تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 36

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في حياة الواحد منا حياة لا تشبه الحياة في شيء …هي اشبه بموت حيّ او بحياة ميّتة ..تلك التي لا طعم فيها ولا لون ولا رائحة ..تلك التي يتحوّل فيها الانسان الى كتلة لحم متحرّكة تندثر فيها كل معاني الاحساس ..الاحساس بمن حوله … ولكن وهو الفظيع الاحساس بذاته .. انذاك يتحوّل الى لا شيء في مهبّ اللاشيء ..

عبد الكريم قطاطة

هكذا كنت انا في اليوم الثاني بعد فشلي في امتحان الباكالوريا ..”جهامة على الارض” … لست ادري اين حملتني ساقيّ يومها الا وانا اجد نفسي في منزل اختي الكبرى ..استقبلتني بكل برود ..ربّما هي تحاشت حتى النظر اليّ رفقا بحالي الكئيبة …وربّما هي موجوعة على اخيها ومن اخيها الذي لم يُشرّف العائلة ..تلك العائلة التي ضحّت بالنفس والنفيس حتى يرفع راسها بين افراد العشيرة ..لم يكن في منزلها احد ..كل اطفالها بمدارسهم وزوجها رحمه الله كعادته لا يعرف للراحة طعما .. منذ صغره كان يشتغل ليلا نهارا وهو يتيم الابوين ووحيدهما .. تجرّع طعم اليُتم منذ نعومة اظافره وعاش الميزيريا منذ طفولته فانقطع باكرا عن التعليم، وانخرط في بناء حياته بكل تفان ونجح نجاحا باهرا في تأمين عيشه وعيش عائلته ليصبح احد كبار صُنّاع الاحذية في صفاقس …وكلّ ذلك كان على حساب صحّته…

رحل ذات يوم الى فرنسا دون رجعة بعد ان فشل الاطباء في انقاذه اثر عمليّة زرع لاحدى الكليتين …ذهب راجلا الى باريس وعاد محتضنا تابوته …كان طوال حياتي الدراسية سندا لي لا مثيل له ..كان الاخ الاكبر الذي لم يتركني يوما في خصاصة ..وكان تماما كسي المبروك ..اصرف ولا يهمّك ..واذا استطعت يوما ارجاع المصاريف حبّذا والا “السماح بيناتنا” … وكنت كلّما مررت عليه في حانوته الّا واستقبلني بابتسامته الرقيقة وهو يقدّمني الى زملائه وحرفائه بكل فخر: “هذا نسيبي عبدالكريم” …وينبري في تعداد مآثري ويذكّرهم دوما بانّي اول غصن من آل قطاطة الذي نجح في دراسته …

يومها وجدتني بمنزل من خذلته ..يومها استأذنتني اختي في الخروج لقضاء شؤونها بالمدينة …دون تفاصيل اخرى .. وذهبت اختي ….وواجه عبدالكريم …عبدالكريم … كنت وما زلت قاسيا في مواجهة نفسي ..لا اذكر اني كنت رحيما معها ..وانهمرت عرائض اللوم والادانة ..ايّة حجّة يمكن ان ابرّر بها فشلي ..اوكي يا سي الشباب ..حطّمك الاستاذ الذي اصلح لك فرض العربية ..ولكن ماذا عن بقيّة المواد ؟؟؟ عاملّي فيها بطل وزعمة زعمة قرّيت معلّم وشايخين بيك زملاؤك والمتفقّد ..وبعد ..؟؟ الا تستحي من نفسك وأبوك يصرف عليك وانت في سن العشرين ..؟؟؟ الا تستحي من نفسك وأمّك تنتظرك لتراك يوما “هلال على روس الجبال” .؟؟ الا تستحي من نفسك وكل اترابك يعتبرونك نابغة فوق العادة…؟؟؟ انظر الى كشختك في المرآة ..ماذا تساوي انت الان ..رسبت في الاولى عديناهالك ..مازلت صغير وعدّيت عام طايش ..رسبت في الجزء الاول من الباكالوريا وقلنا “_”خيرها في غيرها” … ثم جاءت الفرصة الاخيرة كي تكفّر عن سيئاتك فاذا بك مفصول نهائيا عن الدراسة ..اذ ان النظام التربوي انذاك لا يسمح لأي تلميذ الرسوب باكثر من ثلاث مرّات طيلة المرحلة الثانوية ..

اذن وبعد فتح صندوق الباك ستتخلّى نهائيا والى الابد عن مبلغ قدره (الدراسة) ولم يبق في “دليلي” ملك الا صندوقي لافتحه … ولم اترك سامي الفهري يفتحه لاني كنت متأكد انه يحتوي على .. شلاكة … وخلافا لكل قواعد ولد الفهري قررت ان لا اُتمّ اللعبة وان انسحب ..نعم قرّرت الانسحاب من الحياة ..وماذا انتظر من هذه الحياة التي اكّدت انّي لا استحقّها؟ ..لم ادر وقتها ولم ادر لحد يوم الناس هذا هل كنت جبانا ام شجاعا في اتّخاذ مثل ذلك القرار ..لأن الانتحار عندي هو في نفس الان قمّة الشجاعة وقمّة الجبن ..طبعا دون تحليل الفكرة دينيّا لأن الواعز الديني انذاك لم يُولد بعد ..وصعدت المدرج …يجب ان اضع حدّا لحياة لا حياة فيها ..عُلوّ المنزل كان كفيلا بتفتيتي شظايا ..هيّا عبدالكريم ..انت لا تستحقّ الحياة ..

ووصلت الى سطح المنزل ..والقيت نظرة على المكان الافضل الذي سيستقبل جُثّتي ..انها الفيراندا القبليّة .. واتجهت ثابت الخطوة نحوها …ووقفت وقفة مودّع واقتربت من خطّ القفز ..لست ادري لماذا لم اُسرع في الارتماء ..ربّما هو الخوف ..ربّما هو قدر لم انتظره ..ربّما هو شيء لا استطيع تفسيره .وقفت على رجل واحدة على الحائط القبلي للمنزل ..لم ارتجف، لم يختلّ توازني .. ولم اعد اشعر بأي شيء ..اغمضت عينيّ واطلت اغماضهما ..ولم افتحهما حتى وانا اسمع الباب الخارجي يُفتح ..نعم هنالك قادم ..هل هي اختي عادت من قضاء حاجياتها ..؟؟ هل هو احد ابنائها عائد من مدرسته ..؟؟هل هو جار من الجيران ..؟؟ ولم افق الا على صوتها … انّها عيادة ومن غيرها …اشبيك يا وليدي اش تعمل غادي …؟؟؟ هل فهمتم ما معنى “اقدااااااااااااااااااااااااار ” ؟؟؟

المثل يقول (قلب المومن خبيرو) وعيّادة قلبها خبيرها ..حكت لي فيما بعد انّها احست بوجع بداخلها عبّرت عليه بـ” قلبي اتنقرص تنقريصة وحدة” … فلبست سفساريها وخرجت تبحث عنّي وحملتها ساقاها الى منزل ابنتها الكبرى لا تدري كيف ولماذا ولكن قلب عيّادة خبيرها …عندما سمعت صوتها وهي تسأل ماذا افعل هناك .. ابتعدت قليلا عن خط الارتماء وجثوت على ركبتي ..لم ادر وقتها ما سأردّ عليها …ولم احس بي الا وهي بجانبي واجمة تبحث عن تفسير لوجودي في ذلك المكان …لم اشأ اخبارها بقراري ..كنت خائفا عليها من تجذّر الفكرة في داخلها وذلك يعني القضاء نهائيا عن امنها وامانها الدّاخليين والى الابد، تجاه ردّ افعالي في اي حدث او حادث بسيط ..قد يحدث يوما ما ..ويستحيل ان تمّحي من ذاكرتها فكرة محاولة الانتحار ..وهذا يعني انّها لن ترتاح يوما ولن تهنأ براحة البال ..

قلت لها فادد وحبّيت نشم شويّة هواء …هل صدّقت ..؟؟ لا ادري ..هل حفظت الدرس معي ولم تعد تلك “الڨرڨارة” واصبحت تكتفي بقليل الكلام ..؟؟ لا ادري ..كل ما ادريه انها وفي ذروة الالم الذي عاشته نتيجة خيبتي همهمت بكلمات مقتضبة ( يا وليدي اش نعملو موش كاتبتلك الباك ..المهم تعيشلي …يخخي اللي ما خذاوش الباك ماتوا ..؟؟_ تكبر وتخدم وتولّي سيد الرجال ونفرح بيك وبصغيّراتك)… لم اشأ بل لم استطع الردّ “بلعت السكّينة بدمها” ونزلت من مسرح الجريمة …

الايام التي توالت لم تختلف عن سابقاتها فقط انقرضت فكرة الانتحار نهائيا من داخلي .. بل واصبحت مرة اخرى شديد التقريع لذاتي لما عزمت عليه ..ليس حفاظا منّي على حياتي ابدا ..بل حفاظا على عيّادة ..كنت يوميّا اجلد نفسي جلدا داعشيا لا رحمة فيه ..كيفاش يا مكبوب السعد تفكر في الرحيل ..؟؟؟ وعيّادة ماذا ستفعل بعدك ..وانت كل املها، كل معنى لوجودها كل الاوكسجين، الذي تتنفّسه .؟؟؟… هذا “كفوها” ؟؟؟ تدفنها وعيتها حيّة . ؟؟؟ .يلعن جد بو والدين الراتسة متاعك .. وكنت اقول لها يوميا دون ان اقول …يا عيّادة لن اتركك ..لن اخذلك ..لن افعلها ..ومن اجلك فقط يا غالية الغاليات …

كانت الاجواء رتيبة جدا ..حاولت الشلّة ان تحيطني برعايتها لرفع معنوياتي وبحذر ..لانهم يدركون جميعا اني افضّل في حالات تعاستي ان اصمت وان اطلب من الاخرين الصمت …. لم اعد عبدالكريم صانع الاجواء بينهم ..كنت معهم جسدا دون روح ..وكان سي المبروك اكثرهم لوعة وحرقة على ولده كُريّم ..وكان اذكاهم ..لم يفاتحني في الامر بتاتا ..وحتى اسلوبه في التّعامل مع سجائري كان في منتهى الكياسة ..ينتظرني عندما اقف بائعا لڨليباتو وحميصاتو ويدسّ خفية “باكو المنته” في احد جيوبي ..وعندما احسّ بصنيعه وانظر اليه بكثير من الحياء وعزّة النفس كان يردّ وبكل صدق وايجاز: ما تقللي شيء ..راك ولدي …وللامانة وجدت في حانوته ملاذا لي اقضّي به يومي بعيدا عن الشلّة لسببين: اوّلهما انّي كنت غير قادر على الاشتراك معهم في عبثهم وجنونهم …وثانيهما اردت ان ابتعد عنهم حتى لا افسد عليهم اجواءهم وانغّص شيخاتهم وانا التائه المهموم …

ذات يوم وانا في حانوت سي المبروك اقبل ساعي بريدنا (سي علي غربال) ليحمل لي برقيّة ..برقيّة ؟؟؟ من اين ..؟؟ ومن انا حتى تأتيني برقيات ..؟؟ وسألت: هذي ليلي انا سي علي ..؟؟ … اجاب لا لا لامّي ..يخخي ما تعرفش تقرا؟ ..اوكي باسمك ..واضاف كعادته: ملاّ شكشوكة ! ومضى ..فتحت البرقيّة على عجل وقرأت: السيد فلان الفلاني(اسمي ولقبي طبعا) انت مدعو لاجراء مناظرة تابعة للاذاعة والتلفزة التونسية يوم كذا على الساعة كذا بالمعهد الفني بتونس …؟؟؟ كيف حدث هذا ..؟؟ لماذا اختاروني لاجراء هذه المناظرة ..؟؟ هل هم يرسلون هذه البرقيات للفاشلين امثالي ..؟؟ ولماذا انا بالذات .؟؟؟

لم افهم شيئا ممّا حدث ..وهرعت الى صديق عمري ابثّ له الخبر ..ضحك وقال ..لم اشأ اخبارك ..اما الان وقد وصلتك البرقية فلعلمك ان اخي عبدالحميد والذي فشل في الباك مثلك …نقّب في الجارئد وخاصة في عروض الشغل والتشغيل ووجد اعلانا من دار الإذاعة فارسل طلبين واحدا باسمه والثاني باسمك ..ولقد وصلته برقيّة امس باسمه ولم يشأ اخبارك وهاهي برقيّتك تصل اليوم ….اقداااااااااااااااااااااااااااااااار .. وجاءني اخوه عبدالحميد منشرحا جدا للخبر، فعلّقت بمثل شعبي وقلت: خويا عبدالحميد لو كانو فالح راهو جا من البارح _… تدخّل رضا وبكل حزم وصرامة : تمشيو وتعدّيو المناظرة خاسرين حاجة؟ ..ما عندكش فلوس نعطيك، المهم فرصة ما تتفلتش _ …ثم اضاف: هذي ما تناقشنيش فيها ..وكان تحب نمشي معاكم . نمشي ..

في تلك اللحظة لم يكن القرار جاهزا بداخلي ..فآثار النكسة لم تندمل بعد …الا انّ رضا اضاف: انت طول عمرك مغروم بالاذاعات والسينما والتلفزة ..اشكون يعرف بالكشي تخطف … ويزّي من (تيييت) متاعك …. صدقا وبعنادي ونرجسيّتي وراسي الكبير لم يؤثّر فيّ منطق رضا كثيرا ..تعوّدت ان آخذ وحدي جلّ القرارات في حياتي ..رغم يقيني ان طرحه للامر منطقي جدا ..ولكن و في تلك الظروف النفسية المعتلّة كنت احس بانّي وحدي الذي يجب ان اصنع مصيري ..عبدالكريم ولد الزناتي اتهزم يا رجّالة، نعم ..ولكن عبدالكريم لم يمت ويجب ان يقاوم ويجب ان يّقرر ولا يترك مصيره حتى لاقرب واوفى الاصدقاء .ربّما هو ردّ اعتبار لا شعوري لذاتي ..او هو ربّما اختصره في: قد انهزم ولكن لا اموت …

اعلمت العائلة بوصول البرقية ..ولئن استبشر الجميع بالخبر فان عيّادة عبّرت عن ذلك باحتراز …واضافت: .زعمة دعوة هاكي المرا االي قالتلك بعد ما غششتها وما خليتهاش تسمع كسوديّة (برّة يجعلك تطلع تخدم في الاذاعة) طلعت دخان للسماء ..؟؟ امي وكسائر الامّهات انذاك تتمنى لولدها رتبة لا تقلّ عن الطبيب او المهندس وفي اسوأ الحالات استاد (بالدال وليس بالذال) لذلك بقدر فرحها بالبرقية والتي ستّخرج ولدها من حالة الضّياع، بقدر خيبتها في ان ولدها سيدخل للاداعة (مرة اخرى بالدال) والتي كانت تعني في تلك الحقبة بؤرة فساد … واولاد العايلة ما هياش متاعهم …ووجدتني اجلس مع نفسي لاُقرّر …انا ابن شعبة آداب والمسالك لامثالي منحصرة اما في الاداب العربية او التاريخ والجغرافيا او الحقوق … وحتى ان قُدّر لي النجاح فحسب امكانياتي الدراسية… فكلّية الاداب هي الافضل بالنسبة لاختصاصي العربية رغم اني صاحب الستّة على عشرين في الباك …قلت في نفسي بعد هذا التمحيص(بوزيد مكسي بوزيد عريان .. خاسر حاجة انا؟ نمشي نبدّل الجو اقلّ شيء ..ومولاها ربّي) …

سافرت قبل يوم من اجراء المناظرة الى تونس صحبة عبدالحميد … وبات كل واحد منّا عند اصدقاء له ..والتقينا في الغد صباحا امام المعهد الفني … لم تكن المرة الاولى التي ازور فيها تونس… زرتها سابقا مرّات عندما كان والدي يشتغل بنّاء هنا وهناك ..والفضل يعود اليه اني زرت عدة مناطق وانا تلميذ في الابتدائي انطلاق من “بوجربوع” وهي منطقة ليست بالبعيدة عن صفاقس ولكنها في ذلك الزمن كانت خرجة … وانا الذي لم يكد يفارق الحوش ولا حضن امّي …كانت مغادرة الحوش لمدة نصف شهر اثناء عطلة الصيف مع والدي وهو يشتغل في المرادم لصنع الفحم… وكانت عيادة ايدها على قلبها …فكيف لصغير مثلي ان يقطن في اماكن شبه خالية ..؟؟ وهل تطمئن لوالدي عليّ ؟؟… ثم كانت خرجتي الثانية نحو جرزونة من ولاية بنزرت في عمر متقدّم دون نسيان تونس العاصمة في مناسبات …

يومها وامام المعهد الفني بدأت جحافل المشاركين في المناظرة تتوافد ..عشرات ثم مئات ..ما هذا يا هذا …؟؟؟ ثم وبوسائلنا اكتشفنا ان المستويات الدراسة تترواح بين تلاميذ الباك المنكوبين امثالي لتصل حتى الثانية جامعة ..ثم وعلى مسمع منّي جلّهم يجنڨلون باللغة الفرنسية فتحسبهم احفاد موليير … ورغم ذلك كنت يومها “جومونفوتيست”… لم اعر اي اهتمام لهذه المستجدّات … ربّما هو الفشل الذي مازال يسكن اعماقي والذي خدّر فيّ الاحساس بهول الاشياء فالشاة لا يهمّها سلخها بعد ذبحها ..او هو شعاع بسيط بدأ يسري في داخلي ويمكن حوصلته في (يوجد في النهر ما لا يوجد في المحيطات) …

دخلت قاعة الامتحان وكان يومها يتمثّل في تحليل فيلم بعد مشاهدته ..وممّا اعطاني شحنة معنوية مفصليّة بالنسبة لي حرّية التحرير باللغتين .. شاهدت الفيلم وحللته باللغة العربية طبعا وسلّمت ورقتي وخرجت ..في بهو ساحة المعهد تحلّق المشاركون في المناظرة حول شخص قصير القامة وديع بحق (وليس كوديع الجريء!) ..تسللت اذني من وراء المحلّقين لاستمع الى حديثهم ففهمت اّّولا انه مهندس يشتغل في التلفزة التونسية، وانه مسؤول اداري عن تلك المناظرة ..وسمعت وهو الاهمّ ان العدد المطلوب للناجحين لا يتجاوز الثلاثين …في حين تقدم 700 ونيف لاجتياز المناظرة ..

التلفزة التونسية انذاك كانت في عامها الرابع ..والمدارس المختصة في تكوين التقنيين (مونتاج وتصوير ومساعدة على الإخراج وكتابة إخراج) غير موجودة تماما وقتها في تونس… فكان عليها كل سنتين ان تفتح الباب بمثل هذه المناظرات لتكوين تقنييها بمركز تابع لها بنهج بيكلار و على امتداد سنتين ..سنة ونصف نظريا و6 اشهر تطبيقيا …وتلك السنة كانت المناظرة لاستقبال الدفعة الثانية …تلك كانت الاخبار المستقاة من سي عمر ذلك المهندس الشاب …لست ادري لماذا لم تزلزلني اخباره .. خاصة المتعلقة بعدد الناجحين والذي كما اسلفت لا يزيد عن الثلاثين …

وعدت الى صفاقس ..وعدت الى حانوت سي المبروك …وكان عليّ ان اشتري يوميا جريدة” “لابريس” التي ستُعلن فيها نتيجة المناظرة … وهاهي الاقدار مرّة اخرى تُدلي بدلوها ..صديقي عبدالحميد الذي ارسل الطلبين لم ينجح وعبدالكريم نجح! …ولكن لم ينته الامر بعد .. الذين نجحوا عددهم يفوق الثلاثين بكثير فما الامر ..؟؟ في نفس عدد لابريس لذلك اليوم وُجّهت دعوة إلى الناجحين للحضور يوم كذا لاجراء الامتحان الشفاهي …وها انا يومها امام ثلاثي مرعب ..مدير التلفزة والمدير التقني ومركب الافلام الرئيسي ..مرعب لانهم يحاورونني باللغة الفرنسيّة وانا “العيّل” الصغير في هذه اللغة كنت افهم احيانا بالحدس واجيب بالعربية …سألني احدهم: الا تُجيد الحوار بالفرنسية ..اجبته بأني خرّيج شعبة آداب كلاسيكيّة “أ ” وهذا يعني اني درست كل المواد بالعربية لذلك اجد صعوبة مع اللغة الفرنسية …

لم افهم بالضبط كيف تقبّلوا فكرة اني “ما نطشش برشة “انذاك بالفرنسيّة ..ولكن صدقا كنت مرتاح البال ..اتممت الامتحان الشفاهي الذي كان محوره ثقافة عامة وسينما ..وخرجت ..ووجدته دوما في بهو الطابق العلوي ينتظرنا ..انه سي عمر ذلك المهندس الشاب الوديع… سي عمر اشار علينا بعدم المغادرة لان نتائج الامتحان ستظهر نهائيا اليوم بعد اتمام الشفاهي ..وانتظرنا حتى الرابعة مساء …وخرج علينا سي عمر بالقائمة ..وعادت لذهني (سه سه) واعلان نتيجة الباك …الا ان غفوتي لم تدم طويلا ..لانه ما ان قال ساعلن عن اسماء الناجحين نهائيا في المناظرة حتى بدأ بعبدالكريم قطاطة ..ياه لا قوائم ولا سلاسل ولا ابجدية ولا هم ينقرضون …وحملت نفسي لست ادري كيف وطرت ولسان حالي يقول ..هاني جايك يا عيّادة …يااااااااااااااااااااااااه كما للخيبة زلازل فللانتصار براكين ….وقتها ربّما بدأت افهم ان الانسان دون زلازل وبراكين … شبه انسان …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

هل يقود ترامب العالم… وهو في حالة سكر؟!

نشرت

في

محمد الأطرش:

غريب أمر ساكن البيت الأبيض!

دونالد هذا وفي مكالمة هاتفية مع فلاديمير بوتين استغرقت ساعة ونصفا، صدم الأوروبيين وأذهلهم وسحب البساط من تحت اقدامهم وهم يغطون في نوم لا يعلمون…

دونالد اتفق مع فلاديمير على فتح مفاوضات فورية تهدف إلى نزع فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا وسيكون ذلك في لقائهم المرتقب في الرياض خلال الأيام القليلة القادمة… دونالد هذا لم يُعلم الاتحاد الأوروبي ولو بالإشارة… ولم يلتفت حتى إلى ما يردده قادة أوروبا حين صرحوا وأعادوا وكرروا أنه “لا يجب التفاوض بشأن أوكرانيا دون الأوكرانيين”… والأغرب من هذا أيضا هو ما قاله وزير دفاع العمّ سام في وقت سابق من نفس اليوم الذي التقى فيه دونالد بفلاديمير هاتفيا… وزير دفاع الماما أعلن أن بلاد العمّ سام لا تعتبر انضمام أوكرانيا إلى الناتو أمرا “واقعيا”… وأضاف أنه من الوهم التفكير أن كييف ستستعيد ولو شبرا واحدا من الأراضي التي احتلتها أو استرجعتها روسيا منذ عام 2014، ولن ننشر قوات أمريكية في أوكرانيا لضمان أمنها بعد إعلان نهاية الحرب الدائرة حاليا بين الطرفين الروسي والأوكراني…

إذن، ذهلت أوروبا مما يفعله دونالد وصدمت من سرعته في تنفيذ ما جاء به في برنامجه الانتخابي… ألم يصرخ عاليا بأنه عائد إلى البيت الأبيض من أجل “أمريكا أولًا”… لكن هل سينجح الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يصرّ على أن يكون له مقعد في كل مفاوضات تخصّ الصراع الجاري بين موسكو وكييف، في الحفاظ على دوره في الصراع الروسي الاوكراني رغم محاولة ترامب وبوتين سحب البساط من تحت أقدامه لغايات لا يعلمها غير ساكن البيت الابيض؟ … وماذا سيكون موقف كييف من كل ما أتاه دونالد هل ستقبل بالأمر وتتخلى عن الاتحاد الأوروبي لذي دفع من أجلها حوالي 50 مليار يورو كمساعدات عسكرية وغيرها منذ بداية الصراع العسكري بينها وبين ساكن الكرملين…؟؟ ماذا لو استسلمت كييف لما يريده دونالد وفلاديمير وهربت بجلدها من صراع قد يعيدها إلى حاضنتها الأولى روسيا صاغرة لا تقوى على شيء؟؟ والسؤال الخطير هل بإمكان الأوروبيين مساعدة كييف وضمان أمنها والوقوف في وجه بوتين بعد انتهاء الصراع الحالي دون مساعدة واشنطن، وهل للأوروبيين القدرة على ارسال جنودهم دفاعا عن كييف إن اشعلت روسيا فتيل الحرب مرّة أخرى؟؟؟

جزء كبير من الدول الأوروبية متخوف من التقارب الأمريكي الروسي الأخير فقد يكون على حساب امنهم واستقرار القارة العجوز… فدونالد قد يضمر شرا بالاتحاد الأوروبي ويحاول تفتيته بعد ان نجح من سكنوا البيت الأبيض قبله في تفتيت الاتحاد السوفييتي… ولا غرابة في ذلك فشعار دونالد اليوم وغدا “أمريكا أولًا”، يتجاهل أوروبا وتحالفه معها… كما أن التقارب بين الكرملين والبيت الأبيض قد يبعد موسكو بدورها عن بيكين… وهو هدف قد يكون في قائمة أهداف دونالد التي يضمرها للعالم ولكنه أيضا سيضعف حلف الناتو وقد يجبر الدول المكوّنة للاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في سياساتها الدفاعية… فهي لا تقوى على حماية نفسها دون العمّ سام وقد تختار الانصياع إلى سياسات الابتزاز التي قد ينتهجها دونالد لإنقاذ اقتصاد الماما الذي وصل إلى وضع مخيف… فبعد أن أظهر دونالد لامبالاته مما قد تعانيه أوروبا اقتصاديا نتيجة للضرائب التي ينوي فرضها على صادراتها… وبعد أن وصل الأمر إلى دعوة صريحة من بوتين لدونالد لزيارة موسكو واستعداد موسكو أيضا لاستقبال المسؤولين الأمريكيين في إطار ما يبذله الجميع من جهود لإيقاف الحرب بين موسكو وكييف… وبعد ما جرى ويجري في ملف تهجير سكان غزّة… هل يمكن القول بأن دونالد مقدم على تغيير المشهد السياسي والاقتصادي العالمي جملة وتفصيلا، محاولا بذلك إعادة الماما إلى مجدها السابق وسطوتها التي فرضتها على الجميع منذ الحرب العالمية الثانية؟

خلاصة ما يجري، نحن أمام تطوّر سريع ومخيف وخطير للخريطة الجيوسياسية الجديدة للعالم… فهل ما يفعله دونالد هو استهداف لروسيا أم لأوروبا أم للصين؟ أم هو استهداف للجميع لتبقى الماما فوق الجميع…؟؟ وكأني بدونالد يبتز الجميع بشعار “ادفعوا بالتي هي أحسن لأحميكم”… ألم يفاخر بحماية دول الخليج من حاكم قُم … ألم يفاخر بحماية أوروبا من ساكن الكرملين أيضا؟؟؟

 أخيرا …ألا يمكن التأكد من حالة دونالد، ألا يمكن أن يكون في حالة سكر؟!!

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة رقم 106

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

قبل سرد تجربة ذاتية عشتها في اواسط 2003 لابدّ من الاشارة الى امر في منتهى الاهمية… ما دوّنته في كل الورقات منذ اولاها الى اخرها هو مجرّد محاولة لتوثيق ما عشته وما عاشه جيلي… والورقة هذه عدد 106 ونظرا إلى خصوصية ما سيرد فيها لا تخرج عن هذا الاطار…

عبد الكريم قطاطة

اذن لن اكون فيها لا منظّرا ولا عالما ولا مفتيا… ساتحدّث عن علاقتي بالله وبالدين وبرجال الدين كيف نشأت وماهي القناعات التي وصلت اليها… مرّة اخرى هي تجربة شخصية للتوثيق والاطلاع فقط… ومهما كانت مواقفكم في تعاليقكم فانا لن اجادل ايّ واحد منكم… ساحترم كل الاراء واقف عند ذلك الحدّ… دعوني في البداية اذكّر انّي وقبل مارس 2003 كانت علاقتي بالدين هشّة للغاية (عبادات ومعاملات)… لعلّ مردّ ذلك تاثّري بمن درّسوني في سنة الباكالوريا حيث كانوا في جلهم اما يساريين او قوميين… انا كنت من الذين يعيشون فترة الحيرة بين الشك واليقين… وحياة اللهو التي عشتها كانت تميح بسفينة فكري الى عدم الخوض في كينونتي دينيّا… ولكن كنت ميالا الى الفكر اليساري رغم امتلائي داخليا بوجود الله… وكنت اكتفي فقط بذلك…

يوم وقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي وكما اسلفت في الورقة الماضية ابتعدت عن اجواء الاذاعة وعن ناسها عموما… ويمكن القول اني عشت لمدة 6 اشهر دون مشاحنات مع مديري سي عبدالقادر رحمه الله… لم اناقش معه كل حقوقي (كرئيس مصلحة) التي حرمني منها كالخط الهاتفي المباشر… رغم انّ زملائي في قسم الهاتف كانوا لا يتأخرون لحظة واحدة في تمتيعي بايّ رقم اطلبه، متجاهلين توصيات المدير وأتباعه بحرماني من الهاتف وبمدّ الادارة باسماء كل من يتصل بي… كذلك تم حرماني من جريدتي اليومية التي توقف مجيئها… وحتى المكتب المخصص لي كمن سبقوني في رئاسة مصلحة الانتاج التلفزي، وقع غلقه ووجدتني في مكتب هو حجما كالحكّة ومكانا بجانب المراحيض… لم اناقشه في قراراته لانّ همّي الوحيد انذاك ان اعيش بعض السلام الداخلي…

بعد مرور اسبوعين على انتقالي من مبنى الاذاعة ومن مكتبي هنالك الى مبنى وحدة الانتاج التلفزي وشبه مكتبي هنالك، اصبحت عاطلا عن ايّ نشاط… ولكن بمرتب رئيس مصلحة لا مهامّ ولا شغل له… ذات يوم وانا في مكتبي ذاك خطرت ببالي فكرة اردت من خلالها قتل الوقت لا غير لانّ اصعب عمل في حياة الفرد ان لا يعمل… قال يومها عبدالكريم الباهي لعبدالكريم الخايب: ألست ابن شعبة الآداب ؟ الم تكن من الذين اكلت وبِنَهَمٍ شديد مجموعة من الكتاب كغاوي مطالعة؟ الم تبدا علاقتك بكتب المطالعة منذ الخامسة ابتدائي؟ الم يقل فيك استاذك سي محسن الحبيّب اطال الله عمره وهو مدرّسك سنة الباكالوريا كلاما كثيرا في كتابه (وقال قلمي)، وتحدث عنك بفخر واعتزاز كاحد تلامذته النجباء حيث كنت تلتهم الكتب التهاما مما جعل ذخرك زاخرا معرفيا .؟

وواصل عبدالكريم الباهي حديثه مع عبدالكريم الخايب بالقول: انت فعلا طالعت عددا لا يُحصى من الكتب فما ضرّك لو اطلعت على كتاب الله؟ واستجاب عبدالكريم الخايب لهذا المقترح وبسرعة عجيبة… كان في مكتبي كتاب قرآن ولست ادري ما السرّ في وجوده… اخذته وكنت في تلك الآونة على جنابة وقررت ان اطالع القرآن الذي لم اعرف منه سوى قصار السور وانا ادرسها في الابتدائي او اتلوها مع والدي وانا طفل ليلة 27 من رمضان حتى امتّع البطن بالزلابية والمخارق… وفتحت المصحف كمطالع لكتاب قيل عنه الكثير … وكانت البداية طبعا وبعد الفاتحة بسورة البقرة… من عاداتي انّي عندما ابدأ مطالعة ايّ اثر أنني اركّز جدا على كل ما ياتي فيه… ولا اترك شاردة ولا واردة لاُحسن في ما بعد عملية النقد والتحليل…

يومها وانا اقرأ سورة البقرة كنت لا شعوريا كما ذلك العطشان الذي انغمس في شرب الماء… كما ترون لم اصف الماء بالعذب او الزلال… كنت فقط اشرب الماء ولكن دون تمحيص… وصلت الى الصفحة 24 والى الآية الكريمة 155 التي تقول { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم واولائك هم المهتدون } صدق الله العظيم… في اللحظة التي قلت فيها اولئك هم المهتدون فُُتح باب مكتبي لتًُطلّ عليّ سكرتيرتي انذاك نعيمة المخلوفي رحمها الله، ولتنزعج مما وجذتني عليه وسألت بحرقة (يا عرفي اشبيك لاباس ؟) استغربت من سؤالها وأجبت: اشبيني لاباس.. قالت: اذن علاش تبكي لاباس؟)… اندهشت ثانية ولم اصدّق الا وانا امسح دموعي قائلا: (لاباس لاباس والله… تذكرت وفاة اخي الحبيب الذي توفّي سنة 2000)..

لم تمكث معي طويلا بعد ان اطمأنت عليّ وغادرت واغلقت باب مكتبي… تركت كتاب القرآن على حدة ومسكت رأسي بيديّ وطفقت افكّر في ما جرى ..كيف جرى ؟ لماذا جرى ؟ كيف انخرطت في بكاء لم اشعر اطلاقا به ؟؟ لم ابق طويلا على تلك الحالة… نهضت من الكرسيّ وتمتمت: (يا ربّي انا جايك)…وقصدت منزلي الذي لا يبتعد عن مقرّ الاذاعة سوى 200 متر تقريبا… وتطهّرت وصليت لربّي ركعتين وفي كل سجدة كنت اردّد نفس الكلمات (يا ربّي انا جايك)… يومها تذكرت استاذي العزيز سي رشيد الحبيّب رحمه الله الذي كان يدرّسنا سنة الباكالوريا مادّة التفكير الاسلامي والذي حدثنا عن الفقيه ابي حامد الغزالي الذي عاش فترة كلها حيرة بين الشك واليقين… الى ان قذف الله في قلبه نور اليقين والذي يصفه البعض ومنهم استاذنا سي رشيد رحمه الله بالنور الشعشعاني…

كنا انذاك وخوفا من استاذنا الرهيب بجديته وكاريزمته نقبل بما يقول ولكن كان في داخلنا كثير من الاستهزاء بذلك النور الشعشعاني… يوم قلت لربّي (يا ربّي انا جايك) فهمت انّ نور الايمان هو اعظم نور لانّ من عاشه وبعمق يعيش الامان والسلام الداخلي… هذا هو مجرّد استنتاج لما عشته منذ ذلك اليوم ولكن للقصّة تفاصيل اخرى عديدة ومتشعبة… ولا اتصوّر انّ هذه الورقة بقادرة على حكي كل تفاصيل ما حدث لي بعد ذلك اليوم… ولا تنسوا وبشّر الصابرين في كتاب الله… اذن صبركم عليّ …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الشات جي بي تي… “ولد حرام صرف”!

نشرت

في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد الأطرش:

سيواجه الطفل الذي سيولد اليوم بأحد مستشفيات تونس وغيرها من المدن في الدول الفقيرة والنامية عندما يصل إلى سن البلوغ، آلة أذكى منه ألف مرّة… وسيضطرّ إلى متابعة ذكائها وتطوير نفسه قياسا بما سيعيشه ويتعلمه ويعلمه من ومع هذه “الآلة” ومع التطوّر الرهيب في قدرات الذكاء الاصطناعي كل ساعة أو لنقل كل ثانية… وسيصبح بعض أبناء هذا الجيل الذي سيولد اليوم وغدا في بعض مستشفيات تونس وغيرها من المدن، قويا وذكيا إلى درجة سيكون معها قادرا على تحقيق كل أهدافه وتطوير كل برامجه ومخططاته وما يريد فعله وانجازه… لكن هنا يكمن المشكل الذي ستعيشه تونس وغيرها من البلدان التي لا يمكنها ان تضع في يد كل أبناء الجيل القادم، آليات الذكاء الاصطناعي لتطوير أنفسهم وتطوير العالم من حولهم…

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتمكن كل أبناء الأجيال القادمة التي ستولد اليوم وغدا، من استغلال القوة الرهيبة للذكاء الاصطناعي؟ وهل بإمكان الدول الفقيرة تعميم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي على كل أبناء الجيل القادم؟ فالنقطة التي قد تمنع عديد الحكومات من توسيع قائمة المستفيدين من الذكاء الاصطناعي، هي خوفها من أن تكون غدا قدرة الشعب أكبر بكثير من قدرة الدولة… لذلك فقد تختار بعض أنظمة الدول الفقيرة استثناء نسبة كبيرة من شعوبها من الاستفادة من آليات ووسائل هذه القوّة الرهيبة التي قد تهدّد وجودها وقد يصل بها الأمر إلى افتكاك الحكم والسلطة منها، يوم تغضب منها ومن سياساتها…

فهل سيكون الذكاء الاصطناعي وسيلة جديدة من وسائل الاستبداد والتسلط لعديد الأنظمة التي قد تستثني بعض شعوبها من هذا الذكاء، أم سيعمّم ويكون في متناول كل الأجيال القادمة ويكون بذلك وسيلة للتحرر والانعتاق والابداع والتطور والتقدّم والنمو والازدهار؟؟

وسط كل هذا الذي يجري في العالم حولنا، والحرب المعلنة بين الصين والعم سام… من سيكون الأقدر على إدارة رقابنا نحو منتجاته الذكية التي ستزيدنا ذكاء وستخرجنا من الغباء الذي نقتات منه ونعيش في مستنقعه…؟؟ لكن لو سألنا بعض من تذوقوا طعم الـ”شات جي بي تي” وغيرها من وسائل الذكاء الاصطناعي هذا الذي سيغيّر وجه العالم بعد سنوات قليلة والذي سيجعلنا أيضا جزءا صغيرا من قرية كبيرة كل من يسكنها يعرف كل من فيها وما يقع فيها ويستفيد من كل من فيها ومن يستفيد بمن فيها… أقول لو سألنا بعض العرب كيف يتعاملون مع هذا الوافد علينا من بلاد العم سام وأحفاد “تشانغ كاي تشيك” و”ماو” فماذا سيقولون يا ترى؟؟ جميعهم أو اغلبهم وأقصد من هم أبناء جلدتنا، لم يختاروا الاستفادة المنطقية والعقلانية من القوة الرهيبة لآليات ووسائل الذكاء الاصطناعي…

أغلب من غامروا بربط علاقة وطيدة وحميمية مع احدى آليات ووسائل الذكاء الاصطناعي اختاروا التعامل مع الذكاء في غير ما ينفعهم وينفع الناس… اغلب العرب يدخلون الشات جي بي تي للسؤال عمّا يجلب لهم المتعة والاستمتاع… والغريب في الأمر أنهم لم يتعلموا شيئا ولم يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي بربطهم لعلاقة غريبة مع أشهر وسائله “الشات جي بي تي” بل أفسدوا اخلاق هذا الكائن الغريب العجيب… فعلّموه كل الالفاظ البذيئة والسباب والشتائم… وبحثوا من خلاله عن كل ما يكشف لهم اسرار بعضهم البعض… فالشات جي بي تي تعلّم من بعضنا الكذب والخداع… وتعلم من بعضنا الآخر الكلام البذيء والشتائم الجنسية… ووصل الأمر ببعضهم بتسمية الشات جي بي تي باسم من أسماء اقاربه فهذا يناديه “يا قعقاع”، والآخر يناديه ” يا مسعود”، والآخر يناديه باسم حبيبته… وهنا علي أن استحضر ما قاله الكوني ابن عمّي عن هذا الكائن العجيب يوم حاوره وهو في حالة سكر… الكوني قال أإن الشات جي بي تي ” ولد حرام صرف… ماهوش ولد عايلة”… هكذا انقلب الأمر عندنا فعوض أن نتعلم من الذكاء الاصطناعي ما ينفعنا ونستفيد منه… أفسدنا اخلاقه فاصبح “ولد حرام صرف”… المسكين…

ختاما ألا يجب ان يكون الذكاء الاصطناعي غدا مادة أساسية في كل مراحل تعليمنا من الأساسي إلى الجامعي، حتى نواكب ما يعيشه العالم من تطور في كل المجالات والقطاعات… فيستفيد منها العباد… ويصلح بهم ومعهم حال البلاد…

أكمل القراءة

صن نار