جور نار
ورقات يتيم … الورقة 63
نشرت
قبل 5 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
وحان الوقت المقرّر لبث اوّل انتاج مولود لنواة الانتاج التلفزي بصفاقس… تربّعت والعائلة لمشاهدة الحدث… كنت انذاك انتظر بكل زهو وسعادة وارتباك الساعة الصفر… ولم تأت تلك الساعة الصفر واصبحت انا ذلك الصفر الموضوع على يسار العدد… لا دم يسري في اوردتي… بهتة فظيعة وخجل افظع… بعضي يمزّق بعضي…
ما ابشع ان نعيش الخذلان… ما ابشع ان نلوك الفراغ… ما ابشع ان نريد الصراخ ولا ينطلق اللسان… ما ابشع ان يبكي داخلنا دون دموع …. (غمّيت راسي) وتمرقدت… كان الف سؤال يدور بداخلي… هل فشلت يا عبدالكريم في اوّل تجربة مهنيّة في حياتك كمخرج ..؟؟ لا لجنة متابعة البرنامج عبّرت عن اعجابها بذاك المولود… مالذي حدث ؟؟؟ لماذ وقع حجب البرنامج دون ايّ تفسير ؟؟… الهذه الدرجة يحتقرون صاحب العمل… ؟؟؟ ولم استفق من بعثرتي الداخلية المبعثرة الا وانا اطرق صباحا باب المدير… لم ار قبل ذلك ايّ وجه… لكأنّي مجرم شنيع الفعلة يتحاشى انظار الاخرين… بل يومها وددت لو امسكوني بجريمة ما واسدلوا على وجهي تلك الخرقة السوداء حتى لا أرى ولا اُرى…
لست ادري تفاصيل ما حدث ذلك الصباح وانا اخرج من حوشنا حتى وصولي الى باب مكتب المدير… كان هنالك ضباب على عينيّ كي لا ارى شيئا ولكن الافدح الضباب الداخلي الذي عشته… كان كل همّي ان ينقشع… فتحت الباب ولا اتذكّر حتى ان سلّمت على المدير يومها ولكن اتذكّر جيّدا انّني ودون مقدمات سألت: علاش ما تعدّاش برنامجنا ..؟؟ نظر اليّ سي قاسم المسدّي وقال: اقعد ارتاح… كان يحسّ بأنّ في كل حرف من سؤالي (علاش ما تعدّاش برنامجنا) كومة متنقّلة من الوجع …هو يعرفني جيّدا لذلك قال (اقعد ارتاح)… هو يعرف انّ الراحة وقتها يستحيل ان تجد منفذا لي قبل معرفة السبب…. ثمّ اضاف …شربت قهوتك ..؟؟ لم انتظر لحظة واحدة واردفت بكثير من الالم والغضب: يبارك فيك سي قاسم ..علاش ما عداوش البرنامج؟…
لم يجرؤ على النظر اليّ وقال بصوت نصف هامس ونصف متألّم: ما تعدّاش وماهواش ماشي يتعدّي ..وهذي امور تتجاوزني وتتجاوز برشة ناس … لهجته الجدّية والحازمة نزلت على مسمعيّ كصاعقة… كاعصار مدمّر … كـ”تسونامي” خيبة … اجابته عندي كانت ضافية ولم تكن شافية بل هي اشبه بالنكبة … ان يقول تلك امور تتجاوزني وتتجاوز برشة ناس … تعني عمليّة وأد لحلم كم هو كبير … سألت: من وراء القرار؟ …لم ينظر اليّ… كان يوهمني بأنه مشغول ببعض الملفّات على طاولة مكتبه ..وكنت الاحظ انّه يقلّب نفس الورقة عشرات المرّات دون ان يقرأ كلمة واحدة منها… كان يُخفي وجعه هو ايضا … قال ردّا على سؤالي: ما نعرفش… وكنت واثقا انّه يعرف…
نهضت من مقعدي كجندي يحاول ان يلملم آثار هزيمته ويمشي على جراحه، طمعا في ايهام نفسه بأنه خسر معركة ولم يخسر حربا… قلت له: اوكي وبعد؟ … انذاك رجاني بأن اهدأ لأنّ له ما يضيف… جلست على مضض… وقتها اشتهيت ان اكون من اولئك الذين يتسلّون بقضم اظافرهم … انا اكره ذلك جدّا ولكن في تلك اللحظات العسيرة وددت ان اقضم ليس فقط اظافري بل انملة من كل اصبع ضغطت على زرّ من ازرار طاولة المونتاج (وانا “زعمة زعمة”اتفنن في اتقان تلك العملية، ما فائدة ان تتقن اناملك شيئا ما ثمّ يُرمى بما صنعت في قمامة الارشيف دون رجعة؟) … نظر إليّ سي قاسم وقال: شوف خويا عبدالكريم توّة اللي صار صار… وانت قادر على كل التحدّيات سواء كنت هنا او هنالك…
قطّبت جبيني باستغراب وقلت: آش معناها ؟؟ اعاد سيناريو التجوال في ملفّاته وقال:معناها تونس … صمتّ للحظة وجيزة وقلت بسخرية: آش معناها تونس ..؟؟ عاد ليلبس جاكيتة المدير وقال: الادارة العامة تحبّك ترجع لتونس … وانت كادر (اي اطار) ومؤسسة التلفزة في حاجة الى خدماتك وخاصة لكفاءتك …. (هكّة هوما في جلّهم كمديرين ينفخولك في صورتك بكلمات رنانة من نوع كفاءتك ومهاراتك وانت ما عندناش منك برشة، ويوصلو حتى للواجب الوطني وموش يعجبك تولّي في قائمة اصحاب الخيانة العظمى اذا ما تقبلش موقفهم )…اما يحبو تحت من يمرد. وقتها وبكل … سمّوه ما شئتم غرورا عنادا اعتدادا مفرطا بالنفس .. مخّي تسكّر… قُضي الامر واُغلق باب التعقّل عندي .. وبالكاد كنت نسمع في المدير وهو يقلّي: وما نحبكش تجاوبني توّة نعرفك متأزّم … امشي خوذ ثلاثة اربعة ايام راحة وبعد ارجعلي نحكيو …
نظرت اليه وقلت له اوكي ..خوذها من توّة ومانيش متأزّم زادة …لن اعود للعمل في تونس العاصمة ولو كلّفني ذلك فقدان وظيفتي …ربّي يعينك ..وغادرت دون انتظار اي ردّ منه… وللامانة تركني اغادر دون الحاح او ما اسمّيه انا حصار المسؤول في ايّة ادارة وبطرق فوقية آمرة وهو يريد اقناع الموظّف بشتّى الوسائل بمنطقيّة القرار تنفيذا لأوامر السلط العليا … لم اذق قطرة خمر واحدة في حياتي …ولكن يومها وددت لو اسكر بالخمرة حتى الثمالة …الزطلة انذاك كانت محرّمة رغم انّ البعض من آبائنا واجدادنا (وابي واحد منهم) كانوا يغرسون خفية نبتة الخشخاش وهي من المزطلات انذاك …
(يوم كبرت قليلا ـ في سن التاسعة ـ شلّقت بوجود نبتة الخشخاش في ركن منزو من جناننا… فسألت الوالدة عنها وقالت لي انّها نبتة برّية تنمو وحدها وهي عديمة الفائدة …لكنّ اجابتها لم تنطل عليّ… سالتها: اذا كانت برّية ولا فائدة منها لماذا لا يقلعها ابي عند قلع الحشائش؟… عيادة رحمها الله فهمت انّ المنجل وحل في القلّة … وحتى تستبق القادم امرت الوالدة باسلوبها الليلي الوالد ان يتخلّص منها ونهائيا … وانّى لرجل انذاك ان يلوي العصا في يد زوجته عندما تستغل نقاط ضعفه ليليّا ؟؟؟ حتّى سي السيّد (بقوتو وصولجانو) يكذب على نفسه وعلى اترابه لو اقرّ بعكس ذلك … اشبيكم راهي الوسّادة وما ادراك … لذلك تنهار الصولجانات امام التهديد بوسائد خالية مع زوجات بارعات في مسك الصولجان من حيث يجب مسكه … وسامحوني على هذي التخريجة الماسطة ولكن صدقا ذلك كان واقع جلّ الرجال في ذلك الزمن …الان… فيهم وعليهم…)
وانا اخرج من مكتب سي قاسم وددت ان اغطس في زطلة غامرة …لا عشقا لها بل هروبا من الوحش الكاسر الذي كان يسكنني …وحش الشعور بالخذلان …لم اشأ يومها رؤية ايّ كان واستحلت سائق سيارة اجرة دون ركّاب ودون اجرة ..امتطيت سيارتي (الزمردة الحمراء) واذا كان ابو نواس قد وجد الحلّ عندما قال: (عاج الشقيّ على رسم يسائله .. وعجت اسأل عن خمارة البلد) … فانا عجت اسأل عن هذا القدر الذي المّ بي ولكن خاصة عن الاقدار التي تنتظرني … قضّيت يومها اطوف من طريق الى طريق وكأني عون توبوغرافيا اسائل كل محطة ..كل حجر ..كل شجر …لماذا ….؟؟؟ ثمّ ماذا …؟؟ ومع كل نقطة كيلومترية اتجاوزها اشعر بداخلي يتضخّم عنادا وكسوحية راس ..لن اعود الى تونس العاصمة .. انا لن اعود اليك …مهما استرحمت دقّات قلبي ..تلك كانت واحدة من الاغاني التي يرددها داخلي وانا اهيم على وجه الطرقات … ذلك كان موقف العقل والقرار فيّ ولكنّ المقطع الذي طغى علىّ عاطفيّا لم يكن الا لحليّم …موعود معايا بالعذاب يا قلبي .. ولا بتهدا ولا بترتاح في يوم يا قلبي يا قلبي …
وها انا في صباح اليوم الموالي امام مكتب المدير اطلب من سكرتيرته الاذن بالدخول …وجدني سي قاسم امامه وبابتسامة مفبركة قال ..تي اشنوة صاروا الثلاثة ايام ..؟؟ موش تفاهمنا ترتاح شوية وبعد نحكيو؟… جلست وقلت له بكل حزم لا يدع له اطلاقا مجالا للتحاور : شوف سي قاسم موقفي راهو موقف مبدئي …انا مانيش بيدق امس يبعثوني رسميا لصفاقس، غدوة يقولولي ارجع لتونس، وبعد غدوة يبعثوني لرجيم معتوق …انا ما غلطتش ومهما كانت اسباب ايقاف نواة الانتاج التلفزي وما يهمنيش اشكون وراها، مستحيل نرجع للعمل بتونس العاصمة… ولمعلوماتكم وهذه عرفتها بعد 7 نوفمبر، ان حاشية الرئيس بورقيبة مثلما ارادت بعد انطلاق بث اذاعة صفاقس ايقافها بداعى المصاريف الزايدة ولم تفلح… والفضل يعود للمرحوم عبدالعزيز عشيش في اقناع الرئيس بجدوى اذاعة جهوية اعلاميا جهويا اوّلا ثم اقليميا و اعني بذلك تاثيرها على الشقيق في ليبيا …نجحت نفس الفئة الوسواسة الخناسة والتي تكنّ لنا حبّا رهيبا في عدوانيته تجاهنا والمتواصلة لحد كتابة هذه الاسطر…. نجحتْ هذه المرة في اقناع بورقيبة بايقاف نواة الانتاج التلفزي ولنفس الاسباب و يضيفون: يخخي اما ابجل النواة في صفاقس او في المنستير ؟؟
لاعد بكم الى حواري مع سي قاسم قلت وباصرار تام: “هذا موقفي امس واليوم وبعد ثلاثة ايام وبعد ثلاثة قرون …وانا نعرف اش نقول ومسؤول علّي نقولو وما تخليش روحك لسان دفاع عنّي… انا اتحمّل كلّ تبعات قراري ولو ادّى ذلك الى رفتي من المؤسسة … انا يوميا نجي للاذاعة لأني موظف بمؤسسة وعليّ حتما ان اسجّل حضوري… ابلغْهم بموقفي وسانتظر قرارهم وساتقبّله بكل رحابة صدر “… وقتها تأكد سي قاسم نهائيا انّني حازم قطاطة موش عبدالكريم قطاطة … قال لي بكل هدوء: ما نعقّدوهاش …امشي ارتاح ويعمل الله …احسست وقتها بأنه متعاطف معي ولكن ما الحلّ … ؟؟
بقيت اسبوعا كاملا وانا امارس كارثة الذهاب يوميا الى الاذاعة مع مطلع الساعة العاشرة صباحا … نعم كان الذهاب الى مؤسسة يرمقك فيها البعض بشفقة والبعض بسخرية كارثة ..فلا عيون الشفقة تريحك ولا عيون السخرية حتى لا اقول الشماتة تريحك … ولكن كان عليّ ان اتحمّل سياط تلك النظرات … قد اكون افلحت في ابداء موقف اللامبالاة امامهم ولكن نظراتهم كانت تُخلّف بعض الكدمات والجروح بداخلي … اذ كيف لذنب من لاذنب له ان ينظر اليه الاخر بعين السخرية …ثم اما كان عليهم ان يعرفوا انّ ايقاف نواة جهوية للانتاج هو صفعة لاذاعتهم ولمدينتهم قبل ان تكون صفعة لصاحب المشروع …هكذا نحن في جلّنا ننتبه لصغائر الامور وننسى الاعمق فيها .. نحن لا يمكن ان نكون ملائكة نعم …ولكن اليس علينا ان لا ننزل الى خندق ودرك الشياطين ..؟؟
ينقضي الاسبوع الاول من الشوماج المفروض عليّ … بطالتي كانت ثقيلة جدا زمنا وفكرا وروحا … هو اسبوع واحد فقط ولكنه بحجم قرن من الزئبق … في يوم اثنين من بداية الاسبوع الثاني ما ان ولجت مدخل الاذاعة حتى همس لي الحاجب …(سي قاسم يحبّ عليك) … ووجدتني بمكتبه …اهلا سي عبدالكريم ..ايّا اش عملت ..؟؟؟ سؤاله استفزّني جدا ..الى درجة انّي كنت على ابواب مغادرة المكتب دون الردّ عليه …الا انّ شيئا ما بداخلي قال لي الهدوء يا كريّم الهدوء …. وبحسّه المرهف فهم انّ هنالك غضبا بداخلي من جرّاء سؤاله فاستطرد بسرعة … حبيت نقللك ايّا اش نعملو ….. وقتها احسست بالسؤال الغمامة الذي قد يحمل غيثا.. فاجبت: اللي تشوفو باستثناء العودة الى تونس …
ابتسم وقال: “انت قبل كنت في التلفزة تعمل في بعض الريبورتاجات في الحصص الثقافية مع سي خالد التلاتلي ومع خليفة شاطر …وحتى في فرانسا كيف كنت تروّح في العطلة متاعك عملت خواطر الظهيرة هنا في اذاعة صفاقس” ..قلتلو ..نعم وهو كذلك ..قال لي: انت جاي من فرنسا واكيد ملمّ بالاغنية الغربية وانا عندي برنامج يقدّم فيه عبدالجبار العيادي حول الاغنية العالمية واسمو انغام السابعة اش قولك تخدمو معاه …. ؟؟؟ الفكرة استهوتني بسرعة ..اولا لأنّ البطالة اشنع ما يمكن ان اعيشه وانا الذي ما كنت بطالا يوما .. ثم ولعي باباطرة الاغنية العالمية شجعني على القبول … قبلت الاقتراح حتى دون السؤال عن هذا الحل ..هل هو اقتراح شخصي منه …؟؟ هل هو باتفاق مع رئاسة المؤسسة …كان داخلي يدفعني دون اي تردد او احتراز للقبول ..البرنامج كان يوميا من الساعة السابعة مساء الى الثامنة ليلا ….
التقيت بالزميل عبدالجبار وعرفت انّه متعاون خارجي ومولع بالاغنية الغربية … وبدأت الرحلة المشتركة معه …كنت استمتع جدا باختياراتي الغنائية والتي كان يقاسمني فيها عبدالجبار… الموقف لست ادري مجاملة او اقتناعا …وتلك كانت اوّل محطّة للقائي بنوعية معيّنة من مستمعي اذاعة صفاقس ..فئة تعشق الاغنية الغربية ..كان هناك تجاوب منذ الحلقة الاولى ..كنت صوتا جديدا لا غير ..لكن يبدو انّه لقي تجاوبا مع اذن المتلقّي ..قلت صوتا جديدا فقط لأن جانب الفكر او الموقف كان محدودا جدا …اذ لا يتجاوز التعريف باغنية ما او بصاحبها وفي احيان قليلة بمضمونها اذا كانت من النوع الهادف … في تلك الفترة كان زميلي عبدالجبار متعاونا خارجيا …وهذا يعني في نهاية السبعينات بعض الدنانير التي لا يتجاوز محصولها الشهري 90 د، وعند حذف الاداءات تصوروا ماذا يتبقّى في جيبه …
ارتأيت وقتها ان اناقش الامر مع سي قاسم حول ما يمكن ان يحدث لموعد السابعة ولزميلي عبد الجبار …قلت له بكلّ ايمان: انا لم آت هنا لاقضي على مدخول شهري بسيط لمتعاون كم هو في حاجة لما يتقاضاه ..هل هنالك حلّ آخر في الشبكة يُرضي الجميع …؟؟؟ قال لي حاليا لا … ولكن هل ترضى ان تكون في برنامج يومي من العاشرة صباحا الى منتصف النهار ويُعنى بالاهداءات الغنائية …. نظرت اليه وقلت …توة هذا تسميوووه برنامج اذاعي فيه اهداءات …توة هذا موش تخلّف اذاعي ..؟؟ قال لي انا معك ولكنّه حاليا وفي الاذاعات الثلاث (تونس وصفاقس والمنستير ) هو البرنامج الضارب رقم واحد . وتوة فيه منجي عزالدين وحسناء بن صالح ادخل معاهم وشوف .. قلت هل استطيع ان اغيّر فلسفته تدريجيّا ..؟؟؟ قال لي وبكل صدق وتشجيع كامل: اعمل فيه اللي تحب… كارت بلانش …
وقبلت وتركت موعد السابعة الى صاحبه ودخلت في تجربة كم هي فريدة من نوعها وكم هي جزء هام من اقداري… كان ذلك في ديسمبر 1979 … انه من البريد الى الاثير …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …
منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …
وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:
وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …
وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟
سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..
سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…
اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…
صفاقس في 20 نوفمبر 2001
ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…
ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…
هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..
وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…
وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…
إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.
جور نار
لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟
نشرت
قبل 4 أيامفي
14 يناير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashمحمد الأطرش:
يروى أنّ وردة جميلة نبتت في صحراء قاحلة وأخذت مكانا لها بين الرمال والأحجار. كانت هذه الوردة كثيرا ما تفاخر بنفسها وبجمالها إلى درجة الغرور، وكان وجود نبتة صبّار قبيحة بجانبها هو الأمر الوحيد الذي يزعجها… ويغضبها ويخرجها من هدوئها…
ودون أن تدرك تبعات تصرفها انهالت عليها بالشتم والسبّ، مرّة تعايرها ببشاعتها وأخرى بشكلها المخيف ومرّات برائحتها… لم تردّ نبتة الصبّار الفعل والتزمت الصمت والهدوء… وكانت وفية لطباعها فالصبّار معروف بتحمله صعوبة العيش في المناطق القاحلة وصبره الكبير على الجفاف وقلّة المياه وندرتها… تحركت بعض النباتات الأخرى المتواجدة قرب الوردة وحاولت تقديم النصح وإعادة الوردة إلى رشدها وصوابها وفضّ النزاع بينها وبين نبتة الصبّار لكنها فشلت في جميع محاولاتها… حاولت… وحاولت حتى ملّت فالصيف على الأبواب ولا يمكنها بذل مجهود كبير يجعلها عرضة للذبول وربما الموت…
اشتدّت الحرارة بحلول أولى أيام الصيف وبدأت الوردة تعاني من نقص الماء في جسدها وبدأت تظهر عليها علامات الذبول والجفاف على أوراقها… ومع اشتداد الحرارة فقدت الوردة ألوانها الزاهية التي كانت تفاخر بها امام من يجاورها من النباتات والاعشاب… التفتت يمنة ويسرة… وشرقا وغربا… فلم تجد غير جارتها التي كثيرا ما اساءت إليها ونعتتها بأبشع النعوت وتآمرت عليها وحاولت ابعادها والتخلّص منها… فجأة رأت الوردة ما لفت انتباهها وما لم تعرفه سابقا ابدا… رأت طائرًا يدنو من نبتة الصبّار ويدسّ منقاره فيها ليشرب بعضًا من الماء الذي خزنته في جسدها وأوراقها وجذوعها المنتفخة بسبب تخزينها للماء…
وعلى الرغم من خجلها الشديد من نفسها وخوفها من أن ترفض نبتة الصبّار طلبها ونجدتها ببعض من الماء، طلبت الوردة من نبتة الصبّار بعض الماء لتطفئ ظمأها… فوافقت نبتة الصبّار دون تردد ودون أي نقاش، وساعدت الوردة على الصمود والنجاة في طقس لن تتحمله الوردة ليوم آخر ابدا… هكذا أنقذت نبتة الصبّار الوردة التي كثيرا ما اساءت إليها، لكن ماذا عن الانسان الذي عاني من الانسان؟… ماذا عن الانسان الذي يقتل أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يظلم أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يقصي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يؤذي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يجوع بجانبه أخيه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يكره… ويحقد… ويشمت… ويضمر الشرّ لأخيه الانسان؟…
كل مخلوقات الله تصالحوا وتسامحوا وأمضوا ميثاق تعايش بينهم… ألم يصبح القطّ في زماننا هذا صديقا للكلاب؟ ألم يصبح الفأر في أيامنا هذه من أقرب الأصدقاء للقطط؟ ألم يصبح الذئب صديقا للكلاب يجالسها ويصاحبها ويتزاورون لا عداوة بينهم ولا هم يتحاربون… ألم يتصالح الجميع إلا الإنسان مع الإنسان… ألم يصبح الإنسان عدوا دائما للإنسان… ألم تصبح الكلاب أكثر منّا وفاءا لبعضها البعض… أسَمِع أحدكم يوما عن ذئب خان ذئبا… أليس الذئب أكثر بِرّا بوالديه من الانسان؟ لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟
غزة: لماذا نجحت هذه الاتفاقية بين المقاومة والكيان… في حين فشلت العشرات على مدى سنة ونصف؟
من النقيض إلى النقيض… “شهر عسل” جديد بين ترامب ومنصة “تيك توك”!
وسائل إعلام الاحتلال… حماس هي التي انتصرت!
أفتتاح الدورة 44 للجمعية العامة لاتحاد الاذاعات العربية
ورقات يتيم… الورقة 102
استطلاع
صن نار
- فُرن نارقبل 8 ساعات
غزة: لماذا نجحت هذه الاتفاقية بين المقاومة والكيان… في حين فشلت العشرات على مدى سنة ونصف؟
- صن نارقبل يوم واحد
من النقيض إلى النقيض… “شهر عسل” جديد بين ترامب ومنصة “تيك توك”!
- صن نارقبل يوم واحد
وسائل إعلام الاحتلال… حماس هي التي انتصرت!
- صن نارقبل يومين
أفتتاح الدورة 44 للجمعية العامة لاتحاد الاذاعات العربية
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم… الورقة 102
- ثقافياقبل يومين
انطلاق “بطولة القتال الدولي” بتونس خلال أيام
- وهْجُ نارقبل يومين
كيف عشت 14 جانفي 2011؟… شهادة للتاريخ
- جور نارقبل 3 أيام
الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”