ومْض نار

المقاطعة مبالغ فيها… بقلم: نجاة ملايكي

نشرت

في

تواجه عبير موسي حملة كبيرة تستهدف أساسا نوعية نشاطها وطريقته داخل البرلمان والتي ارتكزت بالخصوص على وسيلة  مستحدثة في تبليغ المعلومة ونقل الواقع، خرجت عن جلباب الإعلام الكلاسيكي  (التلفزة والراديو والصحافة المكتوبة) لتعتمد البث المباشر عبر الهاتف الجوّال والبث عبر الواب الذي بات يستقطب ملايين المتابعين لما وجدوه فيه من آنيّة وسهولة في الاستخدام. لكن أين أخطأت عبير وأين أخطأ منتقدوها؟

<strong>نجاة ملايكي<strong>

لأول مرة في تاريخ البرلمان التونسي، أمكن للشعب الاطلاع على أنشطة نوابه خارج الجلسات العامة، ومتابعة كواليسه ومواكبة بعض أنشطة لجانه ومكتبه مباشرة، مثلما أمكن متابعة ما يدور في بعض أروقة وكواليس هذا الفضاء التشريعي  من مستجدات على عكس ما كان معمولا به في السابق، إذ أتذكر أن الحضور في إحدى لجان البرلمان كان يتم بترخيص مسبق  وبنوع من المحاباة لهذه الوسيلة الإعلامية أو لتلك، حتى أن أحد المسؤولين البرلمانيين السابقين صرّح ذات مرة  في رياء أنه قد مكنني من حضور أشغال لجنة الإعلام وكأنه قد أدخلني التاريخ. و أتذكر كيف تهامس الحاضرون فيما بينهم صلب هذه اللجنة عندما ذكرت إحدى الوزيرات السابقات بأن سياسة بن علي مصيبة وهي تقصد صائبة – رغم سلامة الكلمة في القاموس العربي- لكن الهمس كان أيضا بسبب وجود صحفي في اللجنة المغلقة سمع ما قيل بصفة غير مقصودة عن سياسة بن علي.

لقد نجحت عبير موسي في نقل هذه الكواليس التي كانت مغلقة وكشفت عديد الحقائق، وأحبطت التصويت لمشاريع قوانين كانت ستكون سيفا مسلطا على رقاب المجتمع التونسي واحتجت بصرامة ضدّ سياسة المكيالين الممارسة من رئاسة المجلس لفائدة ائتلاف العنف، وأبرزت عديد التجاوزات، ونقلت بأمانة  ضمنها البث المباشر، الذي يحظى بمتابعة ملايين التونسيين، كيف جعل رئيس البرلمان المجلس امتدادا لحزبه، وأنارت الرأي العام حول عديد الخروق والتجاوزات الحاصلة داخل البرلمان وكانت عينا مراقبة وصوتا عاليا ومنبّها ومعارضا لكل ما من شأنه أن يضرّ بمصير المواطن التونسي ومستقبله، وكانت كل تدخّلاتها مدعّمة بالوثائق والمؤشرات والأدلة ولم تتكلم من عبث بل عن دراية وإلمام كبيرين.

وفي ذات السياق كشفت عبير النقاب عن وجود قائمة لمساعدين برلمانيين يتقاضون أجورا من منظمة أمريكية (المعهد الديمقراطي الوطني) وطالبت بحق النفاذ للمعلومة لمعرفة أسماء المنتفعين بتمويلات هذه المنظمة، خصوصا بصفتها مكلفة بشؤون النواب لكن تم مدها بقائمة لا تحتوي إلا على الأحزاب المنتفعة مع الإبقاء على أسماء المستفيدين سرية.

وبمشاهدة الفيديوهات التي بثها الحزب الدستوري الحر مباشرة بدت عبير وهي تلاحق رئيس الديوان الذي تملّص من ذكر الأسماء، وأثناء ملاحقتها له في أروقة المجلس بلغت دهليزا يؤدي إلى المشرب واعترضت صحفيا ثم عاملة نظافة وتساءلت عن سبب وجود الصحفي هناك وقد تكون تسرعت  في استنكار وجوده هناك باعتبار أن عامل المشرب أكد فيما بعد أن الصحفي اضطر للمرور من ذلك المنفذ بعد أن أغلقت أبواب المشرب أثناء وجوده في دورة المياه. وحقيقة لم نشاهد في الفيديو ما ينتهك شرف الأشخاص أو أعراضهم.

البيان شديد اللهجة الذي أصدرته نقابة الصحفيين التونسيين داعية من خلاله إلى مقاطعة إعلامية للحزب الدستوري الحر، يعدّ مبالغ فيه لأنه ارتكز على تهم أثبتت الفيديوهات المباشرة الموجودة على صفحة الدستوري الحر عدم وجودها وأبرزت أن التهم الموجهة لعبير موسي، من قبيل قيامها بممارسات فاشية وهتك الأعراض وتدجين الصحفيين والتي تضع الدستوري الحر في نفس خانة ممارسي العنف والإرهاب ، ليست في محلّها  ولا تخدم سوى النهضة وأتباعها في الوقت الذي تمثل فيه عبير موسي من أهم الأصوات المعارضة والمقنعة في مواجهة التهديد الذي تعيشه البلاد والذي عاينا نماذج كثيرة وخطيرة ومتعددة منه لعل أحدثها غزوة المطار وإهانة الأمنيين في محاولة لتمكين مشتبه فيها بالإرهاب من تجاوز الحدود بالقوة لولا تصدّي الأمنيين.

كان من المفروض التريث قبل إصدار مثل هذا البيان في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به القوى المدنية في مواجهة الرجعية والتطرّف، رغم أن الصحفيين يتعرّضون أثناء أدائهم لمهامهم، للهر سلة والإساءة والعنف و مصادرة المعلومة، ومحاولات الإسكات لكن من الخطأ  وضع الجميع في سلّة واحدة إذ يجب أن يكون التعقّل سيّد الموقف خاصة في هذا الظرف بالذات، كما كان من الممكن الاكتفاء بالتنديد إن لزم الأمر.

لكن يجب التذكير بأنه كان على الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر أن تكون مثل الجندي الذي يدافع بشراسة لكن يقبل بالتراجع تكتيكيا عن خط الهجوم ليصيب هدفه لا أن يفتح على نفسه كل الجبهات ليستغلها خصمه، مثلما كان عليها أن لا تستهين بدعم أي طرف لها وأن لا تبالغ في تصوير الحاضرين واستفزازهم وأن تكون قوة جمع خاصة مع من يشتركون معها في السعي للإطاحة برئيس المجلس وهذا يمكن أن يتم لو تخلت عن فكرة أن كل من ليس معها فهو ضدها.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version