تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 14

نشرت

في

Coloriage - Emoji d'escrime de personne | Coloriages à imprimer gratuits

….السنة الاولى من التعليم الثانوي كانت سنة العبث الطفولي بكل المقاييس …نجاحي في مناظرة السيزيام بقدر ما اسعد العائلة بقدر ما ملأني زهوا وفخرا بمعانيه السلبية ..ومخلفاته السلبية ايضا ..

عبد الكريم قطاطة
<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

كنت وانا امشي بين اترابي وانا اعبث معهم اشبه بطائر النسر الذي يرى في بقية الطيور من جنسه لا يعدون ان يكونوا (عصافير حيطي) … كنت احس بأني ملك والبقية رعية، خاصة ان محيطي العائلي لم يكن مؤهلا البتة لتأطير هذا الطفل النرجسي في داخلي ..كانت الامتحانات انذاك بنظام الثلاثيات وكانت اعدادي فيها جميعا سيئة للغاية ..وكان من الطبيعي ان ارسب .. ورسبت في سنتي الاولى من التعليم الثانوي … الغريب اني لم اتأثر بتاتا بهذا المصير ..كانت سنة دراسية جوفاء من التحصيل المعرفي … وحتى العائلة لم تتقبل النتيجة بشكل درامي … ربما لأني مقابل فشلي نجحت في شهادة ختم الدروس الابتدائية وتسمى انذاك “سرتفيكا” والتي لم يتسنّ لي اجراء امتحانها في سنة السيزيام نظرا إلى صغر سنّي ..

والسرتفيكا في ذلك الزمن كانت ذات بعد معنوي وعلمي كبير …هي بمثابة الباكالوريا في عهود متقدمة ..تصوروا فقط ان حاملها ونظرا إلى قلة اطارات التدريس في تلك الحقبة، باستطاعته ان يقوم بتربص تكويني بيداغوجي ليصبح معلما في الابتدائي ..نعم …ربما هو تجسيد للمثل الشعبي (من قلة الصوف تتجز الكلاب) … ولكن واقسم لكم بكل المقدسات انه ومن خلال تجربتي في التدريس الجامعي سنوات طوالا، اؤكد لكم ان يعض حاملي السرتفيكا يكتبون باللغتين العربية والفرنسية بشكل افضل من عديد الطلبة في الخامسة جامعي … نعم والله .. وهنا لابد من الاعتراف والاقرار بان هؤلاء الطلبة هم في الحقيقة ضحايا لانظمة تربوية وتعليمية فاسدة، وضحايا لتجارب تعليمية مخبرية كانوا اشبه بالفئران فيها …

وحتى انهي مع تلك السنة الاولى لابد من القول ان غزارة الاكتشافات فيها اعاقتني تماما على الاعتناء بدروسي ..اذ ليس من السهل على التلميذ انذاك عموما وعليّ انا، خاصة وانا المهتم دوما بالتفاصيل التي اعتبرها هامة في حياة الفرد بل واعتبرتها طيلة حياتي انها هي التي تصنع الفارق بين الواحد والاخر …ليس من السهل ان تمر تلك التفاصيل عندي مرور الكرام، فالانتقال من نظام تربوي ابتدائي ينحصر فيه عدد المربين في اثنين (واحد للعربية وثان للفرنسية)، الى نظام يجد فيه التلميذ نفسه امام فيلق من المربين، كل استاذ في اختصاصه … وانا كنت من ضمن اولئك الذين لم يعتبروا يوما الاستاذ مربيا عابرا آخذ منه العلم والمعرفة واعطيه يوم الاجابة ـ اي يوم الامتحان ـ ما حفظته ..معدتي لم تكن يوما كالاسفنجة تضعها في الماء ثم تعصرها فترد لك ما حملته في احشائها من ماء .. معدتي بقدر ما هي سريعة في هضمها للاكل بقدر ما هي لا تتسرع غالبا في تعاملها مع ما ترى وما تسمع …

كنت وانا في تلك السن اهتم جدا بتفاصيل كل استاذ في تعامله معنا … على حساب التحصيل المعرفي نعم، ولكن هكذا كنت ..وما زلت .. كنت مثلا مزبهلا بكل تفاصيل تفاصيل شخصيات الاساتذة … كنت استمتع مثلا بصياح استاذ الرياضة (السيد حبيب مرزوق، اطال الله عمره) وكم سعدت للقياه قبل عيد الاضحى وهو يوقف السيارة التي كان على متنها ويناديني بصوته الجهوري: “ايجا يا عبدالكريم هذا رقمي ونحبك تكلمني عندي ما نقلك على السي اس اس” ..كيف لا وهو من قدماء لاعبي النادي كمتوسط دفاع في الخمسينات … استاذي هذا كان يعيد دوما عباراته المشهورة وهو يشاهد احد التلامذة يتقاعس في التمارين الرياضية: “ايجا هنا انت يا بوريكو يا مقرونة!” … ولئن فهمت بعد سنوات معنى “بوريكو” اي حمار، فلم افهم لحد الان ما دخل كلمة مقرونة وهو يعبر عن غضبه ..؟؟

نفس هذا الاستاذ كنا في شهر ماي وبعد ان تتحول حصة الرياضة في المعهد الى حصص تعلم السباحة في المسبح البلدي (الذي اصبح الان اطلالا حزينة)، كان يرمي بنا الواحد تلو الاخر في المسبح دون رحمة وكنا نتخبط في ماء هذا المسبح بكل رعب رغم اننا مطوقون بالواقيات من الخفاف ..وهو يعيد دوما: عوم يا بوريكو ..وما اذكره حسب ما رواه لي بعض اترابي ان واحدا من التلاميذ (محمود الفخفاخ رحمه الله) نزل كعادته في المسبح العميق تحت “السقالة” التي تستعمل عادة للارتماءات الهوائية (بلونجونات)… ومن سوء حظه ان وجد قميصه مشدودا باحد اعمدة السقالة الحديدية ولم يستطع الافلات منها … ولحسن حظه ان تفطنت عين سي الحبيب الى غيابه لمدة ثوان فاندفع كالسهم نحو اليمّ وخلّصه من موت محقق …

ذمن تفاصيل السنة الاولى اننا كنا ندرس مادتي النجارة والحدادة …ولانني لم اكن ولحد يوم الناس هذا بارعا في كل الاعمال اليدوية باستثناء “المونتاج” والذي بدأت معه مسيرتي المهنية في مؤسسة الاذاعة والتفزة التونسية وللامر هذا عودة في ورقات قادمة .. اذن لانني كنت ابهم البهائم في الاعمال اليدوية كنت اتلهّى باشياء ثانوية في تلك الحصص ..واذكر اني ذات مرة دعوت زميلا لي في الدراسة للقيام بـ”طرح” مبارزة بالسيف بيننا ..ولم تكن سيوفنا الا تلك المبارد التي نستعملها في حصة النجارة …كنا “شائخين” باللعبة خاصة ونحن نرى شذرات وومضات النيران (“الدڨداڨ”) تنطلق من المبردين ..وكأننا فارسان مغواران يتحاربان من اجل فتوحات وهمية …ولم نكن ندري انذاك اننا قضينا بفعل ضرباتنا المتبادلة على المبردين الذين اصبحا في عداد المبارد الموؤودة ..

ولأن استاذنا الرائع في وداعته (سي عمر) مجبر يوما ما على السؤال: “باي ذنب وئدت المبارد” أي حفيت، فانه اضطر كارها ان يرفع امرنا الى الادارة اي الى ستالين المعهد ومديره السيد احمد الزغل اطال الله في عمره ومتعه بالصحة ..وما هي الا لحظات حتى اتانا سي الزين الفراتي رحمه الله وهو اشبه بـ”لوريل” مقطّبا عابسا يدعوني انا وزميلي للمثول امام المدير …وبكامل الزهو واللامبالاة ذهبت …وما ان وصلنا حتى خرج الينا سي احمد من مكتبه الذي لم ادخله يوما ككل التلاميذ فهو مكان مقدس باتم معنى الكلمة وليس علينا فقط بل حتى على جل الاساتذة …. نظر الينا سي احمد بعين لم نفهم سرها وغليونه لا يفارقه ثم (يا رحمان!) “داودي” لم اذق مثله في حياتي وهو الثاني والاخير بعد داودي “مسيو دوميناتي”، في مدرسة واد القراوة التى كم احبها …

لم انتظر اية كلمة منه وعدت الى القسم الخاص بالنجارة وحملت محفظتي وغادرت المعهد الى بيتنا …اندهشت والدتي من عودتي المبكرة وزاد هلعها وهي تسمعني ابكي و اتوعد واقول لن اعود الى المدرسة …بعد ان حكيت لها عن الصفعة الشهيرة ..هي لم تسأل عن الاسباب وانبرت تدعو على سي احمد ذلك الذي سمح لنفسه بضرب طفلها “اللي اش فيه ما يتضرب” … وما ان جاء والدي حتى “حمّشتّو” على سي احمد، بكل ما تعرفونه عن اية زوجة لها تأثيرها السحري الرهيب على زوجها …_ وعيادة الله يرحمها كيف تنوي تطيّحو زايد تطيّحو رغم صلفه الشديد وعنطزته المهولة اليس كيدهن عظيما ؟؟؟…

و”ماكانش من العاكسين” .. ازبد الوالد وتوعّد بالثبور الويل له سي احمد هذا …اشبيه يحسايب الدنيا على ڨرنو .؟؟ غدوة نورّيه الرجال اشتعمل … طبعا مع وابل من السب والشتم على كل لون يا كريمة وسي محمد رحمه الله بارع في هذا القليّم ….حملني في الغد الى المعهد وطالب فورا بمقابلة هذا المدير الذي اهان ولده …والغريب اتني لحد الان لم افهم كيف خضع سي احمد الزغل وما ادراك لموقف والدي المتمثل في (عاقبو كيف ما تحب اما ما تضربوش …ما نسمحلكش باش تمس ولدي) … وانتهت حكاية المبارد التالفة عند ذلك الحد …وحتى عندما فاجأت سي احمد الزغل يوما بزيارته مع مجموعة من اصدقاء الزمن الجميل الى منزله اعترافا له بالجميل، لم اجرؤ صدقا على العودة لذلك الموقف خوفا من احراجه …خاصة ان علاقتي به توطدت جدا بعد عودتي من فرنسا وبالتحديد عبر برامجي الاذاعية وخاصة كتاباتي الصحفية …

فوجئت به يوما يطلبني عبر هاتف الاذاعة ويقول لي: “احمد الزغل معاك”، واين الدنيا التي تسعني انذاك ..قال لي اريد ان التقيك ..قلت له الان الان وليس غدا ..ذهبت اليه وهو انذاك يشغل خطة رئيس بلدية صفاقس ..استقبلني بالاحضان وبعد بروتوكولات التحايا والسؤال عن الصحة والعائلة قال لي سي احمد وما ادراك …عندي طلب صغير منك لو تسمح ..لم ادعه يكمل حديثه وقلت له ..يا سي احمد راك سي احمد ..فكيف لك ان تطلب من ابنك طلبا ما ؟؟؟ انت تأمر وانا انفذ دون قيد ..وبكل سعادة وامتنان ونظرة افتخار منه قال: “انا اتابع جيدا برامجك وقلمك الصحفي .. وانت تكتب في عديد العناوين الصحفية فهل تسمح باعطائي نسخة من كل ما تكتب؟ ..انت قلم متميز و احد ابنائي الذين افتخر بهم ..هل تسمح ؟؟؟ تصوروا سي احمد يقول هذا …اجبت على الفور: ومن انا حتى تقول لي هل تسمح ..لك وعد سي احمد ان تصلك كل المقالات التي اكتبها …وحتى عند سفرك إلى تونس ساضعها لك في صندوقك البريدي ..وفعلا فعلت وبسعادة لا توصف ..

يااااااااااااااااه .كم هي السنوات كفيلة بان تعيد اعتبارنا للاشياء والمسميات والاشخاص ..نعم فهمنا جميعا ان ستالين الحي وهتلره وفرعونه كان يجب ان يكون هكذا او لا يكون لانه علمنا الاحترام واعطاء قيمة لهيبة المربين …وهاكم تشاهدون الان كيف اصبحت هيبة المربّين (في جلهم) منكسة الأعلام تعبيرا عن الحداد لا لموتها فقط (لانو لو كان ماتت ارتحنا) بل لاهانتها والاهانة اشد الما من الموت … رغم اني كلي ايمان بأن المربّي ولحد الان مازال قادرا على فرض الانضباط والهيبة لو آمن بدوره التربوي اولا قبل التعليمي، و بتغيير اسلوبه البيداغوجي الى فن راق في التواصل والذي يجعل التلميذ او الطالب يخضع لنواميسه وبكل استمتاع واقتناع ..صدقوني ومن خلال تجربتي في الجامعة كنت ومازلت قاسيا جدا في تعاملي مع طلبتي (قسوة البناء طبعا لا قسوة التقزيم) … ولكن رغم طبعي الذي يبدو ظاهريا بوليسي الملامح،في الفترة الاولى من التعارف على الاقل، كنت معهم دوما الاخ والاب والصديق والحبيب بكل عمق الاعماق وللحديث تفاصيل ضافية في ورقات قادمة …

من التفاصيل التي لا تنسى في سنتي الاولى ايضا اني لاول مرة في حياتي الدراسية يشتري لي ابي محفظة من مكتبة …نعم قبلها كانت محفظتي تخيطها عيادة من قماش الاكياس كسائر التلاميذ المعوزين انذاك …ثم كانت هدية الوالد بعد ان نلت السيزيام محفظة سوداء متوسطة الحجم، وكان كل همّ امي ثقلها وهي محمّلة بعديد الكتب والكراسات ..وكثيرا ما كانت تجبر اختي الكبرى على ان تحملها معي لمحطة الحافلة ..ولكني كنت اشترط عليها ان لا تصل معي الى المحطة ابدا بل تكتفي بحدود “الزنقة” قبل الوصول الى الطريق العام …وانا اردد في خلدي: ” الله الله على سيدي الطلطول عبدالكريم تهزلو اختو كارتبلتو …اشنوة يقولو عليّا مانيش راجل ..؟؟؟” …

من الاشياء التي لم انسها كذلك انني لاول مرة عند حلول الشتاء يشتري لي والدي رحمه الله (والاكيد بفعل معسول كلام عيادة) معطفا ….هو يسمى “ترواكار” اي يغطي ثلاثة ارباع الجسد ولشدة تعلقي به كنت لا افارقه كامل اليوم 24 على 24 ..حتى النوم انام به …وهذا حتما كان كافيا للقضاء عليه تماما في سنته الاولى لانه اصبح يشبه كل شيء الا ان يكون معطفا …جرّد وبره واصبح اشبه بالابرص …

هذه التفاصيل وغيرها في حياتي اليومية الدراسية جعلتني كثير الملاحظة دقيقها بدءا بالحافلة التي امتطيها مرورا بالمدينة العتيقة التي اكتشفت كل انهجها وازقتها وثناياها، وصولا الى المعهد بكل زخمه واحداثه واشيائه مما لم يترك لي مجالا للاعتناء بدروسي … كانت معدلاتي في الثلاث ثلاثيات لا تتجاوز السبعة على عشربين ..وكنت جديرا جدا بالرسوب لاني لا استحق النجاح وانا الذي لم اعره اي اهتمام ..التجربة رغم الخيبة لم احس يوما بالندم عليها ..كنت دوما ومازلت اؤمن بمسؤوليتي في كل ما يحصل وما اقوم به في حياتي ..لذلك استحق كل ما ينتج عن ذلك ..سلبا او ايجابا .. شكرا او سبا ..حبا او كرها … استحق ما جنته يداي …

ـ يتبع ـ…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 84

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الحديث عن ايطاليا البلد الذي احتوانا في تدرّبنا بالراي اونو حديث يحتاج الى مجلّدات .. اليوم ساحدثكم عن ايطاليا والمعمار والجمال ..

عبد الكريم قطاطة

لا نختلف في انّ جمال المدن الايطالية له رونق خاص وهذا ما دفع بالبعض وهو يصف بعض هذا الجمال يردد مقولات من نوع: (اشاهد فينيسيا، اي “البندقية” المدينة العائمة، ثم اموت) VEDERE VENEZIA E MORIRE .. … رغم انّ تاريخ هذه المقولة يؤكّد انها قيلت عن مدينة نابولي وليس فينيزيا ..ولانّ الجنوب كان ومازال ضحية التحيّل والظلم، تحوّل المثل الى البندقية … اي نعم كل جنوب قدره الاحتقار ..وحتى ايطاليا نفسها الواقعة في جنوب اوروبا يعتبرها الاوروبيون الاخرون حثالة اوروبا… رغم انهم يدركون جيدا انّ الفنّ خُلق في ايطاليا ..والسباغيتي ايطالية او لا تكون… والمثلجات بفففففففففف دنيا اخرى .. خللي عاد من الكورة المحنونة .. نودّكم ولا نشهّيكم ..

نحكي على اوروبا .. اما كي نحكيو على العالم كُرويا بالنسبة لي تبقى البرازيل عنوان السحر وتجي بعدها تونس (متاع الجرو والقادري!! .. ايّا نبدّلو هالصحيّن) .. في زمن ما… القرن الخامس عشر… اصبحت ايطاليا زعيمة العالم ورائدته في الفنون والثقافة ..وهو ما يسمّى عصر النهضة ..طبعا النهضة متاعهم موش النهضة متاعنا …ما اقرب طز لشرّڨ …في ذلك الزمن وتحديدا في افريل 1507 وضع البابا يوليوس الثاني حجر الاساس لبناء معلم الفاتيكان… والذي هو وبعبارة موجزة يمثّل مكّة بالنسبة للمسيحيين، لانّه مركز القيادة الروحية للكنبسة الكاتوليكيّة… وككل المشاريع الضخمة في المعمار كان عرضة للعراقيل لانّ بناء معلم الفاتيكان نهائيا لم يتمّ الا في 14 ماي سنة 1590 …

وكيف نكون في روما ولا نزور الفاتيكان؟ … الفاتيكان اصبحت فيما بعد اصغر دولة في العالم 0 فاصل 49 كيلومتر مربع مساحة… وسكانا لا يتجاوز تعداده 850 فردا ..هذه المعلومات اسوقها فقط للتذكير بها لكن ما هالني وانا ألج إلى كاتدرائية “الفاتيكان”سيكستين” هذا المعمار الضخم والرهيب …كنت اتساءل كيف للانسان في ذلك الزمن (القرن 15) ان يشيّد مثل ذلك المعلم وبذلك الحجم ..اعمدة رهيبة طولا وسُمكا .. كيف صنعوها ؟؟ كيف رفعوها وهي طولا بحجم عشرات الامتار وسُمكا بقطر دائري ضخم؟؟ .. بكلّ امانة لم ار في حياتي لا الواقعية ولا الافتراضية معلما بتلك العظمة… وهو مُحلّى بابهى الزخارف والفسيفساء اتسمعني ليونارد ديفنشي ؟؟ وبتماثيل عملاقة … قلت في بداية توصيفي له هذا المعلم الرهيب ..اي نعم ..رهبته تتمثّل في انّ كلّ من لا يحمل في قلبه ايمانا عميقا بالاسلام، قادر هناك في لحظات وجيزة ان يعتنق العقيدة المسيحية !…

معلم آخر وهو في قلب العاصمة روما لا يمكن لكلّ زائر للمدينة الخالدة ان لا يذهب اليه .. انها نافورة تريفي (لافونتانا دي تريفي) ..النافورة تُعدّ من اجمل نافورات العالم وهي من مواليد القرن السابع عشر واستغرق بناؤها 30 سنة… و منذ ولادتها ولحدّ الان ظلت محلّ رعاية واصلاح وتطوير (كيف المعالم التونسية اللي عندنا بالضبط قريب يطيحو على روسنا … وهي المصنفة في خانة “دار الخلاء تبيع اللفت”)… الشيء الخاص بنافورة تريفي انّها تختزن اسطورة منذ القدم ..فالسائح عند الوقوف امامها عليه ان يرمي بقطعة نقدية في فسقيّتها… حسب المعتقدات الايطالية، فإن القاء تلك القطعة النقديّة يحقّق لصاحبها كلّ ما يتمنّى وحتما سيعود لزيارة روما ..انا كنت طبعا من الذين القوا بالقطعة النقدية .. فقط لاخذ صور تذكارية … ولانّ نيتي كانت مخوّزة .. لم تتحقق برشة امنيات ومللي دفنوه ما زاروه …

الايطالي في حياته انسان (تعشقو عشق) يحبّ جدّا الحياة بكلّ ملذّاتها .. وفي نفس الوقت يؤمن بالعمل كقيمة حضاريّة ..الايطالي يمكن ان نفهمه من اغنية لـ”توتو كوتونيو” بعنوان (دعوني اغنّ)… لاشاتا مي كانتاري… لانه حتى وهو يتحدّث ويداه في حركات سمفونية رائعة، يغنّي .. حتى وهو يمشي (وهنا الاصحّ حتى وهي تمشي) هي تغنّي وترقص …الباعة الذين ينتصبون كلّ ايام الاسبوع في اماكن مخصصة لهم يعرضون بضاعتهم على الآخرين وهم يغنّون .. ربما هم من فهموا (المغنى حياة الروح … يسمعها العليل تشفيه ..وتداوي كبد مجروح ..تحتار الاطباء فيه ..وتخلّي ظلام الليل .. بعيون الاحبّة ضيّ .. شوي شوي شوي شوي غنيلي وخذ عينيّ) .. اصبحت لديّ شكوك في انّ الكبير محمود بيرم التونسي صاحب كلمات هذه الاغنية عمل حرقة في زمانو لايطاليا واستلهم من روح شعبها الفنان في كلّ شيء ..اغنية الستّ غنيلي شويّ شويّ …

وهنا يتوقف قلمي عن مواصلة الكتابة ..معناها بعد رائعة بيرم كلمة، وزكرياء احمد تلحينا، والستّ غناء نواصل انا في لغوي؟؟ عيب يا عبدالكريم عيب …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الدفعة الثالثة من الرد الإيراني… بالتزامن مع نتائج الانتخابات الامريكية أم قبلها؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

لفت الانتباه تصريح المسؤولين الإيرانيين خلال هذه الساعات الأخيرة، وهم يشيرون إلى ان النسخة الثالثة من الرد ستكون اكثر شمولية وقوة…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعود هذا الاصرار إلى الضغط الداخلي وايضا بسبب الحرص الإيراني على المحافظة على صورة الدولة القوية اثر محاولة التقزيم الذي عمد إليها نتنياهو وكررها داخل حكومته اليمينية… وخاصة ما ذهب اليه من ان إيران لن تتمكن من استعادة قوتها الصاروخية الا بعد سنة على الاقل… وفي المقابل يرى صقور السلطة الايرانية ان التحديات الصهيونية لاذرعها في لبنان و اليمن و سوريا وتحديدا ضرب الفرع العراقي، تضع صورة إيران في موضع محرج لا حل لتجاوزه الا بضربة ثالثة اكثر دقة و قوة و شمولية… و قد يقصد قادة إيران من “الشمولية” تحريك صواريخ الحوثيين و العراقيين وحزب الله بنفس التوقيت.

ويبدو من خلال الأحداث التي باحت بها هذه الساعات مع تصريح نتنياهو عن ضرب كل دعم إيراني لحزب الله انطلاقا من سوريا، انه سيتوسع في استباحة الاراضي السورية عبر مضاعفة الاغتيالات و ضرب القواعد والمباني على شاكلة لبنان وغزة ما دامت “الثيران العربية” مكسورة القرون… والعارف بالعقلية الإيرانية يستشف من القرار المفترض بالضربة الثالثة رسالة واضحة المعالم للولايات المتحدة الأمريكية. لكلا المرشحين (هاريس او ترامب) اعتمادا على قناعة البيت الأبيض الذي لا يرغب في فتح جبهات قد تقود إلى مواجهات موسعة بالشرق الأوسط.والخليج…

و في نظرنا وبعيدا عما صرح به الايرانيون حول الرد الاسرائيلي او ما أكد الكيان دقته و تدميره لكل القوى الصاروخية الإيرانية، فإن دفعة الضربات الثالثة من جانب إيران لن تقع الا اذا ما اقتنع مخططوها بانها ستؤثر جديا على مجريات الحرب الدائرة، سواء بين الكيان والمقاومة او بين إيران واسرائيل…

لكن يبقى السؤال الأكثر طرحا هو: هل أن نتنياهو ـ بمغامراته التصعيدية هذه ـ سيستمر في نشر الرعب لدى مجتمع الصهاينة الذي انتخبه؟ وهل ستكون الضربة الإيرانية الجديدة سببا في ازاحته حتى قبل التحاق الرئيس(ة) الأمريكي(ة) الجديد(ة) بالبيت الأبيض؟؟

ملحوظة أخيرة: تكهنات جريدة جلنار حول نتائج الانتخابات الأمريكية… فوز هاريس بفارق طفيف.

أكمل القراءة

جور نار

عندما تختلط البيروقراطية بـ”الخلفية المسبقة”

نشرت

في

محمد الزمزاري:

باعتباري اطارا سابقا بقطاع البريد، فقد آمنت دوما بأنه كان وأرجو ذلك لحدود اليوم مدرسة عتيدة تحظى بمكانة مرموقة بفضل دقة خدماتها و حتى تضحيات اعوانها من أجل اسداء خدمة ممتازة للمواطن.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

كل ذلك رغم الازدحام الذي تشهده مكاتب البريد عموما وتنوع تلك الخدمات المالية منها، بالاضافة إلى المراسلات بكل اصنافها… وإذ احيي اطارات واعوان البريد الزملاء القدامى فانه حرصا على الصورة الناصعة للبريديين، لا يمكنني المرور مر الكرام على بعض النقاط السوداء التي صدمتني كمواطن راغب في قضاء خدمة او تسوية غلطة “لا ناقة له فيها ولا جمل” ! … و ربما تتطلب هذه النقطة السوداء التي عشتها خلال يوم الأربعاء الماضي، تنقية قطاع البريد مما علق به مثله مثل عديد القطاعات العمومية وربما الخاصة أيضا للوصول بنا إلى تحقيق إدارة وطنية في خدمة المواطن دون أي ارتخاء او تعطيل او بيروقراطية. ….

أعود لاسرد انه خلال الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء الماضي تقدمت إلى مكتب بريد سليمان 1 (الواقع قرب محطة النقل) لمتابعة مصير رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالاستلام، كنت أرسلتها منذ. مدة ولم يتم اعلامي بالقبول من عدمه كما اني لم اتلق اي اعلام ( avis) على عنواني… ولدى استفساري بالنافذة تمت دعوتي لمقابلة رئيس المكتب وهذا يعد عاديا جدا ..قمت بالنقر على باب المكتب ثم انتظرت … واعدت الكرة مرتين في مساحة وقت تصل تقريبا إلى 20 دقيقة دون أية خلفية مادمت أدرك متطلبات العمل البريدي التي تشمل احيانا قبول احتساب رزم الأموال او اي أداء عمل اخر …

لفت انتباهي على الجانب الأيسر المحاذي لباب المكتب قلم تم ربطه بإسلاك حبل (سباولي) ازرق …وهذا أيضا لم. يتجاوز الا ابتسامة .. اطل السيد رئيس المكتب طالبا مني مزيد الانتظار ..وهذا أيضا شيء عادي رغم اني شاهدته وراء نوافذ المكتب للقيام بالتمام او توجيه مهني… اخيرا استقبلني السيد رئيس المكتب بطريقة جافة… لم أكن بحاجة لأي ترحيب قدر رغبتي في حل مشكلة رسالتي المضمونة الوصول التي لم أعلم عن مصيرها …

وفي واقع الأمر كنت لا انتظر حلا من رئيس هذا المكتب الذي فكر قليلا ثم اردف: (موزع البريد متغيب منذ يومين ولا نعرف أي سبب… عد غدا لعله يكون هنا ليرى مآل الرسالة… لكن عليك بتقديم طلب كتابي)… تبسمت قليلا وانا أدرك جيدا ان رئيس المكتب إما انه لا يعرف اني لست مطالبا بتحرير مطلب، وان بكل مكاتب البريد مطبوعات لمثل هذه الحالة (imprimé de réclamation) … وهذا خطير… او انه يعرف ذلك جيدا و يطالبني بالرجوع موكلا كل الشكوى للموزع “الغائب”… وقد يعيد لي الاسطوانة خلال الغد في صورة تواصل غياب موزع البريد… وهذا أخطر بكثير فقد جمع مزيجا من البيروقراطية وربما سوء القصد ..ولا ادل على ذلك اني من الغد عوض العودة لنفس مدير هذا المكتب تقدمت إلى مركز بريد اخر لتتم الاستجابة لي بسهولة …

مفارقة بين عقلية بيروقراطية و حرص على اداء الواجب ؟؟ هنا تطرح الاسئلة الحادة والرغبة الجامحة في تحسين الخدمات و تنقية الادارة من كل الشوائب العالقة ..

أكمل القراءة

صن نار