جور نار
ورقات يتيم … الورقة 38
نشرت
قبل 8 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
انتقال اي تونسي من داخل الجمهورية الى تونس العاصمة كان درسا تطبيقيا لما قرأناه في الابتدائي … (بدويّ في العاصمة) … نسق الحياة ….ضجيج العاصمة ..انوارها … الوانها … هي بمثابة المرجل الذي بختلط فيه كل اصناف التونسيين ..كل العطور.. وكل الروائح ايضا ..
نحن شباب تلك الحقبة في بداية السبعينات كنا نتطلّع نعم الى تحقيق طموحاتنا الدراسية ..ولكن ايضا كنا ايضا تواقين لاكتشاف حياة الحرية بكل مفاصلها …فالعاصمة تعني اول خطوة للنضال السياسي … ومرتعا لتفتيق مواهبنا في هذا الباب من خلال حضور الـ”آجيه” (اجتماع عام) في الكليات وخاصة في الكامبوس معقل اليساريين …حيث كنا في جلّنا مزبهلّين باصحاب القامات الفارعة في الخطابة …ورغم اننا في جلّنا أيضا لا نفقه كثيرا في خطابات الرفاق، الا اننا كنا ننساق في ترديد الشعارات ونحن نتماهى مع تشي غيفارا والشيخ امام …ومع مقولات فلاديمير اوليانوف لينين، مستعينين في ذلك بالمخزون الكبير الذي تركه فينا اساتذتنا سنة الباكالوريا خاصة …كنا نستهزئ بمن لا يعرف شيئا عن السوفخوزات والكولخوزات (وهو النظام الانتاجي في معجم الشيوعية) بل نصبح احيانا منظّرين وبكل فخر وزهوّ وتطاوس لاولائك الذين “كعبة لا” في هذا القليّم.. لنكتشف بعد عمر متقدّم اننا كنا اشبه بالببغاءات …رغم ان البعض من اليسار مازال لحد الان لم يكتشف ببّغائيته بل هو يفاخر بذلك وبكل حماقة …
حياة الواحد منّا انذاك يمكن تقسيمها الى جدولين ..جدول النضال الثوري كما نسميه والخروج في مظاهرات منددة باستبداد بورقيبة وجماعته ومطالبة بالحريات …وجدول “المقرّرات” …هذه المقررات هي تلك التي حكى عنها سعيد صالح في مدرسة المشاغبين ..العلاقة بين الفتاة والشاب في المناطق الداخلية بما في ذلك المدن الكبرى كانت محتشمة جدا … انعدام شبه كلّي ان لم يكن كلّيا لعلاقة مادية خارج اسوار بيوت البغاء المسموح بها .. كنا نُمنّي النفس بكثير من المقرّرات عندما انتقلنا الى العاصمة ..وهذا التمنّي لم يات من فراغ .. انا كنت من ضمن القلائل في شلّتي بالساقية الذين زاروا العاصمة من قبل ضيفا على والدي رحمه الله عندما عمل بها ..هنالك اكتشفت ان الحياة مختلفة تماما ضمن باب المقرّرات …اكتشفت مثلا حديقة الباساج …حديقة الباساج هذه كانت ملتقى للعشاق عند غروب الشمس ..والعشاق هناك لا يكتفون بـ” حائرون ..يتساءلون ..يتهامسون ..عن الوضع كيف سيكون” …بل هم “يتكوبلون” ويتشابكون ويتعانقون… اما عن القبلات المحمومة فهم لا يتأخّرون …عيني عينك… هي ليست حُمّى مساء السبت ..هي حُمّى يومية …
كنت اذهب يوميا اتلصّص عليهم بنصف عين اعتقادا منّي انه من العيب ان ازعج العشّاق المحمومين قبلا …ولكن اكتشفت فيما بعد اني غير موجود غير موجود غير موجود …فاصبحت امتّع النظر بتلك المقرّرات الى درجة الاصابة بالحُمّى …تماما كالكلب اللاّهث (يشوف يعينو ويموت بقهرتو) ..كيف الوصول الى حماكم المحموم وليس لي في الامر حيلة؟؟ …كنت اعود الى الشلّة لافاتحهم فيما راته عيناي في تونس العاصمة وكنت ارى لعابهم يسيل تماما ككلب بافلوف …وكنت وبكل شماتة افعل ذلك وبداخلي شيطاني يردّد (نتقّهر وحدي ؟؟؟)… والان ..انا في تونس ومع رضا ..الاستوديو موجود ..ماذا تبقّى ..؟؟؟ الم اقل لكم انه بعد نجاحي في مناظرة التلفزة كانت كلمة السرّ بيني وبين رضا (خاربينها خاربينها)؟؟؟ .. هو نوع من الانتقام من العلاقة شبه المنعدمة ماديا بين رغبتنا في ان تكون لنا تجارب مع الفتاة، وبين وضع اجتماعي لم يكن يسمح بتاتا …والحال الان ؟؟.. .حضر الملعب (الاستوديو)… اللاّعبان جاهزان، بل على اتم الجهوزية بدنيا ونفسانيا ..ولم يبق الا البحث عن المحمومات …
في بداية البحث عنهن لم تكن الجرأة تنقصنا ..الا اننا اكتشفنا اننا هواة …وان بنات العاصمة متعوّدات على اللعب في الشامبيونزليغ ..اساليبنا كانت بدائية في الاطاحة بهن ..كنّا فقراء جدا في ابجدية الغزل المُجدي ..بل كنا نتعرض الى اهانات من غواني العاصمة ..لعلّها كلّها تتلخّص في: “ملاّ دغفة ..امشي اتعلّم راك ما تلعّبنيش” …ولأن ترمومتر الحمّى العاصمية تتصاعد درجاته يوما بعد يوم فاننا كنا مضطرّين للبحث عن حلول بديلة لاطفاء الظمأ ..ومن لنا يغير (عبدالله قش) او الدار الكبيرة وغيرهما من دور بغاء سرّي رغم انه علني بتونس العاصمة … او بالبحث عن بائعات هوى بشوارع تونس واشهرها شارع جان جوريس …ومن منّا في تلك الحقبة من الشباب لم يعرف “البكّوشة” هي بائعة هوى خرساء ذات قوام جميل ..وتتعامل بتلك المقولة الاشهارية التي كانت تستعمل انذاك في عديد الحفلات (اسعار خاصة بالطلبة والجيش)…
واستقبل الاستوديو الخرساء ..كانت اول مقرّر يدخل الاستوديو ..ويبدو انها كانت طالع خير عليه ..اذ بعدها اصبح مزارا للمقرّرات (وعلى كل لون يا كريمة) لاننا تجاوزنا مرحلة “ما ابنّك” التي كنا نستعملها مع المقررات وهي التي كانت مدعاة لسخريتهن… الى “عندك وقت ..؟؟” فيظن المقرّر اننا نسأله عن الساعة ..وعندما يجيب ننقضّ عليه بـ” لا ..لا …عندك وقت نشربو قهوة ..؟؟؟”… قد يكون هذا الاسلوب حاليا من امسط الاساليب واتفهها ..ولكن ثقوا انه وقتها يلعّب …قد اعود وحتما ساعود الى المقرّرات في ورقات قادمة ولكن عبثنا وجوّنا لم ينسنا يوما واجباتنا الدراسية ..
اليوم الاول في الدراسة بالنسبة لي وفي دفعة 1971 للمركز التابع للتلفزة التونسية كان يوم تعارف ..كنت الاصغر سنا وجسدا ..وكان يدير المركز واحد من افضل اطارات التلفزة الوطنية، المهندس الباجي صانصة ..كاريزما ..وكفاءة ..وكان يساعده المهندس الشاب عمر كنّو الذي كان الاكثر التصاقا بنا ..الجدول كان مكتظ المواد وبمعدل ثماني ساعات يوميا .. ولم نعرف انذاك من الاساتذة الا بعض المخرجين الذين نقرأ اسماءهم على الشاشة كالحاج سليمان وسالم الصيادي …ثم اكتشفنا مع مرور الايام انّ المركز خصص جمعا متميّزا من خيرة الاساتذة ..السيد ابراهيم الغضاب وهو عند تخرجي عرفي المباشر ليُكمل حياته مهنيا مديرا تقنيا عاما للمؤسسة… كذلك الفرنسي الرهيب في الموسيقى… جان بول نيكولاي رئيس الأوركسترا السمفوني لمدينة تونس ..أيضا الزميل عبدالعزيز الفريخة، واحد من افضل مديري التصوير بالتلفزة… وغيرهم ..
كنا مجموعة من الطلبة لا تتجاوز الثلاثين وكنا مقسّمين حسب دراستنا الثانوية الى اربعة اختصاصات… مديري تصوير، مصور تلفزي (خريجي الشعب العلمية) …كاتبة مخرج ومركب افلام (خريجي شعبة الاداب) ..وكنا من جهات مختلفة من الجمهورية … وهذه النقطة اتاحت لي امرين ..اولهما التعرف على الاخر ذلك الآتي من الغرب والشمال والوسط والجنوب… وثانيهما تفنيد فكرة الاخر حول الصفاقسي … الاخر يرى الصفاقسي عموما بانه مثال لـ”لشحّ” _” وحبّ الذات ولعدم استعداده للانخراط مع الاخرين ..وللامانة اقول ان بعض هذه الصفات موجودة، خاصة ان القوالب الاجتماعية النّمطية ساعدتها بشكل لا شعوري على ان تكون ..الم يعّودوننا منذ صغرنا على “المشوم اللي تعرفو خير من الخير اللي ما تعرفوش”؟؟… الم يكرّروا لنا كلمات من نوع برّاني ..عربي ..و”اش يدخّل الطبايع على بعضها” …الم يثقّفوننا بثقافة انهزامية من نوع “الباب اللي يجيك منّو الريح سدّوا واستريح” ..و”لا تدخّل ايدك لمغاور ولا تلسعك عقارب” …
نعم هذا وُجد لدينا ..ولكن هل هو مقتصر على مدينة ما ..او على جهة ما ؟؟؟ اليست نفس القوالب النمطية تُعشّش في اغلب المدن؟ ..ماذا نقول عن جارة و المنزل في قابس …؟؟ ماذا نقول عن ملّيتة ويقية قرى قرقنة؟ ..اليس الملّيتي ذلك الذي يقول له الواحد منا انت قرقني فيجيب لا، انا ملّيتي ..ماذا عن مكنين وقصر هلال ..ماذا عن منستيري ومستيري ..؟؟… اما عن الشحّ لماذا لا نراه من زاوية حسن التصرّف في الميزانية والادّخار للايام السوداء .. اسال …ايُعجبكم ذلك الذي “كبوس هذا على راس هذا” …و”اللّي يجيبو النهار يدّيه الليل” ..؟؟ مثلي تماما ..انا لم احسب يوما ايّ حساب لما قد يأتي به الغد وبقيت طوال عمري عاجزا تماما عن ان اكون “صفاقسي” كما يقول عنّي زملائي ..كانوا يُصرّون دوما بعد معرفتي على القول: انت مستحيل تكون صفاقسي…وكنت ارفض قطعيا هذه المواقف ..كنت ارد عليهم وعلى طريقة جيمس براون وهو يتغنى مفتخرا بلونه الاسود Say it loud I am black and I am proud اما انا فاقول لهم مفتخرا بانتمائي لمدينتي say It loud I am sfaxian and I am proud … كنا ثلاثة من صفاقس في تلك الدفعة …وربّما دعوة عيّادة (يعطيك القبول ومحبّة الرسول) حضرت في علاقتي مع زملائي في تلك الدفعة ..كنت مندمجا معهم والاصح انهم وبعد مواقفهم الاحترازية منّي في البداية اندمجوا معي عن طواعية وبكل حب .. وحتى في نهاية السنة الاولى من دراستي عندما انتصر النادي الصفاقسي ذات جوان بملعب المنزه على الترجي وبعد تلك الفضيحة المتمثلة في حرق الملعب من طرف انصار الترجي… المتفرعنين ولحد الان هم متفرعنون … وتجميد نشاطه ..وفوز السي اس اس بالثنائي .. التزم جميع زملائي باحترامي رغم استفزازي ومشاكستي لهم …
الدراسة ومنذ بدايتها كنت فيها كالاطرش في الزفّة …. عائق اللغة الفرنسية مثّل حاجزا رهيبا بين ما اتلقّى من دروس مكثّفة يوميا وبين قدرتي على الاستيعاب ..وخاصة تلك الحصص العلمية كتقنيات الفيديو وتقنيات التحميض وحتى نقنيات المونتاج …لم اجد ايّ حل لاشكالي …وصدقا لم تكن مغامراتي مع المقرّرات هي التي اعاقتني عن دراستي ..لانني كنت دوما اضع لكل حادث او حدث او حديث روزنامته التي تليق به .. واعيد القول لم اجد حلاّ لاشكالي فكنت دائم الترديد (مولاها ربّي) … المنحة التي كانت تعطينا ايّاها المؤسسة هي منحة طالبية 30 د شهريا ..وكنت مندهشا من بعض زملاء الدراسة الذين يخصصون لعائلاتهم البعض من تلك المنحة …انا لم اعش يوما في حياتي منحة تلحق باختها او مرتبا شهريا يلمس اخاه …نعرف روحي فلاّقة _ لكن ومقابل هذا وجدت دائما في اصدقائي من يسند ظهري وقت الشدائد ..وكم هم كثر ..وكم انا ممنون لهم وكم البعض منهم كانوا بكل امانة المنقذين في ايام صعبة ..كم انا خجول منهم لأني وددت يوما لو تبّرعت لبعضهم باعضاء من جسدي علّني اقول لهم بتلك الطريقة: شكرا من عمق اعماقي …
في بداية السنة الدراسية منّ عليّ واحد من اصدقائي ببطاقة اكلته الجامعية بمطعم بوزيان الذي هو على بعد امتار من مركز الدراسة ..شكرا صديقي عبدالعزيز الملّولي، رجل التربية وزميل الدراسة ..وكان العون المكالّف بمراقبة البطاقات ينظر اليّ مليّا ويبتسم ..كان واثقا من ان البطاقة ليست لي ولكنه كان يبتسم ..و يدعني امُرّ وكأنه يقول: لا شفتني لا شفتك.. (القبول ومحبّة الرسول)… لكن وعند اقتراب اخر الشهر اضطرّ احيانا الى العشاء “نصف باڨات ڨدمة على ڨدمة” بعبارة اخرى … القرقوش هو الطبق الرئيسي والفراك هو العُدُو …يااااااااااااااااه كم هو شهيّ ذلك الطبق ..اليس هنالك من يكتفي ببعض الحشائش يمضغها !…
سنة 2017 …بعد 14 جانفي …كنا نظن ان زمن “الجيعان ياكل الحجر” ولّى … فاذا بزمن انقرض فيه حتى الحجر. ليؤكل.. طلع علينا زمن كما يطلع (كدت اقول البدر…ما اقرب مكة لبوحجر !).. هو كما يطلع البوم وهو ينوح من قهرالزمن …وكما لكل زمن عنادله وبلابله فان لكل زمن بومه وغربانه ….وهذا طبيعي ومنطقي ..ولكن ان تمتلئ الاجواء بالغربان فذلك هو السواد …
وجاء شهر جوان 71 وجاءت العطلة القصيرة الممنوحة لنا نحن دفعة التلفزة الوطنية وعدت الى صفاقس ..الى عائلتي .الى الشلّة … كنت يومها بمنزل اختي الكبرى، ذلك المنزل الذي حضر عديد مواجعي … ودق جرس الباب وخرجت لافتح … تبا لك يا جرس ويا باب ويا فتح …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…
ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…
هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..
وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…
وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…
إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.
جور نار
لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟
نشرت
قبل يومينفي
14 يناير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashمحمد الأطرش:
يروى أنّ وردة جميلة نبتت في صحراء قاحلة وأخذت مكانا لها بين الرمال والأحجار. كانت هذه الوردة كثيرا ما تفاخر بنفسها وبجمالها إلى درجة الغرور، وكان وجود نبتة صبّار قبيحة بجانبها هو الأمر الوحيد الذي يزعجها… ويغضبها ويخرجها من هدوئها…
ودون أن تدرك تبعات تصرفها انهالت عليها بالشتم والسبّ، مرّة تعايرها ببشاعتها وأخرى بشكلها المخيف ومرّات برائحتها… لم تردّ نبتة الصبّار الفعل والتزمت الصمت والهدوء… وكانت وفية لطباعها فالصبّار معروف بتحمله صعوبة العيش في المناطق القاحلة وصبره الكبير على الجفاف وقلّة المياه وندرتها… تحركت بعض النباتات الأخرى المتواجدة قرب الوردة وحاولت تقديم النصح وإعادة الوردة إلى رشدها وصوابها وفضّ النزاع بينها وبين نبتة الصبّار لكنها فشلت في جميع محاولاتها… حاولت… وحاولت حتى ملّت فالصيف على الأبواب ولا يمكنها بذل مجهود كبير يجعلها عرضة للذبول وربما الموت…
اشتدّت الحرارة بحلول أولى أيام الصيف وبدأت الوردة تعاني من نقص الماء في جسدها وبدأت تظهر عليها علامات الذبول والجفاف على أوراقها… ومع اشتداد الحرارة فقدت الوردة ألوانها الزاهية التي كانت تفاخر بها امام من يجاورها من النباتات والاعشاب… التفتت يمنة ويسرة… وشرقا وغربا… فلم تجد غير جارتها التي كثيرا ما اساءت إليها ونعتتها بأبشع النعوت وتآمرت عليها وحاولت ابعادها والتخلّص منها… فجأة رأت الوردة ما لفت انتباهها وما لم تعرفه سابقا ابدا… رأت طائرًا يدنو من نبتة الصبّار ويدسّ منقاره فيها ليشرب بعضًا من الماء الذي خزنته في جسدها وأوراقها وجذوعها المنتفخة بسبب تخزينها للماء…
وعلى الرغم من خجلها الشديد من نفسها وخوفها من أن ترفض نبتة الصبّار طلبها ونجدتها ببعض من الماء، طلبت الوردة من نبتة الصبّار بعض الماء لتطفئ ظمأها… فوافقت نبتة الصبّار دون تردد ودون أي نقاش، وساعدت الوردة على الصمود والنجاة في طقس لن تتحمله الوردة ليوم آخر ابدا… هكذا أنقذت نبتة الصبّار الوردة التي كثيرا ما اساءت إليها، لكن ماذا عن الانسان الذي عاني من الانسان؟… ماذا عن الانسان الذي يقتل أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يظلم أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يقصي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يؤذي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يجوع بجانبه أخيه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يكره… ويحقد… ويشمت… ويضمر الشرّ لأخيه الانسان؟…
كل مخلوقات الله تصالحوا وتسامحوا وأمضوا ميثاق تعايش بينهم… ألم يصبح القطّ في زماننا هذا صديقا للكلاب؟ ألم يصبح الفأر في أيامنا هذه من أقرب الأصدقاء للقطط؟ ألم يصبح الذئب صديقا للكلاب يجالسها ويصاحبها ويتزاورون لا عداوة بينهم ولا هم يتحاربون… ألم يتصالح الجميع إلا الإنسان مع الإنسان… ألم يصبح الإنسان عدوا دائما للإنسان… ألم تصبح الكلاب أكثر منّا وفاءا لبعضها البعض… أسَمِع أحدكم يوما عن ذئب خان ذئبا… أليس الذئب أكثر بِرّا بوالديه من الانسان؟ لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟
محمد الزمزاري:
اقتراب موعد وصول ترامب للحكم. و اختلاط عدد من الأوراق في الشرق الأوسط مثل خلع بشار الاسد ضمن مخطط ممنهج بين أمريكا و اسرائيل و تركيا عبر استغلال وقح للعصابات الإرهابية بسوريا و لعملاء الأتراك خليط ما سمي بـ”المقاومة السورية”،
يضاف إلى هذا، انكماش نشاط حزب الله و قطع الإمدادات عبر سوريا برزت للمحللين السياسيين والعسكريين… بعض الاحتمالات القادمة بسرعة بجهة الشرق الأوسط والخليج العربي بما فيها المملكة السعودية على أهميتها.. وتاتي اهم الاحتمالات حول اتجاه ضرب اهم مفاعل نووي بايران نظرا إلى ان التوقيت المطلوب للهجوم على المفاعل وشل وصول إيران إلى اكتساب النووي قد حان إثر تكميم وشل اذرعها بالعراق و سوريا و لبنان وغزة أيضا …
لن تكون جريدة “جلنار” الأولى التي تستشرف ضربات كبيرة للسلاح النووي الإيراني وربما بعض توابعه المتعددة بايران… وقد يتبع هذا رد فعل إيراني مبرمج لضرب القواعد ببعض دول الخليج… وهي احتمالات لن تفوت السعوديين الذين انضموا سابقا للـ”بريكس” انه يعد تقاربا مع الصين العدو الاكبر المهدد لها اقتصاديا خاصة ..
ولكن الذي قد يكون عجل بتجميد عضوية المملكة بالمنظمة الاقتصدية الناهضة، هو ورجوع الرئيس ترامب الذي يهدد و يتوعد صراحة كل من يعمل على اضعاف الدولار الأمريكي… يفهم ان دونالد ترامب ذو عقلية متراوحة بين جرعة ” كاوبوي” و تعطش اقتصادي تجاري يتصرف مثل ثعبان مصفر. Serpent sifflant يعلن دوما عن مكانه للترهيب و الوعيد وخلق أرضية للابتزاز المالي و السياسي …
وأمام كل هذه المعطيات الشاملة لاستشراف ضرب لإيران وإمكانية كبيرة لرد فعل منها تجاه قواعد أمريكية وربما خلق شروخ بين الاجوار، قد تشعل حربا إقليمية ليس من مصلحة اي من البلدان الخليجية المتمتعة بالترف والامن ان تقع في دوامتها مع الكاوبوي او غيره …ثم إن “تجميد ” عضوية المملكة بمنظمة “بريكس ” لا يعني الانسحاب الكامل، فالسلطة السعودية “تنسك العصا من الوسط” كما يقال، وتنتظر سير الأحداث القادمة وهي أحداث لا تبشر بخير بالمنطقة حتى دون اعتبار تهديدات “ترامب”، فالقدر يغلي “شمالا و جنوبا وشرقا و غربا وكل الاحتمالات واردة جدا… منها مثلا اذا انطلقت الضربات من القواعد الأمريكية ببلد خليجي فإن إيران ستيرز أنيابها أينما يبدو بالإمكان استرجاع صورتها التي فقدتها بسوريا ولبنان وربما أيضا العراق …
الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”
مذكرة إدانة نتنياهو وغالانت… الكيان يستأنف، والجنائية الدولية تصرّ
لبنان… رئيس جمهورية ورئيس حكومة جديدان، فهل تنتهي الأزمة؟
سوريا… حملة الانتقام متواصلة، وكذلك الولاء لأردوغان!
لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 12 ساعة
الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”
- صن نارقبل 15 ساعة
مذكرة إدانة نتنياهو وغالانت… الكيان يستأنف، والجنائية الدولية تصرّ
- صن نارقبل 15 ساعة
لبنان… رئيس جمهورية ورئيس حكومة جديدان، فهل تنتهي الأزمة؟
- صن نارقبل 15 ساعة
سوريا… حملة الانتقام متواصلة، وكذلك الولاء لأردوغان!
- جور نارقبل يومين
لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟
- جور نارقبل يومين
ماذا وراء تجميد عضوية المملكة السعودية في بريكس؟
- رياضياقبل 3 أيام
الرابطة الجهوية لكرة القدم بالقيروان: قيادة الفرسان الثلاثة
- اجتماعياقبل 3 أيام
ندوة الحرفيات وذوات الهمم