جلـ ... منار
رسائل الاغتيالات المنهجية.. وما بعدها
نشرت
قبل 5 أشهرفي
من قبل
التحرير La Rédactionعبد الله السنّاوي:
لم تكن عودة الاغتيالات المنهجية محض تصفية حسابات قديمة ومستجدة.
إنها لعب بالنار عند حافة هاوية بإقليم تكاد تشتعل النيران في جنباته كلها.
إثر اغتيال “إسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بعد يوم واحد من اغتيال “فؤاد شكر” أبرز القادة العسكريين في حزب الله، تبدت مخاوف واسعة من انفلات وشيك إلى حرب إقليمية مدمرة.
برمزية موقعه حمل اغتيال “هنية” في العاصمة الإيرانية تحديا يصعب تجاوزه دون رد مماثل، وإلا تقوضت هيبة طهران الإقليمية.
بالتوقيت فإن الاستهداف جرى في اليوم الأول للرئيس الإصلاحي “مسعود بزشكيان”، كأنه محاولة لقطع الطريق على رهانه الانتخابي في تحسين العلاقات مع الغرب.
وبالموقع فإنه جرى بأحد المباني التابعة للحرس الثوري، كأنه رسالة أخرى تطعن فى الإجراءات الأمنية وتشكك في اختراقها.
بقدر آخر مثّل اغتيال “شكر” في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، قلعة “حزب الله”، انتهاكا لكل الخطوط الحمر اء في قواعد الاشتباك وتحديا لقدرته على الردع.
فى الحدثين المتعاقبين نذير بعودة الاغتيالات المنهجية، التى أخذت مداها عند مطلع القرن بالنيل من مؤسس “حماس” الشيخ أحمد ياسين وبعده عبدالعزيز الرنتيسي أقوى رجالها، وعدد كبير آخر من القيادات السياسية والعسكرية في العمل الوطني الفلسطيني، كان أخطرها الوصول بالسمّ إلى زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
العودة إلى الاغتيالات المنهجية يفسح المجال واسعا لعودة مضادة ونشوء منظمات فلسطينية تتبنى خيار التصفيات الجسدية، على النحو الذى كان شائعا في سبعينات القرن الماضي.
عكس “هنية” لم يكن “شكر” وجها مألوفا في الحياة العامة، رغم مكانته العالية في صلب القرار العسكري والسياسي للحزب.
استخدمت ذريعة الانتقام لمقتل اثني عشر طفلا درزيا في “مجدل شمس” بالجولان المحتل، لشن غارة على الضاحية الجنوبية نالت من أبرز قياداته العسكرية، الذي تتهمه واشنطن بمسؤولية الهجوم على مقر مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام (1983).
يستلفت النظر أن إسرائيل رفضت أي تحقيق دولي في حقيقة واقعة “مجدل شمس” ومضت بعيدا بالاستثمار السياسي لإثارة الفتن بين العرب الدروز والعرب الآخرين، وبين الدروز أنفسهم.
أجهضت الفتنة من دروز الجولان وأهالي الأطفال الضحايا، طردوا وزير المالية المتطرف “بتسلئيل سموترتش” من المشاركة في الجنازة ورفضوا أن يجمعهم مشهد واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كان دور الزعيم الاشتراكي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط حاسما في وأد الفتنة المستهدفة.
أعطى تعليمات مشددة بحسن استقبال أي نازحين من الجنوب حيث يتمركز الشيعة، إلى الجبل حيث يتمركز الدروز إذا ما اضطروا إلى ذلك بضغط أية عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة محتملة.
تبدت في المشهد مفارقتان كبيرتان، أولهما، حديث اليمين المتطرف عن دروز الجولان كـ”مواطنين” إسرائيليين فيما أغلبهم لا يحملون جنسيتها ويعتبرون أنفسهم عربا ينتمون إلى سوريا لا إلى غيرها، فضلا عن أن الجولان نفسه أرض سورية محتلة وفق القانون الدولي!
وثانيهما، مع فداحة كارثة “مجدل شمس” إلا أنها لا تقاس بأعداد الشهداء والمصابين في قطاع غزة وجرائم الحرب والإبادة التي يتعرض لها أهله بيد القوات الإسرائيلية.
إثر الاغتيالين المتعاقبين خيمت سيناريوهات عديدة للرد، بعضها يتحدث عن عملية منسقة لها دوي وأثر تعيد من جديد معادلات الردع بين إسرائيل وإيران إلى الأوضاع التي بدت عليها إبريل الماضى.
لكل ضربة رد فعل عليها، ولكل عمل داخل الحدود فعل مضاد داخل الحدود الأخرى.
هذا ما سوف يحدث، بصورة أو أخرى، لكن دون أن يكون واضحا حتى الآن طبيعة الرد وحدوده، جامحا بقدر خطورة الاغتيالين أم رمزيا حسبما تضغط دوائر أمريكية وأوروبية عديدة.
بأثر اغتيال “هنية” يصعب الحديث بأي مدى منظور عن استئناف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة والدوحة بين “حماس” وإسرائيل.
لم يكن معقولا اغتيال المسؤول السياسي الفلسطيني الأول أثناء المفاوضات إلا أن يكون مقصودا نسف أية رهانات على وضع حد للحرب في غزة بصفقة تبادل للأسرى والرهائن.
بالضبط هذا ما يريده نتنياهو لأسباب تتعلق بمستقبله السياسي وطلبه إدامة الحرب وتوسيعها حتى يحقق ما يسميه بـ”النصر المطلق”.
بأثر اغتيال “شكر” تتباعد أية احتمالات لتهدئة الجبهة الشمالية الإسرائيلية وعودة آلاف الأسر إلى المستوطنات التي اضطروا لمغادرتها.
بالاغتيالين حاز نتنياهو مكسبا يثبت مكانته السياسية داخل الرأي العام الإسرائيلي بعدما اهتزت بشدة إثر أحداث السابع من أكتوبر (2023)، لكنه هش بأي حساب استراتيجي وتداعياته لا يمكن التحكم فيها.
ربما أفضى الاغتيالان إلى رد اعتبار الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، التي تضررت تماما، لكنه جاء منقوصا ومشكوكا فيه بالنظر إلى الدور الأمريكي الذى وفر المعلومات التفصيلية والتقنيات الحديثة التي استخدمت رغم نفي واشنطن المتواتر لأية صلة، أو علم مسبق باغتيال “هنية”.
كان ذلك النفي تعبيرا عن خشية أن تفلت ردات الفعل إلى حرب إقليمية لا تريدها وتضر بمصالحها لا إقرارا بالحقيقة.
حاولت الإدارة الأمريكية التحكم المسبق في مسار المواجهات المحتملة بعد تحقيق أهداف الاغتيالين.. مرة بالتأكيد أن هناك فرصا لوقف الحرب على غزة وإتمام صفقة التبادل.. ومرة أخرى بالتحذير من عواقب وتداعيات الحرب الإقليمية المحتملة.
في السياق جاء اغتيال “شكر” و”هنية” إثر اقتحامات لمتظاهرين من اليمين المتطرف، بدعم من وزراء فى حكومة نتنياهو، لقواعد عسكرية في ما يشبه الانقلاب على مركزية الجيش في بنية الدولة حسب تصريح لافت لزعيم المعارضة “يائير لابيد”.
استهدفت الاقتحامات منع محاكمة جنود ارتكبوا جرائم مروعة بحق أسير فلسطيني وصلت إلى هتك العرض والاغتصاب.
كان القصد الإيحاء بأن هناك دولة قانون تحقق في وقائع أسهبت في كشف فظاعتها المنظمات الحقوقية الدولية، لا إجراء محاكمة حقيقية، غير أن اليمين الإسرائيلي المتطرف حاول أن يؤكد سطوته ونفوذه وأنه لا ملاحقة لمن يقتل أو يعذب الفلسطينيين.
ما بدا خطيرا في تلك الاقتحامات سقوط هيبة الجيش الإسرائيلي نفسه.
ربما كان ذلك سببا إضافيا من حيث التوقيت للاغتيالين المتزامنين لاستعادة الهيبة المفتقدة.
الحسابات ملغمة وسيناريوهات الحرب الإقليمية الواسعة محتملة أكثر من أي وقت مضى.
معضلة السياسة الأمريكية إنها توفر لإسرائيل الغطاء السياسي والاستراتيجي اللازم لانتهاك كل القواعد القانونية الدولية دون رادع وتحذر الطرف الآخر من الانزلاق لحرب إقليمية دون اعتبار لمصالحه وهيبته.
إنها وصفة انفجار إقليمي نذره ماثلة.
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
تصفح أيضا
جلـ ... منار
نتنياهو وأوشفتز… ورقة الشفقة ومذكرة الاعتقال
نشرت
قبل 4 أسابيعفي
23 ديسمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
ذكرت تقارير صحفية إسرائيلية، تضافرت مع أخرى بولندية، أنّ رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يعتزم السفر إلى بولندا للمشاركة في إحياء الذكرى الـ80 لتحرير معسكر أوشفتز النازي، جنوب بولندا، والذي اقتحمه الجيش الأحمر السوفياتي في 27 كانون الثاني (جانفي) 1945.
قرار نتنياهو نجم عن خشية جدية حيال احتمال مبادرة قاضٍ بولندي ما إلى طلب توقيفه، تنفيذاً لمذكرة الاعتقال التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزّة؛ خاصة أنّ نائب وزير الخارجية البولندي صرّح بأنّ بلاده موقّعة على النظام الأساسي للمحكمة، وتلتزم به. رئيس دولة الاحتلال سوف يغيب أيضاً عن الذكرى، وسيكون وزير التربية هو ممثل الكيان الوحيد، في محفل دولي يُنتظر أن يتقاطر إليه عشرات من زعماء الغرب والعالم.
هذه الواقعة ليست سوى نزر يسير من أثمان مستحقة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، المتواصلة ضدّ قطاع غزّة منذ 443 يوماً متعاقبة؛ أفلتت دولة الاحتلال من العقاب في تسعة أعشارها، بسبب تواطؤ الدول ذاتها التي ترفع راية شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولا ترى في جرائم الحرب الإسرائيلية سوى حالة “دفاع عن النفس”. لكنه ثمن ليس بالرخيص على الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية في طول العالم وعرضه، بالنظر إلى المكانة الرفيعة التي حظيت، وتحظى، بها ملفات الهولوكوست واحتكار موقع الضحية عموماً؛ وهذا المعسكر تحديداً، دون سواه أو بصفة امتيازية، في استدرار عطف الشعوب والرأي العام، والضغط على الحكومات والهيئات والمؤسسات استطراداً.
كانت أوشفيتز وصمة عار، وجريمة نكراء بحقّ الإنسانية جمعاء، وصفحة دامية سجلت محطات انحطاط سوداء في قلب الفكر السياسي الأوروبي وفصوله التنويرية الزائفة والعنصرية؛ لكنّ إعفاء الصهاينة من التوطئة لها، والتواطؤ فيها وعليها مع النازيين، لا يضيف الإهانة إلى جراح الضحايا اليهود أنفسهم فقط؛ بل يواصل إنتاج وإعادة إنتاج السيرورة الشنيعة لانقلاب الضحية الإسرائيلية إلى جلاد ضدّ الضحية الفلسطينية.
في سنة 1993 أحيت الإنسانية الذكرى الخمسين لانتفاضة غيتو وارسو، بحضور إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، الذي حرص قبيل سفره على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى “غيتو فلسطيني” قسري. وأمّا مارك إيدلمان، اليهودي الوحيد الذي نجا من ذلك الغيتو، فقد أعلن أنه سئم المقابلات الصحفية والتصريحات الجوفاء: “ما جدوى غربلة الماضي إذا كنّا قد فشلنا في تعلّم دروسه؟ الغرب ما يزال يضع الخطط الستراتيجية في المرتبة الأولى، ويفضّلها على الأرواح البشرية. ما يجري في يوغوسلافيا اليوم هو انتصار لهتلر وهو في قبره، والغرب يكرّر أخطاء الماضي مثل تكراره بلاغته الكاذبة ونفاقه الفاضح!”.
فكيف لو أنّ إيدلمان عاش إلى أيامنا هذه، وأبصر جرائم الحرب الإسرائيلية والتجويع والتطهير العرقي وقصف المشافي والملاجئ والمساجد والكنائس، بأيدي أحفاد ضحايا غيتو وارسو ومعسكرات أوشفتز وتريبلنكا وبوخينفالد وداخاو…؟ أو إذا شاء فتح فضائح اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (القيادي الصهوني البارز وأحد أقطاب الـ “ماباي”، حزب بن غوريون)؛ الذي تعاون مع النازيين خلال سنتَي 1944 و1945، لشحن نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، مقابل تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين؟
وقد يجد نتنياهو بعض العزاء في السفر إلى بلد مثل الولايات المتحدة لا يعترف بالمحكمة الجنائية إلا إذا طالت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو إلى بلد مثل هنغاريا يعترف بالمحكمة ولكنه يلقي بمذكراتها إلى سلّة المهملات، أو حتى إلى فرنسا بلد حقوق الإنسان التي صادقت على المحكمة ولكنها أفتت بأنّ نتنياهو يمتلك حصانة ضدّ قراراتها…
يبقى الأصل، مع ذلك، أنّ مذكرة الاعتقال أسقطت الكثير من امتيازات ورقة أوشفتز واحتكار موقع الضحية.
ـ عن “القدس العربي” ـ
جلـ ... منار
دمشق وما بعدها… “سايكس ـ بيكو” الجديدة؟
نشرت
قبل شهر واحدفي
18 ديسمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionإثر سقوط دمشق في قبضة “هيئة تحرير الشام”، التى تدمغ دوليا بالإرهاب، تبدت مخاوف وتساؤلات عما إذا كانت المنطقة العربية كلها، لا سوريا وحدها، على وشك إعادة رسم خرائطها من جديد.
أشباح التفكيك تخيم على الشرق العربي كله، العراق ولبنان والأردن في عين الإعصار، والقضية الفلسطينية على المحك، أن تكون أو لا تكون، ومصر غير مستبعدة إذا ما جرى تهجير قسري من غزة إلى سيناء.
عادت مجددا إلى واجهة الأحداث اتفاقية “سايكس- بيكو” (1916)، التي استهدفت عند ذروة الحرب العالمية الأولى تقاسم النفوذ في المشرق العربي بين الإمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية عندما بدا أن الإمبراطورية العثمانية توشك أن تنزوي للأبد.
فى عام (1920) سلخ ما سمى بـ”لبنان الكبير” من الأراضى السورية بذريعة حماية الأقلية المارونية، ثم نزع “لواء الإسكندرون” في مقايضة فرنسية تركية قبيل الحرب العالمية الثانية مباشرة.
بإرث التاريخ: استهداف سوريا وجودا ودورا لا يتوقف.
بحقائق اللحظة: سلخ حلب غير مستبعد إذا ما توافرت الظروف المشجعة.
دخلت إسرائيل على خط توزيع المغانم.
بتصريح واضح وصريح أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه بصدد بناء “شرق أوسط جديد”، خرق اتفاقية (1974) لفض الاشتباك مع سوريا، التى وقعت إثر حرب أكتوبر (1973). استولى على المنطقة العازلة، وجبل الشيخ بالغ الأهمية الاستراتيجية. جرد سوريا من قوتها العسكرية، طائراتها وأسطولها البحري ومخازن سلاحها ومراكز أبحاثها بمئات الغارات دون أدنى إدانة من حكامها الجدد. توغلت قواته إلى (25) كليومترا جنوبي دمشق ليعلن أنه طرف مباشر في لعبة تقاسم النفوذ، التي بدأت باتصالات ومشاورات وضغوطات دولية وإقليمية تتصاعد وتيرتها.
لم تكن هذه المرة الأولى، التي تطرح فيها مخاوف التقسيم على نطاق واسع ومنذر بتداعياته وعواقبه على مستقبل الوطن العربي ومصيره.
عند سقوط بغداد عام (2003) طرحت نفس المخاوف، لكنها الآن أخطر وأفدح. يقال عادة: “ويل للمهزوم”. وقد تجرع العراق مرارة الهزيمة واستغرقته احتراباته الطائفية وسيناريوهات تقسيمه وتوحش جماعات العنف والإرهاب في جنباته، لكن الهزيمة شملت بالوقت نفسه الوطن العربي كله.
كان احتلال بغداد نقطة تحول مفصلية استدعت مشروعات الشرق الأوسط الجديد وسيناريوهات التقسيم لصالح إعادة تمركز إسرائيل في قلب تفاعلاته.
الآن: خرج الدور الإسرائيلي من ظلال الكواليس إلى مقدمة المشهد. لم يكن غامضا الهدف الحقيقي من احتلال العراق. كان تحطيمه على رأس الأولويات بالنيل من وزنه الجغرافي الاستراتيجي في مشرق الوطن العربي والاستيلاء على موارده النفطية، حتى لا تكون هناك في المنطقة قوة عسكرية واقتصادية قادرة على منازعة إسرائيل.
تتجاوز الأدوار التركية والإسرائيلية تصفية الحسابات مع النظام السوري، ومنع تهريب السلاح عبر الحدود للمقاومة اللبنانية، إلى إعادة رسم معادلات النفوذ.
لم يكن ممكنا الادعاء بأن صدام حسين هو الديكتاتور الوحيد، ولا نهايته شابهت السيناريو السوري، حيث كان السقوط مدويا بلا طلقة رصاص واحدة! عند سقوط بغداد طرح سؤال: مَن التالي؟ انطوى ذلك السؤال على اعتقاد بأن النظم العربية جميعها استهلكت أدوارها ووجوهها، وأصبح وجودها عبئا استراتيجيا مخيفا على حقوق المواطنين العرب في العدل والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فأمن الحاكم فوق أمن المواطن، وبقاء العروش فوق حقوق المواطنين.
السؤال نفسه يطرح مجددا فى ظروف مختلفة: أين الضربة المقبلة؟ عند احتلال العراق طرحت سيناريوهات “الشرق الأوسط الجديد”، التى بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس”، المجال العام في الدول العربية، خشية إعادة رسم خرائطها بإثارة النزعات الطائفية أو العرقية، أو الغزو المباشر إذا اقتضى الأمر.
بثمن باهظ دفعه العراق، لم يأخذ سيناريو التقسيم مداه، فشل إعلان دولة كردية بالانفصال، ولم تنشأ دولتان على جثته، إحداهما سنية والأخرى شيعية، لكنه ما زال يعاني حتى الآن من مغبة ما حدث.
في الحالة السورية الحسابات تختلف. لم تسقط دمشق بغزو أجنبي، لكن الدور الخارجي واضح ومؤكد. بدا ملفتا ما صرح به زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولانى أنها لم تحصل على تمويل، أو سلاح من أية دولة، وأن القوات التي وصلت إلى دمشق “سورية خالصة”.
كان ذلك تدليسا على الحقيقة ومحاولة يائسة لإخفاء القوى، التي أعدت المشهد وهندسته لأهداف سياسية تدخل في صميم مصالحها، تركيا وإسرائيل تحديدا.
لم يكن بشار الأسد هو موضوع الصراع، كما كتبت طويلا وكثيرا. إنها سوريا دورا ووجودا قبل أي اعتبار آخر. استحق “الأسد” السقوط حين رهن بقاءه على قوة الآخرين لا على قدرات شعبه وإرادة الحياة والمقاومة فيه.
في الأزمة السورية وصلت المفارقات الأمريكية إلى ذرى غير معتادة في السياسات الدولية.
دعا الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” إلى محاسبة أركان نظام “الأسد” على ما ارتكبوه من جرائم بشعة بحق معارضيهم.
هذا كلام له منطق متماسك يسوغه، لكنه يفتقد أدنى احترام لأية قيمة إنسانية وقانونية إذا ما وضع في سياق واحد مع رفضه القاطع لمذكرتي إيقاف “نتنياهو” ووزير دفاعه السابق “يوآف جالانت” بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة والتلويح بعقاب المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرتهما. كانت تلك مفارقة كبرى فى النظر إلى العدالة الدولية.
المفارقة الثانية، الاستعداد المبكر لرفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب الأمريكية دون أدنى استبيان لحقيقة مواقفها ومدى التزامها بقواعد الدول الحديثة.
إنها المصالح الاستراتيجية، التي تأخذ ما تريده إسرائيل في كل حساب، ولا تأبه بما يحقق أية مصلحة عربية.
إذا لم يستفق العرب في الوقت بدل الضائع فإن أشباح “سايكس- بيكو” الجديدة سوف تأخذ مداها تقسيما فوق الخرائط.
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
وفاء سلطان:
يقول الاستراتيجي والباحث في مجال العلاقات العامة، البروفيسور الأمريكي David Horsager
Everything takes longer and costs more
when trust is low
(كل شيء يأخذ وقتا أطول ويكلّف أكثر، عندما تضعف الثقة)
عندما تضعف الثقة؟!!
فما بالك عندما تنعدم، على صعيد العلاقات العامة والشخصية، ومنذ زمن ضارب في عمق التاريخ،
ولم يعد أحد يستطيع أن يحدّده؟!
المراقب لمجتمعاتنا من خارجها، وطبعا هو الأصدق لأن السمكة لا ترى الماء الذي تسبح فيه، يراه مستنقعا من الجثث المتناحرة، وأشرس أنواع التناحر تلك التي تقع بين الموتى،
فالأحياء لا يتناحرون، لأنهم يدركون قيمة الحياة، ولديهم ما يخشون أن يخسروه!
نعم نزعتك العدائية والهجومية تكون على أشدها عندما لا تملك شيئا تخاف عليه،
وليس إلا الموتى من يفقدون كل شيء
أيضا، وللوهلة الأولى، يرى ذلك المراقب أسبابا دينية وطائفية وعرقية وإثنية وسياسية (وسمها ما شئت) وراء ذلك التناحر، لكنه عندما يدقق أكثر بغية أن يغرز رأس الدبوس في قلب المشكلة، يراه تناحرا بين الإنسان ونفسه،
لأن كل الأسباب السابقة مجتمعة سلبته الثقة بينه وبين تلك النفس!
إنسان سوريا تحديدا، بغض النظر عن أصله وفصله، أصبح مخلوقا شبه بشري، ومجردا من أي أثر للثقة بغيره، ناهيك عن ثقته بنفسه
لا يمكن أن يستعيد ثقته بغيره أو بنفسه إلا إذا فتح قلبه للكون ولكل من فيه
ومن المستحيل أن يقدر على فتح قلبه ما لم يقفل على إلهه داخله
دع إلهك يغيّرك،
وليس من شأنك أن تحشره في حلقوم الآخرين..
الأوطان تحتاج إلى ثقة أبنائها، ولا يمكن أن تتوفر الثقة
عندما تتصارع الآلهة
بعد انتهائه من غزة… الاحتلال يضرب الحصار على مدن الضفة
في أوّل قرار يمضيه: ترامب يعود إلى أزمته مع كوفيد… ويسحب بلاده من منظمة الصحة العالمية!
ترامب في خطاب التنصيب: عصر ذهبي لأمريكا… وللبقية الويل والثبور!
إيطاليا… القبض على مسؤول أمني ليبي متهم بجرائم ضد المهاجرين
سير يا لزرڨ سير !
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 9 ساعات
بعد انتهائه من غزة… الاحتلال يضرب الحصار على مدن الضفة
- صن نارقبل 10 ساعات
في أوّل قرار يمضيه: ترامب يعود إلى أزمته مع كوفيد… ويسحب بلاده من منظمة الصحة العالمية!
- صن نارقبل 10 ساعات
ترامب في خطاب التنصيب: عصر ذهبي لأمريكا… وللبقية الويل والثبور!
- اجتماعياقبل 10 ساعات
إيطاليا… القبض على مسؤول أمني ليبي متهم بجرائم ضد المهاجرين
- جور نارقبل 21 ساعة
سير يا لزرڨ سير !
- بنات أفكارقبل يوم واحد
إصدارات: “قصائد الشاعر الرائد صالح سويسي”… لعبد الرحمن الكبلوطي
- صن نارقبل يوم واحد
الدفاع المدني الفلسطيني… بين مطرقة الاحتلال، وسندان العصابات الخارجة عن القانون
- صن نارقبل يوم واحد
غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد تحت الأنقاض… و قرابة الثلاثة آلاف تبخّرت جثامينهم