تابعنا على

جلـ ... منار

عودة ترامب.. تحديات ومخاوف!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي:

يكاد العالم يكون اختلف تمامًا عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض في انتخابات (2020).

عبد الله السنّاوي

بمجرد انتخابه مجددًا طرحت تساؤلات حرجة على الإقليم والعالم عن حدود التغيير في سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة على المسارح الدولية والإقليمية المشتعلة بالنيران في أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
يصعب
التعويل على تعهداته الانتخابية بإنهاء تلك الحروب والتخلص بأسرع وقت من إرث سلفه جو بايدن. يقال عادة: “ترامب هو ترامب”. في لحظة إعلان انتصاره استعار من منافسته “كامالا هاريس” دعوتها إلى طي صفحة الصراعات الداخلية، التي تسببت فيها سياساته وهددت الديمقراطية في صميم معناها وأدوارها.
في نشوة النصر استشعر بأن حقًا استلب منه بالتزوير الفادح في الانتخابات السابقة عاد إليه دون أن يكون لديه دليل واحد أو شبه دليل.

هل يمكن أن تختلف سياساته في إدارة الدولة من الشقاق إلى الوحدة أم أننا في انتظار انفجارات أخرى ومشاحنات جديدة تضع المشهد الداخلي الأمريكي على حافة الخطر الداهم؟
هذا تحد أول يستدعي القلق المكتوم أو بعض الوقت حتى تستبين سياساته ومواقفه عندما يدخل البيت الأبيض في (20) يناير (2025)، حسبما تقضي الترتيبات المستقرة في نقل السلطة. الملحّ والضاغط الآن الطريقة التي سوف يتصرف بها في الملفات الدولية المشتعلة.
لم تكن لدى الأوروبيين رفاهية الوقت لانتظار ما قد يطرأ من تحولات وانقلابات جوهرية في الحرب الأوكرانية، أو تبعات التحلل من الالتزامات الأمريكية تجاه حلف الناتو ومستقبل الأمن في القارة وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى الاعتماد على نفسها في ضمان أمنها. لم تكن تلك دعوة مستحدثة على توجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجددًا، فقد تبناها وألح عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى، التي تخللتها مشاحنات أمام الكاميرات بين الرئيسين وصلت إلى حد إهانة ماكرون. دعوته هذه المرة أقرب إلى إجراء احترازي مبكر خشية عواقب إنهاء الحرب الأوكرانية بتفاهم منفرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون أخذ المخاوف الأوروبية في الاعتبار.
في تعليق لافت آخر دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى “السلام من خلال القوة”. كان ذلك تعبيرًا ملتبسا يعكس مدى قلقه البالغ من أية تحولات دراماتيكية مفاجئة عسكريًا وسياسيًا على المسرح الأوكراني. بوقت واحد تبنى خيار بايدن في استخدام قوة حلف الناتو بمواجهة روسيا دون أن يعارض خيار ترامب، لإنهاء الحرب بعدما أثبت الخيار العسكري عجزه عن تحقيق أهدافه.

لم يتردد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بصيغ أخرى عن فوائض القلق، التي تعتريهم إثر صعود ترامب مجددًا. المشكلة الرئيسية هنا أنه تعهد بإنهاء الحرب بمجرد التواصل مع بوتين دون أن تكون لديه خطة واضحة.
بدا الكرملين أكثر تريثًا، رغم تأييده الضمني لصعود ترامب. بتعبير وزير خارجيته أندريه لافروف: “سوف ننظر في أفعاله لا أقواله”.
الحرب الأوكرانية تحد جوهري يتعلق به مستقبل النظام الدولي، الذي أخذ يترنح بتأثير حربين متزامنتين، واحدة في أوروبا والأخرى بالشرق الأوسط.

كانت النزعة العسكرية المفرطة لدى بايدن أحد الأسباب الجوهرية لخسارة نائبته هاريس الانتخابات الرئاسية. لم تبدِ شخصية مستقلة عن إرثه، لا دعت إلى حل سياسي للحرب الأوكرانية ولا نددت بجرائم الإبادة الجماعية في غزة. باليقين فإن وطأتها أقل من ترامب بالنسبة للحرب في غزة، لكنها فشلت في اتخاذ مسافة عن بايدن الذي فقد شعبيته وصورته وأدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة التساؤلات الحرجة عن مستقبله مع زيادة نسب التضخم وارتفاعات الأسعار في الأسواق.

استثمر ترامب في فشل بايدن، ونجح في الفوز براحة لم تكن متوقعة. كسب إلى صفه قطاعات من الأمريكيين السود رغم سجله السلبي، الذي استدعى احتجاجات واسعة نشأت في زخمها حركة حياة السود مهمة. كما نجح في اجتذاب كتل محافظة خارج نطاق حزبه الجمهوري أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم عرب ومسلمون.

كانت المفارقة الأفدح توزع الصوت العربي والإسلامي بين المرشحين بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابي ضد إدارة بايدن وهاريس لدورها في الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة.
وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب وعده الانتخابي، الذى أطلقه بولاية ميتشيغان المتأرجحة، بإنهاء حربي غزة ولبنان.

كان ذلك تحليقا في فراغ الأهواء. بدت حكومة بنيامين نتنياهو الأقصى يمينية في تاريخ الدولة العبرية، هي الأكثر ابتهاجًا بفوزه. حسب تعبيره فإن فوز ترامب يعني إعادة القوة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، كأنه كان مهتزًا على عهد بايدن، الذي وفر لآلة الحرب الإسرائيلية كل ما تحتاجه من تسليح ودعم استخباراتي وغطاء سياسي منع ملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أخطرها الإبادة الجماعية. وحسب وزير الأمن القومي المتطرف اتيمار بن غفير فإنها فرصة لتحقيق النصر المطلق دون أن يكون لديه أي تصور يتعدى التقتيل والإبادة والتجويع والتهجير القسري للفلسطينيين.

الحرب في لبنان أخطر على واشنطن ومصالحها من الحرب على غزة.
هذا استنتاج مرجح في ما تنشره الصحافة الأمريكية، رغم ما يقال عن تفاهمات بين ترامب ونتنياهو تقضي باستخدام كل ما يلزم من قوة لحسم الحرب على غزة حتى يمكن إنهاؤها فور دخوله البيت الأبيض ويكون ذلك إنجازًا يحسب للرئيس العائد.

في كل الأحوال لا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض، في لبنان وفلسطين. القضية الفلسطينية تستعصي على الإلغاء، إلى حد نفي مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستعداد للاعتراف بأية حقوق سياسية لشعبها.
إننا بقرب محاولة جديدة لإلغاء الأثر السياسي والمعنوي لعملية السابع من أكتوبر (2023) وما جرى بأثر حرب الإبادة في غزة من أوسع موجة تضامن شعبية دولية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني بالمقام الأول والأخير.

يصعب تخيل حدوث هذا السيناريو بعد كل ما جرى. ولا هو سهل ومتاح العودة إلى صفقة القرن بصورة أو أخرى بالتوازي مع الضغط الهائل على دول رئيسية في الإقليم كالسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أي مقابل سياسي.

إننا بقرب ابتزاز سياسي ومالي جديد تعترضه الحقائق الفلسطينية، التي ثبت دومًا أنه يستحيل تجاوزها.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

وجه الإمام… وستّي أم علي

نشرت

في

في الكتاب الرائع (قوة الخرافة) The power of Myth يسأل المحاور بيل مويرز الفيلسوف الأمريكي جوزيف كامبيل: هل الخرافة كذبة؟ يرد الفيلسوف: لا لا أبدا… إنها الطريقة الأسهل استيعابا للتعبير عن الحقيقة؟

وفاء سلطان

قد تكون ممن يؤمنون أن فكرة التجسد خرافة، ولكن ليس لدي شك لو حاولت أن تستوعبها لساهمت فلسفتها في توسيع مداركك، كما ساهمت في توسيع مداركي. كنت ـ ولم أزل ـ أعتبر قصة بلع الحوت ليونس وبقائه في بطنه اسابيع خرافة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ولكن بعد أن قرأت كيف اعطاها الفيلسوف كامبيل بعدا فلسفيا، صرت أكثر تقبلا لها، وليس أكثر ايمانا بها. فليس شرطا أن تؤمن بما اؤمن، ولكنك ملزم كونيّا وأخلاقيا أن تقبلني كما اؤمن، طالما لا اُسيء بايماني إلى أحد.

……..

من أجمل الذكريات وأكثرها شفافية وروحانية هي حياتي مع ستي أم علي. كنا نجلس على شرفة منزلنا ونمعن النظر في القمر، وهو يرش ليراته الفضية على عروس البحر بينما تتماوج ليلا بدلال وغنج. كانت تقول لي ببراءة لا يشوبها خبث: انظري إلى القمر…امعني النظر…ماذا ترين؟؟؟ ألا ترين وجها بشريا؟؟؟ إنه وجه الإمام علي كرم الله وجهه.

هل مجنون فيكم يظن أن وفاء سلطان اليوم تؤمن بأن القمر هو الإمام علي؟؟؟ طبعا لا أتصور وجود هذا المجنون. ولكن أين الخلل في ايمان جدتي بأن مثلها الروحاني الأعلى متجسد في القمر؟؟؟

كانت جدتي أكثر بساطة من عشبة الجرجير، وكانت تظن أن العالم كله ينتهي عند حدود قريتها. لأنها ابنة ريف تعلقت بالمظاهر الطبيعية وراحت تربط رمزها الروحاني بأجمل تلك المظاهر، ألا وهو القمر.

لا أحد يعرف سرّ هذا الربط، هل هو حبها للإمام علي أم حبها للقمر أم لكليهما معا؟؟؟؟

……..

وفاء سلطان لا تقيّم اليوم أية فكرة إلا من خلال حقلها الطاقوي الذي يحدثه المعنى الكامن في الفكرة.

ماذا تختلف فكرة جدتي عن فكرة أن المسيح ولد بلا دنس وجاء ليخلص الجنس البشري من آلامه؟؟؟

لا شيء!

إذا اردنا أن نقيس الفكرتين وفقا لمقايس صارمة كجدول الضرب لا بد أن نرفض كليهما!

لكن الحياة لغز، ولا نستطيع أن نقرأها فقط كما نقرأ جداول الضرب.

لا بد أن نحترم حق العقل في أي يجنح للخيال، وحقه في أن يؤمن بما هو خارج تلك الجداول.

كلا الفكرتين جميلتان، وجمالهما يكمن في الطاقة الإيجابية التي يفرزها المعنى الكامن في كل منهما.

تستطيع أن ترى وجه هيفاء وهبي في القمر لو أردت أن تراه، وليس من حق أحد أن يكذبك، فالخرافة ليست كذبة، بل هي طريقة سلسلة للتعبير عن لغزية الحياة.

منذ أن علمتني جدتي أن أرى وجها بشريا في القمر وأنا أراه، ولكن تعددت الوجوه التي بت أراها، ولم تعد تقتصر على وجه واحد، وأبرز تلك الوجوه وجه ابنتي أنجيلا

……..

منذ أن علمتني جدتي فن التحديق وانا أحدق في كل مظهر من مظاهر الطبيعة وارى فيه جزءا من القوة السحرية التي تتجسد في كوننا العظيم…

لذلك، خرجت إلى الحياة أعشق القمر وأعشق التحديق فيه بحثا عن وجه أحبه، ولم أخرج ملكة يمين

……..

دُعيت مرّة إلى عرس ربما كان من أفخم الأعراس التي رأيتها في حياتي أو ربما سمعت عنها.

كان العرس لطبيب وطبيبة من أصول هندية هندوسية، واُقيم في منتجع في مدينة نيويورك.

المائدة كانت ساحرة، ولم تحوِ طبقا واحدا مصنوعا من منتجات حيوانية، حتى قالب الكيك كان كقلعة كبيرة وكان مصنوعا بلا بيض وبلا زبدة.

المهم، بعد أن انتهت مراسم العرس وزع المشرفون على العرس على كل ضيف موزة، وطلبوا منهم الخروج من إحدى بوابات القاعة إلى إحدى حدائق المنتجع، حيث كانت تجثم ثلاث بقرات على العشب الأخضر.

قام كل ضيف بناء على طلب المشرفين بالانحناء أثناء المرور أمام البقرات والقاء الموز لهن.

أستطيع أن أجزم أن الحفل ضم أشخاصا من كل طائفة ودين على سطح الأرض، ولم يرفض أحد منهمفكرة المرور من أمام البقرات والإنحناء

ليس هذا وحسب، بل لم أرَ شخصا واحدا يتصرف بطريقة غير لائقة، بل بكل احترام.

أين الخلل في ذلك؟؟؟

هم يرون أن عظمة الخالق تتجسد في البقرة،

والمسيحيون يؤمنون أنها تتجسد في المسيح

وستي أم علي تؤمن أن عليا يتجسد في القمر!

أين الخلل؟؟

كلها أفكار مسرفة في جمالها طالما لا تنتقص من أحد

ولا تُسيء إلى أحد.

كلها أفكار تفرز طاقة ايجابية، طاقة تساهم في رفد الدفق الكوني الذي يسيّر دفة الحياة.

ولكن؟؟؟

هل يمكن أن أقبل فكرة شريرة تفرز طاقة سلبية تعرقل انسيابية الدفق الكوني باتجاه مساره؟

……..

أقسم لكم بأعز ما أملك عاشت ستي حتى قاربت المائة، وماتت لا تعرف شيئا عن العلوية، ناهيك عن الإسلام،

إلا أن عليا متجسد في القمر

هل هناك دين على سطح الأرض أبرأ وأجمل

من دين ستي؟؟؟

حاولت مرة ولأسابيع أن اعلمها الفاتحة.

هي أمية ولا تجيد نطق اللغة الفصحى،

لو سمعتها أم ثكلى فقدت طفلها لتوها وهي تردد الفاتحة لأغمي عليها من كثرة الضحك

ماتت جدتي لا تعرف الفاتحة، وهذا سرّ قدسيتها في نظري.

يبدو أن روحها الطاهرة كانت ترفض أن تؤمن بوجود المغضوب عليهم والضالين، فالانسان يخسر قدسيته عندما يوصم شعبا بالمغضوب عليه والضالين، وكذلك عندما يوصمني بـ “بنصيريّتي”

ويوصم نصيريتي بالالحاد والشرمطة!!!

……..

كانت تعجن كل صباح وكنت ارافقها إلى الفرن كل يوم،

ومرة كل فترة كنت أرافقها مع عجينها إلى بيت ريفي يقع على مشارف مدينة بانياس حيث ولدت وترعرعت.

كان لصاحبة البيت تنور، وكانت ستي تحن إلى خبز التنور من حين لآخر

وبينما هي تغني موالها المحبب إلى قلبها “سكابا يادموع العين سكابا” وتلصق أرغفتها في بطن التنور، كنت أراقب لغة جسدها وأمتص طاقتها.

كانت تتوقف بين الحين والآخر عن زخ مواويلها لتقول لاحد المارة: (تفضل ياخي، خدلك رغيف خبز مشان الله)

وكنا نعود وفي حوزتنا نصف الأرغفة.

اشتعلت مرة غضبا وصحت بها:

لماذا تعطين نصف خبزنا للمارة؟

فشهقت وردت: (يا عين ستك الحياة رايحة، والانسان ما بياخد معو إلا الأرغفة التي أعطاها للناس)

……..

(لا تأخذ معك إلى قبرك إلا ماتعطيه)

ها أنا اليوم أعيش فلسفة ستي ام علي بحذافيرها، أعيشها بنفس الحرفية التي يطبّق بها داعشي تعليماته.

نعم، كلنا متطرفون، ولكن كل بطريقته…

لا يبقى في بيتي إلا نصف ما أعجنه، هذا إذا بقي النصف، وعندما أضع جداول التوزيع لا أرى فرقا بين إنسان وآخر، لأنني نسيت سورة الفاتحة!

ماتت جدتي ولم تصلّ يوما

لم تحج في حياتها، ولم تدخل معبدا

ولكنها أعطت في مرات كثيرة نصف خبزنا للمارة،

وهذا وحده كفيل أن يكون جواز سفرها إلى ملكوت الله،

……..

لم تمارس جدتي طقسا دينيا واحدا باستثناء اشعال البخور صباح كل جمعة،

لا لسبب سوى رغبتها في أن تملأ البيت رائحة طيّبة تنعش الروح.

سقطت تلك العادة من ذاكرتي عندما رحلت إلى أمريكا، لأكتشف لاحقا أن عادة اشعال البخور من أهم الطقوس الدينية لدى السكان الأصليين لأمريكا، الهنود الحمر، واكتشفت أن بالاسواق عشرات الأنواع التي تختلف باختلاف رائحتهأ، والتي لا يخلو بيتي منها يوما.

كانت جدتي تشعل بخورا، وكان هنديّ أمريكيّ يشعله ايضا في الطرف الآخر للكرة الأرضية.

لا أحد فيهما يعرف عن الآخر شيئا، لكنهما يمارسان نفس الطقس، ويطرح السؤال نفسه؟

ألسنا موصولين كونيا بشكل أو بآخر؟؟

ألسنا موصولين جميعا بنفس المركز الطاقوي الكوني؟؟

نعم، لقد كانت جدتي موصولة بصديقها الهندي الأحمر

وكانا يتبادلان لغة غير محكية،

ليس لدي شك!

……..

لكن هذا المسلم الذي يشتمني بـ “نصيريتي” ويقرنها بالإلحاد والشرمطة لابد أنه فقد تواصله مع ذلك المركز، وضل الطريق المقدس

……..

ضل الطريق المقدس

ذلك الطريق الذي تشير إليه صلاة يتلوها الهنود الحمر، صلاة مشهورة يطلقون عليها

Ojibway Prayer

دعوني اصليها لكم بعد أن عرّبتها:

(ياجدنا الأكبر

اشفق على انكساراتنا

فنحن وحدنا من بين جميع المخلوقات

ضللنا الطريق المقدس

ونعرف حقا أننا منقسمون

ليس هذا وحسب، بل علينا وحدنا كبشر

أن نعود إلى وحدتنا

كي نمشي في الطريق المقدس

يا جدنا الأكبر

ياوحدك المقدس

علمنا الحب والشفقة ومعنى الشرف

كي نلأم جراح الأرض

وجراح بعضنا البعض)

* المقصود بالجد الأكبر “الكون العظيم”

……..

ذاك السنّي الذي يشتمني بنصيريتي، كم هو اليوم بحاجة لأن يشعل بخوره كي يتوحد مع ذلك البعيد المختلف عنه،

وكم هو بحاجة أن يصلي تلك الصلاة كي يدرك معنى الحب والشفقة ومعنى الشرف، فيصبح قادرا على أن يلئم جرحه، ويلئم الجرح الذي فتحه في قلبي…

أكمل القراءة

جلـ ... منار

الشاردون

نشرت

في

أحمد خالد توفيق:

أشهر قصة تُحكى عن شرود الذهن هي قصة إديسون العالم الأمريكي العبقري الذي لم يحضر حفل زفافه. السبب هو أنه انشغل في المختبر بتجربة مهمة، وقد بحثوا عنه كثيراً فاتضح أنه كتب موعد الزفاف في مفكرته لكنه نسي!

أحمد خالد توفيق

لا أعرف ما قاله لعروسه في تلك الليلة السوداء لكن التاريخ لا يذكر أن فسخ الخطبة قد تم على كل حال.

وهناك نيوتن عالم الرياضيات الذي كان جالساً قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء. فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقربها منه، فقال له الخادم في أدب:

ـ لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من النار؟

هنا شهق نيوتن، وأعلن أن خادمه عبقري حاضر الذهن فعلاً!

القصة الأغرب هي (تشسترتون) الكاتب المسرحي البريطاني الشهير الذي وقف في طابور مكتب البريد ليحصل على حوالة مالية، فلما بلغ الشباك اكتشف أنه نسي اسمه!، وكان أول ما قاله للموظف المذهول:

ـ معذرة يا سيدي… لكن هل تعرف اسمي؟!!

يمكننا بسهولة أن نتصور ما قاله الموظف وما فعله.

شرود ذهن العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة أولاً.

وكثيراً ما يدفع الناس إلى اعتبار العبقري على شيء من ”الخبال” أو الجنون… لكنهم بعد ذلك يقبلونه باحترام.

لكني أعترف أن شرود الذهن لا يدل على العبقرية في كل الظروف، بل قد يدل على عقل خاو تماماً. وباعتباري من الذين اشتهروا بشرود الذهن، فإنني أقر وأعترف أن أغلب الأوقات التي شوهدت فيها شارداً لم يكن في رأسي أي شيء مفيد، لكن الناس تنظر لي في احترام، وتتصور أني أنظم قصيدة عصماء أو قصة عبقرية.

أشهر من عرف بشرود الذهن في عالم الأدب هو الأديب المصري (توفيق الحكيم)، لكن المخرج (محمد كريم) جلس معه طويلاً أثناء كتابة سيناريو فيلم (رصاصة في القلب) ولاحظ أن جزءاً من هذا الشرود إرادي تماماً. مثلاً، لاحظ أن توفيق الحكيم يجلس شارد الذهن وذقنه مستندة على مقبض عصاه، فيقول له محمد كريم: هناك فتاة حسناء سألت عنك أمس.

عندها يفيق الفيلسوف الشارد على الفور، ويستفسر عن كل التفاصيل. هذا إذن شرود إرادي يفيق منه متى أراد.

الموسيقار عبد الوهاب اشتهر بالشرود الحقيقي، ويقول كل من اقتربوا منه إنه كان يزوم كالقطط طيلة الوقت لأن الألحان لا تكف عن زيارة عقله.

أحمد شوقي الشاعر كان شارد الذهن كذلك، وكان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدون على هامشها بضعة أبيات قبل أن تضيع.

على كل حال، يمكنك أن تنجو بشرودك فلا يسخر منك أحد إذا أقنعت الناس أنك فنان. وهو حل لا بد أن تلجأ إليه إذا أردت أن تنجو من مواقف محرجة جداً.

مثلاً، ذات مرة كنت شارد الذهن وقابلت امرأة ذات وجه مألوف على سلم بيتي فهززت رأسي وقلت في وقار متحفظ: مساء الخير.

وواصلت النزول، فقط بعد ربع ساعة تذكرت أن التي قابلتها هي أختي! والله العظيم حدث هذا وليس من تأليفي.

في مرة أخرى كانت زميلة عمل مملة تكلمني بصوت رتيب عن أشياء كثيرة، فلجأت إلى الحل الأمثل وهو صوت (ام م م!) كل ثلاثين ثانية بما يوحي بأنني أتابعها.

وفجأة فطنت إلى أنها تنظر لي في لوم وقد كفت عن الكلام الرتيب، ولما نظرت إليها قالت:

ـ أنا أسألك!!، وكالعادة لا إجابة عندك إلا (ام م م).

هذه مواقف محرجة جداً لهذا عليك أن تقنع الناس على سبيل الاعتذار أنك عبقري وأنك تفكر في عظائم الأمور. عليك أن تعتذر ثم تخرج ورقة مطوية وتدون فيها بعض الكلمات بلهفة ويد ترتجف، ثم تتنهد في ارتياح كمن فرغ من آخر بيتين في ملحمة الإلياذة.

غرابة أطوار؟ ربما… لكنها ليست أغرب من أن تقابل أختك فلا تعرفها، أو تكتشف زميلتك انك لا تسمع حرفًا مما تقول.

وكمــــا هي العــــــادة، شرود الذهن سوف يجعلني أفرغ من كتابة هذا المقال ثم أرسله لزوج خالتي كما أفعـل في كل مرة، بدلاً من إرساله لهذه الجريدة الغراء، وسأزعم أنني كنت أفكر في المقال التالي!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

نتنياهو وأوشفتز… ورقة الشفقة ومذكرة الاعتقال

نشرت

في

صبحي حديدي:

ذكرت تقارير صحفية إسرائيلية، تضافرت مع أخرى بولندية، أنّ رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يعتزم السفر إلى بولندا للمشاركة في إحياء الذكرى الـ80 لتحرير معسكر أوشفتز النازي، جنوب بولندا، والذي اقتحمه الجيش الأحمر السوفياتي في 27 كانون الثاني (جانفي) 1945.

صبحي حديدي

قرار نتنياهو نجم عن خشية جدية حيال احتمال مبادرة قاضٍ بولندي ما إلى طلب توقيفه، تنفيذاً لمذكرة الاعتقال التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزّة؛ خاصة أنّ نائب وزير الخارجية البولندي صرّح بأنّ بلاده موقّعة على النظام الأساسي للمحكمة، وتلتزم به. رئيس دولة الاحتلال سوف يغيب أيضاً عن الذكرى، وسيكون وزير التربية هو ممثل الكيان الوحيد، في محفل دولي يُنتظر أن يتقاطر إليه عشرات من زعماء الغرب والعالم.

هذه الواقعة ليست سوى نزر يسير من أثمان مستحقة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، المتواصلة ضدّ قطاع غزّة منذ 443 يوماً متعاقبة؛ أفلتت دولة الاحتلال من العقاب في تسعة أعشارها، بسبب تواطؤ الدول ذاتها التي ترفع راية شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولا ترى في جرائم الحرب الإسرائيلية سوى حالة “دفاع عن النفس”. لكنه ثمن ليس بالرخيص على الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية في طول العالم وعرضه، بالنظر إلى المكانة الرفيعة التي حظيت، وتحظى، بها ملفات الهولوكوست واحتكار موقع الضحية عموماً؛ وهذا المعسكر تحديداً، دون سواه أو بصفة امتيازية، في استدرار عطف الشعوب والرأي العام، والضغط على الحكومات والهيئات والمؤسسات استطراداً.

كانت أوشفيتز وصمة عار، وجريمة نكراء بحقّ الإنسانية جمعاء، وصفحة دامية سجلت محطات انحطاط سوداء في قلب الفكر السياسي الأوروبي وفصوله التنويرية الزائفة والعنصرية؛ لكنّ إعفاء الصهاينة من التوطئة لها، والتواطؤ فيها وعليها مع النازيين، لا يضيف الإهانة إلى جراح الضحايا اليهود أنفسهم فقط؛ بل يواصل إنتاج وإعادة إنتاج السيرورة الشنيعة لانقلاب الضحية الإسرائيلية إلى جلاد ضدّ الضحية الفلسطينية.

في سنة 1993 أحيت الإنسانية الذكرى الخمسين لانتفاضة غيتو وارسو، بحضور إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، الذي حرص قبيل سفره على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى “غيتو فلسطيني” قسري. وأمّا مارك إيدلمان، اليهودي الوحيد الذي نجا من ذلك الغيتو، فقد أعلن أنه سئم المقابلات الصحفية والتصريحات الجوفاء: “ما جدوى غربلة الماضي إذا كنّا قد فشلنا في تعلّم دروسه؟ الغرب ما يزال يضع الخطط الستراتيجية في المرتبة الأولى، ويفضّلها على الأرواح البشرية. ما يجري في يوغوسلافيا اليوم هو انتصار لهتلر وهو في قبره، والغرب يكرّر أخطاء الماضي مثل تكراره بلاغته الكاذبة ونفاقه الفاضح!”.

فكيف لو أنّ إيدلمان عاش إلى أيامنا هذه، وأبصر جرائم الحرب الإسرائيلية والتجويع والتطهير العرقي وقصف المشافي والملاجئ والمساجد والكنائس، بأيدي أحفاد ضحايا غيتو وارسو ومعسكرات أوشفتز وتريبلنكا وبوخينفالد وداخاو…؟ أو إذا شاء فتح فضائح اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (القيادي الصهوني البارز وأحد أقطاب الـ “ماباي”، حزب بن غوريون)؛ الذي تعاون مع النازيين خلال سنتَي 1944 و1945، لشحن نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، مقابل تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين؟

وقد يجد نتنياهو بعض العزاء في السفر إلى بلد مثل الولايات المتحدة لا يعترف بالمحكمة الجنائية إلا إذا طالت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو إلى بلد مثل هنغاريا يعترف بالمحكمة ولكنه يلقي بمذكراتها إلى سلّة المهملات، أو حتى إلى فرنسا بلد حقوق الإنسان التي صادقت على المحكمة ولكنها أفتت بأنّ نتنياهو يمتلك حصانة ضدّ قراراتها…

يبقى الأصل، مع ذلك، أنّ مذكرة الاعتقال أسقطت الكثير من امتيازات ورقة أوشفتز واحتكار موقع الضحية.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

صن نار