تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 104

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

ليس من عاداتي الخنوع والصمت امام ايّ ظلم او ظالم .. لذلك لم اكتف يومها بالتنديد امام مكتبي وبصوت عال وغضب شديد بذلك الاستجواب الذي طالبني فيه مديري بتفسير عدم امتثالي للتوقيت الاداري دخولا وخروجا للاذاعة… بل ولتوّه دخلت مكتبي لاردّ عليه كتابيا وبخطّ يدي وباسلوب لم اكتف فيه بالشراسة بل كنت وقحا للغاية…

عبد الكريم قطاطة

نعم وتعمدت تلك الوقاحة لاثير غضبه وبكل استفزاز… واحتراما لروحه رحمه الله لن انشر تلك الكلمات الوقحة وهاكم ردّي عليه:

(الى السيد عبدالقادر عقير مدير اذاعة صفاقس، وصلني مكتوبكم حول مواظبتي في الحضور بمقرّ عملي في التوقيت الاداري … وانني حيث اشكر سعيكم لتنبيهي لمثل هذه المخالفات فانني اودّ ان اشير الى الآتي: اوّلا من المفروض ان يقع لفت نظري لهذا الامر منذ اواخر 1998 تاريخ تسميتي على رأس مصلحة البرمجة بعد ثلاث سنوات ونيف … ثانيا ارجو ان يشمل هذا الاجراء عديد المسؤولين والاعوان وخاصة عديد (تيلت) اللواتي يُسمح لهنّ لا فقط بالتاخير بل بالتغيّب والاذاعة بكلّها تعرف ..على حدّ تعبير ولد الجزيري بعد سنوات يرحم والديه … ثالثا ..ارجو ان يقع حذف الـ 254 دقيقة مجموع تاخيري في 5 ايام، من الـ432 ساعة التي حوصلت انتاج برنامج اذاعة بالالوان دون ايّ مقابل مادّي ودون عطلة اسبوعية على امتداد 5 سنوات منذ توليك ادارة اذاعة صفاقس … رابعا شكرا يا صديقي على هداياك التي ما انفكت تتهاطل عليّ في عيد ميلاد اذاعة صفاقس الاربعين)…

وطبيعي جدا ان يردّ الفعل امام مكتوبي الساخر والشرس فكان اوّل ردّ فعل ان ارسل لي استجوابا عبّر لي فيه عن غضب رئيس المؤسسة لمكتوبي الذي ارسلته له… وجاءت بعد ذلك الاحداث لتؤكّد عكس ما قاله .. ثمّ ارسل لي وبتاريخ 29 ديسمبر استجوابا كتابيا اخر يؤاخذني فيه على بث نفس الاغاني في يوم واحد… ومن المبكيات المضحكات انني انا من اصدرت مذكرة في هذا الغرض منذ توليت رئاسة المصلحة، وكلّفت بها الزميل المسؤول عن الدليل اليومي لبرامج الاذعة حتى يقوم بالتثبت وفعل ما يجب فعله… لكن وهذا ما اشعرت به مديري في ردي على استجوابه الكتابي الاخير …بالقول: (كيف اراقب دليل البرنامج وهو لم يعد يصلني؟ ..وكيف اراقب البرامج المسجلة والمسؤول عنها لم يعد يرسل اليّ تقريره الاسبوعي؟ ..وكيف اتابع تقارير قسم المتابعة وهي لم تعد تصلني ايضا؟ …

يعني ادفع فاتورة التلفون وانا ما عنديش تلفون ..اي نعم منذ 6 اشهر اصبحت رئيس مصلحة كذّابي …والاغرب انه يعرف ذلك ..واغرب الاغرب انه يردّ عليّ بالقول هذه امور تهمك وحدك ..لانك في الاخير انت المسؤول الاول عن المصلحة وعن كل الاخطاء التي تقع فيها ..اعيد القول دخلنا مرحلة (قاتلك قاتلك)… لكن ردّ الفعل الذي كان الاشرس والمفاجئ انه يقوم باعداد الشبكة الجديدة التي على الابواب دون حضوري او استشارتي كرئيس مصلحة اولا وكمنتج ثانيا .. وتصلني الشبكة الجديدة بكل عناوينها الجديدة وباسماء منشطين لا اعرف عنهم شيئا ولم يخضعوا لكاستينغ ولا لفترة تكوين… بل وفي مرحلة متقدمة نسبيا كلّف احد الزملاء بتكوينهم وهو الذي لم يكن يوما منشطا بل هو اصلا في حاجة الى تكوين وشامل ايضا …

راجعت الشبكة فاسترعي انتباهي تقليص برنامج اذاعة بالالوان من 3 ساعات الى ساعتين ..هكة معناها دون احترامي كمنتج ودون احترامي كرئيس مصلحة البرمجة …لم انتظر طويلا وحملت الشبكة الجديدة وتوجهت الى مكتبه ليس فقط للاستفسار بل للتعبير عن رفضي شكلا ومضمونا لمثل هذه الممارسات الرخيصة .. طلبت من سكريتيرته الاذن بالدخول اليه فاجابتني بالرفض ..نعم رفض مقابلتي … توجهت مباشرة الى زميلي زهير بن حمد المدير الفرعي للبرامج وقلت له بالحرف الواحد: بلّغ مديرك اني مانيش خضّار نبيع في البصل اليوم بـ500 فرنك وغدوة بـ 550 فرنك (نحكي على البصل متاع 2001 موش بصل 2024 اعزّ الله قدره) … واضفت: قول لمديرك اللي رفض يقابلني ما يقلقش معادش لا نمشيلو ولا نقابلو وانا منسحب من البرنامج …

كنت اعرف في قرارة نفسي انّ مديري كان ينتظر وبسعادة مثل موقفي هذا ..لذلك وجدته مستعدا للبديل الذي حضر في نفس اليوم وهو احد المنشطين الشبان انذاك (نزار الشعري) هاكة اللي ترشّح للانتخابات الرئاسية ..اي نعم وروسكم هاكة هو … وكلفه بتعويضي في برنامج جديد وبمحتويات جديدة …هنا لابدّ من القول انّ مثل هذا الاجراء هو منطقي للغاية ..اذ انّ الاذاعة لا تقف على عبدالكريم او غيره ..بل يجب سد ايّ فراغ … لكن ما اعيبه على مديري انّ الامر كان مدبّرا بليل ..ثم إن نزار ولاسباب أجهلها تماما لم يعمّر كثيرا كبديل لعبدالكريم… اذ انّي فوجئت بشاب اخر يعوّض نزار وهو قيس الحرقافي، احد الذين تتلمذوا على يديّ ..وهنا لم اعب عليه صنيعه ..كانت فرصة بالنسبة له واذا موش هو غيرو، ويدفع على تلك البقعة الهبوط كان لزم …بل وشجعته على المضي في تجربته ..

وانتهت علاقتي تماما باذاعة صفاقس كمنشط ولم اعد الى برنامج اذاعة بالالوان الا في 6 ماي 2011 اي بعد هول ما وقع في تونس في جانفي 2011 …وذاك الامر الجلل ساعود اليه في قادم الورقات… اعود لما ذكرته لكم حول موقف الرئيس المدير العام والذي قال عنه مديري انه غاضب من ردّي على استجوابه الكتابي حول التوقيت الاداري ..كنت ذكرت لكم انّ الاحداث اكّدت عكس ذلك تماما ..الرئيس المدير العام انذاك كان السيد عبد الرؤوف الباسطي ..وكان يكنّ لي كثيرا من الودّ والتقدير ..وعندما ساءت الاحوال عند توقفي عن تنشيط برنامج اذاعة بالالوان وغضب المستمعين من ادارة اذاعة صفاقس… كلّف الباسطي مدير القنوات الاذاعية انذاك السيد كمال عمران رحمه الله، بزيارة تفقدية لاذاعة صفاقس واستطلاع الاجواء خاصة والادارة العامة وفي كل الاذاعات مقبلة على ترسيم عديد العرضيين… وكلّفه خاصة بجلسة مصالحة بيني وبين مديري….

وحضر المرحوم كمال عمران وكانت الجلسة الاولى مع موظفي اذاعة صفاقس ومع العرضيين… وكانت الاجواء صاخبة وتناهى الى مسامعي انّ المدير قدّم قائمة تضمّ مجموعة من الاسماء المقترحة منه لترسيمهم… ولم تحتو هذه القائمة اسماء كل العرضيين الذين تربطهم علاقة جيّدة بعبدالكريم قطاطة… وجنّ جنوني وعند انتهاء الاجتماع الصاخب توجهت بالحديث مباشرة للسيد كمال عمران وبالقول انّ ما سيحدث في الترسيم يُعدّ جريمة وظلما تجاه اناس لا ذنب لهم سوى انهم يكنون الاحترام والتقدير لشخصي… بتسم السيد كمال عمران وقال لي وهل تظنني غافلا عن ذلك ؟ هات لي قائمة في الاسماء التي تعتبرها ضحية وأعدك باني سآخذ الامور بكلّ جدّية وعدل ..وللامانة وللتاريخ وفى بعهده ..

قبل ان اشكره واغادر جذبني اليه بعيدا عن الاسماع وقال لي: سي عبدالرؤوف مسلّم عليك ويحبني نعمل قعدة معاك انت وسي عبدالقادر للمصالحة .. قلت له شكرا لسي رؤوف وشكرا ليك انت اما باش نكون واضح معاك، انا كلّي استعداد لكن راني اللي نؤمن بيه نقولو ولو يتغشش مني سي عبدالقادر ..ابتسم وقال لي: قول وين المشكل وراهو سي عبدالرؤوف يحبك برشة وانا والله نحبك …كان ردّه رسالة طمأنة بالنسبة لي واتجهنا معا لمكتب السيد المدير لتلك الجلسة المشهودة ..

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

رحم الله كلبة نجيب الريحاني…

نشرت

في

محمد الأطرش:

وأنت تعبر من شارع إلى آخر…وأنت تقف في طابور تنتظر دورك للفوز بعلبة حليب… وانت تسأل عن ثمن كيلوغرام من لحم خروف لا تلتقيه إلا يوم عيد الأضحى… وأنت تجوب أروقة الفضاءات التجارية الكبرى تغني “اش جاب رجلي للمداين زحمة… واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”…

وأنت أيضا تتجول في شوارع وأنهج وأزقة فضاءات التواصل الاجتماعي… وأنت تركب الحافلة لتعود إلى منزلك محمّلا بما كسبته من الوقوف لساعات في طابور أطول من بعض قطاراتنا التي نسعد حين نراها لأنها تذكرنا بقطارات أفلام الوسترن والغرب الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر… وأنت تدخل يدك جيبك لتبحث عمّا تبقّى من مرتبك الموؤود الذي لبّي داعي ربّه قبل أن يولد… وأنت تفعل كل هذا وأكثر من هذا تستغرب وتسأل نفسك أين أنا؟؟ أين نحن؟؟؟ اين اختفى التونسي الذي كان يعيش على هذه الأرض… التونسي المتسامح والمتصالح… التونسي الذي يحب جاره ويسأل عنه؟؟؟ أين رحل التونسي الضحوك دائم الابتسامة؟؟ اين نحن؟؟؟ اين أنا…أين أنت…أين أنتم…أين هم…أين بعضنا…أين ذهبنا…واين غرقنا؟؟؟ أين ما كنّا ننعم به من طيبة واخلاق؟؟؟

وتعيدها… اين… وأين… وأين… وقد تلعن… وتلعن… من أوصلنا إلى ما نحن فيه وما وصلنا إليه من حقد وكراهية وفتنة… وما أصبحنا نضمره لبعض البعض… جميعنا دون استثناء يخرج من منزله متأبطا شرّه خوفا على فتات الخير الذي لا يزال يعيش داخله… جميعنا يبحث عن نفسه التي أضاعها… عن أخلاقه التي باعها… جميعنا نبحث عن تاريخنا الانقى والأجمل من حاضر شوهناه دون أن نعي خطورة ما أتيناه… بعضنا يحقد على التاريخ لأنه لم يكن فيه ولا من بُناته… وبعضنا يلعن الحاضر لأنه  ليس منه ولأنه كشف للناس عوراته… وبعضنا يلعن الجميع وكل الأزمنة وكل الناس ويتهمهم بالفساد والخيانة والعمالة وهو الذي يسهر حتى ساعة متأخرة مع أصحاب السوء يضمرون شرّا للحاضر ويسيئون ويشيطنون الماضي ويعبثون ويتلاعبون بالمستقبل…

كلُنا نبحث عن كُلِنا… بعضنا لا يزال ينام في الماضي ولا يريد ان يغادره… وبعضنا يصفّق ويصرخ بأعلى صوته داعيا لـــ”مولاه” ومفاخرا بحاضره فقط لأنه انتقم له من ماض وتاريخ لم يكن فيه… والسؤال الذي وجب أن نلقيه على بعضنا البعض هل هذه أخلاقنا وما كنّا عليه وما ولدنا عليه ما عرفنا أهلنا عليه؟؟ سؤال لا يمكن أن تجد له إجابة وأنت تقرأ قصصا واقعية عن الكلاب تجعلك في حيرة من أمرك… لتسأل دون خجل: أين نحن من أخلاق الكلاب، كل الكلاب؟

 لعل بعضكم قرأ عن الكلب “هاشيكو” الذي توفي سنة 1935… هذا الكلب وهو من سلالة “أكيتا اينو” اليابانية كتب اسمه في التاريخ لأجيال قادمة من الحيوان والبشر… فهاشيكو هذا كان وفيّا لصاحبه ومشهورا بولائه غير العادي لسيده الأستاذ “هيديسابورو أينو”… وكان يرافق صاحبه يوميا إلى محطّة شيبويا في طوكيو ويبقى في انتظاره هناك حتى يعود… حتى بعد وفاة “أينو” المفاجئة سنة 1925 بقي هاشيكو لمدة تقارب العشر سنوات ينتظر في نفس المكان الذي كان ينتظره فيه… كان المسكين يظنّ ان سيّده سيعود، ولم يكن يعلم أن من يموت لا يعود… هاشيكو استمر على تلك الحال، يعود إلى نفس المكان حتى ساءت صحته ومات… فهل نحن بأخلاق ووفاء هذا الكلب ؟؟ لا… نحن كنّا بأخلاقه لكن اليوم لا… ونحن كنّا بوفائه واليوم لا وفاء لنا…

ولعل بعضكم أيضا يعرف قصّة كلبة نجيب الريحاني أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي… كان الريحاني يقيم في شقة بإحدى عمارات القاهرة… وكانت كلبته تصاب بنوبة جنون كلما رأت كلب إحدى جاراته، فتهجم عليه محاولة الفتك به وكان الريحاني يعاني كثيرا مع جارته من اجل فضّ الاشتباك وإنقاذ كلب جارته المسكين… وفي احدى الليالي دخل الريحاني رحمه الله المصعد ومعه كلبته، فوجد جارته هناك ومعها كلبها المسكين… وقف الريحاني وجارته في حالة تأهب قصوى للتدخل في صورة انقضاض الكلبة على الكلب فلم يحصل شيء مما كان الريحاني وجارته يخافانه… فالكلبة لم تحرّك ساكنا كما كانت تفعل دائما ولم تنبح ولم تحاول الانقضاض على كلب جارة الريحاني بل تقدمت نحوه في هدوء وأخذت تلحس شعره في حنوّ شديد ورقّة غير طبيعية…

 استغرب الريحاني الامر وسأل جارته ما الحكاية؟ فأجابته وهي لا تقلّ عنه استغرابا ودهشة وقالت: إن الكلاب أنبل من البشر أحيانا… لقد أصيب كلبي بالعمى منذ أيام… وشعرت كلبتك بما حدث له فلم تشمت… ولم تنتهز الفرصة للهجوم على عدوها… بل تقدمت إليه حزينة لأجله ومتضامنة مع وجعه وما هو فيه كما ترى وها هى تحاول مواساته بلحس شعره… تجمّد الريحاني مكانه وأخذ يتأمل، ودخل شقّته… وأخذ يبكى… علما بأن كلبة الريحاني ماتت قبل وفاته بثلاثة أيام… أتدرون ماذا يمكن أن يقول احد ممن تحدثت عنهم لو أصاب أحد خصومه ضعف البصر فقط … سيقول متشفيا: “يعطيه عمى”!

ألاحظتم الفرق بين أخلاقنا وأخلاق كلبة الريحاني؟؟ فهل أخلاقنا اليوم كأخلاق هذه الكلاب التي ذكرت في ما رويت؟؟ نحن لم نعد نحن… نحن شعب يُذنب بين كل صلاتين ليطلب المغفرة آخر كل صلاة… نحن شعب يسعد لموت خصمه… ويشرب على نخب اعتقال جاره… ويظهر الشماتة في كل من يختلف معهم إن اصابتهم مصيبة… هكذا نحن اليوم… فأين نحن من أخلاق الكلب ابن الكلب… أم هل سلكنا الطريق التي قال عنها سيّد حجاب: (ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء… وواخدنا ليه في طريق مامنوش رجوع ؟؟)

 في الأخير… رحم الله كلبة نجيب الريحاني….

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 110

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

عندما عدت الى مصدح اذاعة صفاقس يوم 6 ماي 2011 بعد غياب دام عشر سنوات علّق على عودتي صديق عزيز على قلبي، الدكتور نوري الرباعي والذي تابعني منذ كان تلميذا في الدراسة الثانوية… علّق وبكلّ قلق واستغراب بالقول: لم اجد فيك عبدالكريم الذي اعرفه… لم اجد عبدالكريم الثائر وصاحب الصوت الذي كلّه هدير وثورة…

عبد الكريم قطاطة

وكان على حقّ في ملاحظاته… وفسرت له الامر كما يلي: نعم يا نوري انت على حق اسلوبي تغيّر لسببين… بعد جانفي 2011 اصبح الصوت الثائر موضة ولأنّي ارفض السير في قطيع الفوضى والثويريين عدّلت من المقام الذي اعزف عليه ولكن دون المسّ بالجوهر… وللامانة تعديل المقام الموسيقي الذي اصبحت اعزف عليه جاء نتيجة تجربتي الايمانية… لانّي اكتشفت في ما اكتشفت بعد ان استمعت للعديد من الذين جعجعوا الدنيا باصواتهم، انّ علوّ الصوت لا معنى له امام علوّ الحجّة… وهذه نعمة اخرى من نعم الله (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لا تُحصُوهَا ـ سورة النحل آية 18)… ومن نعم الله ان الهمني الله الى درب البحث ودون هوادة في امور ديني…

طفقت منذ مارس 2003 وحتى اكتوبر من نفس السنة في بحث دائم بالعقل هذه المرّة بعد ان اطمأنّ قلبي واكتشفت امورا عديدة لم اكن لاعرفها لولا حرصي وصبري على القراءة والاستماع لكلّ الانماط ولكلّ الايديولوجيات بشرقييها وغربييها بالمعتدلين فيها والمتطرّفين… وهذه الفئة الاخيرة لم تقرا ما جاء في كتاب الله (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ـ البقرة آية 143)… نعم قرأت عديد القصص .. لم اكن اعرف مثلا قصّة الرحّالة الشهير جاك إيف كوستو وهو عالم البحار عندما اكتشف انّ بعض البحار لا تختلط مياهها بتاتا وانّ بينها حاجزا لا مرئيا اخبره بحّار يمني انّ هذا الامر ورد منذ 14 قرن في القرآن بقوله عزّ وجلّ في سورة النمل آية 61 (وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)…

اسلم كوستو ولكنّ الغرب المتشدق بالديموقراطية وحرية التعبير اخفى اسلامه… وكذلك وقع نفس الامر مع الطبيب والباحث الالماني لوهار كاي الذي قرأ بالصدفة سورة الكهف واستوقفته آيتان الاولى المتعلقة بتقلب اصحاب الكهف ذات اليمين وذات الشمال… وهذا يعرفه لانّه وفي علاج بعض المرضى يحرص الطبيب على تقلّب جسد الانسان حتى لا يتقرّح علاوة على وجود الشمس للتهوئة دون ان تقع اشعتها على جسد المريض ودائما خوفا من التقرّج (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ـ سورة الكهف آية 18) …لكن ما لفت انتباهه في نفس الآية الحديث عن الكلب (بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ) لاحظ الطبيب الالماني انّ الصورة لا تتحدث عن تقلب الكلب حتى لا يتقرّح جسده… وامام ذلك قام بابحاثه الفيسيولوجية الطبية على الكلب فاكتشف انّ جسده يحتوي على غدد تحت جلده تمنع التقرّح… واعتنق مباشرة بعد ذلك الاسلام …

قد لا يؤمن البعض بهذه الروايات بل ويسخر منها ويعتبرها اساطير لا غير… هنا اعود الى المحطة الاولى في تجربتي الايمانية… عندما يمتلئ قلبك بالايمان امّا ان تصدّق القرآن كوحدة كاملة ودون نقصان، وبعد ذلك يميل القلب ثم العقل لا للتصديق فقط بل ولتثبيت الايمان… وامّا ان لاتؤمن، وذلك شأنك… في المقابل اكتشفت ايضا بعض الذين يتحدثون عن اشياء في الاسلام لا ترفّع من مقامه بل تشوهه احيانا… والامثلة عديدة في هذا الباب…

دعوني اذكر لكم بعضها: القبض والسدل اثناء الصلاة… هل هذه قضية يتجادل فيها البعض بل ويطول جدالهم ويكذّب بعضهم بعضا؟… عندما يقف الواحد منّا للصلاة اليس وضع يديه امرا لا يستوجب اطلاقا الجدال فيه…؟ هل هؤلاء فهموا معنى الصلاة بعمق؟… انا في تقديري المتواضع اعتبر الصلاة بقيامها وقعودها بركوعها وسجودها مواعيد يومية كي تجدّد صلتك بالله فتحمده وتستغفره وتسجد له شكرا وعرفانا… بقية التفاصيل هي تفاصيل لا غير … و في الاخير اذهب مع ما يريح قلبك دون جدل لا طائل من ورائه… وفي نفس محور الصلاة يقول بعض الدعاة والشيوخ انّ على الواحد منّا في الصلوات المفروضة ان لا يبدأ الفاتحة بالبسملة ؟؟ ايّ قول هذا ؟ هل عندما ابسمل اسبّ الله؟… انا ابسمل في الصلوات المفروضة وفي السنن…. وان عاقبني الله على ذلك فمرحبا بعقابه لانه العدل….

من اخطائنا كذلك عندما يقول البعض: الله ورسوله اعلم … لا لا يا سيدي، الله وحده اعلم… ونفس الامر عندما نقول الكمال لله ولرسوله … لا لا يا سيدي، الكمال لله وحده… الم يقل عزّ وجلّ في سورة اهل الكهف آية 110: (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ)… هنالك اسئلة قد تراود البعض: وماذا عن تفاصيل الصلاة التي لم تات في القرآن من حيث عدد الركعات والسجدات وما يقال فيها… خاصة وانت تحترز من كلّ ماهو سنّة والتي جاءتنا عن طريق رواة السنن؟ اوّلا اذكّر بانّي عندما تحدثت عن ناقلي احاديث الرسول لم انكرها كلّها وذهبت فقط مع ما ارتاح له قلبي… ثم انا وحتى خارج العبادات لم انقطع يوما عن مجتمعي فاتبعت محاسنه واجتنبت مساوئه… ومن هذه الزاوية وجدتني اصلّي كما يصلي الناس في مجتمعي… لكن، وهنا الاختلاف مع السائد، انا في ركوعي وسجودي اناجي الله باسلوبي وبما تجود به قريحتي من عبارات الشكر والامتنان… ولا اردّد ما يردده الاخرون… اريد ان يكون لي ابتهالي الخاص بي الذي يصدر من اعماقي فاُحسّ بانّي اقترب من الله اكثر حتى لا اسقط في الببغائية…

وهنا اشير لأمر هام ارجو من الله ان يغفر لي اجتهادي فيه… بعد 14 جانفي 2011 تحوّلت خطب جلّ المساجد في صلاة الجمعة الى خطب سياسية… واتخذ الائمة من الدين قنطرة لتسريب ايديولوجياتهم… بيوت الله لم تعد كما جاء في سورة النور آية 36 (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)… بيوت الله اصبحت ابواق دعاية لاحزاب سياسية ولاسماء اخرى سواء بالمدح او بالقدح… ولم اطق ذلك فقررت ان اقاطع هؤلاء الائمة وأقاطع صلاة الجمعة التي اصبحت اصلّيها بمنزلي… نعم وليغفر لي الله ان اخطأت في هذا الامر ولكنه وحده يعلم انّي لم اتحمّل اهانة بيوته وهي تتحوّل الى حلبات صراع سياسي… ولكن وباشارة ورجاء من بعضهم عدت ومنذ اشهر الى صلاة الجمعة بالمسجد طمعا في غفران الله ورضائه…

مازالت مواقف كثيرة من البعض تدعو للشفقة… هل تصلكم دعوات من نوع اقرأ هذا الدعاء 7 مرات وسيأتيك خير عميم ؟ او ان لم تقرأه سيصيبك اذى ؟ هل هؤلاء فهموا انّهم اذنبوا في حقّ انفسهم وهم يقرؤون لنا الغيب والغيب لا يعلمه الا الله ؟… ثم وبشيء من السخرية والتهكم لماذا 7 مرات وليست 9؟ لماذا 7 وليست 77 ؟ .. هل تقرؤون مثلي تدوينات من نوع: زوجي خذ بيدي الى الجنة؟… علاش يخخي انت معاقة؟ واشكون قال اصلا ان زوجك ماشي يدخل للجنة؟ هل تقرؤون مثلي تدوينات من اعداء المرأة عن المرأة؟ هؤلاء لم يقرؤوا شيئا في القرآن عن المراة؟ عن حواء التي جعلها الله سكنا لنا وجعلنا سكنا لها (سورة الروم آية 21 … وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)…

هل تعلمون انّ بعض الرجال كانوا يسمّون بناتهم جحشة او نعيجة؟ اي نعم والله حصل ذلك… الم تقدّروا الله حقّ قدره وهو يخصّ النساء في قرآنه بسورتين باسمهنّ (النساء ومريم)؟ الم يقل فيهنّ رسول الله (ما اكرمهنّ الا كريم وما اهانهنّ الا لئيم) .. في الجاهلية كان الجاهل من الرجال يطلّق زوجته ان انجبت له طفلة… بل كان البعض منهم يقومون بوأدها وهي حية (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ _ سورة التكوير آية 8)… كان ذلك في الجاهلية ولكن وحتى بعد شروق نور اسلامنا العظيم والى يومنا هذا لم تنقرض عادة الوأد… هي لم تعد وأدا ماديا بل معنويا ولعديد النساء ولعلّ الوأد المعنوي اشدّ فظاعة من الموت…

اكيد لم اتحدث عن الاسلام السياسي بعد 14 جانفي 2011… لا تقلقوا سياتي في موعده عندما اصل بورقاتي لسنة 2011 ان بقي في العمر بقية… اطال الله عمركم ومتّعكم الله بالسلام الروحي… لانّ توازن الفرد في حياته لا يتمّ الا بالسلام الروحي… التقيكم في السنة الجديدة جانفي 2025*… جعلها سنة يُمن وخير وسلام روحي للجميع… دعوني استرح قليلا… في بالي ما قصرتش معاكم … حتّى هي 4 ورقات في اربعة ايام متتالية …اكاهو عاد، هاكة حدّ الجهيّد

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نُشر النص أول مرة في 26 ديسمبر 2024

أكمل القراءة

جور نار

حين يقول رجال الجولاني للشعب السوري… “بالذبح جيناكم”!

نشرت

في

محمد الأطرش:

يستغرب البعض ما يحدث اليوم في سوريا وكأنهم كانوا ينتظرون ديمقراطية من تلك الديمقراطيات التي ترويها وكالات الانباء الغربية أو تلك التي نشاهدها في أفلام بلاد العمّ سام وفي مسلسلات بلاد أحفاد الملكة فيكتوريا…

وكأن “مولانا” أمير المؤمنين أحمد الشرع  و”العصابة” التي مكّنها من كراسي الحكم جاؤوا مبشرين بعهد جديد سعيد لشعب ذاق كل ويلات القهر والظلم والاستبداد… أعترف اني كنت من الذين أسعدهم سقوط حكم الأسد حين عرفنا حقيقته الموجعة ورغم أننا ساندناه في بداية تعرضه لهجمات تتار داعش ومن معها من جماعات إرهابية… فالشعب السوري الذي يعترضنا بعضه في حالة يرثى لها هنا في شوارع اغلب مدننا، يستجدي المارة لقمة عيش حرموا منها في بلادهم، بعد أن هربوا من جحيم استبداد بشار ومن معه من الفصائل المسلحة التي غزت سوريا في إطار ربيع عربي كاذب… أقول الشعب السوري أصبح أكثر الشعوب العربية والإسلامية تضررا وتشردا ولجوءا وبؤسا وفقرا منذ أن خدعنا أحفاد العمّ سام بخدعة الربيع العربي…

 نعم سعدت كما سعد البعض الآخر بسقوط بشار لكن حين عرفت من مسك بزمام أمور دمشق أدركت ان الشعب السوري خدع مرّة أخرى… وأنه لم ولن يخرج قريبا من المأساة وأظنّه سيكتب صفحات أخرى اشدّ دموية وخرابا من كل تلك التي سبقتها مع حزب البعث… فما وقع في سوريا وجلوس الشرع أميرا على دمشق وبقية المدن التي لا تزال تحت إمرته ليس نتيجة لما حدث منذ 2011 وليس من اسقاطات الربيع العربي المزعوم، بل أظنّه اتفاقا جديدا يدخل ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي سمعنا عنه الكثير… فما وقع ليس أكثر من عملية بيع وشراء بين العديد من أطراف المنطقة تهدف إلى توفير الأمن لمدلّلة العمّ سام… ما تعيشه سوريا يذهب بنا إلى التشكيك حتى في ما وقع يوم 7 أكتوبر 2023 فمن أوعز وخطّط لما وقع بغزّة كان يهدف إلى ما هو أكثر وأثمن من غزّة… فهل تعيش الشعوب العربية خدعة أخرى من العمّ سام ومن معه ومن بعض حكامها، وهل باع بعض حكام العرب بعض ارض العرب من اجل عيون كراسيهم؟؟

أمير المؤمنين الذي يسكن دمشق عاد بنا إلى أيام سقوط دمشق والشام على يد تيمورلنك… تيمورلنك هذا نكّل بكل من يعترض سبيله وسبيل جيشه فنهبوا القرى وقطعوا الأشجار وهدموا البيوت على أصحابها واسرفوا في القتل ونهب الأموال… ويقال انه من كثرة القتلى بنى تيمورلنك عشر مآذن ارتفاع الواحدة منها عشرين ذراعا برؤوس القتلى وجماجمهم… واليوم يعاد المشهد من جديد على يد فصائل مسلحة وصفتها حكومة أمير المؤمنين بالـــ”منفلتة”… فصائل استباحت كل القرى ونهبت وذبحت وأحرقت المنازل بعد أن قتلت كل من فيها رافعين شعارات “بالذبح جيناكم”…

فهل جاء أمير المؤمنين لينتقم كما انتقم من سبقه ممن سبقه وسينتقم من سيأتي بعده منه؟؟ هل أصبح الانتقام والثأر تقاليد عربية إسلامية تأتيها كل الشعوب التي تُسقط طغاتها… وتستبدلها بطغاة جدد ليأتي بعد سقوطها طاغية جديد ينتظر دور سقوطه ليخلفه طاغية آخر وهكذا من طاغية إلى طاغية يعيش العرب والمسلمين… هل كتب على العرب والمسلمين ان لا يستمتعوا بما يسمونها “ديمقراطية” وأن لا يسعدوا بالتداول على الحكم في حفل بهيج يحضره بعض حكام البلاد المجاورة كما يفعل “الكفّار” في بلدانهم؟؟؟ حاكم دمشق جاء رافعا لواء الإقصاء والإلغاء والاجتثاث… إلغاء وإقصاء واجتثاث كل من حكموا البلاد قبله… وكل من يطمحون لمشاركته الحكم وكل من يريدون أو ينوون العودة للحكم ممن حكموا البلاد أو ممن عارضوا حاكمها الهارب إلى موسكو…

أمير دمشق قسّم الشعب السوري بما نراه اليوم من ذبح وتشريد وهدم ديار إلى ثلاثة اقسام مسلمين وأهل كتاب وكفّار… هكذا أراد وهكذا يريد… فالدروز والعلويون والشيعة هم من الكفّار حسب ما رآه أمير دمشق الجديد… وهؤلاء ممنوعون بقرار من حاكم دمشق من دخول المؤسسة العسكرية ومن أن تكون لهم مدارس ويكون منهم أساتذة تعليم… وقد يحرمون من تعويضات نهاية الخدمة أو ما يسمونه في العديد من البلدان الأخرى منحة التقاعد، حسب ما أوردته بعض وسائل إعلام الدول المجاورة لإمارة الجولاني… فهل لهذا جاء الشرع وجلس على كرسي حكم دمشق؟

فما يقع اليوم في سوريا يؤكّد نظرية التقسيم فقد تقضم تركيا بعض الأجزاء من سوريا لتوطين أكرادها التي تختلف معهم … وقد يقضم حاكم تل أبيب جزءا من جنوب سوريا لتوطين الدروز الهاربين من حكم الجولاني ولتأمين نفسه ومن معه من خطر قد يراود من سيحكمون دمشق بعد الشرع غدا… فهل جاء الجولاني فقط ليقول للشعب السوري “بالذبح جيناكم”… ويذبحهم…؟؟؟

أكمل القراءة

صن نار