جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 13
نشرت
قبل 10 أشهرفي
…تلك كانت رحلة الاكتشاف الاولى لمدينتي العتيقة من باب الجبلي حتى الباب الشرقي وبالتحديد نهج الجم حيث ماخور البغاء العلني والذي لم ادخله الا في السنة الرابعة ثانوي وللحكاية بقية عندما ابلغ تلك المرحلة …
سنتي الاولى في “الحي الزيتوني” شهدت هي ايضا مجموعة من احداث طفولية بحتة …لنبدأ بطريق المهدية (بالتحديد بساقية الدائر) حيث اقطن في غابة من غاباتها …في تعليمي الابتدائي لم اكن اعرف ساقيتي عميقا … دراستي الابتدائية كانت بساقية الزيت ويوم انتقلت لدراستي الثانوية كان الذهاب الى معهدي ايسر عبر ساقية الدائر …نعم انا كنت اسكن بين الساقيتين الا ان الخروج الى ساقية الدائر كان ايسر نظرا لعبوري اجنّة الجيران (دار غربال) بورك فيهم جميعا ورحم امواتهم ..كان قابض البريد بساقية الدائر (المرحوم علي غربال) من ضمن الجيران الذين اعبر جنانه … كان كثيرا ما يعبر عن تضايقه من عمله باعتبار سوء الظروف المهنية انذاك واستعماله للهاتف الاسود الذي كان يدير يده الجانبية طويلا حتى يحصل على الخط لطلب اي رقم .. وليعبر عن غضبه من عدم استجابة الهاتف له، كان يعيد دوما نفس العبارة: “ملا شكشوكة” مما جعل جل حرفائه يلصقون به لقب شكشوكة … وكان ينتظرني في المساء وانا عائد من المعهد ليرافقني حتى منزلنا اذا لم تستطع عيادة رحمها الله ان تاخذ لحافها (السفساري) وتنتظرني في محطة الحافلة (الشرطة) خوفا على ولدها الذي يخاف الظلام جدا …
سي علي هذا اكتشفت بعد سنوات انه هو ايضا يخاف ظلمة الليل وينتظرني حتى نترافق في الدخول الي سكنانا …وكنت كثيرا ما اتأخر في العودة بعد انتهاء الدروس لسببين ..اولهما اننا كنا نختار بعض السوّاق الذين نفضلهم على آخرين وخاصة “الغروبي” و”الحصايري” لا لشيء الا لبشاشتهما معنا ولسرعتهما في السياقة …وكنا ابدا مثلا ان نركب مع سائق نلقبه “الداڨرة” لانه كان عبوسا جدا وكان كلما تاخر احد في النزول اغلق الباب بنرفزة متمتما: ملاّ داڨرة …اما السبب الثاني الذي يجعلني (“ني” وليس “نا”) اتأخر عن اخذ اية حافلة فهو انتظار الحبيبة … نعم تصوروا طفلا عمره 12 سنة يحكي لكم عن حبيبة ….؟؟؟؟… هي تقطن بالساقية، بقلب الساقية، تشابكت عينانا مرة صدفة فابتسمت لي ……يااااااااااااااااااااه …. انذاك حضر على شاشتي البصرية كل ابطال الغرام في مجموعة جرجي زيدان وارتسمت على شاشتي السمعية كل اغاني الغرام وفي مقدمتها ودون منازع العندليب ‘بحلم بيك’ و’بتلوموني ليه’ اساسا …
اذن كريّم محب وعاشق وولهان ..لذلك كنت انتظر امّا خروجها من منزلهم لاخذ الحافلة التي تمتطيها فتاتي ..او انتظرها في المساء للعودة معا على نفس الحافلة حتى ولو كان سائقها الداڨرة… لست ادري اين اضع ذلك الحب او اصفه فقط لم يحصل اطلاقا ان سمعت صوتها او تحادثت معها او التقينا خارج جغرافية الحافلة ..فقط كنا نتخطّف احيانا نظرة اوابتسامة ويوفى الحديث (الذي لم يبدأ مطلقا) …من اجلها دخلت عالم الكشافة اذ انه بعد “تنسنيس” كريّم الطفل عرفت ان ابن عمها كشّاف …يا للكنز الذي عثرت عليه …عالم الكشافة عالم ثري جدا بالنسبة لي في ذلك الزمن خاصة وانا المعروف عني نشاطي وحيويتي ..رحّب بي القادة واقترحت عليهم مجلة حائطية اسبوعية لبعض الخواطر نتدرب على كتابتها جميعا …وصدر العدد الاول وكنت الوحيد الذي كتب فيها وكان العدد الاول والاخير لانني رسمت عليها حكاية عشقي لحبيبتي ..فكانت كتابتي فاضحة وموجّهة “عيني عينك” للحبيبة … فهم القائد (المنجّة انذاك) اطال الله عمره، فهم سرّي خاصة وهو يتابعني دون ان ادري في ترحالي معها في الحافلة ..
دعاني للقاء ثنائي وقال لي: “انا خوك الكبير ونحب ننصحك راني نعرف حكايتك انت وفلانة ..قريبها معنا في الفوج وسيذبحك لو كشف سرّكما …. انصحك بوضع حد للحكاية” … كانت صدمة مهولة بالنسبة لي ..لا خوفا من ابن عمها وسكينه بل كيف لسي المنجّة ان يتجرّأ ويتدخّل في شؤوني. ..؟؟؟ .. و”كبرت في دماغي” وقلت له: “مانيش عيّل ونعرف اش نعمل …انت قائدي فقط في الكشافة دون ذلك لا دخل لك في حياتي الخاصّة” … تصوروا كريّم وهو في الثانية عشرة من عمره له حياة خاصة، يعطيني للذبّان عمى! اوقفت الجريدة الحائطية التي كتب لها ان تكون عددا يتيما تماما مثل اغنية ثريا عبيد “عودتني ع الودّ”، وقررت ان اوطّد علاقتي بابن عمها وفعلا توطدت العلاقة وصرت من زائري منزل ابن العم طمعا في رؤية ابنة العم .. وما حبّ الديار سكنّ قلبي .. ولكن حبّ من سكن الديارا …
والغريب الذي لم افهمه لحد الان اني لم احظ ولو مرة واحدة برؤيتها خارج الاطار القانوني (الحافلة)!…فالكهوف التي تغلق فيها الابواب على الحريم وبنات الحريم امر معقول في ذلك الزمن.. حسرتي على كهوف تغلق على الادمغة والقلوب في زمننا الرديء هذا …ولم تتوقف الكتابة عندي … اصبحت اؤلف القصص الغرامية التي هي في جلها اقتباس لابطال الغرام لجرجي زيدان في مجموعته “فتاة القيروان”.”فتاة غسان” ..”شجرة الدر” ..17″ رمضان” ..”احمد بن طولون” ..”جهاد المحبين” وغيرها … والانكى اني كنت دوما اقدّم محاولاتي الكتابية للشيخ الاستاذ محمد قطاطة ابن عم الوالد رحمهما الله للاطلاع عليها وابداء رأيه فيها …وكان باسلوبه الهاديء الجميل يشجعني على الاسلوب ويضيف: “تبقّينا اكتب في مواضيع اخرى زادة” … يقولها ويمضي دون حتى مجرد النظر اليّ…
باختصار كانت تجربة طفولية بريئة جدا جدا جدا انتهت مع انتهاء السنة الدراسية …كيف لماذا …؟؟؟ صدقا لا ادري …
سنتي “الاولى ثانوي” شهدت ايضا حدثا لا ادري ما اسميه ..دعوني اختزله مرة اخرى في عبارة “اقدار” وستكتشفون ذلك ..الحدث في بداية سنتي الاولى في تعليمي الثانوي وبالتحديد في ديسمبر 1961 وفي الثامن منه، كان مولد اذاعة جهوية سمّيت على بركة الله ا ….ذ ….ا …ع ….ة …. ص…ف ….ا ….ق …س …آسف على تقطيع الكلمة …ولكن هو اسلوب للتعبير عن الألم من اناس قطّعوا اوصالها وعبثوا بها ..وهم لم يدركوا يوما انهم قطّعوا شرايين العديد من ابنائها ومن مستمعيها …سامحهم الله ….اذاعة صفاقس كانت بالنسبة لنا نحن في صفاقس مفخرة … نشأتها مفخرة .. لا فقط للجهة بل وللجنوب عامة ..عندما استمعنا للكبير الزميل احمد العموري يوم 8ديسمبر من دار البريد بطريق تونس وهو يعلن مباشرة عن افتتاحها ….كان عرسا بالنسبة لنا ..لم اكن ادرك كثيرا مغزى فرحة جل اهالي صفاقس بها انذاك لأن ابرتي كانت موشومة بالاذاعة التونسية وبالسيدة علياء اولا وبالبقية ثانيا …كنت احفظ من الاذاعة الأم عديد الاغاني _البوز انذاك في الاذاعة الوطنية (اش علينا لنعمة، لأ لأ ما نحبكشي لصفية شامية، أه يا خليلة لصليحة، والله ىالو ما نخاف من الله لنبيلة التركي، نصبر نصبر والصبر اولالي لاحمد حمزة، وريحة البلاد للجموسي طبعا… و كذلك بعض الاغاني الوطنية وفي مقدمتها انذاك “يا حبيب تونس يا عزيز علينا” و “ياسيد الاسياد” …
عندما استمعت لاذاعة صفاقس اول مرة اكتشفت الوانا جديدة لحمزة: “ارجع يا عمي يهديك” و”شدوها الخنابة”، ولصفوة “رد بالك رد”، ومبروك التريكي “يطول عمرك يا اميمة” …ولكن الاكتشاف الاهم كان الشيخ بودية في الفولكلور او في النوبات وخاصة سيدي منصور .. اذاعة صفاقس.في بدايتها لم ترق لي برامجها …وجدتها معلّبة جدا وجدّية اكثر من اللزوم ..ولعل اول برنامج استرعى انتباهي هو “الحان وطرائف” لعلي المكي رحمه الله … استرعى انتباهي لانه كان بلغة عامية بسيطة على عكس جل البرامج الاخرى التي انتهجت انذاك الفصحى فبقيت حكرا على النخبة …استمعت الى الحان وطرائف وهو برنامج اسبوعي خفيف يختتمه سيدي علي بلغز وهو عبارة عن احجية تنطلق من امثالنا الشعبية …يومها كان المقصود من احجيته “الهندي” … سارعت باخذ القلم لكتابة رسالة للبرنامج ذاكرا حلّ اللغز …وانتظرت موعده في الاسبوع الموالي وبدأ سيدي علي بذكر اسماء المستمعين الذين راسلوه …وفجأة …هاهو عبدالكريم قطاطة !…
فرحتي لم تسعني انذاك رغم انها كانت الرسالة الوحيدة التي ارسلتها لاذاعة ما في حياتي …هل تفهمون الان لماذا طيلة حياتي الاذاعية لم اهمل يوما رسالة واحدة وصلتني من اي مستمع كان ..؟؟؟ سعادتي التي احسست بها وسيدي علي يذكر اسمي اذاعيا هي التي كانت دائما حاضرة وبعمق كلما افتح الرسائل وهي بمئات الالاف طيلة مسيرتي … الرسائل في السنة الاولى من عملي باذاعة صفاقس كانت بمعدل 3 الاف رسالة اسبوعيا واقسم لكم بكل المقدسات اني لم اهمل طيلة حياتي رسالة واحدة لاني عشت تجربة ان يكون المرسل سعيدا حتى عند ذكر اسمه فقط … صدقا كان اهتمامي باذاعة صفاقس مقتصرا على جانب الاغنية فيها …وكنت اثناء راحة الغداء اذهب احيانا الى منزل اختي الكبرى بزنقة بن سعيد لاتغدى عندها و”اشويها”حسب تعبيرها لاني لا آكل من الخبز اللفيف الا “قرقوشه” الفوقي واترك لها البقية … كنت في منزلها افتح الراديو (راديولا) واستمع الى اغاني اذاعة صفاقس …ولا شيء غيرها …
وحدث ان ذهبت مرة الى منزلها فوجدت عمة زوجها ضيفة عندها وهي كبيرة في السن عزباء يخاف منها الجميع “عيشة راجل” شكلا ومضمونا … وكانت على بعد امتار من المنزل صالة تقام فيها الافراح وكانت “كسودية” عازفة البيانو الشهيرة “تشرڨع” بصوتها المبحوح دخانا ومشروبات لا علاقة لها بالبراءة ..وعمة رجل اختي تمتّع سمعها وتشنّفه بكسودية …ونظرا إلى ان مضخم الصوت كان يقلقني جدا كنت من جهتي استمع الى المذياع وهو “يشرڨع” بدوره حتى اخفي صوت كسودية …وعبثا حاولت العمة اثنائي عن صنيعي حتى اخفض من صوت الراديو ..عنايدي الله غالب… فكان ان دعت على كريّم دعوة قالت عنها امي عندما سمعتها: “اللطف على ولدي بعيد الشر عليه” … هل تدرون ماذا دعت العمة ..؟؟؟ نظرت اليّ عميقا وانطلقت كقطار سريع تتمتم وتهدر دون ان تحلّ رموز التمتمة او الهدير … نظرت اليّ شزرا وختمت اطروحتها بغضب شديد وهي تدعي: “برة يجعلك تطلع تخدم في الاذاعة” …
ياااااااااااااااااااااااااااااااااااه الم اقل لكم اقدار …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
اتسمت أواخر السنة الماضية 2024 بتوسيع عدد من بؤر الصراع وسقوط ضحايا مدنيين واطفال فلسطينيين على يد النازية الصهيونية المدعومة أمريكيّا وغربيّا، كما تم تسجيل اعتداءات غاشمة ضد لبنان تحت ذريعة ضرب حزب الله.
وإن نجحت الآلة الصهيوأمريكية في إضعاف قوة المقاومة بغزة او بلبنان، فانها لم تحصل على اي انتصار استراتيجي طبقا لمخططها المتمثل في تهجير فلسطينيي غزة إلى صحراء سيناء وفلسطينيي الضفة إلى الاردن. هذا بالإضافة إلى فشلها الذريع في “انقاذ” الأسرى الصهاينة أحد أهداف اكتساحها العسكري لغزة و رفح… أما ما دفعته اسرائيل من خسائر فيصل إلى حوالي 10 آلاف جندي ومئات المدنيين وانعدام للأمن في جل المدن (حيفا، تل ابيب…) بالإضافة إلى القطاع الشمالي وفرار سكان المستعمرات… كما خضع الكيان إلى ضربات موجعة سددتها له المقاومة بلبنان والعراق وغزة واليمن لحد الاسبوع الاخير من السنة المنقضية.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد تم بسوريا اسقاط نظام الاسد، وتعيد بعض التحاليل سهولة اكتساح المدن السورية الهامة وخاصة العاصمة دمشق، إلى أن سبب ذلك اتفاق بين عديد الاطراف لا سيما بين الروس والامريكان يتم بمقتضاه إزاحة بشار وخروج روسيا من قاعدتي حميميم وطرطوس بسوريا، مقابل تخلي الولايات المتحدة والغرب عن دعم اوكرانيا، وتمكين روسيا من الجزء الشرقي لأوكرانيا والأراضي التي خططت موسكو لاستلامها او احتلالها. ويبدو جليا ان الروس قد يحولون وجهة قواعدهم بسوريا إلى ليبيا او ربما تقليص وجودها بسوريا ..
من ناحيتها تعود بعض الدول الخليجية إلى انجاز مشروع قديم متمثل في مد أنابيب الغاز نحو أوروبا عبر سوريا ثم تركيا التي تحلم بمرابيح هامة ثمنا لعبور هذا الشريان الحيوي نحو أوروبا، علما بأن هذا المشروع كان دوما مرفوضا من الرئيس السوري حافظ الاسد ونجله بشار… وكان على الامريكان والغرب والأتراك وبعض دول الخليج تنصيب سلطة في دمشق على مقاس المخطط بدعم من تركيا وحشد للفصائل الإرهابية خاصة (جبهة النصرة و جيش الشام و صفد و ما يسمى “المقاومة السورية”) وهي المدعومة والمسلحة من الأتراك وأطراف اقليمية عربية… ويمكن الإشارة منذ الان إلى أن الرابطة الجامعة للفصائل والعملاء لن تصمد مثلما تم التخطيط لها.
الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا عرفت خلال الأسابيع الأخيرة متغيرات هامة جدا على مستوى المجابهات الميدانية، فروسيا ضاعفت هجوماتها ولم. تستثن هذه المرة العاصمة الاوكرانية “كييف” فيما هرع الاوكرانيون نحو سوريا و عرض مساعدتهم الغذائية لها ومحاولة دفع الزمرة الحاكمة إلى طرد الروس… ويشار إلى أن اوكرانيا قد ساندت الفصائل الإرهابية و ما يسمى بالمقاومة السورية منذ اكثر من سنة …أما العامل الأهم فقد تمثل في غلق قنوات الغاز المصدر إلى أوروبا والذي يمر عبر الأراضي الاوكرانية…
ورغم ان اوكرانيا اختارت هذه المبادرة العدوانية تجاه الاقتصاد الروسي وايضا تجاه بعض البلدان الغربية خاصة ألمانيا و فرنسا، فانها تاتي بالتزامن مع نهاية العقد المبرم مع الروس والذي ينتهي في 31 ديسمبر 2024، الا ان الاوكرانيين يسعون لاستعمال قطع الغاز ورفض تجديد العقد رغم حاجة الغرب الضرورية للغاز خلال هذه الاشهر الباردة، ويأمل الغرب للإسراع بسد هذه الثغرة الطاقية بسرعة في نجدة بعض بلدان الخليج عبر سوريا، مما يدفع إلى الظن بان الغرب منخرط في دعم موقف اوكرانيا لتقويته عند احتمال مفاوضات محتملة مع الروس…
وبما ان عملية قطع الغاز المار عبر اوكرانيا ستكلف الجميع خسائر فادحة، فإن الأحداث التي تتوالى بسرعة خلال هذه المرحلة تنذر بمزيد من المتغيرات السلبية الخطيرة سواء على مستوى الشقيقة سوريا او على مستوى الصراع بين الروس والغرب.
عبد الكريم قطاطة:
عندما عُينت رسميا سنة 1998 رئيسا لمصلحة البرمجة باذاعة صفاقس، كنت مدركا جدا انّ ذلك التعيين يعني بالنسبة لي اعادة هيكلة المصلحة اداريا ومحاولة لتنظيم العمل فيها شكلا ومحتوى…
المصلحة وحسب المخطط الوظيفي الجديد كانت كالاتي: انا كرئيس مصلحة… زميلي عبدالجليل بن عبد الله كمساعد رئيس مصلحة… زميلي المرحوم جمال الدين خليف كرئيس قسم للبرامج المسجلة والتمثيلية… وزميلي المرحوم فتحي عطية الله كمسؤول عن اعداد الدليل اليومي للبث وعن الومضات الاشهارية… وطبعا كلهم تحت اشرافي… وكان لابدّ من تغييرات جذرية حسب رؤيتي وتجربتي في الميدان… كنت مثلا مستغربا جدا من وجود خليّة للاستماع للبرامج المسجلة… ودورها متمثل في المتابعة الدقيقة وحذف ما وجب حذفه والتعليق على محتواها من حيث الشكل والمضمون.. حتى تستفيد الادارة من تلك الملاحظات في شبكتها البرامجية المقبلة فتدعم من يستحق الدعم وتتخلى عمن اثبت انه غير جدير بالوجود الاذاعي … وهذا معمول به في كلّ الاذاعات…
اذن لماذ قلت (كنت مستغربا جدا) ؟ لانه بالنسبة لي من غير المنطقي ان نتابع البرامج المسجلة والتي لا تصل حجما الى اكثر من 10 في الـ100 من البث اليومي في حين لا تخضع البرامج المباشرة لايّة متابعة… بالنسبة لي كان ذلك خور لا يقبله المنطق… لذلك ودائما بالتشاور مع السيد عبدالقادر عقير، احدثت نواة لمتابعة البرامج المباشرة، هدفها الاساسي مدّ الادارة بملاحظاتها بعد متابعتها ولنفس الغرض… معرفة تلك البرامج شكلا ومحتوى حتى يقع التقييم العلمي لجودتها… وكانت هذه النواة مكلفة يوميا وعلى شكل 3 فترات منذ انطلاق البث حتى اختتامه، بحيث يتكفل المتابع بفترة واحدة بشكل متداول مع زميليه الاخرين… حتى لا يبقى مراقب الفترة الصباحية هو نفسه…
والهدف من هذا كان تنوّع الملاحظات والانطباعات من جهة، واخذ الاحتياطات المهنية والتي قد يكون من نتائجها السيئة تكوين عائلة دائمة لفترة ما، مما يخلّ بالنقد الصادق النزيه لمتابعي الانتاج… هذه المبادرة في بدايتها لاقت نوعا من التذمّر الخفيّ… اي نعم بعض المنتجين والمنشطين اعتبروا العملية عملية مراقبة وصنصرة لحريتهم … بينما كنت حريصا على تطبيق المقولة الفرنسية CONFIANCE C’EST BIEN, CONTROLE C’EST MIEUX… اي نعم للثقة لكن المراقبة افضل .. وهنا اعني بالمراقبة التي يستفيد منها كل الاطراف فالملاحظات التي يكتبها متابع البث اقوم بقراءتها بكل انتباه… ومن خلالها اتوجه اولا بالنصح لذلك المنشط لتفادي الاخطاء، ثم أعتمدها مع الادارة عند تقييم ايّ شبكة والاعداد للشبكة التي تليها… مهمة متابعي الانتاج اسندتها لزملاء اثق في صدقهم وكفاءتهم وفي نفس الوقت هم بعيدون عن الانتاج، حتى لا يكونوا خصما وحكما…
العنصر الثاني الذي اهتممت به في مصلحة البرمجة وعالجته بكلّ صعوبة في البداية لاني وجدت فيه عدم اقتناع كلّي به من بعض المنتجين لكنّ هؤلاء وبكل امانة انصاعوا للامر … لانّي لا اقبل الخضوع للجمهور عاوز كدة… العنصر الثاني يخصّ دليل البرنامج الذي يجب ان يعدّه المنشط بكثير من التفاصيل التي تهم برنامجه… وهنا انزلت الادارة وبطلب منّي مذكرة تمنع الفني من تنفيذ اي برنامج لا يقدم فيه صاحبه دليل برنامجه ممضى مني كرئيس مصلحة البرمجة… العملية هي عملية تنظيمية تخص المنشط حتى يدخل للاستوديو وهو واع بكل تفاصيل ما يجب تقديمه… ومن جهة اخرى يقع تقديم هذا الدليل للمصلحة حتى تتمكن من مراقبة المحتوى، مواضيع وضيوفا واغاني لتفادي تكرارها في برامج اخرى…
للامانة… ساقصّ عليكم حادثة وقعت مع احد المنتجين الذي كان يدخل للاستوديو بدليل برنامج فيه اسم البرنامج واسم المنشط… وفقط… نعم حتى الاغاني يترك اختيارها للفنّي…(لا .. ويخرج فرحان بروحو بعد انتهاء البرنامج)… هذا الواقع بالنسبة لي هو استسهال واستهتار بالعمل وسرقة للكاشيه الذي يتقاضاه… واحد من هؤلاء دخل الى مكتبي بعد التزامه بقرار دليل البرنامج المفصّل ومكرها كان لا بطلا… بعد شهرين من التزامه الاجباري باعداد دليل البرنامج دقّ باب مكتبي واستاذن… اذنت له… جلس على كرسيه وعيناه مثبتتان في الارض… بقي صامتا ولم ينبس بربع كلمة… بادرته بالسؤال: (اشبيك خويا العزيز عندك مشكلة ؟)… اجابني نعم عندي مشكلة وما نجمتش نحكي عليها ولكن يلزم نحكيلك عليها ..
نهضت من مقعدي كرئيس مصلحة وجلست على الكرسيّ الذي قبالته… وقلت له: هات ما عندك انا راهو خوك قبل كلّ شيء… نظر اليّ وعيناه تنبئان بدموع قد تنزل وقال: (جيتك باش نطلب منك السماح)… نظرت اليه باستغراب وقلت: (انا مسامحك رغم اني ما نتذكرش بالكل انك عملتلي حاجة خايبة)… قال لي: (تتذكّر وقت هبطت هاكي المذكرة الخاصة بدليل البرنامج؟) ..قلتلو: طبعا… قللي: (تعرف؟ المدة الاولى نغزر للشيطان وما نغزرلكش… وبعد وقت طبقت الفكرة عرفت قداش عندك حق وقداش وليت نخدم مرتاح وفرحان .. وجيت باش نعتذرلك)… قمت من الكرسي وعانقته وقلت له: (اعتبر ما صار شيء وانت امس واليوم وغدوة خويا)…
ولكن تجربتي سواء كرئيس مصلحة البرمجة او كرئيس مصلحة الانتاج التلفزي اثبتت انه وفي ايّة مهنة… الاخوة الاصفياء عملة غير متداولة بكثرة…
ـ يتبع ـ
جور نار
معرض مدينة تونس للكتاب… أدب الأطفال في صدارة الاهتمام والشراء
نشرت
قبل 5 أيامفي
29 ديسمبر 2024محمد الزمزاري:
تم افتتاح معرض الكتاب بشارع بورقيبة منذ يوم 25 ديسمبر لينتهي خلال يوم 11 جانفي من السنة القادمة وبالاحرى بعد حوالي اسبوعين يجمعان بين سنتين ذاتيْ أحداث ملفتة و مفصلية سواء على مستوى الوطن او خاصة على مستوى العالم…
ومثلما هي عادة المعارض المماثلة لن نأتي بجديد من حيث العروض المتنوعة للكتب المختلفة من علمية إلى أدبية إلى فلسفية او سياسية… لكن الذي جلب الانتباه هو التهافت على كتب ومنشورات الأطفال، خاصة ان اليوم يصادف عطلة المدارس والمعاهد وربما رياض الأطفال، كما أن يوم السبت قد يكون أيضا فرصة لعدد من الأولياء لزيارة المعرض صحبة أطفال متعطشين اكثر من أمهاتهم وابائهم لتصفح كتب الأطفال الميدانية بالصور الجذابة و الكتابة الواضحة اكثر من روايات دستويفسكي مثلا…
وقد لفتت نظرنا بعض نماذج من الكتب او الروايات او الشعر القيمة من خلال تصفح المعروضات على مدى اكثر من ساعتين حتى ان احد الاصدقاء الأدباء ظنني “كتابا” يسير في بهو المعرض جيئة وذهابا… وبما انه كان منقوص البصر وراء نظاراته فقد قضى وقتا طويلا قبل أن ينهي الموسوعة بتحيات حارة وثرثرة حول اصدار كتابه الجديد …
على المستوى السياسي لفت نظري كتاب متعلق بالمناضل اليساري و النقابي صالح الزغيدي للأستاذ منصف الباني وعنوانه “صالح الزغيدي بين النضال الفكري والسياسي” و يعلو هذا العنوان عنوان تفسيري هو: “من رموز اليسار التونسي”…
على مستوى الروايات لوحظ حضور الرواية الهامة للصديق الروائي “الأمين السعيدي” الذي شق طريقه بعد اصدار كمّ من الأعمال السردية الناجحة، ولعل ادقها و أكملها الرواية التي لاقت رواجا “مدينة النساء”… ثم لفت انتباهنا وجود رواية عالمية للكاتبة “باولا هوكنز ” تحت عنوان “عتمة الماء” وهذه الكاتبة كانت اصدرت رواية بعنوان “فتاة القطار” التي حققت اكثر مبيعات لصنف الرواية بأوروبا.
أما على مستوى الانتاجات الشعرية فقد تألق كتاب الزميلة الصحفية سمية بن رجب الذي تفيض صفحاته بقصائد شعر مبدعة، وسمية بن رجب هي دكتورة في علوم الإعلام والاتصال ويمكن القول انها تمثل جيل ما بعد الثمانينات، كما يذكر انها قاصة أيضا ومتحصلة على الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة وعلوم الاخبار سنة 2018 ولها حضور مميز و جوائز بالإضافة إلى انها باحثة في علوم الاخبار والاتصال ومتعاونة بجامعة منوبة في نفس المادة. .
ولا تكتمل صورة معرض الكتاب اذا لم نذكر رواج كتب الأطفال وحوالي 20 يافطة كبرى على شارع بورقيبة تقودك إلى مدخل المعرض وتزين المشهد بمعطيات دقيقة حول كل ولاية من ولايات الجمهورية لتنتهى على الجانب الأيسر قبل دخولك المعرض بخارطة جميلة تشرح بكل وضوح اسماء الأقاليم والولايات التي تكوّنها…
تطورات خطيرة قد تقود إلى مزيد من الدم والنار
هل يضع ترامب عهدته الجديدة… تحت شعار “عاد لينتقم”؟
سيدي بوزيد… “ثورتنا في فلاحتنا… ثروتنا في زيتونتنا ” عنوان الأيام الدولية للفلاحة
“غاز”
نحو حرب أمريكية شاملة على اليمن… بمساعدة قوات عربية!
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 6 ساعات
تطورات خطيرة قد تقود إلى مزيد من الدم والنار
- صن نارقبل 8 ساعات
هل يضع ترامب عهدته الجديدة… تحت شعار “عاد لينتقم”؟
- اقتصادياقبل يوم واحد
سيدي بوزيد… “ثورتنا في فلاحتنا… ثروتنا في زيتونتنا ” عنوان الأيام الدولية للفلاحة
- راجل و سيد الرجالقبل يوم واحد
“غاز”
- صن نارقبل يوم واحد
نحو حرب أمريكية شاملة على اليمن… بمساعدة قوات عربية!
- صن نارقبل يوم واحد
على جزيرة اصطناعية… الصين تنجز أكبر مطار في العالم
- صن نارقبل يوم واحد
الكشف عن قيمة الدعم الأمريكي للاحتلال منذ 7 أكتوبر
- ثقافياقبل يومين
رحيل الناقد الكبير أحمد حاذق العرف