكييف، يستوجب الإشارة إلى ان روسيا لم تكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي منشغلة بالحروب الميدانية التقليدية قدر ما ركّزت على تنمية الاقتصاد ورفاه السكان الذي كان متدهورا. أما الجانب الذي لقي الأكثر عناية فهو الأبحاث العسكرية و تعزيز القدرات النووية التي يرى الروس انها اهم رصيد دفاعي او هجومي… كما بلغ الجانب الاستخباراتي أيضا أوجه ويكفي التذكير بان اعدادا وافرة من الكوادر السامية والقيادات المؤثرة ثبت زرعها في مواطن القرارات والأبحاث و الاستخبارات وحتى التاثير على الانتخابات بالغرب، وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية…
بعد الانذار الاخير لبوتين استشعر الغربيون انهم لم يتركوا للدب المفترس اية فرصة غير الاستماتة في الدفاع عن عرينه. وفي هذه المرحلة الدقيقة التي تجسم قمة استعراض القوى بين غرب متخوف من عودة ساكن للبيت الأبيض لا يرغب كثيرا في إرهاق الخزينة الأمريكية لصالح الناتو او حرب اوكرانيا، وبين تهديدات تبدو جدية من ساكن آخر في الكريملين، نرى ان نتاج هذه الأوضاع ستكون حتما إما انهاء حرب اوكرانيا لصالح موسكو وربما يرفق ذلك بتنازل روسي طفيف عن جزء محدود من شرق اوكرانيا ووضع حد لكل التضييقات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المتتالية ضد روسيا، او التورط في حرب عالمية كان الجميع يستبعد وقوعها، اذا ما اختلط الغباء الغربي بالعقلية الكوباوية للرئيس الأمريكي القديم الجديد.
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم… الورقة 92
- اقتصادياقبل يومين
النكهة التونسية في الصالون الدولي للشكلاطة والمرطبات
- اجتماعياقبل يومين
غدا الاثنين… انطلاق امتحانات الثلاثي الأوّل
- ثقافياقبل يومين
اختتام أيام قرطاج المسرحية
- ثقافياقبل يومين
قريبا… “أيام سينما الجبل” بعين دراهم، والسينما التونسية إلى أين؟
- صن نارقبل يومين
الذكاء الاصطناعي و إدارة المشاريع بتونس
- صن نارقبل يومين
مستبقا صراعه مع الصين… “بايدن” يمهّد لخلفه “ترامب”، الطريق نحو إفريقيا
- صن نارقبل يومين
“الأونروا”: أكثر من 415 ألف نازح بغزة يحتمون في مدارسنا