جلـ ... منار
لأنه “الأستاذ”
نشرت
قبل 4 أشهرفي
من قبل
التحرير La Rédactionاحمد خالد توفيق:
السؤال الذي أريد أن أسأله هو: هل العبقري (يوسف شاهين) عبقري حقاً ؟.. لنضع السؤال بشكل أدق: هل (يوسف شاهين) المؤلف Auteur قد أضاف شيئاً ليوسف شاهين المخرج؟…سؤال أمين لا أبتغي منه إلا الظفر بإجابة أمينة .. ويجب أن أذكر القارئ الكريم بأنني أعتبر (الأرض) أعظم فيلم مصري على الإطلاق، ولم أستطع قط أن أرى لقطة واحدة من (باب الحديد) من دون أن أتابع الفيلم حتى كلمة النهاية.
يكتم البعض ابتسامته الخبيثة ويهمس البعض في ضيق: “هي ذي اللعبة التقليدية .. اقذف العمالقة بالحجارة ليُذكر لك أنك يوماً قذفتهم .. جربها الكثيرون مع (العقاد)، وجربها (العقاد) نفسه مع (شوقي) في مستهل حياته حين فتح عليه مدافع الديوان..”. لكني أكرر أن هذه هي المشكلة فعلاً.. لا أحد يصدق أو يقبل أو يسمح بأن يكون (يوسف شاهين) أقل من المكانة التي رسمناها له..ومن هنا يأتي السؤال: هل الامبراطور بكامل ثيابه أم أننا نخشى الاعتراف بعكس ذلك كي لا نبدو حمقى ؟ لماذا؟.. لأنه الأستاذ..
لقد قدم شاهين فيلمه الأخير (إسكندرية نيويورك) وفيه تحدث عن الأمور التي تروق له كالعادة بدءاً بـ(فريد استير) والدراسة في أمريكا الخ، تملق تلك الأخيرة إلى حد لا بأس به، لكن هذا الصنم القاسي لم يتقبل القربان، ورأى أنه دون المستوى طبقاً لكلمات لجنة التحكيم في مهرجان نيويورك .. والنتيجة..سوف تبدأ أعنف حملة ممكنة تتهم رفض المهرجان لفيلم شاهين الأخير بأنه عمل عنصري قذر، وأنه يعبر عن الوجه القبيح الحقيقي لأمريكا. ولن يجرؤ أحد أبداً على مراجعة إمكانية أن يكون الفيلم رديئاً فعلاً. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..
هذه هي مشكلة يوسف شاهين.. إنه تحول إلى Cult غير قابل للمراجعة أو المناقشة. وحتى الكومبارس الذي يقدم للبطلة كوب ماء في أحد أفلامه يعتبر نفسه أستاذاً من أساتذة التمثيل، ويقول في وقار وغموض:” أفضل أن يرى الناس العمل ليحكموا بدلاً من أن أتكلم عنه”. وغدا من التقليدي في كلام أي ممثل أن يحكي عن (تجربة التطهير أو الميلاد الجديد) التي اجتازها بالعمل مع شاهين.
يصر شاهين على أنه مفكر .. وهنا أخطر المآخذ التي لا أدري كيف نقبلها في أفلامه .. إلام يفضي المسار الفكري لفيلم (المهاجر) ؟.. رؤية مختلة لقصة سيدنا يوسف مع تنويه واضح إلى أن (الأرض لمن يستطيع أن يزرعها) ولا أعرف إلام يفضي بنا هذا ؟.. ماذا عن الرسالة المضطربة في (وداعاً بونابرت) حول أن العلاقة المثلية بين جنرال فرنسي وشاب مصري هي الطريق الوحيد إلى امتزاج الحضارات والسلام ؟. حل مشكلة التطرف في (المصير) هو أن نرقص أكثر.. وقد نشب خلاف صحفي شهير عندما عرض (حدوتة مصرية) لأنه تجاهل كون الفكرة ليوسف إدريس .. قال يوسف إدريس إن شاهين جاءه بفكرة ساذجة عن ولد اسمه (آدم) وبنت اسمها (حواء) يلتقيان للحب فيبرز لهما رجل غليظ يحمل شومة المفترض أنه (المجتمع).. طبعاً لم يكن إدريس مستعداً لسماع المزيد من هذا الكلام، وقدم فكرته العبقرية التي تدور حول محاكمة إنسان داخل ضلوعه، بسبب إحباطه للطفل بداخله.. وكيف تحول هذا الطفل إلى جلطة تسد شرايينه التاجية. يمكن لنا إذن أن نتصور الفيلم لو خرج بصورته الأولى !
في أفلام شاهين يتكرر ذلك الخلط الساذج بين المتصوفين ورواد الموالد والأصوليين، فهو – كالخواجات تماماً – يضع كل هؤلاء في سلة واحدة تمسك بالدف وتتطوح ذات اليمين واليسار، برغم أنه لا يمكن الجمع بين المتصوفين والأصوليين أبداً، فكلاهما يرى الآخر خارجاً عن الدين. وقد اتهمه د. (عاطف العراقي) أستاذ الفلسفة الشهير بأنه اخترع (ابن رشد) لا وجود له.. ماذا عن الإرهابي الذي يضع أيقونة القنبلة على بريده الإلكتروني ؟… لكن أحداً لا يعلق .. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..
أما عن الجانب الأخلاقي للأفلام فهناك ميزانان في الرقابة .. ميزان للعامة وميزان لشاهين .. هكذا تصفح الرقابة في تسامح أسطوري عن علاقات الحب المثلية التي لا يخلو منها فيلم من أفلامه تقريباً، ولعله تملق لتيار العولمة، وأراهن أنه يفتخر في مناقشاته الخاصة في الغرب بأنه أول من تجاسر على تقديم علاقات كهذه لمجتمع متخلف. تصفح الرقابة عن العلاقات الأسرية المختلة في كل فيلم..عن الاشتهاء الواضح من الأم لابنها في (الآخر)، وتصفح عن اشتهاء الأخت (صفية العمري) لأخيها في (المهاجر)..حتى زوجة الفيلسوف (ابن رشد) لم يرحمها .. إننا نرى في عينيها اشتهاء كاملاً للفتى الفرنسي الذي جاء يتتلمذ على زوجها. وتصفح عن مشاهد كاملة في (إسكندرية نيويورك) لو قدمها سواه لعلقوه مشنوقاً في ميدان (طلعت حرب).. ما معنى هذا ؟. نظارة هيبة العبقرية وضعت على عين الرقيب فلم يعد يرى… لماذا ؟.. لأنه يتعامل مع الأستاذ..
دعك من الميزانسين المحفوظ المكرر في أفلامه. فالناس لا يتكلمون بهذه الطريقة، كأن يقف أحدهم وراء جدار ويطل من نافذة فيه ليكلم الآخر الواقف في الناحية الأخرى. بالإضافة لهذا يبرهن يوسف شاهين عن أنه لا يفهم شيئاً عن الأسرة المصرية المتوسطة التي يقحمها في كل أفلامه. وهو يعتبر ذروة المصرية أن تقول (حنان ترك) لأمها وهي ترقص (خطبني تحت المطر) فتقول أمها دامعة العينين: (مش حأقول رأيي غير لما أشوفه)..
أما عن التمثيل فهو لم يكف يوماً عن خنق موهبة ممثلين عظام مثل (محمود حميدة) وآخرين ليتحركوا في القيود الضيقة التي صنعها لهم، كما لم يكف عن اكتشاف وجوه لا علاقة لها بالتمثيل مثل (هاني سلامة) و(أحمد محرز) و..و… لماذا يقحم داليدا لمجرد أن يثبت أنه يستطيع ؟.. يقول الناقد (سامي السلاموني): “اختار (شاهين) للفيلم (سعاد حسني) ثم (محسنة توفيق) ثم (فردوس عبد الحميد) وفي النهاية استقر على (داليدا).. كيف يصلح لسعاد حسني ما يصلح لداليدا ؟.. معنى هذا أن يوسف شاهين لا يؤمن بقيمة الممثلين، وهو يرصهم كقطع الشطرنج في أفلامه ليقولوا أي كلام”. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..
وترى الفيلم أي فيلم فلا ترى معجزة تمثيلية ما.. إن الممثلين متخشبون مسجونون في قيود فولاذية فرضتها شخصية شاهين القوية عليهم، ولا أحد منهم يجرؤ على حركة زائدة .. الكلام يخرج على طريقة (عمر الشريف) في (صراع في الوادي) من شفة عليا مسدلة متصلبة، وكأنه طلقات الرصاص مع نغمة ناعسة ملول لا داعي لها، والمقاطع مدغمة، والتعبير على الوجه يأتي بعد إنهاء الكلام لا معه. وأشك في أن كل من مثل معه عاش أقسى لحظاته وإن كان لا يعترف بهذا.
ماذا عن الحوار الركيك الذي يصر على كتابته على غرار (أمريكا إلي محدش يقدر عليها) ؟.. وهو ينهي المصير بعبارة بالغة العمق (الأفكار لها أجنحة محدش يقدر يحبسها).. ماذا عن الإصرار على فريد أستير الذي لم يكن قد عرض له أي فيلم في مصر عندما انتشرت الكوليرا في (اليوم السادس).. ؟..يقول سامي السلاموني: “كيف عرف القرداتي كل هذا عن (فريد أستير) ما لم يكن قد سافر إلى نيويورك ليحضر عرض فيلمي (في المدينة) و(الغناء تحت المطر)* ؟”.
لكننا نعرف السبب .. لقد قدم شاهين هذا فقط لأنه يحبه.. كما يمكن أن يقدم فيلماً كاملاً مثل (إسكندرية كمان وكمان) ليثبت أنه راقص بارع و(إسكندراني جدع).. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..
كما قلت في بداية المقال، لا اعتراض لي على يوسف شاهين المخرج .. بل إنه من أعظم مخرجينا وأكثرهم سيطرة على تكنيك أفلامه. لكن – كما يقول سامي السلاموني – ماذا يبقى من أفلامه إذن لو نزعنا التكنيك ؟. وطبعاً لا اعتراض على التصوير والمونتاج لأنه يعمل مع الطاقم الأفضل دائماً…
المخرجون من عينة محمد خان وصلاح أبو سيف وخيري بشارة وداود عبد السيد قدموا أساليب فريدة ناضجة لكن من دون ادعاء، ولم يتهمهم أحد بالعبقرية، كما إنهم – على قدر علمي – لم يتلقوا قدراً زائداً من التدليل..
بالنسبة لي يوسف شاهين هو العبقري الذي قدم باب الحديد والأرض … هو المخرج فقط لكن لي ألف اعتراض على المؤلف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*”لنغن تحت المطر” كان من بطولة جين كيلي وليس فريد أستير (التحرير)
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
صن نار
- ثقافياقبل 7 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 7 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 17 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟