جور نار
ورقات يتيم … الورقة 35
نشرت
قبل 7 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
.. لعلّ افظع ما في الامتحانات عموما والمفصلية خاصّة في حياة التلميذ او الطالب… سيزيام ..باكالوريا ..اجازة .الخ … ليس الامتحان او ما قبله ..بل مرحلة الانتظار …اووف ..كم هو مرهق (ما اثقل ريحو) … انذاك يعيش الواحد منّا ساعات تُعد فيها الثواني بالدهور … تتحوّل عقارب الساعة فيها الى ثعابين تترصّد كل طاقة الصّبر فينا لتمتصّها “وعيننا حيّة”…
اتذكّر جيدا يوم الاعلان عن نتائج الباكالوريا الذي جاء “بعد ما تمرجنا” صبرا … افقت يومها على غير عادتي صباحا وكعادتي كان ملاذي نادي الاصدقاء (حانوت الحلاق) ودخّنّا ما كتب الله لنا من سجائر ..وتثاقل اليوم في خطاه وسلّمنا على افراد الشلّة مغادرين في اتجاه معاهدنا ..وتابعنا سي المبروك الحمّاص بدعواته لنا بالتوفيق … ويخُصّني لست ادري اقتناعا ام حبّا بكلمات لي وحدي (نعرفك تنقّزها يا كُريّم) ..فيما انبرى بواحمد حلاقنا… ممثلا لندمائه يتوعّد ويتهدّد بابشع المقذوفات اللفظية اذا لم ينل نصيبه والندماء من بنت العنبة بعد نجاحنا .. كنت الوحيد من ضمن اصدقاء المراجعة الذي يدرس بالحي ..لذلك وجدتني بباب الجبلي آخذ طريق العين مترجّلا قاصدا معهدي …
كانت ساعة باب الجبلي العملاقة تشير الى الثالثة بعد الظهر .. وكنت منذ لحظة نزولي من الحافلة انظر الى الاماكن زاوية زاوية نظرة مودّع .. يومها ملأت عينيّ بكل تفاصيل الاشياء التي عشتها .. يومها شبعت بالنظر الى بائع الجيلاط والكريمة، المنتصب في قلب ساحة محطة الحافلات ..بشاربيه العريضين _ وبعين تقلي والاخرى تصب في الزيت (هذه عبارة كنّا نقولها عن من له عين ونصف في تركيبة الرؤية عنده )…يومها شبعت بالنظر ايضا لذلك الذي قضّى كل عمره وهو يبيع في بضاعة لا يزيد ثمنها الجملي عن عشرات المليمات وهو يردد “اباري بابور الباكو بدورو”… وهذه لمن يجهلها تعني ابرا كانت لتسريح الرؤيا في عين البابور الذي كان يستعمل كـ”ڨاز” لطهي الطعام …ثم يضيف نفس البائع: “فلايات مرايات” …وعبثا حاولت ان اجد العلاقة بين اباري البابور والفلايات وهذه تستعمل انذلك لقتل القمل بعد العثور عليها في رؤوسنا الوسخة …وللامانة علاقات جل العائلات انذاك مع معشر الحشرات من العقرب وصولا الى الوشواشة ومرورا بالقمل والبق والبرغوث كانت جيّدة ..
الرابح الاكبر والوحيد في هذا العالم الحشراتي هو سي القلال ..هذا كان مزوّد صفاقس الوحيد بادوية الحشرات ينتصب بحانوته قرب زنقة عنّقني وفي رواية اخرى زنقة الفنطازية ..كنا نرتجف منه ومن حانوته ونحن صغار عندما نرى الصورة الاشهارية المعلقة على حانوته (عقرب صفراء) ترتعد لها الفرائص… قد لا ينتبه لها روّاد ذلك النهج حاليّا اما لانقطاع علاقتنا الديبلوماسية في صفاقس مع فصيلة العقرب بعد ان تربّضت الغابات وانقراض العقارب منها ..او للصدأ الذي علق بتلك اللوحة والتي لم يعد يظهر منها الا مناطح نلك العقرب ..الا اني ولحد الان وكلما مررت من امامه لم انس ان ادعو له بالرفاه واليمن والبركة وبالرحمة له ولوالديه …. لاننا معه فقط وبدوائه السحري العجيب عشنا الرفاه بعد ان استسلم البق نهائيا لمفعول دوائه اصبحنا نستعمل الجرافات صباحا (قاعد نبالغ راني) لجرف هاجوج وماجوج البق كل صباح بعد ان سقط في فخ دواء سي القلال المزطّل الى حد الموت ..وكذلك بالنسبة لكامل طاقم الحوش الذي يتميّز بسقفه الخشبي في بيوته والذي هو في جلّه منخور بياجوج وماجوج البق …
عندما اخذت طريقي الى معهدي (الحي) استوقفني مدفع رمضان ..يااااااااااااااه كم كنّا ننتظره نحن تلاميذ الحي لنستمتع بطلقته الرمضانية الرهيبة عندما يصادف خروجنا توقيت الافطار …انذاك في ايامنا المدرسية لم يكن هنالك توقيت خاص بالدراسة في رمضان ..انذاك كان رمضان ياتينا شتاء في جل سنواته ..وعندما تنتهي الدراسة على الساعة السادسة مساء ليس مسموحا لنا بالافطار الا بعد مغادرة القسم .ولكن (دُوّيو !) كنّا نركّز جدا وجيّدا مع اقتراب وقت الافطار على سمفونية المدفع ..التشايكوفسكية عادة …وكما تعلمون تشايكوقسكي معروف بسمفونياته الصاخبة … والمدفع على بعد مائتي متر منّا و”عينك ما ترى النور”، ينغمس كل واحد منّا في ما اعدّه لافطاره ..كنت من الذين يفطرون على نوع من الحلويّات يُدعى “هريسة باللوز” قطعة صغيرة في حجمها لا تتجاوز ربع الكف ولكن خير من بلاش ..ثم الاكل في القسم لا يمكن ان يكون وليمة … قد يتغاضى الاستاذ في حنّية على تلاميذه ولكن تبقى دائما في خانة “انا ما نقلك وانت ما يخفاك” و”كان استاذك عسل ما تاكلوش الكل”….هما دقيقتان او ثلاث وتنتهي اصوات “تخشخيش” القراطيس التي نحمل فيها افطارنا … ونعود الى الدرس دون ان نعود ..فكيف لبطن خاوية من جهة ولشوق ولهفة لا توصف الى السيجارة، ان نعود الى الدرس او يعود الدرس إلينا …وللامانة ايضا وباستثناء الاستاذ الهرماسي الذي كان يشعل سيجارته وقت الافطار (رغم اني لم اتصوره يوما صائما يعني عازقو كما عزقناه نحن فيما بعد) باستثنائه لم اعش يوما مع استاذ يتناول ولو قرص حلوى وقت الافطار ..
وصلت الى الحي ..كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف . لم يكن هناك عدد مهم من التلاميذ اذ ان وقت الاعلان عن النتائج حُدّد بداية من الساعة الخامسة مساء .. اش جابك يا عبدالكريم في ها الوقت ..؟؟ لا ادري ..ربّما كنت غير قادر على مزيد الانتظار …ربما كنت ومازلت من الذين يستبقون المواعيد ولا اريد ان ينتظرني الاخر ..ربما هو الخوف من نتيجة سلبية لا قدّر الله وربّما الاستئناس بالمكان يخفّف من وطأتها …ربّما الثقة في النفس او النرجسيّة كما يراها البعض فيّ اردت من خلالها تشييئا الحدث وتهميشه و كأني اقول ها انا جاهز وبقلب اسد للحدث … عفوا سيّدي الاسد ..فتشبّهي بك هو مجازي لا غير، ما تاخذش في خاطرك منّي، نفدلك معاك راهو ..او ربما هو هذا كلّ هذه المشاعر ملخبطة في بعضها …الا انّه ومع مرور الوقت احسست بانقباض رهيب وعلى غير عادتي ..احسست بضغط يتسلل الى صدري ..وتهاطلت الصور على شاشتي ..عيّادة .. حبيبتي ..الشلّة … اصدقاء المراجعة واولهم صديق عمري ..اساتذتي بالمعهد … زملائي في الدراسة ..ماذا لو ؟..ماذا لو .؟.. ماذا لو ….؟؟؟؟
لم اخف يوما من امتحان نتيجة او انتظارا ..يومها لا ادري كيف اصف احساسي لكم … لم يكن خوفا بل كان ضياعا ..ماذا لو…لو هذه لم استفق منها الا على احد القيمين وهو يُعد المصدح بتلك الجملة المعهودة (ساه ساه) اي يقوم بتجربة الصوت…وهذا يعني ان الاعلان عن النتائج سيداهمنا ..كنّا متحلّقين جميعا كعناقيد طيور .. مشرئبة اعناقنا الى البوق هنالك ..وكأننا سنستمع باعيننا لا بآذاننا ..وكانت جل الوجوه اشبه بكعبات بطاطا مسموطة ..ممتقعة لا نبض فيها ..وبدأ سي احمد بسلاسل القائمات ..كنت اسمع ولا اسمع ..حتى دوّى صوت قائمتي في شعبة الاداب وانطلق المشوار ..دريرة ..الفقي ..القسمطيني ..ثم .. ..منطقيا بعد قسمطيني انت يا ولد قطاطة ..الا تقول هكذا الابجدية ..؟؟ زعمة المرة هاذي ما خدموش بالابجدية ..كيفاش ..؟؟ ويني انا ؟؟؟ اش معناها ..وفات فلوسك يا ولد قطاطة ..؟؟ باع وروّح ..؟؟ فاتك القطار ؟؟؟ وانتهت سلسلتي … اسمي غير موجود ..لم اتذكّر تحديدا كيف انسلخت من وسط الجموع وحملت رجليّ اللتين لم تعودا قادرتين على حملي ..قللك اسد وقلب اسد …. خرّف يللّي تخرّف ..
احيانا يحس الواحد منّا انه اتفه من حشرة … لا قيمة لا هيبة لا شجاعة .. عندما تخذل الاقدار واحدا منّا يتحوّل ولو حينيّا الى كومة رماد ..انذاك سرت وحدي شريدا ..محطم الخطوات ..تهزّني انفاسي .. تخيفني لفتاتي .. كهارب ليس يدري من اين او اين يمضي .. شك ضباب حطام ..بعضي يمزق بعضي ..بعضي يمزق بعضي ..صدقا كانت تلك حالتي وقتها …ربّما هي من المرّات القلائل في حياتي التي احسست فيها بالغثيان والتيه والضباب والقرف … كنت كعمود خشب .. لا حرارة في جسدي ..لم استطع وانا وحدي لا الكلام مع نفسي ولا البكاء عليها ..كنت شبه آدمي .. وكان عليّ ان اقوم برد فعل بشيء ما ..عبدالكريم لم يجد وقتها الا عبدالكريم فعليه ان يرُد الفعل عليه ..هيّا انت غير جدير حتى بامتطاء الحافلة للعودة الى حوشك …على ساقيك وياسر فيك … وكان ذلك ..قرابة العشرة كيلومترات مترجلا لاني لم اكن وقتها جديرا بعبارة راجل …لم ادر بالضبط كيف وصلت الى المنزل … لكن لن انسى زهمولة امّي وابي واخوتي وهم ينتظرون وصول عريس الباكالوريا ..قلت زهمولة وجمعها زهامل ومعناها طيفهم ..لان وصولي كان ليلا بعد اول واخر ماراتون مشي في حياتي (10 كم) ..وكانوا ينتظرونني في راس الزنقة ..حيث لا انوار ولا هم يبصرون ..وقديما قالوا “الظلام ستّار كل العيوب”..
وجاء صوت احد المتجمهرين من سكان الحوش يسأل وانا اقترب: اشنوة يا كريّم وليّد والاّ بنيّة ؟؟ …هل رأيتم كم ظّلمت المرأة منذ عقود ..لأن وليّد تعني النجاح وبنيّة تعني الفشل …سألتكم بربّ العزّة كم من امرأة بالف رجل ..؟؟..ماضيا وحاضرا ويوم البعث حيث الجنة تحت اقدام الامّهات ..لم اُجب ..وفي صمتي الاجابة …لم ار وجه اي واحد منهم .. دخلت وتمرقدت ..ولم انم ..لم انم بتاتا ..كيف ساواجه غدا القوم يا قوم ..امّي ..القبيلة في الحوش … اصدقائي في الشلة ..سي المبروك …وتلك المسكينة التي تنتظرني حتى اخلّصها من هذا الخطيب الذي نزل فجأة نزول الصاعقة علينا …وقبل ان ينهض الجميع غادرت الحوش ..لاشكو الى سيجارتي همّي (على الخواء) ثم بدأت الحياة تدبّ في و على الساقية و بدأت الحوانيت تُفتح ..وبدأت الاوجه تتساءل وانا اجيب برأسي لا ونفس الردود ..موش كاتبة ..الله غالب ..ما تعمل شيء في بالك ..بول عليها (حاشاكم) تمشي تفعل وتترك ..
كل واحد بنغمتو وكل واحد يغنايتو ..وانا بعضي يمزّق بعضي ..حتى وصل رضا ..علمت انه نجح وعلم اني لم انجح ..عانقته بكل حب وسعادة له مشوبة بألمي على اننا سنفترق ..لم يعلّق ولكنه اراد تهدئتي بقوله ..تعرف اللي السنة ومنذ 1965 اقل نسبة نجاح في الباكالوريا … اكتشفت بعدها ان باكالوريا دفعة 1970 لم ينجح فيها الا 3298 تلميذا ..وهي اضعف نتيجة منذ 1965 لحد يوم الناس هذا … مع اخذ عامل النسبية بعين الاعتبار ..نعم ..ومن سوء اقداري اني كنت من المنتمين لهذه الدفعة …ولكن الانكى والامرّ والاغرب والمُدمّر والمُروّع اني تحصّلت مرّة اخرى على 6 في العربية …..؟؟؟ لست ادري اي قدر هذا ..؟؟ لم افهم ما سرّ ارتباط خيباتي بالـ 6 على عشرين في مادّة العربية وانا كنت دوما فارسها …؟؟….. استاذي سي محسن في تلك المادّة صرخ يومها بكل غضب وقال مستحيل ..مستحيل ..مستحيل …والانكى والامرّ والاغرب والمدمّر والمُروّع اني لو تحصّلت على 7 من عشرين لكنت من الناجحين باعتبار ضارب المادة 4…
موش شيء يقهر ..؟؟؟ كل هذه العناصر القهرية فعلت فعلتها فيّ وبدأت ارى الحياة بنظارات سوداء قاتمة جدا .. جدا ..جدا .. ولا بد ان افعل شيئا ما .. ويا لهول ما قررت … …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
هذه الورقة تروي ما حدث لي مع حلول سنة 1998… وهي سنة هامة جدا في حياتي المهنية وفي اذاعة صفاقس… سنة 98 تكون اذاعة صفاقس قد عاشت سنتين تحت عهدة المرحوم عبد القادر عقير كمدير لها…
وللامانة وكما اسلفت الحديث في هذا الامر كان الرجل حركيا جدا وحاول استقطاب عديد الكفاءات الثقافية في الجهة ونجح ايما نجاح في ذلك… وللامانة ايضا كان يعتبرني عضده الاوّل كمستشار له في تسيير شؤون الاذاعة، ومثل هذه الاوضاع تسعد بعض الزملاء وتشقي آخرين… مع حلول سنة 98، ارتأت مؤسسة الاذاعة والتلفزة تحديث تشريعاتها ومن بين ما قامت به سن قوانين جديدة في اسناد الخطط لموظفيها… والتي كان من ضمنها احداث خطة مدير عام للقنوات الاذاعية.. وكان اوّل من ترأسها زميل سابق عرفته عندما كان يشغل خطة رئيس تحرير شريط الانباء التلفزي باللغة العربية… السيد عبد الله عمامي…
علاقتي به كانت مهنية بحتة… كنت كسائر تقنيي قسم المونتاج اقوم مرّة واحدة في الاسبوع ودوريا، بتركيب فيلم شريط الانباء لنشاط رئيس الدولة واعضاده… وهي مهمة تتطلب انتباها جيد لكلّ ما يمدنا به زملاؤنا في قسم التصوير… وخاصة اعطاء الحجم والقيمة لنشاط رئيس الدولة والوزراء… لذلك يحرص كل مركّب منّا على التمحيص وبانتباه شديد للصور واختيار افضلها جودة… نوعية اختصاصنا تجعل كل رئيس تحرير يحرص على مدّنا بتوجيهاته التي يتلقاها بدوره من الرئيس المدير العام… اذ نحذف احيانا وبامر من رئيس التحرير بعض المشاهد او نضيف في مدة مشاهد اخرى… تلك كانت نوعية علاقتي بالسيد عبدالله عمامي وهي علاقة ولّدت بمرور الزمن ثقته فيّ وفي جودة عملي…
عندما كُلّف السيّد عمامي بخطّة مدير عام للقنوات الاذاعية، تنقّل نحو كلّ الاذاعات الجهوية ليطّلع على واقعها ومشاغلها… وجاء دور اذاعة صفاقس ليحلّ ضيفا عليها… وكان استقباله لي حارّا اذ اننا لم نلتق منذ سنة 1976 عندما غادرت المؤسسة لاتمام دراستي بفرنسا… يوم مقدمه لصفاقس اجتمع السيد عبدالله عمامي بالمسؤولين في اذاعتها ليتطارح معهم ومع السيد عبدالقادر عقير احوال اذاعة صفاقس… وكنت من ضمن المدعويين لحضور ذلك الاجتماع… واخذت الكلمة كسائر زملائي وطرحت نقطة اعتبرتها انذاك في منتهى الاهمية و الغرابة… اذ كيف يُعقل لاذاعة عمرها 37 سنة وليس فيها من الخطط الوظيفية الا ثلاثا… فيما بقية المسؤولين على المصالح والاقسام لم يدرجوا يوما ضمن خطة وظيفية …اي انهم لم يعيّنوا يوما بشكل رسمي ضمن خططهم…
وكانت دهشة السيد عبدالله عمامي كبيرة… ووعد بانّ اوّل عملية اصلاح سيقوم بها هي تدارك هذه الوضعية غير العادلة والتي استمرّت أربعة عقود… وانتهى الاجتماع وطلب منّي السيّد عبدالله عمامي ان ارافقه لاجتماع ثلاثي يجمع بيننا وبين السيد عبدالقادر عقير مدير الاذاعة… وكان لنا ذلك وهو اجتماع تاريخي بكلّ المقاييس وهاكم التفاصيل…
بدأ السيد عبدالله عمامي بالاشادة بالنقطة التي اثرتها والمتعلقة بالخطط الوظيفية وهو ما يحتم منذ اليوم على انجاز الـ”اورغانيغرام” (التنظيم الهيكلي) لاذاعة صفاقس… وهذا يعني اقتراح مجموعة من الخطط الوظيفية وفي كل درجاته اي من مدير فرعي الى رئيس قسم مرورا برؤساء المصالح… واضاف متوجها بكلامه الى السيد عبدالقادر عقير: (مهمة انجاز التنظيم الهيكلي ساكلّف بها سي عبدالكريم واريدها اسمية لانه يعرف جيّدا زملاءه الذين عاصرهم منذ نهاية السبعينات ومؤكّد اكثر من ايّ كان، وانا كلّي ثقة فيه ولا اتصورك اقلّ ثقة منّي)… وللامانة رحّب المدير وعن طواعية بالمقترح…
وانتهى الاجتماع الثلاثي وعكفت على انجاز الاورغانيغرام واخترت اسماء زملاء يشهد الله اني وضعت كفاءتهم فقط كفيصل في الاختيار… واطلعت عليها السيد عبدالقادر عقير ودون ايّ جدال وافق عليها واضاف بعض الخطط التي نسيتها… وارسل الاورغانيغرام عن طريق الفاكس للسيد عبدالله عمامي… وماهي دقائق حتى وجدت السيد عبدالله يطلبني على هاتفي… بادرني اوّلا بالشكر على الانجاز السريع واضاف: (فقط لي ملاحظتان، الاولى تتعلق بتسمية الزميل زهير بن احمد كمدير فرعي للبرامج… حيث ابدى لي احترازه من هذا الاسم… وعندما طلبت منه السبب قال لي بكل ايجاز ووضوح: زميلك زهير محسوب على اليسار هل تدري ذلك ؟ قلت له لا ..قال لي: رسالة ختم دروسه بمعهد الصحافة، كانت حول صحف المعارضة في تونس!
ولانّي عرفت زميلي زهير بن احمد بما فيه الكفاية اسرعت بالردّ: واين الاشكال ؟؟ فأسرع هو ايضا بالرد: (خويا عبدالكريم، مدير فرعي للبرامج موش شوية راهي)… ولم اتركه يتمّ حديثه اذ قلت: (انت عندك ثقة فيّ، سي عبدالله ؟) اجاب طبعا ..فقلت له: (زهير هو الاجدر بهذا المنصب وانا اتحمل مسؤولية ما اقول)… اكتفى سي عبدالله بالقول: (دبّر راسك اما اتحمّل مسؤوليتك)… ثم جاءني للملاحظة الثانية وقال: ( إي انت وينك سي عبدالكريم في الاورغانيغرام ؟)… وكنت فعلا لم اسند ايّة خطة وظيفية لشخصي… قلت له: (انت تعرف جيدا ماذا يعني المصدح بالنسبة لي… هو أهم عندي من ايّة خطة وظيفية)… قفز السيد عبدالله على العبارة وقال: (يخخي انا قلتلك ابعد عن المصدح ؟ اما في نفس الوقت ولاني اعرفك واعرف حكايتك بكل تفاصيلها مع المصدح ومع اذاعة صفاقس، لا ارى احدا غيرك يستحقّ مصلحة البرمجة في اذاعتكم… واضيف بكل رجاء اقبلها من اجلي ومن اجل الاذاعة مع مواصلة علاقتك بالمصدح)… قلت له ساناقش الموضوع مع سي عبدالقادر… ردّ عليّ: انه في انتظارك وسيكون سعيدا بقبولك لتلك الخطة…
وما ان انهيت المكالمة حتى هاتفني سي عبدالقادر للحضور بمكتبه… دخلت عليه فوجدته في قمة الانشراح وبدأ بالقول: (شنوة الكيلو يطيّح الرطل ؟؟)… وقتها عرفت انّ خطة رئيس مصلحة البرمجة وهي المصلحة الاهم في كل اذاعة تحادث فيها السيد عبدالله عمامي والسيد عبدالقادر عقير واتفقا على ان اكون انا من يشغلها… وبدأت مسيرتي المهنية تاخذ ابعادا اخرى… عبدالكريم لم يعد كما كان مستشارا للمدير بل اصبح رسميا عضوا في (حكومة) اذاعة صفاقس… وكما اسلفت القول، بقدر ما استبشر العديد بهذه التسمية بقدر ما اغاظت البعض… اي نعم هؤلاء..كانوا دوما وفي كل معركة ينتظرون هزيمتي بالضربة القاضية فاذا بهم يجدونني في وضعية ارقى…
هي ليست حالة خاصة بي بل هي حالة منتشرة في كل الادارات دون استثناء… حرب ضروس كلما خفّت حرائقها فترة، اشتعلت من جديد وربما باكثر ضراوة… انها طبيعة البشر منذ أول الخلق… فاذا كان الانبياء اولى ضحايا اقوامهم فمن نكون نحن حتى لا نعيش نفس الاوضاع؟… وحده الله يعلم من منّا قابيل ومن منّا هابيل وعند الله تجتمع الخصوم…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
يبدو أن ” الأيام والليالي البيض” ستشرّف بداية من اليوم 25 ديسمبر هذا الذي يتميز باصطحاب عاملين اثنين هامين:
اولا نزول الأمطار بكميات معتبرة ومطلوبة لإخراج البلاد من مأزق الجفاف، خاصة ان كل التكهنات توحي وتؤكد احيانا ان الأمطار متواصلة ومن شأن هذا الهطول المخالف للسنة الماضية الجافة، ان يغذي بالأمطار عددا وافرا من السدود وسقي الأراضي الفلاحية، والتبشير بسنة ممتازة في الإنتاج الزراعي عسى أن يقع تقليص حاجتنا وارتباطنا بواردات قمح اوكرانيا او روسيا… والتأكيد مجددا على غرس عقلية الاعتماد على انتاجنا الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وهو ليس أمرا ممكنا فقط بل ضروري…
لقد تم القضاء على الارهاب وتمت مقاومة الفساد وتحريك رافعات التنمية… وكذلك تحسين مخزون العملة الأجنبية بالبنك المركزي التي وصلت إلى حوالي 120 يوم توريد بعد سقوطها فترات حكم الاخوان إلى اقل من 60 يوما… كما يستوجب لفت النظر الى ان الدينار التونسي اخذ طريقه للتعافي وحقق زيادة اكثر من 1.6 % مقابل اليورو… والأمر يستوجب مواصلة دعم الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو و الدولار ..وهذه أيضا مستجدات لا تقل أهمية..
عدنا لحالة هذه المدة الفصلية الأولى من شتاء يبدو باردا هذه السنة زيادة عن الأمطار المباركة… و مقابل ذلك يرتعش المواطنون و قد يصطلون من البرد القارس والرياح المرافقة… وقد يشتد وقع البرد على شريحة كبرى من التونسيين الذين يلتجئون بنسب متفاوتة إلى سخانات الغاز او الفحم او الكهرباء… وهي طرق تتطلب قواعد ثابتة لتحقيق الدفء النسبي مع التوقي من اخطارها… فالفحم له أضرار كبيرة متمثلة في ثاني أوكسيد الكربون القاتل… والغاز له اخطار لا تقل عن الفحم… وحتى جهاز الكهرباء المحمول يتطلب “تنفيس” البيت…
تبقى اخطار اضافية خلال هذه الفترة وهي ما اعلنته وزارة الصحة العمومية مشكورة من ضرورة التحلي السريع قصد مواجهة منتظرة للكورونا خاصة لدى كبار السن و المصابين بالامراض المزمنة والأطفال… وربما نضطر إلى العودة لاستعمال الكمامات خلال الازدحام الذي نراه في وسائل النقل المتعددة… لذا قد يتحتم على الدولة استشراف تغيرات واردة للمناخ ببلادنا… والاحتياط اكثر من العوامل التي نراها بالغرب القريب لتوفير الغاز الطبيعى لأكبر جزء من المواطنين في كل مكان لا لمواجهة البرد العائد مع كل شتاء بأكثر قوة، لكن أيضا لرفاه التونسيين شمالا ووسطا وجنوبا… وعدم حصر هذا الرفاه الشرعي عند شريحة واحدة، نسبة منها من الجشعين والسراق… اقول نسبة قليلة لأن متطلبات الرفاه لم تعد مفخرة او من علامات الأرستقراطية.
ملاحظة مبدئية … هذه الورقة ساخصصها لفترة هامة جدا في مسيرة اذاعة صفاقس… فترة تولّى فيها المرحوم عبدالقادر عقير ادارة اذاعة صفاقس، وامتدت من سنة 1996 حتى 2004 …
واحتراما لروحه سامرّ على بعض الاحداث دون ذكر تفاصيلها السيئة… نعم احتراما لروحه دعوني في البداية اقسّم فترة ادارته لاذاعة صفاقس على ثلاث مراحل… الاولى من 96 الى 98 والثانية من 98 الى 2002 والثالثة من 2002 الى 2004… هذا التقسيم مأتاه ما عايشته في المراحل الثلاث من احداث مختلفة جدا… كما اسلفت سابقا ومنذ قدوم الرجل سنة 96 وبطلب منه نشأت بيننا علاقة متينة للغاية… كنت بالنسبة له مستشاره الاول في كلّ ما ينوي القيام به وكان كثير النشاط متعدّد الرؤى لتطوير العمل الاذاعي… وحتّى في علاقاته مع زملائي في الاذاعة كان يستشيرني كلما حدث حادث وكان شديد الثقة بي…
ودعوني هنا اقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اغتنم طيلة وجودي معه تصفية ايّ حساب مع ايّ كان لكن في المقابل كنت لا اخفي تماما قناعاتي تجاه ايّ زميل ايجابيا او سلبيا… وكانت مواقفي تنبع دائما من حبّي لاذاعتي وحرصي ومن خلال تجربتي ان اقول له الحقيقة عارية… هنا ساذكر بعض الامثلة…
في احدى المرات دعاني على عجل وعبّر لي عن غضبه الشديد لعدم كفاءة احد منظوريه مهنيا… كان في قمة الغضب واخبرني انه يريد ان يضع حدّا لوجود ذلك الشخص في الاذاعة… وكان موقفي ان تريّث يا سي عبدالقادر وسنجد الحلّ ونزلت من مكتبه بحثا عن ذلك الزميل لاعرف لبّ الاشكال ..وجدته في حالة مزرية ..كان يبكي كطفل صغير بعد ان توعّده سي عبدالقادر بالطرد ..هدّأت من روعه ووعدته بالتدخل ايجابيا لفائدته لانّ قناعتي لم تقبل بطرده والقضاء على مورد رزقه ..وللتوّ عدت الى مكتب المدير عارضا عليه الحلّ الامثل ..قلت له مساعد ذلك الذي تريد طرده على غاية من الكفاءة… اذن دع ذلك السيد وشأنه وليكن من الان مخاطبك هو مساعده …وللامانة قال لي اللي تحكم انت مبروك وفعلا كان الامر كذلك …
المثال الثاني حدث مع ثنائي من الزملاء لاحظت انهما اصبحا كثيري التردّد على مكتبه ثم اكتشفت انّ احدهما اصبح ملازما اسبوعيا لهداياه لمنزله (اشي لحوم ..اشي سمك ..اشي غلال ..) فما كان منّي الا ان فاتحته في الامر وحذرته منهما لاني اعرف جيّدا معدنهما… وقلت له بالحرف الواحد ان حدثت لك يوما مشاكل في اذاعة صفاقس، وقتها ستدرك انهما وراء ذلك… وفعلا كانا وراء العديد من مشاكله مع الزملاء …
المثال الثالث حدث مع منشطتين كانتا شاركتا في كاستينغ لتطعيم اذاعة صفاقس باسماء شابة لضخّ دماء جديدة واخذ المشعل عنّا يوما .. وحرصت في هذا الكاستينغ على تكوين لجان حتى لا يكون القرار فرديا… نعم كنت رئيس تلك اللجان ولكنّ القرار كان جماعيا والله .. احداهما نجحت باجماع الجميع على اهليّتها لتكون ضمن من ساتكفّل بتكوينهم وتاطيرهم ..والثانية لم تحظ بايّ صوت في الكاستينغ ..سي عبدالقادر انذاك (جا راسو) على التي نجحت وحاول بكل الوسائل اقناعي بالتخلّي عنها ولكنه فشل تماما ..ونجحت في اصراري ونجحت هي في دورتها وبامتياز ..اليس كذلك حنان التريشيلي .. ؟؟ الثانية والتي لم تنجح في الكاسنينغ وبالاجماع وساتحاشى ذكر اسمها حتى لا احرجها، حكايتها تتلخّص في الآتي:
دعاني يوما سي عبدالقادر الى مكتبه ورجاني اخذا بخاطره ان اقبل بها كمنشطة اقوم بتاطيرها لانّ والدها وهو صديق له احرجه وطلب منه ذلك … موقفي كان الرفض التام لانّه وهذا يعرفه كلّ من تتلمذ عنّي، ليس لي قلب في الامور المهنية .. ابنتي كرامة مثلا ارادت ان تشارك في احدى دورات الكاستينغ .. لم ار مانعا في تمكينها من ذلك الحق لكن كان شرطي ان اقوم انا فقط بالكاسيتينغ… لاني كنت مدركا انّ من سيحضر معي لتقييمها سيراها كابنة لعبدالكريم ولن يكون موضوعيا مائة بالمائة ..وفعلا وكغيرها اجريت لها التجربة الصوتية واكتفيت بذلك… وعندما خرجت كرامة من الاستوديو لاستطلاع رأيي فيها قلت لها في جملة واحدة ..انت لست للميكرو .. ولانها تعرفني وتعرف قناعاتي، ودّعتني وذهبت وكأنّ شيئا لم يكن…
وهذا ما اعنيه وانا اقول دائما المصدح يُفتكّ ولا يُعطى، وسي عبدالقادر يعرف قسوتي وصلابتي وعنادي وكسوحية راسي في مثل هذه الحالات… فقال لي زايد انلحّ عليك وسآخذها على عاتقي وعلى مسؤوليّتي… قلت له ذلك شأنك ..نعم وأخذها على مسؤوليته ولم امكّنها من حضور الدورة التكوينية لانها بالنسبة لي لا تصلح للعمل الاذاعي بتاتا… وهي على فكرة الان مرسمة وتشتغل … ليس ذلك فقط بل تعتبر نفسها وخاصة بعد 14 جانفي نجمة النجوم …رغم انّ نوعيّة ما تقدّمه لا يختلف كثيرا عن احاديث النسوة في حمّام او احاديث بعض الرجال في لعبة البازقة… كلّ ذلك لن يمنعني من القول انّ الفترات الذهبية التي عاصرتها كانت ثلاثا…
اذ انّي لم اعاصر فترتي المؤسس الباعث عبدالعزيز عشيش رحمه الله ولا التوفيق الحشيشة اطال الله عمره… لذلك كانت الاولى التي عاصرتها مع المرحوم قاسم المسدّي، والثانية مع المرحوم محمد عبدالكافي، والثالثة مع المرحوم عبدالقادر عقير .. القاسم المشترك بينهم، نشاط حثيث لا يكلّ ..كانوا ما شاء الله قادرين على العمل طيلة 16 ساعة دون انقطاع… ثم كانت لهم رغبة جامحة في تطوير العمل الاذاعي كل من زاوية رؤيته الخاصة به ..لذلك وهذا عايشته معهم، كانوا لا يتوانون لحظة واحدة في تجميع الكفاءات الثقافية بالجهة لدعمها وللارتفاع بمستوى المنتوج .. وكذلك للاخذ بيد الطاقات الشابة وتشجيعه. . وللامانة نجحوا في ذلك ايما نجاح … اليس كذلك احمد الشايب ؟؟ اتفهّم عرفانك له بالجميل… ولكن هنالك اشياء لا تقلّ اهميّة تطبع مسيرة ايّ مسؤول بايجابياتها نعم، ولكن بسلبياتها ايضا ..
وهذه في تفاصيلها يعرفها فقط من عاشر السيد عقير وعاضده عن قرب .. وسادوّن العديد منها في الورقتين 99 و100 ..كموثّق لما عشته معه ..اذ انّ مبدأ هذه الورقات منذ عددها الاوّل: التوثيق لكلّ ما عشته وعاشه معي جيلي والله وحده يعلم صدقي وامانتي …
ـ يتبع ـ
ورقات يتيم… الورقة 99
رحالة شابة من فرسان الدرّاجات… اعشق نبض الطبيعة والحياة من خلال “شهلة”
معرض بيع التمور من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة
قضية وفاة جيلاني الدبوسي… تمديد إيقاف طبيبة السجن
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في قلب رام الله!
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 3 ساعات
ورقات يتيم… الورقة 99
- رياضياقبل 14 ساعة
رحالة شابة من فرسان الدرّاجات… اعشق نبض الطبيعة والحياة من خلال “شهلة”
- اقتصادياقبل 15 ساعة
معرض بيع التمور من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة
- تونسيّاقبل يوم واحد
قضية وفاة جيلاني الدبوسي… تمديد إيقاف طبيبة السجن
- صن نارقبل يوم واحد
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في قلب رام الله!
- صن نارقبل يوم واحد
تحطم طائرة أذربيجانية… ومصير مجهول لركابها الـ 120
- صن نارقبل يوم واحد
صواريخ فرط صوتية من اليمن… وتدافع على الملاجئ في تل أبيب
- جور نارقبل يومين
إنه الشتاء يا حبيبتي