تابعنا على

بنات أفكار

صالح السيد: فتنة السرد و تشكيل الحكاية … في رواية “طعم النوم”

نشرت

في

د. صالح السيد:

تشتغل عتبة العنوان في رواية “طعم النوم” للروائي طارق إمام على مذاق حسي ينفتح على احتمالات متعارضة: بين الانقطاع الناعم عن العالم بغية الراحة و السكينة والطمانينة والسلام ،أو الانسلاخ القهري عنه رفضًا لقسوته وعنفه واضطهاده والرهبة من  سوء المصير .

وتتشكل المغامرة الجمالية للروائي من خلال ثنائية فنية: تعمد الأولى إلى التقابل/التعارض مع السرديات الكبرى مثل روايتي “الجميلات النائمات” لياسوناري كاواباتا و”ذاكرة عاهراتي الحزينات” لغارثيا ماركيز وكذلك حكايات شهزاد في  ألف ليلة وليلة ،أما الثانية فهى ترتبط بالبنية الداخلية من خلال التناسل الحكائي،تعدد الأصوات،تناسخ الشخصيات،ظهور المؤلف كشخصية”ثقافية” تبدي ملاحظات نقدية لمخالفة الروايتين السابقتين    

يتسع الزمن الروائي ليشمل عدة عقود تقع بين حدثين خطيرين :الهزيمة العسكرية عام 1967م وانتكاسة الثورة الشعبية المصرية وحلقاتها الأخيرة عام 2014م ، وهذان الحدثان يسبغان هذه الفترة بالقتامة واليأس وهو ما ينعكس على بناءالمكان و يبرز طبيعة الشخصيات حيث تعيش حالات من الغفلة والسُبات والاغتراب والرغبة في الهروب من العالم .

ينفتح الفضاء المكاني في الإسكندرية ليشمل أحياءً مثل: المعمورة،العجمي،الشاطبي،سموحة،البيطاش  بميادينها وشوارعها،وعمارتها،ومقابرها،لكن الأحداث الخطيرة إنما تقع في الأماكن المغلقة؛ المستشفى، المصنع،البيوت /المنازل ،الغرف/الحجرات .

 كما تتمتع الرواية بخارطة شخصيات نوعية تفرضها طبيعة المروي السردي، ويحتل كبار السن من الرجال “الصحفي جبريل،صاحب المصنع،زبائن بيوت المتعة” والعجائزُ من النساء “روزا الكبيرة ،روزا الصغيرة أم شهرزاد، الخادمة دميانة ” صدارة هذه الشخصيات التي تقف دائمًا على مبعدة  من ذواتها الحقيقية، إنها تركض خلف ماضيها، تعيش حالات الندم والأمل ،الحسرة والرجاء،وكأنها  قلب السر في تجسيد أزمة الموجود البشري .  

ويمثل المسنّون من الرجال فتنة المدينة أو يقعون في حبائلها ، ويتصارع على السيطرة عليهم أو النيل منهم ثلاث قوى تعمل الأولى على غوايتهم وتمنحم الفرصة الأخيرة لمزاولة فحولتهم الغاربة بينما تسعى الثانية إلى  قمعها والكيد لهم، أما الثالثة فهى تمارس عليهم فعل الإرهاب عبر اختطافهم والمتاجرة بهم .

على النقيض من وضع الشخصيات النسائية في روايتي “الجميلات النائمات”و”ذاكرة عاهراتي الحزينات ” يمنح الروائي طارق إمام بطلاته من النسوة (روزا الصغيرة “مدام شهرازاد”،الفتاة شهرزاد )  سلطات مركزية تتمثل في :الأولى : فعل السرد “الحكي ”  فيصبحان أشبه بممثل  يجسّد  حضوره  بوسائل لغوية ومواقف فكريّة ولكنه  في كلّ الحالات يؤدّي لعبة معقدّة؛ ظهور، اختفاء، تصريح ،تلميح .أما الثانية : فهي المشاركة في التأليف حيث يشاركان الصحفي جبريل في استكمال مخطوط روايته التي يكتبها .

وعلى صعيد آخر يخالف الروائي طقس الحكي”الحياة/النجاة” عند شهرازاد “ألف ليلة وليلة: ،إذ أن بطلته ” مدام شهرزاد”  تمارس الحكي، من خلال فعل القتل،حيث  تدفع ضحاياها إلى العالم الآخر.

صورة المدينة :

تقع المدينة ـ الإسكندرية ـ في أحداث الثورة المصرية فريسة لصراع السيطرة بين القوتين المركزيتين:التيارات الدينية المتطرفة والسلطة الحاكمة ، ويتساءل الراوي  في جزع عن مصير المدينة في ظل هذا الصراع :” أي القدمين ستنتصر في النهاية لتكمل المدينة حياتها بساق واحدة ؟!”

وتصطبغ المدينة بروح الصراع وتفقد  سكينتها ووداعتها وتتحول إلى رمز عدواني” شفرة/سلاح” تعمل ضد الأحياء من أبنائها لكي تمارس عليهم التشويه  كما تصف مدام شهراز جسد الصحفي جبريل :

” هذه المدينة مُدْية مُشهرة،يتسلل النور عبر نصلها كلصّ ويبدو لها في لحظة أنه يبدأ العمل في جسده، كأن ذلك النور هو ما يمنح تشوّهه معناه ويجعل من الرجل الممدود بأكمله محض جُرح “

وبرغم احتفاظ المدينة بوجودها المادي الراسخ،إلّا أنها تفقد حضورها المعنوي الباذخ الأصيل، إذ تتحول في عقول و وجدان أبنائها إلى  مجرد مَعْبَر أو جسر لمدن أخرى أو عوالم جديدة :

” الإسكندرية شارع طويل وضيق بين بحر ومقابر ينتهي كل منهما عند مدن أخرى، على الأرض أو في السماء، الفارق ليس كبيرًا. لذلك نشعر نحن أبناء المدينة أننا لا ننتمي إليها إلّا بقدر ما نشخص خلف حدودها”.

فضاءات الحكاية:

يتشكل ويتوزع السرد في الرواية على ثلاثة فضاءات :الأول وهو فضاء الحكاية المثالية كما ينبغي ان تُكتب ويمثله المؤلف الذي يتجسد كشخصية ثقافية تكتب مقالات في الصحف و تمارس رؤيتها الفنية على روايتي كاواباتا وماركيز .

الثاني: وهو المسار الحكائي داخل إطار واقعية الحكي حيث يشتعل في تربة الحكاية صراع جماعي تمارس النساء فعل الغواية/القتل على الرجال،كما يخلق التناقض في طبيعة الشخصيات على المستوى الثنائي والفردي فجوة من التوتر في نسيج الحكاية.

الثالث: وهو فانتازيا الرؤيا التي تمتح من الأسطورة والخرافة والحكايات الشعبية وهو يتقاطع ويتعارض  مع الفضاء الثاني ويعمل على تحطيم هيمنة العناصر وسياقتها ويتلاعب بالزمن والمكان والحدث والشخصية بحرية مفتوحة . 

فضاء الحكاية الواقعية:

تلعب الغواية السلطة المركزية في هذا الفضاء ، وهي سلطة متبادلة بين النساء والرجال ، ولكنها ذات طبيعة مختلفة بين الطرفين ، فبينما تمارس النساء غواية جسدية/ حسية، يمارس الرجال غواية معرفية /سردية

 1 – غواية المرأة:

“روزا الكبيرة” و”روزا الصغيرة”/ مدام شهرزاد ،كلتاهما تتاجر بالمسنين من الرجال، فأما الأولى فتمنحهم  الروّاء، فرصتهم الأخيرة للتعبير عن رجولتهم، من خلال المنزل الذي تقيمه لهم “منزل العجائز” بينما الثانية على النقيض تذيقهم مرارة العطش،لا يملكون سوى مشاهدة العذارى من الفتيات وهن نيام دون مساس، حيث تقيم لهم “منزل النائمات”، وكلتاهما تمارسان القتل في حال مخالفة أوامرهما . وهما تتحركان على مسرح الحكاية بإيقاع سردي نشط، في حين أن الرجال ومسرحهم “الغرفة” يتحركون بإيقاع سردي بطيء جدًا.  

 ثمثل روزا الكبيرة الجيل الأول في الرواية، تعاني من التمزق النفسي لغياب ابنها محاربًا في جبهة القتال، وهي تجسد مأساة الهزيمة في الستينيات، وتتخذ قرار الانتحار في لحظة إعلان الهزيمة وخطاب التنحي وقد حملت معها  صورة الزعيم والراديو وألقت بنفسها من سطح المنزل .

تحمل مدام شهرزاد راية الجيل الثاني – ربما تمثل جيل الانفتاح في السبعينيات-  وهي تمثل الإنسان الصورة الذي يحاول توحيد ذاته المشتتة في أكثر من أنا، وكأنها جماعة تتصارع معاً، تعيش حالة من الانتقام الدائم   تجمع بين النقيضين ممارسة مهنة الرعاية الطبية والإنسانية “كممرضة” و كذلك احتراف القتل، كما أنها  تحب ابنتها و في نفس الوقت تدفعها إلى عالم متعة الرجال .

 2 – غواية الرجل:

شهرزاد الفتاة التي لم تنم أبدًا في بيتها و على سريرها – ربما تمثل الجيل الضائع من شباب الثورة – تقتحم بيوت الغرباء لكي تجد حيزا تنام فيه “فور أن يُفتح الباب كنت أعب، متجاهلة ذهول صاحب الشقة، المتيبس على عتبته، أفتش الغرف حتى أعثر على سرير خال، وحتى لو لم يتوفر واحد، كنت أتكوم بهدوء إلى جوار نائم. في تلك اللحظة لا يعود بوسع أحد أن يوقظني” .  

تقع هذه الفتاة في حب الصحفي العجوز جبريل –  و هو يتردد على منزل النائمات الذي تسكنه – وقد بدأت كملهمة له في كتابة روايته التي يسخّر كل حياته ويحتشد من أجل إنجازها، لكنها في النهاية تقع في غرامه  و تلقى مصيرها المشئوم .    

فضاء الحكاية الفانتازيا:

 على النقيض من الفضاء الأول ، يتحرر هذا الفضاء من القيود المكانية أو الزمانية أو محدودية  وعقلانية الأفعال ويكتسب طابعًا عجائبيًا ، يمتح من الخرافة والأسطورة ، وينسحب ذلك على الأشياء والأماكن والشخصيات .

 1 – قالمقعد الخالي في ورشة المصنع يمثل الثقب الأسود حيث يختفي من يجلس عليه  : “كان هناك مقعدان خاليان متجاوران هممت أن أجلس على أحدهما لكن واحدة من الفتيات نبهتني مفزوعة: “لأ بلاش ده.. اقعدي على اللي جنبه”.. وأكملت وهي تهمس في أذني :”أصل اللي بتقعد ع الكرسي ده بتختفي “.

2 – ويسترد الكتاب سلطته المهدرة فتنتفي مشاعيته ويتكرس وجوده فيصبح هو من يتخير وينتقي الشخص الذي يمنحه شرف المعرفة : “إنه الكتاب الذي يختار قارئه،كان الرملي محبطًا لأن كل من اشتروه أعادوه، حيث رفض الكتابُ أن يقرأوه، كانت صفحاته ملتصقة و يلزم لفتحه سكين أو مسطرة ككتب هيئة الكتاب زمان، وإذا رَفض الكتاب القارئ سيعجز الأخير عن فض صفحاته الملتصقة، حصلت مدام شهزاد على نسخة وعادت للبيت، انفتحت صفحات الكتاب معها بيسر شديد  “.  

3 – يتحول صاحب المصنع إلى أسطورة الرجل الخارق الذي لا يموت: “تقدم منّا أخرج منديله الكبير وفرده في الهواء ليبدأ فقرة اليوم السحرية. سمعنا صوت طلقة نارية ستظل آذاننا بعدها تعاني الصمم أيامًا. رأينا الثقب العميق في جبهته مكان علامة الصلاة الداكنة وخيط الدم اللزج يسيل طوليًا بامتداد وجهه. بعدها نهض مبتسما بثقة السحرة دون أن يلتئم الثقب أو يتوقف خيط الدم عن التمدد اقترب من قاتلته وقال لها:طلّعي الرصاصة من شنطتك دي عُهدة وضحك لمزحته” .

خاتمة الرواية:

تأتي نهاية الرواية تعبيرًا عن الإدانة الكاملة لهذا العالم الواقعي  حيث يقضي الموت على الشخصيتين الرئيسيتين، وتتولى  شهرزاد المهمة بمفردها، فتقوم  بحقن السائل السام في وريد الصحفي جبريل و في ذراعها أيضًا: ” تدس الإبرة في وريده وتشعر براحة الاقتراب من الموت، كأن السائل السام يجري في عروقها هي، وتشهر ذراعها أيضًا وتستقبل جرعة أخيرة حقنة لروزا، لتعبر العتبة الهشة نحو العالم الذي لا عجائز فيه”.

ومع تلك الظلمة و سقوط الستار يلوح ضوء خافت مع ميلاد طفلة جديدة، حفيدة شهرزاد، ابنة الفتاة التي اشتهرت بلقب الفتاة  النائمة: “غير أن المولودة تقف على قدميها و دون أن تنظر إليهما تتحرك صوب باب الغرفة المفتوح وتغلقه خلفها، قبل أن يسمعا انغلاق بوابة المنزل الحديدية”.    

  فهل الأمل في الفانتازيا ، وهل البعث لا يتأتى إلّا من عالم الحلم ، أو قلب الفنان ، وربما إجابات أخرى تشرق من  شرفات الرواية وعلينا مداومة التبصر بأرواح صادقة .  

_______________________________________

الهوامش :

1 – إنشائية الخطاب في الراوية العربية الحديثة: دكتور محمد الباردي

2 – المغامرة الجمالية للفن القصصي: دكتور محمد صابر عبيد

3- حول بعض قضايا نشأة الرواية: د. امينة رشيد، مجلة فصول، المجلد السادس 1986م 

4 – قص الحداثة : د. نبيلة إبراهيم ، مجلة فصول، المجلد السادس 1986م  

أكمل القراءة
تعليق واحد

تعليق واحد

    اترك تعليقا

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    بنات أفكار

    إصدارات: “قصائد الشاعر الرائد صالح سويسي”… لعبد الرحمن الكبلوطي

    نشرت

    في

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عبد القادر المقري:

    القيروان تدهشك بأسرارها كما تفعل العرائس الروسية التي كلما كشفت عن وجه واحدة نجمت لك أخرى في نفس الجمال وأكثر… ففي كل المضارب لها خيمة، وفي كل العصور لها شاعر، وفي كل الأغراض معلّقة… وفيما فيروز تصدح بحُصرية “ياليل الصب”، ويجيبها عبد الوهاب بمعارضة من الشوقيات، يقتفي الرواة والناشرون أثر ابن رشيق شاعرا وناقدا، وابن شرف شاعرا وموسوعيا، وتكرّ سبحة الأسماء حتى زمننا الحديث من الشاذلي عطا الله إلى محمد الفائز إلى جعفر ماجد إلى ما سمي في الثمانينات بـ “مدرسة القيروان” المتصوفة (الوهايبي، القهواجي، الغزي…) إلى هذا الشاعر المتفرّد حقا في وقتنا المتخم بالمتشابهات: عبد الرحمن الكبلوطي…

    عبد القادر المقري Makri Abdelkader

    الكبلوطي اقتلع مكانه في ستار الكعبة القيروانية على ازدحامها بالحُجّاج والمنشدين، سالكا إلى ذلك دربا قلّ أن سلكه غيره… فهو شاعر له نبرة خصوصية تعرفها من دون أن تتعب في اسم صاحبها، وقد نعود يوما إلى ذلك… ولكنك وأنت منشغل بأشعاره الرامية أغصانها على الخمسين سنة الأخيرة (ولا أكبّره) يفاجئك بين فينة وأخرى بمصنّف غير شعري وإن كان على وشيجة بالشعر… إنه التوثيق والتحقيق لشعراء آخرين قد تكون أغفلتهم الذاكرات، أو تغافلت عن زوايا من عطائهم، فيما أضاءت بقوة أركانا أخرى لنفس الأعلام…

    سبق للكبلوطي أن أثرى المدوّنة البحثية بمؤلفات عن امرئ القيس والشعر الفرنسي وأنطولوجيا عن شعراء القيروان عامة، ثم بتحقيق دواوين لمحمد الفائز القيرواني والشاذلي عطا الله… وهاهو أخيرا يصدر عن دار الأمينة للنشر والتوزيع، كتابه الجديد “قصائد الشاعر الرائد صالح سويسي القيرواني”… وهو أيضا ثمرة جمع وتحقيق وتبويب مضنية، ولكن حصيلتها إنصاف لا ريب فيه لشاعر ومصلح يجهله كثيرون، ويظلم مكانته كثيرون أيضا…

    يقع الكتاب في 259 صفحة (بما فيها الفهارس والحواشي) من القطع المتوسط وطباعة جيدة الحرف والورق، ويتحلى غلافه الأول بصورة المحتفى به ، فيما يقدم غلافه الأخير نبذة عن المحقق وسوابقه شعرا ونثرا ودراسة ومسرحا… ولكن الأهمّ من هذا حرص محقق القصائد على مقروئيتها شكلا وموضوعا…

    فبعد مقدمة تترجم للشاعر وحياته ومؤلفاته… وتفسر وجاهة اختياره وتحدد تموضعه في الحركة الأدبية والسياسية والإعلامية مطلع القرن العشرين… ينحو المحقق إلى إعطاء فكرة عن تنوّع القصائد وفتح شهية القارئ لتناولها قصيدة قصيدة حين يأتي دورها… كما يبيّن طريقة اشتغاله على مادة شعرية متناثرة بين الصحف القديمة ومصنفات دارسين سابقين ونسخة أولى من “ديوان” لقصائد الرجل كانت مشوّشة حافلة بالنقائص … دون أن ينسى سواء عند عرض هذه القصائد أو انتقاء أبيات منها في المقدمة، أن يشير كعادته إلى البحر العروضي الذي اتزنت به، عائدا دون قصد إلى هويته التعليمية الصارمة، وغامزا ـ داريا أو دون أن يدري ـ من قناة بعض شعراء الزمن الأخير المختلة أوزانهم كما تختلّ لغتهم وقرائحهم…

    بعد جمع المتن الشعري وتصحيح أخطائه، عمد المحقق إلى تبويب هذه القصائد حسب أغراضها، ووضع لكل باب عنوانا مسجوعا كأنه لكتاب من عصر خال، وهو أقرب لشخصية الكبلوطي ظرفا وبلاغة… وإليكها:

    ـ حب القيروان الأبية… وأجواؤها الروحانية

    ـ خدمة الأوطان بالعلم والإيمان

    ـ مجتمع الخطوب ومستودع العيوب

    ـ خواطر وتأملات من تجارب الحياة

    ـ حسن التوجيه في رحلات الترفيه

    ـ أثر الثقافة ودور الصحافة

    ـ فكاهات ومداعبات في المجالس والمراسلات

    ـ المدح والتهاني مع أخلص الأماني

    ـ قذائف الأهاجي، من مِنها الناحي؟

    ـ رثاء الأصدقاء ومناقب العظماء

    إلخ

    وبين معابر هذه القصائد وأبواب عرضها، تجد نفسك مجايلا للشاعر مجالسا له، معاشرا للناس والخطوب ممن ومما عاشر وعاش… فقد عمّر صالح السويسي بين سنتي 1871 و1941، سبعين حولا لم يسأمها كما فعل زهير بثمانينه، واخترق في زمنه أحداثا امتزج بها أو سمع عنها أو رمت بظلالها على بلده ووجدانه ولو بعد أمد… ففي سنة ولادته انهزمت فرنسا أمام بيسمارك، وما عتمت بعد عشر سنوات أن استعادت سطوتها ولكن جنوبا، حيث احتلت القطر التونسي الذي ظل عصيّا عليها طيلة نصف قرن من استقرارها بالجزائر قبل ذلك… كما تخللت الفترة حربان عالميتان، ومؤتمر صلح وثورة مصرية أدت إلى تحرر نسبي… في الأثناء أيضا نشأت ثم تفجّرت حركة وطنية ونقابية وثقافية تونسية محتدمة… ورافق ذلك انفتاح نوافذ وروافد، ومحاولات نهضة وإصلاح، ومدارس فكر وأدب وفنون… وظهرت أسماء محمد عبده والشابي وقاسم امين والطاهر الحداد وطه حسين وحافظ وشوقي … وهبت رياح أدب المهجر وأبوللو وتحت السور والرشيدية وزخم الصحافة والمسرح لما بين الحربين…

    ولد السويسي كما ذكرنا سنة 1871 في مدينة القيروان، منارة شمال إفريقيا وحاضرة بني الأغلب، وأرض “حصباؤها درّ ومسكٌ ترابها” وأضاف قائلا فيها:

    بلاد لها عزّي وغاية مطلبي

    ونفسي لها تصبو على منتهى البعد (46)

    أو:

    يا جنة الخلد بل يا قيروان ومن

    حبي لها فاق عن وصف وتبيين (62)

    وجال في ثناياها معيدا تذكارات مجد ومتنهدا على عهود ذهبية ابتعدت، فكان هذا التصوير الأندلسي الروح، للفسقية القيروانية:

    وعشية راقت ببركة أغلب

    حيث المياه جرت بأحسن منظر (48)

    هذا عن المكان… أما الزمان فهو فترة ظلام وجهل وفقر وتخلف، زاد عليها الاحتلال الأجنبي سوءا على سوء… فإذا بالسيد يُستعبد، وبالعزيز يُذل:

    فالله قد جر الشقاء لذا البلد

    ولكم سلاه المجد والعيش الرغد (92)

    ما أبعدنا عن رغيد عيش غابر، أما في تلك الأيام فقد:

    تغيّرت البلاد ومَن عليها

    ودون رجوعها خرط القتاد

    تلبّد في أفاق الفكر جهل

    فأوجب كل شرّ في العباد (72)

    ويفصّل شاعرنا مظاهر البؤس التي رانت على البلاد والتي منها أيضا بغي المترفين وتفاقم الظلم المؤذن بخراب العمران، على حد تعبير ابن خلدون:

    يجور الظالمون وبعد حين

    ويا ويل الذي في الكون جارا (74)

    ينذرهم ويعيد عليهم ما قيل في فراعين الماضي:

    قل للألى بغرور الملك قد فتنوا:

    آثار من غبروا درس إلى الجيل (54)

    وقت فسدت فيه الرعية بعد الراعي:

    سرت المطامع في الورى

    فجميع اهل الارض أشعب (103)

    شعب فيه فاسدون وطمّاعون، ولكن فيه كادحون شرفاء، فإذا به يهتمّ بوضعهم على غرار ما فعله معاصراه الحامي والحداد، فهاهو مع عمال مات منهم من مات في حريق بمصنع:

    وقد كان قبل الصبح يذهب باكرا

    ليكسب أجرا قدر ما يحمل الظهر…

    مضى عنهمُ صبحا وعاد إليهمِ

    حريقا، فكيف اليوم يُمتلك الصبر (93)

    ولكنه يلتفت إلى النخبة فيجد تذبذبا عكس الرواية الرسمية التي سادت بعد عقود:

    فالشعب ينظر حائرا

    لم يدر للزعماء مذهب (103)

    تماما كما خاب ظنه في رجال الدين:

    خطباء هذا العصر خطب في الورى

    ووجودهم ضرب من النكبات

    لا لوم إن تبدو المساجد فرّغا

    والعذر بان لتارك الصلوات (90)

    فإذا به يهبّ في أبناء البلاد خطيبا بدوره:

    يا أهل تونس قومي استدركوا رمقا

    من عزكم قد أراه اليوم منقلبا

    هيا ادفعوا عنكمُ دهماء مظلمة

    سحابها أرعدت ما أرسلت صببا (69)

    الواقع نفسه كان يمر به ما جاورنا من ديار بني يعرب، وكذا الدعوة إلى نهوض بدأت بوادره هنا وهناك:

    ما آن أن تنهضي يا أمة العرب؟ (70)

    وفعلا فقد أطلّت بشائر إصلاح وتيار تنوير حمل رايته مصلحون كبار منهم الشيخ المصري محمد عبده، وقد عبر السويسي عن عرفانه لهذا العلَم العالم، وقال محزونا حين بلغه خبر وفاته:

    والعلم منذعر لموت إمامه

    وتصدعت مصر البلاد وهنده (194)

    ويبدو أن دعوات شاعرنا للإصلاح قد ألّبت عليه أكثر من مؤلّب:

    فكم خائن تحت الخفا يتستّر

    وفي صحف الأعداء دوما يحرر (76)

    يحررون في صحافة العدوّ، وأيضا في تقارير وشاية إلى سلطة المستعمر، وما لبث ذلك أن رمى به سنة 1897 في دياجير العقوبة والمنفى إلى الجنوب التونسي:

    فكم فوّقوا نحوي سهاما من الأذى

    وصاغوا من الأقوال كل مفنّد

    رموني إلى الأعدا بكل سعاية

    وصرت عن الخلان أشهر مُبعد* (45)

    إبعاد زجري وتغريبة شقاء دونما شك، إلا أن المنفى يخفّ لظاه مع حفاوة توزر وأهل الجريد بضيفهم القيرواني، حفاوة بلسمت بعضا من جراحه وتركت فيه أثرا طيبا:

    تجردت في ارض الجريد عن الضنى

    وعافية ألبستُ قد حلها الركب

    بها الهمم القعساء والفخر والأُلى

    نموذجا في توزر صانها الرب (127)

    لعلها نوع من التضامن الوطني يتجاوز الأشخاص إلى المصير المشترك، وها أن شاعرنا يَنشُد حب الناس فينشد:

    انا شاعر كالطير حل بأرضكم

    أغنّي على الأغصان في وضح الفجر

    أريد التقاط الحَبّ بالحُب فيكمُ

    فان لم أجد حُبّا رجعتُ إلى وكري (96)

    ويختم بَوْحه باستشراف نهاية للطغاة شبيهة بوعيد الشابي في “حذار”، ولعلها نفس روح النبوّة الثائرة ترى بعين الشعر ما لا تدركه عيون الساسة:

    أرى تحت الرماد وميض جمر

    ويوشك أن يصير إلى اتقاد (73)

    أما من حيث “التقنية” الشعرية، فيمكن أن نقول إن السويسي خزّاف متنوع الصنعة مشتغل على صلصال القصيدة في مجمل أغراضها، من الرثاء إلى الحماسة كما رأينا، إلى الهجاء وهو فيه جريريّ الإيلام:

    يا ايها الاعور المنحوس طالعه

    ابشر باخذ شديد البطش مقتدر (هجاء 189)

    يعني قذفا وتهديدا، لم يكن سهلا هذا الرجل ! ومن الهجاء ينقلب صاحبنا إلى المدح، وهل خير من الرسول الأكرم مستأهلا لهذا:

    يا (مصطفى) أنا في جمالك عاشق

    ولقد تركت هوى الذي لا ينفع (50)

    عشق واهتداء أيضا:

    فكم ضل الذي قد تاه عشقا

    ومن يهوى الرسولَ فلا يضلّ (52)

    ولعل هذا الضرب من المديح النبوي أكرم وأسلم عاقبة من غيره:

    مدحنا اناسا لا مروءة عندهم

    وفعلهم من فعل ابليس اشنع (114)

    عشق النبيّ، وأيضا عشق الجمال كأيّ شاعر، وهاهو صاحبنا في إحدى الغزليات:

    قلت يا ربة الجمال انعطافا

    فالغواني من طبعهن السخاء (219)

    قبس من الشوقيات؟ نعم وهو معترف بذلك ومؤكد حبه لأمير القافية، ولكن ذلك لم يمنعه من صوغ رقائق أخرى تمس بعذوبتها الوجدان:

    ارى الحب منقوشا على كل صفحة

    من الكون حتى في النبات وفي التُرب

    تعانُق أشجار وتغريد طائر

    وتقبيل اوراق وزهر مع العشب

    …. وفي جذب انواع الحديد لبعضه

    بقوة تاثير غرام بلا ريب (221)

    بل ويجنح إلى الوصف الحسّي ويتفنن في ذلك منتهجا منهج الموشح الأندلسي أو ما يقترب منه:

    تلك العيون السود

    حرب على الأُسود

    وانظر الى الخدود

    شقائق النعمان (224)

    كما أن شاعرنا اعترته أحيانا حالات وجودية، فإذا بقصيدته تنضو فيلسوفا معرّيّا متأملا:

    عيش ونعش معدّ

    لنقل تلك الرفات (105)

    ويختزل معاناته الطويلة بأسلوب مهجري:

    قاسيت في هذي الدنا

    كل العنا

    ومآل جسمي للفنا

    يوم الرحيل (107)

    …وجبراني حينا آخر، ألم يصدع صاحب “العواصف” ذات يأس من حضارة مصطنعة (باطلة هي المدنيّة وكل شيء فيها)؟ كذا فعل السويسي القيرواني، ولكن بأكثر تجريحا، في قوله:

    كل تمدين تراه

    زخرفا من صنع وَبْش (113)

    وينزاح التعبير حينا آخر إلى ألسنة الحيوان وقصص الغاب الآدمي في حقيقته:

    فجاءت الطيور للحمائم

    تشكو إليها فعل ذاك الظالم (81)

    وحينا ثالثا إلى توظيف ديكورات ألف ليلة وليلة:

    فطار ذاك القصر في الفضاء

    وصار ذاك الجمع في هباء (84)

    إنها النهايات التي عرفتها كل الممالك الجائرة، أكانت من أهل البلد أو من الدخلاء عليه، ولكن ليس ألطف منها ما ينتهي إليه شاعر بعد رحلة عمر:

    فلا يكسب الشعر صاع شعير

    فرحمة ربي على الشاعر (110)

    رحم الله هذا الشاعر العتيّ الذي لم نفِه هنا كل حقه وهو الذي كتب في هذه الأغراض كما كتب في غيرها، وقال سخرية أيضا وفكاهة وصحافة وترسّلا ووصف مدن وطبائع ناس، وملأ الدنيا في زمنه كما أقفرت منه في أزماننا وذاكراتنا… وأطالت القدرة عمر صديقنا أستاذ الشعر والنثر عبد الرحمن الكبلوطي حتى يضيء أمامنا مزيدا من الدروب التي جهلناها أو التبست علينا

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    *بعد تعديل من المحقق، تلافيا لخطإ عروضي في أصل النص

    أكمل القراءة

    بنات أفكار

    “المسافة صفر” للشاعر وليد السبيعي… رحلة هوليوودية مع مآسي فلسطين

    نشرت

    في

    منصف كريمي:

    بعد عملين من جنس النثر وهما “الأزهر…الجنرال الفارس” و”حنبعل…الفرار الأخير” الصادرين سنة 2020 ومجموعتيه “لست أرى في النساء سواك” و”إلياذة تونس” المنشورتين سنة 2021 وروايته “أنطالاس” ومجموعته الشعرية “دراكولا الحب” المطبوعتين بالجزائر سنة 2022 ومجموعته “كل النساء…أنت” سنة 2023، صدرت مؤخرا عن دار وفاء للنشر المجموعة الشعرية “المسافة صفر” للشاعر وليد السبيعي وهو من مواليد سنة 1979 بالكاف وطبيب أسنان متخرّج سنة 2005 من كلية المنستير.

    وجاءت هذه المجموعة في 91 صفحة ضمت بين دفتيها 31 نصا أدبيا مهداة كلها الى “الصامدين على آخر الأسوار… بدمائهم يردّون مغول العصر…” وإذ تنحت هذه النصوص من صميم واقع مرير يعيش على ايقاع حزنه الشعب الفلسطيني وفي ايجاز وتكثيف شعري يختزل هدير الموت ونبض الحياة من خلال مشاهد متضادة تمنح النصوص بُعدًا ملحميًّا يتجانس صوتيا ويتماثل تركيبيا ويتقابل دلاليا مع بعد غنائيّ اخر يجمع بين ثنائيّة الموتِ والحياةِ في لغةٍ إيقاعيّةٍ تتعاضد فيها الوظيفةُ التّأثيريّةُ والوظيفة الإنشائيّة.

    يعتمد الشاعر في ديوانه هذا، إيقاعِ الحروفِ و التّوليدِ اللّفظيِّ بما يشكلِ نانصهارا في القضية الفلسطينية وعذابات أبناء غزة وعبر إيقاع جنائزيّ حزين ومن خلال صورٍ تجسّدُ فاجعةَ الموتِ والفقدِ و الوَجَعِ والألمِ فالشاعر اختار ان يكون لنصه معنى ومن منطلق قناعته انه لا معنى للكتابةِ و للإبداعِ مطلقا إنْ هو تخطّى الواقعَ وأقصاه.

    كما تأخذنا هذه المجموعة في رحلة تبدأ واقعية حوارية عن ثنائية الحب والحرب والمعادلة الصعبة بين اليومي المتعوّد والألم والتشرّد وعذابات الذات وأوجاع التّاريخِ لتنتهي ملحمة شعرية تؤسس لأسطورة المارد الفلسطيني.

    ويوغل النص الشعري في السرد وهو يروي حكاية الحياة اليوميّة للشعب الأبيّ في شكل درامي حواري أقرب الى السينما والصورة التي جعلت مما يحدث في غزة هوليوودا واقعية وخالدة عرى بها الشاعر زيف هوليوود ونفاق الغرب، وهنا تكمن قدرة الشاعر على صياغة نص جامع بين الفنون الشعرية والسردية الروائية والسينمائية الفرجوية لان عذابات الفلسطينيين أكبر من أن يعبّر عنها شكل ابداعي واحد.

    وقد تمكّن الشاعر من خلال مجموعته هذه من تحويل الوجع الفلسطيني الى أسطورة ملحمية تختزل الصراع الأزلي بين قُوَى الحياةِ وقُوَى الموتِ ذلك انه كما قال عن هذه المجموعة الناقد “رضا الجبالي” في عصر التّغييبِ القسريِّ ومحاولاتِ القطعِ الجماعيّةِ يُكتَبُ الشّعرُ ليبقى ويخلُدَ”، وقد اشتغل الشاعر وهو جرّاح أسنان من خلال هذه المجموعة على رتق آلام الفلسطينيين وغرس جرعة أمل بالانتصار في بصيرتهم مستعملا لا الادوات الطبية بل أدوات شعرية خاصة به لم نعهدها في مجموعات شعرية مماثلة.

    السبيعي جمع بين الشعرية والسردية والتصوير الحيّ عبر الكلمات للآلام والامال وهو ما يغري بمزيد استقراء هذه المجموعة التي جاء غلافها هدية من الرسامة الفلسطينية منال القدومي وهي حاليا طبيبة أسنان في فرنسا وقد سبق لها ان درست طب الأسنان في تونس،

    يشار إلى أن وليد السبيعي نشر مجموعته “المسافة صفر” لتوزع مجانا وليست للبيع لقناعة الشاعر بأن فلسطين هي قضية شعب وعمر وليست مطية لربح المال.

    أكمل القراءة

    بنات أفكار

    كتاب”الديوانة التونسية زمن الاستعمار: 1884-1956″… نبش توثيقي فريد ولأوّل مرة عن خفايا جهاز الديوانة

    نشرت

    في


    منصف كريمي:

    عن دار المقدمة للنشر والتوزيع وفي قراءة وتقديم للدكتور عادل بن يوسف، صدر مؤخرا كتاب “الديوانة التونسية زمن الاستعمار: 1884-1956” للباحث والدكتور أنيس المحجوبي وهو عميد بالإدارة العامة للديوانة.

    جاء هذا الكتاب خلاصة لنبش مؤلّفه على مدار ربع قرن في أغوار وثنايا الجمارك التونسية والتنقيب عن خفايا ومكنونات هذه المؤسّسة وكل ما له علاقة بها، سواء منها ما توفّر من مراجع في دار الكتب أو بمخازن الأرشيف الوطني أو ما أتيح لمؤلّفه الإطلاع عليه من أرشيف الإدارة العامة للديوانة من خلال مجموعة من الوثائق التي تخصّ الإجراءات والتراتيب الخاصة بهذا المرفق على المستوى المحلي أو العالمي، ومن أبرزها مؤسّسة الديوانة الفرنسية التي تمتاز بتنوع وغزارة إصداراتها من المراجع والدراسات والبحوث حول الموضوع الجمركي والتي أنجزتها إطارات من داخل جهاز الديوانة أو خارجه.

    وتكمن أهمية هذا الكتاب حسب ما صرّح به لنا مؤلّفه الدكتور أنيس المحجوبي في “نحت جانب مهم من تاريخ مؤسسة الديوانة زمن الإستعمار، وقد أبرزت أهم الأطوار التي مرت بها هذه المؤسسة طيلة الفترة المدروسة من 1884 إلى حدود 1956، ولعلنا نكون بهذا العمل المضني قد كشفنا جانبا منسيا ومجهولا من ذاكرة مؤسسة الديوانة التونسية التي أنتسب إليها”،

    واذ يعدّ هذا الأثر اول عمل يؤرخ لذاكرة الادارة العامة للديوانة فان مؤلّفه أنجز هذا البحث حسب ما أفادنا إيمانا منه بقيمة المؤسسة التي تعتبر مجهولة ذلك ان عددا قليلا من التونسيين والتونسيات يعرف ادوارها وتراتيبها وقوانينها رغم ما قدمته وتقدمه من خدمات جليلة لفائدة الاقتصاد التونسي وحماية المجتمع.

    جدير بالذكر ان مؤلّف هذا المرجع التاريخي عن تاريخ الديوانة التونسية زمن الاستعمار الفرنسي هو دكتور تحصّل في 1 مارس 2023 على دكتوراه في العلوم الاسلامية / اختصاص حضارة اسلامية من المعهد العالي للحضارة الاسلامية بتونس بعنوان “الوعي بالمسألة الثقافية في الفكر السياسي التونسي:1956-2010″ وكانت باشراف الأستاذ الدكتور أحمد الكرّاي، كما يشار الى ان صاحب هذا الأثر سبق ان نشر عدة كتب منها منها عن”المواطنة في البلاد التونسية:الجالية اليهودية أنموذجا 1857-1948″وهو موضوع رسالة ماجستير للمؤلّف في الحضارة الاسلامية تحصّل عليها من المعهد العالي للحضارة الاسلامية في 2018-2019 وكتاب”مؤسسة الديوانة ودورها في اقتصاد البلاد التونسية: 1956-2011”.

    أكمل القراءة

    صن نار