جور نار

هندسة البطاطس (4 ب)

نشرت

في

En images: plus d'embouteillages à cause des voitures autonomes ? |  Techniques de l'Ingénieur

من الأكاذيب الرائجة عندنا أننا بلد سياحي، ومن كثرة تردادنا لهذا الوصف أننا انتهينا بأن صدقنا أنفسنا تماما كأي كذّاب مع أية كذبة كثيرة التكرار … حاشى السامعين … نحن لو تمعّنّا جيدا حولنا وطرحنا بعض الأسئلة فسنصل إلى أننا لسنا بلدا سياحيا البتة … وأول سؤال: لو لم تكن من هذه البلاد وكان لك الاختيار بين زيارتها وزيارة غيرها، هل ستركب الطائرة وتشقي نفسك وتأتي؟

<strong>عبد القادر المقري<strong>

أعيد دائما “وكان لك الاختيار” … تصور لو يقال لك مثلا إنك ستقصد بلدا كل حركته منحصرة بين الثامنة صباحا والثامنة ليلا، وبينهما ما يشبه حالة الطوارئ ومنع الجولان … شوارعه مزدحمة جدا بالنهار وقفراء مظلمة منذ ما بعد المغرب … وازدحام شوارعه ليس من كثرة النشاط والتجارة والمعروضات الجذّابة كمدن آسيا، بل من هذا العدد المهول من السيارات الخاصة التي لا تعرف أين ترسو ولا من أين تمر … يمتطيها مليون سائق متوتر الأعصاب نافر العروق جاحظ العينين “من صباحك يا ربي” يلعن ويربرب ويضغط على منبه السيارة حتى السماء السابعة … وفي المشهد وسائل نقل عمومي نادرة عجفاء سوداء متسخة مكتظة بدورها تبقى الساعات متأخرة أو متحركة ببطء أو واقفة تماما بعد عطب ما …

وعلى ذكر وسائل النقل … لا يوجد بذلك البلد سيارات أجرة “أوبر” من التي على الموضة اليوم بل تاكسيات تقليدية نصف أمراض السكر والدم من توابعها … فهي على عددها الضخم تختفي تماما عند الحاجة، أو تمر متجاهلة عندما ينوي سائقها الذهاب للأكل، أو تختار مواقعها كالمطار حيث تعريفتها تشبه الضريبة على الدخل … كما لا يوجد مترو أنفاق سريع الرحلة يوصلك في دقائق قليلة إلى مبتغاك بكل هدوء وسلام … بل يوجد “مترو” هو في الحقيقة قطار مكهرب بعرباته وعباده، العربات متعبة مملوءة زافرة الرائحة، والتأخير المشطّ قاعدة لا استثناء لها، والحركة حلزونية متورطة بدورها في الزحام المروري العام… فالمترو يأخذ من طريق السيارات، والسيارات عند الشدة تأخذ من سكة المترو، ولك أن تضع شاشية هذا على رأس هذا كلما شاءت الظروف …

في تلك الشوارع يمكن أن تدفعك الحاجة إلى البحث عن دورة مياه عمومية كما يحصل في البلاد المتحضرة … عبثا تحلم ولا تتعب نفسك، فهم لا يعرفون هذا الرفاه … ربما كان في الماضي محل أو اثنان ولكن حالتهما وحالة من يرتادهما خير لك أن لا تعرف عن ذلك شيئا … فتلجأ إلى مقاه غالية السعر ومع ذلك لا ترى نادلها إلا مرة بعد ساعتين وبالصدفة إذا لزم الأمر وربما تضطر نفسك للسؤال عنه … ثم هو لا يرتدي غالبا زيا مميزا بل يلبس مثلك ومثلي إلى درجة أنك قد تخطئ في أحد الزبائن وتجد نفسك متلعثما معتذرا … تجلس ممنيا النفس باستراحة مستحقة بعد سير طويل، فإذا بانفجار قهقهة من مجموعة تجلس على طاولة غير بعيدة تليها قهقهات أخرى وكلام بصوت عال يكاد يصم أذنيك … إنهم التونسيون حين يتهامسون” في مكان عمومي غير عابئين بالآخر ولا براحته ولا بجد والديه” …

ـ يتبع ـ

.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version