جور نار
ورقات يتيم … الورقة 59
نشرت
قبل 7 أشهرفي

عبد الكريم قطاطة:
يعتقد العديدون انّ الحياة فُرص يجب على الواحد منّا ان ينقضّ عليها حتى لا تضيع منه … والانقضاض عندي اراه دوما فعلا وحشيا مهما غلا وعظم حجم تلك الفرص والتي يطلق عليها البعض صفات من نوع (فرصة ذهبية ..فرصة العمر ..فرصة لا تُعوّض).. الى غير ذلك من التوصيفات والتي هي في جُلّها مقترنة برؤية مادّية بحتة للحياة …

لكأنّ سعادة الفرد مرتبطة اساسا بالثّراء المادّي ولا شيء سواه، حيث وبالتدرّج في تلك المنظومة يصبح الفرد عندي عبدا لثروته لا سيّدا لها او عليها… وانا رافض تماما ان اكون عبدا للمال بمفهوم الانقضاض وعدم تفويت الفرص والدخول في مسالكه بكل نهم، لاصبح من طابور ذلك الفيلق الذي يصبح عسّاسا على ثروته، يعيش دوما القلق من خسارة الدينار الواحد ..فالمليون الواحد … فالمليار الواحد … وهل من مزيد … عشت واعيش وساموت في ضيق مادّي ومن فصيلة (صبّوشي؟) …ولكن لن يجرؤ ايّ كان يوما على حصري في مثلّث الرعب البرمودي والمتمثّل في: (من اين لك هذا ؟؟؟) … وهذا فصيّل لو فًتح في تونس لاستوردنا من البلدان الصديقة والشقيقة عددا مهولا من القضاة في بدء العمليّة، وعددا اكبر من السجون في نهايتها …طبعا لو طُبّق القانون على جميع لصوص تونس قبل 14 جانفي وخاصة بعده…
لكن صدقا ما تحلموش ..ما سيقع لن يكون الا عمليات بهلوانية فيها تصفيات حسابات… بل حتى هذه لن تُجدي نفعا لأن قاعدة تعرّي نعرّي ستُلجم الجميع عن نبش الملفّات ..وسنعود الى السماء صافية والشمس ساطعة و في هذه الحالة والبوم يغرّد (على روسهم ان شاء الله)… هكذا كانت قناعاتي من المال وهكذا ساغادر يوما الحياة …
عندما عرض عليّ ذلك اليوم صاحب الشركة الخاصّة العمل معه وانا على ابواب العودة الى بلدي، كانت عيناه متسمّرتين على عينيّ وكانت عينا استاذتي الوسيطة في العرض على عكسه مسدلتين الى الارض وكأنها تريد ان تقول بتلك الحركة (خاطيني دبّر راسك انت تعرف اش يصلح بيك)… طبعا هي تعرفني ..تفهم من انا .. تُحسّ ربّما ما سيكون موقفي ..الم اقل لكم انّ علاقة الطالب باستاذه في المعهد تتجاوز تلك العلاقة الاكاديمية الكلاسيكية الجافّة؟ ..كنّا داخل الفصل وخارجه نتحاور في كلّ شيء …في المُباح وفي غير المُباح ونعيش معا ونسهر معا و … معا … معا وايضا في المُباح وغير المُباح لذلك كانت تتحاشى النّظر اليّ (عيني في عينك) لا خوفا من كشف المستور عن غير المباح… ولكن خوفا من الشعور بأنها ورّطتني في موقف قد تُلام عليه منّي وانا الذي تعوّدت بل تمرّست على الاجهار بمواقفي معها ومع غيرها دون وجل او احترام تقليدي لعلاقتي بها كاستاذة ..خاصّة وهي تعرفني من رأسي الى قدميّ …
انتهى صاحب الشركة من تقديم عرضه الذي هو بمثابة ثروة طائلة في تلك السنين ولم يطُل صمتي …ابتسمت وقلت بهدوء وصدق ووقار… سيّدي الكريم … بقدر ما اُثمّن عرضكم وثقتكم في شخصي والذي يُقاس عند آخرين بميزان الكنز، بقدر ما عليك ان تعرف انّ هناك في بلدي كنوزا لا تُقدّر بكُل كنوز الدنيا …لذلك اعتذر جدّا واشكر لك مرّة اخرى هذه الحركة …اندهش صاحب العرض وقال: هل ترى انّ العرض غير مناسب في حجمه المادّي ..؟؟ الا يمكن ان نتحاور ؟؟… وقتها تدخّلت استاذتي بعين لامعة سعادة وفخرا وقالت ساختصر لك الامر ..كريم هو طالبي نعم ولكنّه صديقي ايضا ..كريم من قماش آخر .. كريم مجنون وهو رائع لأنه مجنون … اذهب في سبيل حالك لن ينفعك الجدال معه …
استاذن صاحبنا ليغادر والف سؤال يلفّ رقبته لعلّ ابرزها ..كيف يُفكّر هذا الكريم المجنون ..؟؟؟ … الاثرياء عموما يندهشون وهم يعرضون عليك الدّخول معهم في ايّ مشروع وانت تعتذر بكلّ ادب ..هم ربّما يذهبون الى حدّ تصوّر رفضك لهم قلّة ادب …لأنهم يعتبرون عروضهم “مزيّة عليك” فكيف ترفض جميلهم؟ …هم ومن خلال ثروتهم يرون الآخرين عبيدا لمقترحاتهم المُغرية .وعليك ان تُهلّل وتُكبّر وتبوس اليد التي امتدّت اليك اي اياديهم ..في حين انّي اجد احيانا نفسي قريبا جدّا (لو تخلّيت عن جُبة الاحترام الذي تربيّت عليه) قريبا جدا من ان اوافيهم بافضل ردّ فعل على مقترحات البعض منهم… وهو ان اتبوّ… على اياديهم نظرا إلى ما في تلك العروض من قذارة وحقارة … هم يعتبرون انفسهم في سوق نخاسة وباستطاعتهم ان يشتروك مهما غلا ثمنك ..ولم ينتظروا يوما ان يأتي الواحد منّا ليقول لهم طززززززززز فيك وفي فلوسك انا لا اُشترى .. وللامانة هم معذورون نسبيا في ذلك لأنّهم ومن خلال حقل تجاربهم اكتشفوا انّ العديدين منّا ونظرا لخسّة انفسهم وذُلّهم …يصُحّ فيهم ما قاله المتنبّي في بيت من اقذع بيوت الهجاء في الشعر العربي وهو يشتم كافور (واذنه بيد النخّاس دامية .. وقدره وهو بالفلسيْن مردود)…
ماكاد الرجل يغادر المقهى حتى تركت استاذتي العنان لاناملها تداعب بعض الشّعيرات التي تدلّت على جبيني وتهمس: “هيّا قل كريم ما لم تقله لذلك السيّد… كنت واثقة من رفضك ولكن اريد ان تحكي المزيد …انا اعرفك واعرف من تكون ..فقط اريد ان اسمعك اذا لا ترى ازعاجا في ذلك” …قبّلت يدها بكل حنّية وقلت …اعتذر ولكن هذه القبلة ليست لك ..انّها لعيّادة … وجمت لا كأنثى تغار من انثى اخرى …بل كالاطرش في الزفّة الذي لم يفهم شيئا وسالت: “عيّادة هذه خطيبتك في تونس؟”.. قلت لها … خطيبتي هي ايضا عيّادة .. ايضا ؟؟؟ .اذن من هي عيادة الاخرى ..؟؟ هيّا احكي لي عن هذه المحظوظة جدا بك …وهنا وضعت اصابعي على فمها وقلت لها اصمتي ارجوك …عليك ان تفهمي انّ الحظّ ليس دائما كما يتوهّمه الواحد منّا ..انا هو المحظوظ بعيّادة وليست هي ..انّها والدتي …
في هذه الحالة بالذات يصعُب على الاوروبي ان يُحسّ بمعنى ما اقول ..فالحب والاهتمام عنده مكفول امّأ للزوجة او الحبيبة او العشيقة ..امّا ان يصُبّ في مدار الأم فتلك من العجائب عنده… وهذا يعود بالاساس الى انهيار مفهوم الاسرة اذ كيف لرجل في مقتبل العمر مثلي ان يتحدث بهذا الشغف الهستيري عن حبّه وتعلّقه بوالدته … خاصّة انّ اوديبهم حاضر في تفسير تلك العلاقة … قلت لها وانا المح رعب الدهشة في عينيها: “يا سيدة ماري في بلدي معايير العشق عندنا تختلف جذريّا عنكم ..انا اعشق جدا حومتي لحد الهوس ..حومتي على تواضعها (ساقية الدائر ) والتي كم عاثت فيها الفيضانات كلّما نزلت بها امطار قليلة …حومتي التي لا تجد بها قاعة سينما فتُعرض افلام كتابة الدولة للاعلام والثقافة على جدران معاصر زيتونها … حومتي التي لا توجد في كل قاعات السينما بباريس من الحي اللاتيني الى الشانزيليزيه افلاما امتع من افلام حياتها اليومية البسيطة الرائعة …من ذلك الدلاّل الذي ينبري يوميا وهو في الثمانين من عمره يشتغل بالمناداة على منتجات الفصول من الدلاع الى كبش العيد دون كلل او ملل… ودون ان يُغلق طريقا او يّعطّل حركة لود لمجرد أن ولده امسكه البوليس متلبّسا بسرقة ما ..
الى ذلك الفطايري الذي لا يقلّ تقدما في السنّ عن الدلاّل، وهو لا يفتأ يطلب من ابنه ان لا يتوقف عن مد النار بمزيد من الحطب بقولته الشهيرة (احمش احمش) ثم وبكُمّ يده يمسح عرق جبينه … الى ذلك التاجر الذي يبيع الحليب وهو حافي القدمين بعد ان كان قد ملأ قارورة حريف آخر بالڨاز…ولكم ان تتصوروا ذلك الخليط الكيميائي بين الحليب والنفط…الى ذلك الحمّاص (سي مبروك) وهو يقلي يوميا حميصاتو وڨليباتو السوداء بعيدا عن التبعية العثمانية في قلوب بيضاء (هاكة اش ناقصنا في تونس كلّو تمام اشنوّة المانع انّو نستوردو من عند سي اردوغان شويّة قلوب فيها الخير والبركة من عند الخليفة السادس ..الله لا تحرمنا من بركاتو ويحرم ازلامو من كل خير وبركة) … يا سيدة ماري انا في بلدكم لا آكل… انا اقتات …ماذا يُساوي طبقكم الاشهر امام (مريقة بالخبز الشعير وصبارص الزروب زادة وعزيّز الشيتة “حوّات حومتي” يتغنّى به وكأنّ طارة الحوت، الوعاء الخشبي لوضع السمك، تتحوّل الى عشيقة فكيف يبيع دون ان يغنّي لعشيقته ..يدلّلها يغازلها…او الزروب الغربي ..يرتع في الحماضة؟.. ماذا سيكون موقف ايديت بياف او شارل ازنفور وهما يستمعان الى تلك المعزوفة …
هذا عن حومتي امّا عن مدينتي فكيف يمكن لي ان اعيش دون ان اتجوّل في ازقتها الضيّقة ..هل سمعت يا ماري يوما بزنقة اسمها زنقة عنّقني؟… في لعبة البازڨة هنالك قاعدة تقول (ع الكلمة تروح) اي ايّة كلمة تصدر منك في اللعبة تلزمك تماما ولا مجال للتراجع عنها …وماري وهي تستمع الى كلمة عنّقني اشتغلت بتلك القاعدة …عانقتني وقالت اتمم ارجوك …حدثتها عن صفاقس ومدينتها العتيقة (اللي كبّ ربّي سعدها في السنوات الاخيرة واصبحت مرتعا للمجرمين والسكارى وملاذا للمزطّلة والباندية) … حدثتها عن المنازل انذاك وعن هرع العائلات الموسرة اليها شتاء… والتي تحوّلت الان في جلّها الى مصانع للاحذية تفوح منها رائحة الفئران وهي تتسلل ليلا لتعيش زطلتها برائحة الكولّة …حدثتها عن باب الجبلي ومحطّة الحافلات حيث يلتقي سكّان كل مدينة صفاقس من سيدي منصور الى خنافس وعقارب (المطار حاليا) في تلك المحطّة ذهابا وايابا ..حدثتها عن صفاقس على عجلتين وهي انذاك المدينة الثانية عالميا في استعمال الدراجة الهوائية بعد امستردام والتي تأخرت بعدها بسنوات قليلة الى المرتبة الثالثة بعد ان ازاحت شنغاي الصينية الجميع واحتلّت المكانة الاولى …وهذا امر طبيعي اذ كيف لا تتأخر صفاقس مدينة الخبز ومرقة والموبيلات الزرقة وعن عن عن، الى الوراء وهي التي كتب لها كارهوها ان تتأخر في كل شيء الاّ في العلم والعمل… وصدقا هناك من يموت يغيظه وقهرته من كارهيها لهذا التفوق التاريخي …
لن نقول لهم موتوا يغيظكم كما قالها ذلك المعتوه (غنيم) بل نقول لهم قلّدونا في العلم والعمل من اجل انقاذ تونس من براثن غنيم ومن لفّ لفّه _..حدثتها عن السي اس اس وعن عشقي المجنون لهذا الفريق وقلت لها في سخرية ماذا يساوي بلاتيني متاعكم امام العقربي ..حدثتها عن تونس بلدي الذي رغم كل مشاكله السياسية انذاك وعن نقص الديمقراطية والحريات فيها، هي من اجمل بلدان الدنيا بسيدي بوسعيدها … بحنايا زغوانها …بقربصها الدافئة …بشط جريدها … بسواعد ابنائها في المناجم … وبدماثة وذكاء ابنائها في ڨبلّي ودوز الشرقي ودوز الغربي… بحنّاء ڨابسها …بسحر جربتها … باصالة قيروانها …بالنخيل الشامخ في توزرها … بساحلها المتعدد الالوان… ببنزرتها مدينتها المناضلة … بشمالها وجنوبها … ببحارها وجبالها ..يزياتينها المباركة هنا وهناك …بكلّ شبر من ترابها …يعبق تاريخ مجيد وعامر بالحضارات … فكيف لي ان ابيع هذا الجمال بفرنكاتكم …؟؟؟ كيف لي ان انسى خطيبة لم تعرف في الدنيا سواي وانا العبيط الذي زرع هنا وهنالك وانت ادرى الناس يا ماري وحتى خطيبتي تدري…
هكذا انا لم اخف عنها شيئا …كيف لي ان انسى عيّادة امّي التي بقيت ثلاث سنوات ترسل الآهة تلو الاخرى كلّما استمعت الى الجموسي في (تمشي بالسلامة وترجع بالسلامة( وتردد معه (الله يكون معاك .. يصونك ويرعاك ..تمشي تمشي تمشي …وترجع بالسلامة)… او وهي تسمع وردة في (يا مروّح لبلاد سلملي عليهم .. قتلني البعاد متوحش ليهم( .. ولكن خاصّة لنورا الجزائرية وهي تنعى المهاجر في اغنيتها ..(يا ربّي سيدي اش عملت انا ووليدي … ربيتو بيدي وخذاتو بنت الرومية( … تحكي عنكنّ يا ماري…. عيّادة كانت على امتداد وجودي في فرنسا لم تستطع يوما نسيان ما قاله لها احد الاقرباء رحمه الله وغفر له فعلته (امسح مات ..عبدالكريم اعتبروا اوفا … هاكة توة ياخذلك ڨاورية وما يرجعلكش … تذكرون جيّدا اني طمانتها وهي تروي لي الوشاية ..الا انّ داخلها كأم كان يقول لها ويردّد: (وقتاش يجي نهار وما تتشمتش فيك الاعداء يا عيادة ويرفعلك ولدك راسك في العلالي ؟؟؟) … هل فهمت ماري لماذا رفضت عرض صاحب الشركة ..؟؟ هل فهمت حجم وقيمة الكنوز التي في بلادي ..في مدينتي… في حومتي… في عائلتي …؟؟
وقتها فقط استدرت لأرى عينيها اللامعتين دمعا ..ووقتها فقط ايضا نهضت ماري واستاذنت في المغادرة وهي تقول …كم انا فخورة بك كريم كطالب درس عندي وكصديق عرفته عن قرب ..انا آسفة للمغادرة ولكن لم اعد استطع البقاء لحظة اخرى لأني لا استحقّك …غادرت ماري وكان آخر عهدي بالمعهد وباحدى مكوّناته …ودعوني اصارحكم ببعض احلامي التي لم تتحقق …انا احلم بالعودة يوما ما الى باريس … باريس التي لها فضل عليّ لا يمكن لي ان اقدّره ايضا بثمن …كما اشتهي ان اعود ايضا لشوارعها لأزقّتها لساحاتها للمعهد الذي درست فيه للمبيتات الاربعة التي سكنت فيها …باريس هي مدينتي الثانية بعد صفاقس التي احسّ تجاهها بفيض لا يوصف من الشوق الى كل شبر فيها ..
انا من جيل النوستالجيا ..وافتخر ..انا غير قادر على نسيان تلك الشؤون الصغيرة ما عشت ..تلك التي اما اسعدتني او ارهقتني او عذبتني او شيّختني ..فبها وحدها اظنّ انّي تعلمت بعض الاشياء في الحياة … لعلّني منها تعلّمت الانتباه للتفاصيل الصغيرة عند الآخر… لأنّة البعض حتى وان لم تخرج .. لفرحة البعض حتى وان لم تبزغ …لحبّ البعض (وهنا للامانة العديد) حتى وهو مُحاصر ولاسباب متعددة المشارب ..من هذه التفاصيل الصغيرة تعلّمت ان اُمشي دوما في دروب الحب واروع حب هو من يتمشّى فوق حدود السماء …و كذلك ان ازرع بذور الحب … لنكون كعبّاد الشمس نتطلّع دوما الى نور الشمس لا الى ديجور الظلام …بكلّ حب زهرة عبّاد الشمس احبّكم …
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

محمد الأطرش:
طالب منذ أيام نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي بإعادة تمثال الحرية إلى فرنسا… واعتبر البعض هذه الدعوة والحملة التي أطلقها رافائيل غلوكسمان، استفزازية إلى ابعد الحدود… لكنها في نفس الوقت غير مبررة…

ورغم كل هذا فإن إدارة ترامب نفسها، من خلال بعض التصريحات والمواقف المبدئية والقرارات التي صرّح بها ترامب، تعطيها بعض المصداقية والشرعية… علما بأن تمثال الحرية هو هدية من فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان استقلالها… ويحتوي الاسم الكامل لذلك التمثال على السبب الذي من أجله قدمته فرنسا إلى الولايات المتحدة بمناسبة مائوية استقلالها، وهو “الحرية التي تنير العالم”… ويعتبر صاحب الدعوة إلى إعادة التمثال والذين معه، أن ترامب أطفأ نور تلك الحرية التي أهدت من أجلها فرنسا ذلك التمثال لبلاد العمّ سام… ترامب قرر تعليق وكالة التعاون “يوسايد” التي أسسها جون كينيدي منذ 64 عامًا… وهذه الوكالة كانت لفترة طويلة من أهمّ القوى الإنسانية القليلة التي تحسب على ما يُسمى “الإمبريالية الأمريكية”، لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية وتدعم التنمية في مئات الدول الفقيرة حول العالم، ففي سنة 2024 فقط، قدّمت الوكالة مساهمات تقدر بحوالي 72 مليار دولار…
إلغاء هذه الوكالة يعني إيقاف المساهمة والدعم للآلاف من البرامج والعقود في جميع أنحاء العالم… برامج وعقود كانت تهدف إلى توزيع الطعام، وتقديم الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة تهريب البشر… إضافة إلى تسبب هذا القرار في فصل وتعليق عمل الآلاف من الموظفين بشكل دائم…
وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” التي تأسست على يد أطباء فرنسيين إن هذا القرار قد يقتل ملايين الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، وقد تقتل أيضا الآلاف من الأطفال المصابين بالملاريا، واللاجئين والنازحين… فالمشهد الإنساني اليوم سيتغيّر في العشرات من الدول الفقيرة وفي كل مكان في العالم حيث كانت هناك لافتات تعلن للفقراء والمستضعفين أن “الديمقراطية الأمريكية” قد جاءت لمساعدتهم… هذه اللافتة لن تكون موجودة مستقبلا… ترامب ألغى كل عمل انساني كان يميّز أمريكا عن الكثير من الدول التي كانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار حقوق الانسان… وقد يكون أغضب جون كيندي في قبره… هذا إن كانت طبعا نوايا الرئيس الراحل جون كيندي إنسانية بالأساس قبل أن تكون حاملة لنوايا استعمارية…
ويعتبر قرار ترامب ترحيل مئات الأجانب وطردهم من الولايات المتحدة سببا آخر من أسباب المطالبة بإعادة تمثال الحرية من بلاد العمّ سام غفر له… وقد تمّ نشر شريط قصير يظهر 250 فنزويليًا مكبلين بالأصفاد، يتم إجبارهم على الركوع ليتم حلقهم ثم اقتيادهم إلى الزنزانات منحنيين بزاوية 90 درجة… واعتبر هذا الشريط من كل مَن شاهده نوعا من الإذلال العلني… وقد قامت الحكومة الأمريكية بطرد هؤلاء استنادًا إلى قانون قديم يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حول “الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act) وهو قانون يسمح باعتقال وترحيل أفراد مشبوهين (لكن لم يُدانوا قط) دون محاكمة، وذلك في حالة الحرب أو الغزو من قبل دولة معادية…
كما يعتبر قرار ترامب إغلاق “صوت أمريكا” و”راديو أوروبا الحرة “و”راديو آسيا الحرة” وهي محطات إذاعية بعضها تأسس سنة 1942 لمكافحة الدعاية النازية في أوروبا، سببا آخر في ما تقدّم به النائب الفرنسي… وقد كانت هذه المحطّات الإذاعية أداة إعلامية ونضالية حاسمة في الحرب الباردة من خلال وصولها إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت الأنظمة التي تسيطر عليها الرقابة السوفياتية المستبدة… وكانت تبث بـأكثر من أربعين لغة وتهدف إلى جعل العالم أكثر حرية، من خلال تقديم الأخبار الموثوقة لأولئك الذين لم يكن لديهم مصدر لها… لكن اليوم والآن على تردداتها، يخيّم الصمت… وقد وصف مدير إذاعة أوروبا الحرة قرار ترامب بالهدية العظيمة لأعداء أمريكا…
قرارات ترامب لا رائحة للحرية فيها ولا تتقاطع ابدا مع الأبيات التي في اللوحة التي توجد أسفل تمثال الحرية… والتي تقول فيها إيما لازاروس، الشاعرة الأمريكية ذات الأصول اليهودية: “هلموا إليّ أيها المتعبون والفقراء، والجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية”…
فهل تعود الحريّة مكبّلة بالأصفاد إلى منزل أهلها باكية نادبة حظّها؟…

جور نار
رحم الله كلبة نجيب الريحاني…
نشرت
قبل 5 أيامفي
15 مارس 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
وأنت تعبر من شارع إلى آخر…وأنت تقف في طابور تنتظر دورك للفوز بعلبة حليب… وانت تسأل عن ثمن كيلوغرام من لحم خروف لا تلتقيه إلا يوم عيد الأضحى… وأنت تجوب أروقة الفضاءات التجارية الكبرى تغني “اش جاب رجلي للمداين زحمة… واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”…

وأنت أيضا تتجول في شوارع وأنهج وأزقة فضاءات التواصل الاجتماعي… وأنت تركب الحافلة لتعود إلى منزلك محمّلا بما كسبته من الوقوف لساعات في طابور أطول من بعض قطاراتنا التي نسعد حين نراها لأنها تذكرنا بقطارات أفلام الوسترن والغرب الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر… وأنت تدخل يدك جيبك لتبحث عمّا تبقّى من مرتبك الموؤود الذي لبّي داعي ربّه قبل أن يولد… وأنت تفعل كل هذا وأكثر من هذا تستغرب وتسأل نفسك أين أنا؟؟ أين نحن؟؟؟ اين اختفى التونسي الذي كان يعيش على هذه الأرض… التونسي المتسامح والمتصالح… التونسي الذي يحب جاره ويسأل عنه؟؟؟ أين رحل التونسي الضحوك دائم الابتسامة؟؟ اين نحن؟؟؟ اين أنا…أين أنت…أين أنتم…أين هم…أين بعضنا…أين ذهبنا…واين غرقنا؟؟؟ أين ما كنّا ننعم به من طيبة واخلاق؟؟؟
وتعيدها… اين… وأين… وأين… وقد تلعن… وتلعن… من أوصلنا إلى ما نحن فيه وما وصلنا إليه من حقد وكراهية وفتنة… وما أصبحنا نضمره لبعض البعض… جميعنا دون استثناء يخرج من منزله متأبطا شرّه خوفا على فتات الخير الذي لا يزال يعيش داخله… جميعنا يبحث عن نفسه التي أضاعها… عن أخلاقه التي باعها… جميعنا نبحث عن تاريخنا الانقى والأجمل من حاضر شوهناه دون أن نعي خطورة ما أتيناه… بعضنا يحقد على التاريخ لأنه لم يكن فيه ولا من بُناته… وبعضنا يلعن الحاضر لأنه ليس منه ولأنه كشف للناس عوراته… وبعضنا يلعن الجميع وكل الأزمنة وكل الناس ويتهمهم بالفساد والخيانة والعمالة وهو الذي يسهر حتى ساعة متأخرة مع أصحاب السوء يضمرون شرّا للحاضر ويسيئون ويشيطنون الماضي ويعبثون ويتلاعبون بالمستقبل…
كلُنا نبحث عن كُلِنا… بعضنا لا يزال ينام في الماضي ولا يريد ان يغادره… وبعضنا يصفّق ويصرخ بأعلى صوته داعيا لـــ”مولاه” ومفاخرا بحاضره فقط لأنه انتقم له من ماض وتاريخ لم يكن فيه… والسؤال الذي وجب أن نلقيه على بعضنا البعض هل هذه أخلاقنا وما كنّا عليه وما ولدنا عليه ما عرفنا أهلنا عليه؟؟ سؤال لا يمكن أن تجد له إجابة وأنت تقرأ قصصا واقعية عن الكلاب تجعلك في حيرة من أمرك… لتسأل دون خجل: أين نحن من أخلاق الكلاب، كل الكلاب؟
لعل بعضكم قرأ عن الكلب “هاشيكو” الذي توفي سنة 1935… هذا الكلب وهو من سلالة “أكيتا اينو” اليابانية كتب اسمه في التاريخ لأجيال قادمة من الحيوان والبشر… فهاشيكو هذا كان وفيّا لصاحبه ومشهورا بولائه غير العادي لسيده الأستاذ “هيديسابورو أينو”… وكان يرافق صاحبه يوميا إلى محطّة شيبويا في طوكيو ويبقى في انتظاره هناك حتى يعود… حتى بعد وفاة “أينو” المفاجئة سنة 1925 بقي هاشيكو لمدة تقارب العشر سنوات ينتظر في نفس المكان الذي كان ينتظره فيه… كان المسكين يظنّ ان سيّده سيعود، ولم يكن يعلم أن من يموت لا يعود… هاشيكو استمر على تلك الحال، يعود إلى نفس المكان حتى ساءت صحته ومات… فهل نحن بأخلاق ووفاء هذا الكلب ؟؟ لا… نحن كنّا بأخلاقه لكن اليوم لا… ونحن كنّا بوفائه واليوم لا وفاء لنا…
ولعل بعضكم أيضا يعرف قصّة كلبة نجيب الريحاني أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي… كان الريحاني يقيم في شقة بإحدى عمارات القاهرة… وكانت كلبته تصاب بنوبة جنون كلما رأت كلب إحدى جاراته، فتهجم عليه محاولة الفتك به وكان الريحاني يعاني كثيرا مع جارته من اجل فضّ الاشتباك وإنقاذ كلب جارته المسكين… وفي احدى الليالي دخل الريحاني رحمه الله المصعد ومعه كلبته، فوجد جارته هناك ومعها كلبها المسكين… وقف الريحاني وجارته في حالة تأهب قصوى للتدخل في صورة انقضاض الكلبة على الكلب فلم يحصل شيء مما كان الريحاني وجارته يخافانه… فالكلبة لم تحرّك ساكنا كما كانت تفعل دائما ولم تنبح ولم تحاول الانقضاض على كلب جارة الريحاني بل تقدمت نحوه في هدوء وأخذت تلحس شعره في حنوّ شديد ورقّة غير طبيعية…
استغرب الريحاني الامر وسأل جارته ما الحكاية؟ فأجابته وهي لا تقلّ عنه استغرابا ودهشة وقالت: إن الكلاب أنبل من البشر أحيانا… لقد أصيب كلبي بالعمى منذ أيام… وشعرت كلبتك بما حدث له فلم تشمت… ولم تنتهز الفرصة للهجوم على عدوها… بل تقدمت إليه حزينة لأجله ومتضامنة مع وجعه وما هو فيه كما ترى وها هى تحاول مواساته بلحس شعره… تجمّد الريحاني مكانه وأخذ يتأمل، ودخل شقّته… وأخذ يبكى… علما بأن كلبة الريحاني ماتت قبل وفاته بثلاثة أيام… أتدرون ماذا يمكن أن يقول احد ممن تحدثت عنهم لو أصاب أحد خصومه ضعف البصر فقط … سيقول متشفيا: “يعطيه عمى”!
ألاحظتم الفرق بين أخلاقنا وأخلاق كلبة الريحاني؟؟ فهل أخلاقنا اليوم كأخلاق هذه الكلاب التي ذكرت في ما رويت؟؟ نحن لم نعد نحن… نحن شعب يُذنب بين كل صلاتين ليطلب المغفرة آخر كل صلاة… نحن شعب يسعد لموت خصمه… ويشرب على نخب اعتقال جاره… ويظهر الشماتة في كل من يختلف معهم إن اصابتهم مصيبة… هكذا نحن اليوم… فأين نحن من أخلاق الكلب ابن الكلب… أم هل سلكنا الطريق التي قال عنها سيّد حجاب: (ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء… وواخدنا ليه في طريق مامنوش رجوع ؟؟)
في الأخير… رحم الله كلبة نجيب الريحاني….


عبد الكريم قطاطة:
عندما عدت الى مصدح اذاعة صفاقس يوم 6 ماي 2011 بعد غياب دام عشر سنوات علّق على عودتي صديق عزيز على قلبي، الدكتور نوري الرباعي والذي تابعني منذ كان تلميذا في الدراسة الثانوية… علّق وبكلّ قلق واستغراب بالقول: لم اجد فيك عبدالكريم الذي اعرفه… لم اجد عبدالكريم الثائر وصاحب الصوت الذي كلّه هدير وثورة…

وكان على حقّ في ملاحظاته… وفسرت له الامر كما يلي: نعم يا نوري انت على حق اسلوبي تغيّر لسببين… بعد جانفي 2011 اصبح الصوت الثائر موضة ولأنّي ارفض السير في قطيع الفوضى والثويريين عدّلت من المقام الذي اعزف عليه ولكن دون المسّ بالجوهر… وللامانة تعديل المقام الموسيقي الذي اصبحت اعزف عليه جاء نتيجة تجربتي الايمانية… لانّي اكتشفت في ما اكتشفت بعد ان استمعت للعديد من الذين جعجعوا الدنيا باصواتهم، انّ علوّ الصوت لا معنى له امام علوّ الحجّة… وهذه نعمة اخرى من نعم الله (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لا تُحصُوهَا ـ سورة النحل آية 18)… ومن نعم الله ان الهمني الله الى درب البحث ودون هوادة في امور ديني…
طفقت منذ مارس 2003 وحتى اكتوبر من نفس السنة في بحث دائم بالعقل هذه المرّة بعد ان اطمأنّ قلبي واكتشفت امورا عديدة لم اكن لاعرفها لولا حرصي وصبري على القراءة والاستماع لكلّ الانماط ولكلّ الايديولوجيات بشرقييها وغربييها بالمعتدلين فيها والمتطرّفين… وهذه الفئة الاخيرة لم تقرا ما جاء في كتاب الله (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ـ البقرة آية 143)… نعم قرأت عديد القصص .. لم اكن اعرف مثلا قصّة الرحّالة الشهير جاك إيف كوستو وهو عالم البحار عندما اكتشف انّ بعض البحار لا تختلط مياهها بتاتا وانّ بينها حاجزا لا مرئيا اخبره بحّار يمني انّ هذا الامر ورد منذ 14 قرن في القرآن بقوله عزّ وجلّ في سورة النمل آية 61 (وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)…
اسلم كوستو ولكنّ الغرب المتشدق بالديموقراطية وحرية التعبير اخفى اسلامه… وكذلك وقع نفس الامر مع الطبيب والباحث الالماني لوهار كاي الذي قرأ بالصدفة سورة الكهف واستوقفته آيتان الاولى المتعلقة بتقلب اصحاب الكهف ذات اليمين وذات الشمال… وهذا يعرفه لانّه وفي علاج بعض المرضى يحرص الطبيب على تقلّب جسد الانسان حتى لا يتقرّح علاوة على وجود الشمس للتهوئة دون ان تقع اشعتها على جسد المريض ودائما خوفا من التقرّج (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ـ سورة الكهف آية 18) …لكن ما لفت انتباهه في نفس الآية الحديث عن الكلب (بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ) لاحظ الطبيب الالماني انّ الصورة لا تتحدث عن تقلب الكلب حتى لا يتقرّح جسده… وامام ذلك قام بابحاثه الفيسيولوجية الطبية على الكلب فاكتشف انّ جسده يحتوي على غدد تحت جلده تمنع التقرّح… واعتنق مباشرة بعد ذلك الاسلام …
قد لا يؤمن البعض بهذه الروايات بل ويسخر منها ويعتبرها اساطير لا غير… هنا اعود الى المحطة الاولى في تجربتي الايمانية… عندما يمتلئ قلبك بالايمان امّا ان تصدّق القرآن كوحدة كاملة ودون نقصان، وبعد ذلك يميل القلب ثم العقل لا للتصديق فقط بل ولتثبيت الايمان… وامّا ان لاتؤمن، وذلك شأنك… في المقابل اكتشفت ايضا بعض الذين يتحدثون عن اشياء في الاسلام لا ترفّع من مقامه بل تشوهه احيانا… والامثلة عديدة في هذا الباب…
دعوني اذكر لكم بعضها: القبض والسدل اثناء الصلاة… هل هذه قضية يتجادل فيها البعض بل ويطول جدالهم ويكذّب بعضهم بعضا؟… عندما يقف الواحد منّا للصلاة اليس وضع يديه امرا لا يستوجب اطلاقا الجدال فيه…؟ هل هؤلاء فهموا معنى الصلاة بعمق؟… انا في تقديري المتواضع اعتبر الصلاة بقيامها وقعودها بركوعها وسجودها مواعيد يومية كي تجدّد صلتك بالله فتحمده وتستغفره وتسجد له شكرا وعرفانا… بقية التفاصيل هي تفاصيل لا غير … و في الاخير اذهب مع ما يريح قلبك دون جدل لا طائل من ورائه… وفي نفس محور الصلاة يقول بعض الدعاة والشيوخ انّ على الواحد منّا في الصلوات المفروضة ان لا يبدأ الفاتحة بالبسملة ؟؟ ايّ قول هذا ؟ هل عندما ابسمل اسبّ الله؟… انا ابسمل في الصلوات المفروضة وفي السنن…. وان عاقبني الله على ذلك فمرحبا بعقابه لانه العدل….
من اخطائنا كذلك عندما يقول البعض: الله ورسوله اعلم … لا لا يا سيدي، الله وحده اعلم… ونفس الامر عندما نقول الكمال لله ولرسوله … لا لا يا سيدي، الكمال لله وحده… الم يقل عزّ وجلّ في سورة اهل الكهف آية 110: (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ)… هنالك اسئلة قد تراود البعض: وماذا عن تفاصيل الصلاة التي لم تات في القرآن من حيث عدد الركعات والسجدات وما يقال فيها… خاصة وانت تحترز من كلّ ماهو سنّة والتي جاءتنا عن طريق رواة السنن؟ اوّلا اذكّر بانّي عندما تحدثت عن ناقلي احاديث الرسول لم انكرها كلّها وذهبت فقط مع ما ارتاح له قلبي… ثم انا وحتى خارج العبادات لم انقطع يوما عن مجتمعي فاتبعت محاسنه واجتنبت مساوئه… ومن هذه الزاوية وجدتني اصلّي كما يصلي الناس في مجتمعي… لكن، وهنا الاختلاف مع السائد، انا في ركوعي وسجودي اناجي الله باسلوبي وبما تجود به قريحتي من عبارات الشكر والامتنان… ولا اردّد ما يردده الاخرون… اريد ان يكون لي ابتهالي الخاص بي الذي يصدر من اعماقي فاُحسّ بانّي اقترب من الله اكثر حتى لا اسقط في الببغائية…
وهنا اشير لأمر هام ارجو من الله ان يغفر لي اجتهادي فيه… بعد 14 جانفي 2011 تحوّلت خطب جلّ المساجد في صلاة الجمعة الى خطب سياسية… واتخذ الائمة من الدين قنطرة لتسريب ايديولوجياتهم… بيوت الله لم تعد كما جاء في سورة النور آية 36 (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)… بيوت الله اصبحت ابواق دعاية لاحزاب سياسية ولاسماء اخرى سواء بالمدح او بالقدح… ولم اطق ذلك فقررت ان اقاطع هؤلاء الائمة وأقاطع صلاة الجمعة التي اصبحت اصلّيها بمنزلي… نعم وليغفر لي الله ان اخطأت في هذا الامر ولكنه وحده يعلم انّي لم اتحمّل اهانة بيوته وهي تتحوّل الى حلبات صراع سياسي… ولكن وباشارة ورجاء من بعضهم عدت ومنذ اشهر الى صلاة الجمعة بالمسجد طمعا في غفران الله ورضائه…
مازالت مواقف كثيرة من البعض تدعو للشفقة… هل تصلكم دعوات من نوع اقرأ هذا الدعاء 7 مرات وسيأتيك خير عميم ؟ او ان لم تقرأه سيصيبك اذى ؟ هل هؤلاء فهموا انّهم اذنبوا في حقّ انفسهم وهم يقرؤون لنا الغيب والغيب لا يعلمه الا الله ؟… ثم وبشيء من السخرية والتهكم لماذا 7 مرات وليست 9؟ لماذا 7 وليست 77 ؟ .. هل تقرؤون مثلي تدوينات من نوع: زوجي خذ بيدي الى الجنة؟… علاش يخخي انت معاقة؟ واشكون قال اصلا ان زوجك ماشي يدخل للجنة؟ هل تقرؤون مثلي تدوينات من اعداء المرأة عن المرأة؟ هؤلاء لم يقرؤوا شيئا في القرآن عن المراة؟ عن حواء التي جعلها الله سكنا لنا وجعلنا سكنا لها (سورة الروم آية 21 … وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)…
هل تعلمون انّ بعض الرجال كانوا يسمّون بناتهم جحشة او نعيجة؟ اي نعم والله حصل ذلك… الم تقدّروا الله حقّ قدره وهو يخصّ النساء في قرآنه بسورتين باسمهنّ (النساء ومريم)؟ الم يقل فيهنّ رسول الله (ما اكرمهنّ الا كريم وما اهانهنّ الا لئيم) .. في الجاهلية كان الجاهل من الرجال يطلّق زوجته ان انجبت له طفلة… بل كان البعض منهم يقومون بوأدها وهي حية (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ _ سورة التكوير آية 8)… كان ذلك في الجاهلية ولكن وحتى بعد شروق نور اسلامنا العظيم والى يومنا هذا لم تنقرض عادة الوأد… هي لم تعد وأدا ماديا بل معنويا ولعديد النساء ولعلّ الوأد المعنوي اشدّ فظاعة من الموت…
اكيد لم اتحدث عن الاسلام السياسي بعد 14 جانفي 2011… لا تقلقوا سياتي في موعده عندما اصل بورقاتي لسنة 2011 ان بقي في العمر بقية… اطال الله عمركم ومتّعكم الله بالسلام الروحي… لانّ توازن الفرد في حياته لا يتمّ الا بالسلام الروحي… التقيكم في السنة الجديدة جانفي 2025*… جعلها سنة يُمن وخير وسلام روحي للجميع… دعوني استرح قليلا… في بالي ما قصرتش معاكم … حتّى هي 4 ورقات في اربعة ايام متتالية …اكاهو عاد، هاكة حدّ الجهيّد
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نُشر النص أول مرة في 26 ديسمبر 2024


مكالمة بين بوتين وترامب… قد تحسم مآل حرب أوكرانيا

القضاء الأمريكي يبطل قرار غلق وكالة التنمية الدولية

الضفة الغربية… اقتحامات بالرصاص الحيّ في نابلس

هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟

وجه الإمام… وستّي أم علي
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 5 ساعات
مكالمة بين بوتين وترامب… قد تحسم مآل حرب أوكرانيا
- صن نارقبل 5 ساعات
القضاء الأمريكي يبطل قرار غلق وكالة التنمية الدولية
- صن نارقبل 6 ساعات
الضفة الغربية… اقتحامات بالرصاص الحيّ في نابلس
- جور نارقبل 13 ساعة
هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟
- جلـ ... منارقبل يومين
وجه الإمام… وستّي أم علي
- ثقافياقبل يومين
تجليات الحلفاوين: صرخة ألم من المخيمات الفلسطينية… ونافذة نحو قيم العدالة
- صن نارقبل يومين
في حربه ضد المهاجرين… ترامب يعيد الروح لقانون عمره أكثر من 200 سنة!
- صن نارقبل يومين
سوريا اليوم… بين سندان إسرائيل في الجنوب، ومطرقة تركيا في الشمال