جلـ ... منار
إيمان يفلق الصخر
نشرت
قبل 10 أشهرفي
من قبل
التحرير La Rédaction
وفاء سلطان:
كانت امرأة تمارس رياضة الجري في أحد أدغال نيويورك عندما وجدت نفسها وجها لوجه مع وحش كاسر، ركضت بسرعة البرق باتجاه إحدى الأشجار وتسلقتها.
وصلت إحدى فرق النجدة إلى المكان، وأنزلوها من على الشجرة، ثم طلبوا منها أن تتسلق الشجرة مرة أخرى،
حاولت مرارا عديدة ولم تستطع!

قرأت مرة قصة عن فرقة عسكرية كانت في طريقها سيرا إلى إحدى المناطق، عندما تراءى لقائدها شبح وحش يتربص في إحدى الحفر على جانب الطريق.
استدعى القائد قناصا ماهرا في فرقته وطلب منه أن يصوب سهمه على الوحش، لم يكد السهم يصيب الشبح حتى تناثر شظايا هناك وهناك، اقترب القائد من الشبح ليكتشف بأنه كان صخرة كبيرة ولم يكن وحشا، وقد تحولت الصخرة بفعل السهم الذي أصابها إلى شظايا!
أمر القائد كل القناصين في فرقته أن يصوبوا سهامهم إلى صخرة مماثلة في محاولة لتفتيتها، فلم يتمكن أحد!
بناءا على الفلسفة المانوية التي وردت تلك القصة في إحدى كتبها، يجب على الإنسان، ولكي ينجح في حياته، أن يؤمن إيمانا قطعيا بأنه أكبر من الهدف الذي يصوب عليه، وبأن وصوله للهدف أمر محقق لا محالة!
هكذا آمن القناص الأول، لأنه اعتقد بأن الشبح كان وحشا،
وهو يدرك في أعماقه أن السهم يقتل الوحش!
بينما استطاعت المرأة في نيويورك أن تتسلق الشجرة لأن شغفها بالبقاء على قيد الحياة كان أكبر من صعوبة تسلق الشجرة!
…….
قد تبدو لك الحياة أحيانا وكأنها شجرة شاهقة،
ومن المستحيل بالنسبة لك أن تتسلقها،
أو قد تبدو لك بأنها صخرة كبيرة تعترض طريقها ومن المستحيل عليك أن تفتتها.
عندها تذكر:
أن القوة التي تمكنك من تسلق الشجرة الشاهقة،
أو من تفتيت الصخرة الصلبة، موجودة في داخلك،
ولكن عليك أن تكون شغوفا ومولعا جدا بالبقاء على قيد الحياة!
ليس هذا وحسب،
بل عليك أن تكون شغوفا ومولعا جدا بالوصول إلى القمة أيضا!

تصفح أيضا

في الكتاب الرائع (قوة الخرافة) The power of Myth يسأل المحاور بيل مويرز الفيلسوف الأمريكي جوزيف كامبيل: هل الخرافة كذبة؟ يرد الفيلسوف: لا لا أبدا… إنها الطريقة الأسهل استيعابا للتعبير عن الحقيقة؟

قد تكون ممن يؤمنون أن فكرة التجسد خرافة، ولكن ليس لدي شك لو حاولت أن تستوعبها لساهمت فلسفتها في توسيع مداركك، كما ساهمت في توسيع مداركي. كنت ـ ولم أزل ـ أعتبر قصة بلع الحوت ليونس وبقائه في بطنه اسابيع خرافة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ولكن بعد أن قرأت كيف اعطاها الفيلسوف كامبيل بعدا فلسفيا، صرت أكثر تقبلا لها، وليس أكثر ايمانا بها. فليس شرطا أن تؤمن بما اؤمن، ولكنك ملزم كونيّا وأخلاقيا أن تقبلني كما اؤمن، طالما لا اُسيء بايماني إلى أحد.
……..
من أجمل الذكريات وأكثرها شفافية وروحانية هي حياتي مع ستي أم علي. كنا نجلس على شرفة منزلنا ونمعن النظر في القمر، وهو يرش ليراته الفضية على عروس البحر بينما تتماوج ليلا بدلال وغنج. كانت تقول لي ببراءة لا يشوبها خبث: انظري إلى القمر…امعني النظر…ماذا ترين؟؟؟ ألا ترين وجها بشريا؟؟؟ إنه وجه الإمام علي كرم الله وجهه.
هل مجنون فيكم يظن أن وفاء سلطان اليوم تؤمن بأن القمر هو الإمام علي؟؟؟ طبعا لا أتصور وجود هذا المجنون. ولكن أين الخلل في ايمان جدتي بأن مثلها الروحاني الأعلى متجسد في القمر؟؟؟
كانت جدتي أكثر بساطة من عشبة الجرجير، وكانت تظن أن العالم كله ينتهي عند حدود قريتها. لأنها ابنة ريف تعلقت بالمظاهر الطبيعية وراحت تربط رمزها الروحاني بأجمل تلك المظاهر، ألا وهو القمر.
لا أحد يعرف سرّ هذا الربط، هل هو حبها للإمام علي أم حبها للقمر أم لكليهما معا؟؟؟؟
……..
وفاء سلطان لا تقيّم اليوم أية فكرة إلا من خلال حقلها الطاقوي الذي يحدثه المعنى الكامن في الفكرة.
ماذا تختلف فكرة جدتي عن فكرة أن المسيح ولد بلا دنس وجاء ليخلص الجنس البشري من آلامه؟؟؟
لا شيء!
إذا اردنا أن نقيس الفكرتين وفقا لمقايس صارمة كجدول الضرب لا بد أن نرفض كليهما!
لكن الحياة لغز، ولا نستطيع أن نقرأها فقط كما نقرأ جداول الضرب.
لا بد أن نحترم حق العقل في أي يجنح للخيال، وحقه في أن يؤمن بما هو خارج تلك الجداول.
كلا الفكرتين جميلتان، وجمالهما يكمن في الطاقة الإيجابية التي يفرزها المعنى الكامن في كل منهما.
تستطيع أن ترى وجه هيفاء وهبي في القمر لو أردت أن تراه، وليس من حق أحد أن يكذبك، فالخرافة ليست كذبة، بل هي طريقة سلسلة للتعبير عن لغزية الحياة.
منذ أن علمتني جدتي أن أرى وجها بشريا في القمر وأنا أراه، ولكن تعددت الوجوه التي بت أراها، ولم تعد تقتصر على وجه واحد، وأبرز تلك الوجوه وجه ابنتي أنجيلا
……..
منذ أن علمتني جدتي فن التحديق وانا أحدق في كل مظهر من مظاهر الطبيعة وارى فيه جزءا من القوة السحرية التي تتجسد في كوننا العظيم…
لذلك، خرجت إلى الحياة أعشق القمر وأعشق التحديق فيه بحثا عن وجه أحبه، ولم أخرج ملكة يمين
……..
دُعيت مرّة إلى عرس ربما كان من أفخم الأعراس التي رأيتها في حياتي أو ربما سمعت عنها.
كان العرس لطبيب وطبيبة من أصول هندية هندوسية، واُقيم في منتجع في مدينة نيويورك.
المائدة كانت ساحرة، ولم تحوِ طبقا واحدا مصنوعا من منتجات حيوانية، حتى قالب الكيك كان كقلعة كبيرة وكان مصنوعا بلا بيض وبلا زبدة.
المهم، بعد أن انتهت مراسم العرس وزع المشرفون على العرس على كل ضيف موزة، وطلبوا منهم الخروج من إحدى بوابات القاعة إلى إحدى حدائق المنتجع، حيث كانت تجثم ثلاث بقرات على العشب الأخضر.
قام كل ضيف بناء على طلب المشرفين بالانحناء أثناء المرور أمام البقرات والقاء الموز لهن.
أستطيع أن أجزم أن الحفل ضم أشخاصا من كل طائفة ودين على سطح الأرض، ولم يرفض أحد منهمفكرة المرور من أمام البقرات والإنحناء
ليس هذا وحسب، بل لم أرَ شخصا واحدا يتصرف بطريقة غير لائقة، بل بكل احترام.
أين الخلل في ذلك؟؟؟
هم يرون أن عظمة الخالق تتجسد في البقرة،
والمسيحيون يؤمنون أنها تتجسد في المسيح
وستي أم علي تؤمن أن عليا يتجسد في القمر!
أين الخلل؟؟
كلها أفكار مسرفة في جمالها طالما لا تنتقص من أحد
ولا تُسيء إلى أحد.
كلها أفكار تفرز طاقة ايجابية، طاقة تساهم في رفد الدفق الكوني الذي يسيّر دفة الحياة.
ولكن؟؟؟
هل يمكن أن أقبل فكرة شريرة تفرز طاقة سلبية تعرقل انسيابية الدفق الكوني باتجاه مساره؟
……..
أقسم لكم بأعز ما أملك عاشت ستي حتى قاربت المائة، وماتت لا تعرف شيئا عن العلوية، ناهيك عن الإسلام،
إلا أن عليا متجسد في القمر
هل هناك دين على سطح الأرض أبرأ وأجمل
من دين ستي؟؟؟
حاولت مرة ولأسابيع أن اعلمها الفاتحة.
هي أمية ولا تجيد نطق اللغة الفصحى،
لو سمعتها أم ثكلى فقدت طفلها لتوها وهي تردد الفاتحة لأغمي عليها من كثرة الضحك
ماتت جدتي لا تعرف الفاتحة، وهذا سرّ قدسيتها في نظري.
يبدو أن روحها الطاهرة كانت ترفض أن تؤمن بوجود المغضوب عليهم والضالين، فالانسان يخسر قدسيته عندما يوصم شعبا بالمغضوب عليه والضالين، وكذلك عندما يوصمني بـ “بنصيريّتي”
ويوصم نصيريتي بالالحاد والشرمطة!!!
……..
كانت تعجن كل صباح وكنت ارافقها إلى الفرن كل يوم،
ومرة كل فترة كنت أرافقها مع عجينها إلى بيت ريفي يقع على مشارف مدينة بانياس حيث ولدت وترعرعت.
كان لصاحبة البيت تنور، وكانت ستي تحن إلى خبز التنور من حين لآخر
وبينما هي تغني موالها المحبب إلى قلبها “سكابا يادموع العين سكابا” وتلصق أرغفتها في بطن التنور، كنت أراقب لغة جسدها وأمتص طاقتها.
كانت تتوقف بين الحين والآخر عن زخ مواويلها لتقول لاحد المارة: (تفضل ياخي، خدلك رغيف خبز مشان الله)
وكنا نعود وفي حوزتنا نصف الأرغفة.
اشتعلت مرة غضبا وصحت بها:
لماذا تعطين نصف خبزنا للمارة؟
فشهقت وردت: (يا عين ستك الحياة رايحة، والانسان ما بياخد معو إلا الأرغفة التي أعطاها للناس)
……..
(لا تأخذ معك إلى قبرك إلا ماتعطيه)
ها أنا اليوم أعيش فلسفة ستي ام علي بحذافيرها، أعيشها بنفس الحرفية التي يطبّق بها داعشي تعليماته.
نعم، كلنا متطرفون، ولكن كل بطريقته…
لا يبقى في بيتي إلا نصف ما أعجنه، هذا إذا بقي النصف، وعندما أضع جداول التوزيع لا أرى فرقا بين إنسان وآخر، لأنني نسيت سورة الفاتحة!
ماتت جدتي ولم تصلّ يوما
لم تحج في حياتها، ولم تدخل معبدا
ولكنها أعطت في مرات كثيرة نصف خبزنا للمارة،
وهذا وحده كفيل أن يكون جواز سفرها إلى ملكوت الله،
……..
لم تمارس جدتي طقسا دينيا واحدا باستثناء اشعال البخور صباح كل جمعة،
لا لسبب سوى رغبتها في أن تملأ البيت رائحة طيّبة تنعش الروح.
سقطت تلك العادة من ذاكرتي عندما رحلت إلى أمريكا، لأكتشف لاحقا أن عادة اشعال البخور من أهم الطقوس الدينية لدى السكان الأصليين لأمريكا، الهنود الحمر، واكتشفت أن بالاسواق عشرات الأنواع التي تختلف باختلاف رائحتهأ، والتي لا يخلو بيتي منها يوما.
كانت جدتي تشعل بخورا، وكان هنديّ أمريكيّ يشعله ايضا في الطرف الآخر للكرة الأرضية.
لا أحد فيهما يعرف عن الآخر شيئا، لكنهما يمارسان نفس الطقس، ويطرح السؤال نفسه؟
ألسنا موصولين كونيا بشكل أو بآخر؟؟
ألسنا موصولين جميعا بنفس المركز الطاقوي الكوني؟؟
نعم، لقد كانت جدتي موصولة بصديقها الهندي الأحمر
وكانا يتبادلان لغة غير محكية،
ليس لدي شك!
……..
لكن هذا المسلم الذي يشتمني بـ “نصيريتي” ويقرنها بالإلحاد والشرمطة لابد أنه فقد تواصله مع ذلك المركز، وضل الطريق المقدس
……..
ضل الطريق المقدس
ذلك الطريق الذي تشير إليه صلاة يتلوها الهنود الحمر، صلاة مشهورة يطلقون عليها
Ojibway Prayer
دعوني اصليها لكم بعد أن عرّبتها:
(ياجدنا الأكبر
اشفق على انكساراتنا
فنحن وحدنا من بين جميع المخلوقات
ضللنا الطريق المقدس
ونعرف حقا أننا منقسمون
ليس هذا وحسب، بل علينا وحدنا كبشر
أن نعود إلى وحدتنا
كي نمشي في الطريق المقدس
يا جدنا الأكبر
ياوحدك المقدس
علمنا الحب والشفقة ومعنى الشرف
كي نلأم جراح الأرض
وجراح بعضنا البعض)
* المقصود بالجد الأكبر “الكون العظيم”
……..
ذاك السنّي الذي يشتمني بنصيريتي، كم هو اليوم بحاجة لأن يشعل بخوره كي يتوحد مع ذلك البعيد المختلف عنه،
وكم هو بحاجة أن يصلي تلك الصلاة كي يدرك معنى الحب والشفقة ومعنى الشرف، فيصبح قادرا على أن يلئم جرحه، ويلئم الجرح الذي فتحه في قلبي…


أحمد خالد توفيق:
أشهر قصة تُحكى عن شرود الذهن هي قصة إديسون العالم الأمريكي العبقري الذي لم يحضر حفل زفافه. السبب هو أنه انشغل في المختبر بتجربة مهمة، وقد بحثوا عنه كثيراً فاتضح أنه كتب موعد الزفاف في مفكرته لكنه نسي!

لا أعرف ما قاله لعروسه في تلك الليلة السوداء لكن التاريخ لا يذكر أن فسخ الخطبة قد تم على كل حال.
وهناك نيوتن عالم الرياضيات الذي كان جالساً قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء. فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقربها منه، فقال له الخادم في أدب:
ـ لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من النار؟
هنا شهق نيوتن، وأعلن أن خادمه عبقري حاضر الذهن فعلاً!
القصة الأغرب هي (تشسترتون) الكاتب المسرحي البريطاني الشهير الذي وقف في طابور مكتب البريد ليحصل على حوالة مالية، فلما بلغ الشباك اكتشف أنه نسي اسمه!، وكان أول ما قاله للموظف المذهول:
ـ معذرة يا سيدي… لكن هل تعرف اسمي؟!!
يمكننا بسهولة أن نتصور ما قاله الموظف وما فعله.
شرود ذهن العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة أولاً.
وكثيراً ما يدفع الناس إلى اعتبار العبقري على شيء من ”الخبال” أو الجنون… لكنهم بعد ذلك يقبلونه باحترام.
لكني أعترف أن شرود الذهن لا يدل على العبقرية في كل الظروف، بل قد يدل على عقل خاو تماماً. وباعتباري من الذين اشتهروا بشرود الذهن، فإنني أقر وأعترف أن أغلب الأوقات التي شوهدت فيها شارداً لم يكن في رأسي أي شيء مفيد، لكن الناس تنظر لي في احترام، وتتصور أني أنظم قصيدة عصماء أو قصة عبقرية.
أشهر من عرف بشرود الذهن في عالم الأدب هو الأديب المصري (توفيق الحكيم)، لكن المخرج (محمد كريم) جلس معه طويلاً أثناء كتابة سيناريو فيلم (رصاصة في القلب) ولاحظ أن جزءاً من هذا الشرود إرادي تماماً. مثلاً، لاحظ أن توفيق الحكيم يجلس شارد الذهن وذقنه مستندة على مقبض عصاه، فيقول له محمد كريم: هناك فتاة حسناء سألت عنك أمس.
عندها يفيق الفيلسوف الشارد على الفور، ويستفسر عن كل التفاصيل. هذا إذن شرود إرادي يفيق منه متى أراد.
الموسيقار عبد الوهاب اشتهر بالشرود الحقيقي، ويقول كل من اقتربوا منه إنه كان يزوم كالقطط طيلة الوقت لأن الألحان لا تكف عن زيارة عقله.
أحمد شوقي الشاعر كان شارد الذهن كذلك، وكان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدون على هامشها بضعة أبيات قبل أن تضيع.
على كل حال، يمكنك أن تنجو بشرودك فلا يسخر منك أحد إذا أقنعت الناس أنك فنان. وهو حل لا بد أن تلجأ إليه إذا أردت أن تنجو من مواقف محرجة جداً.
مثلاً، ذات مرة كنت شارد الذهن وقابلت امرأة ذات وجه مألوف على سلم بيتي فهززت رأسي وقلت في وقار متحفظ: مساء الخير.
وواصلت النزول، فقط بعد ربع ساعة تذكرت أن التي قابلتها هي أختي! والله العظيم حدث هذا وليس من تأليفي.
في مرة أخرى كانت زميلة عمل مملة تكلمني بصوت رتيب عن أشياء كثيرة، فلجأت إلى الحل الأمثل وهو صوت (ام م م!) كل ثلاثين ثانية بما يوحي بأنني أتابعها.
وفجأة فطنت إلى أنها تنظر لي في لوم وقد كفت عن الكلام الرتيب، ولما نظرت إليها قالت:
ـ أنا أسألك!!، وكالعادة لا إجابة عندك إلا (ام م م).
هذه مواقف محرجة جداً لهذا عليك أن تقنع الناس على سبيل الاعتذار أنك عبقري وأنك تفكر في عظائم الأمور. عليك أن تعتذر ثم تخرج ورقة مطوية وتدون فيها بعض الكلمات بلهفة ويد ترتجف، ثم تتنهد في ارتياح كمن فرغ من آخر بيتين في ملحمة الإلياذة.
غرابة أطوار؟ ربما… لكنها ليست أغرب من أن تقابل أختك فلا تعرفها، أو تكتشف زميلتك انك لا تسمع حرفًا مما تقول.
وكمــــا هي العــــــادة، شرود الذهن سوف يجعلني أفرغ من كتابة هذا المقال ثم أرسله لزوج خالتي كما أفعـل في كل مرة، بدلاً من إرساله لهذه الجريدة الغراء، وسأزعم أنني كنت أفكر في المقال التالي!

جلـ ... منار
نتنياهو وأوشفتز… ورقة الشفقة ومذكرة الاعتقال
نشرت
قبل 3 أشهرفي
23 ديسمبر 2024من قبل
التحرير La Rédaction
صبحي حديدي:
ذكرت تقارير صحفية إسرائيلية، تضافرت مع أخرى بولندية، أنّ رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يعتزم السفر إلى بولندا للمشاركة في إحياء الذكرى الـ80 لتحرير معسكر أوشفتز النازي، جنوب بولندا، والذي اقتحمه الجيش الأحمر السوفياتي في 27 كانون الثاني (جانفي) 1945.

قرار نتنياهو نجم عن خشية جدية حيال احتمال مبادرة قاضٍ بولندي ما إلى طلب توقيفه، تنفيذاً لمذكرة الاعتقال التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزّة؛ خاصة أنّ نائب وزير الخارجية البولندي صرّح بأنّ بلاده موقّعة على النظام الأساسي للمحكمة، وتلتزم به. رئيس دولة الاحتلال سوف يغيب أيضاً عن الذكرى، وسيكون وزير التربية هو ممثل الكيان الوحيد، في محفل دولي يُنتظر أن يتقاطر إليه عشرات من زعماء الغرب والعالم.
هذه الواقعة ليست سوى نزر يسير من أثمان مستحقة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، المتواصلة ضدّ قطاع غزّة منذ 443 يوماً متعاقبة؛ أفلتت دولة الاحتلال من العقاب في تسعة أعشارها، بسبب تواطؤ الدول ذاتها التي ترفع راية شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولا ترى في جرائم الحرب الإسرائيلية سوى حالة “دفاع عن النفس”. لكنه ثمن ليس بالرخيص على الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية في طول العالم وعرضه، بالنظر إلى المكانة الرفيعة التي حظيت، وتحظى، بها ملفات الهولوكوست واحتكار موقع الضحية عموماً؛ وهذا المعسكر تحديداً، دون سواه أو بصفة امتيازية، في استدرار عطف الشعوب والرأي العام، والضغط على الحكومات والهيئات والمؤسسات استطراداً.
كانت أوشفيتز وصمة عار، وجريمة نكراء بحقّ الإنسانية جمعاء، وصفحة دامية سجلت محطات انحطاط سوداء في قلب الفكر السياسي الأوروبي وفصوله التنويرية الزائفة والعنصرية؛ لكنّ إعفاء الصهاينة من التوطئة لها، والتواطؤ فيها وعليها مع النازيين، لا يضيف الإهانة إلى جراح الضحايا اليهود أنفسهم فقط؛ بل يواصل إنتاج وإعادة إنتاج السيرورة الشنيعة لانقلاب الضحية الإسرائيلية إلى جلاد ضدّ الضحية الفلسطينية.
في سنة 1993 أحيت الإنسانية الذكرى الخمسين لانتفاضة غيتو وارسو، بحضور إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، الذي حرص قبيل سفره على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى “غيتو فلسطيني” قسري. وأمّا مارك إيدلمان، اليهودي الوحيد الذي نجا من ذلك الغيتو، فقد أعلن أنه سئم المقابلات الصحفية والتصريحات الجوفاء: “ما جدوى غربلة الماضي إذا كنّا قد فشلنا في تعلّم دروسه؟ الغرب ما يزال يضع الخطط الستراتيجية في المرتبة الأولى، ويفضّلها على الأرواح البشرية. ما يجري في يوغوسلافيا اليوم هو انتصار لهتلر وهو في قبره، والغرب يكرّر أخطاء الماضي مثل تكراره بلاغته الكاذبة ونفاقه الفاضح!”.
فكيف لو أنّ إيدلمان عاش إلى أيامنا هذه، وأبصر جرائم الحرب الإسرائيلية والتجويع والتطهير العرقي وقصف المشافي والملاجئ والمساجد والكنائس، بأيدي أحفاد ضحايا غيتو وارسو ومعسكرات أوشفتز وتريبلنكا وبوخينفالد وداخاو…؟ أو إذا شاء فتح فضائح اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (القيادي الصهوني البارز وأحد أقطاب الـ “ماباي”، حزب بن غوريون)؛ الذي تعاون مع النازيين خلال سنتَي 1944 و1945، لشحن نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، مقابل تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين؟
وقد يجد نتنياهو بعض العزاء في السفر إلى بلد مثل الولايات المتحدة لا يعترف بالمحكمة الجنائية إلا إذا طالت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو إلى بلد مثل هنغاريا يعترف بالمحكمة ولكنه يلقي بمذكراتها إلى سلّة المهملات، أو حتى إلى فرنسا بلد حقوق الإنسان التي صادقت على المحكمة ولكنها أفتت بأنّ نتنياهو يمتلك حصانة ضدّ قراراتها…
يبقى الأصل، مع ذلك، أنّ مذكرة الاعتقال أسقطت الكثير من امتيازات ورقة أوشفتز واحتكار موقع الضحية.
ـ عن “القدس العربي” ـ


مهرجان المدينة بالقيروان: تصوّف وغناء… واحتفاء بالمسرح وأهل المسرح

قيس سعيد يقيل رئيس الحكومة… ويعين سارة الزعفراني خلفا له

مرّ من التهديد إلى التنفيذ… ترامب يلغي وزارة التربية!

السودان: الجيش يتقدم نحو القصر الرئاسي… الذي تتحصن به “قوات الدعم السريع”!

13 مصابا جرّاء صاروخ يمني على الكيان ومطار بن غوريون
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 13 دقيقة
مهرجان المدينة بالقيروان: تصوّف وغناء… واحتفاء بالمسرح وأهل المسرح
- تونسيّاقبل 15 ساعة
قيس سعيد يقيل رئيس الحكومة… ويعين سارة الزعفراني خلفا له
- صن نارقبل 15 ساعة
مرّ من التهديد إلى التنفيذ… ترامب يلغي وزارة التربية!
- صن نارقبل يوم واحد
السودان: الجيش يتقدم نحو القصر الرئاسي… الذي تتحصن به “قوات الدعم السريع”!
- صن نارقبل يومين
13 مصابا جرّاء صاروخ يمني على الكيان ومطار بن غوريون
- صن نارقبل يومين
تركيا: احتجاجات شعبية عارمة… بعد حملة اعتقالات طالت معارضين لأردوغان
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم… الورقة 111
- صن نارقبل 3 أيام
مكالمة بين بوتين وترامب… قد تحسم مآل حرب أوكرانيا