جور نار
ورقات يتيم… الورقة 78
نشرت
قبل 4 أشهرفي

عبد الكريم قطاطة:
الثلاثية الاخيرة لسنة 86 شهدت مجموعة من الاحداث الهامة … لنبدأ بسبتمبرها حيث انتقلت مجموعة “الايام” الصحفية بجلّ عناصرها وبعد الاستقالة من الجريدة الى خانة صحفية اخرى .. جريدة الاعلان …

هذه الجريدة كانت، اسما على مُسمّى، عنوانا صحفيا جلّ صفحاته اعلانات … كانت تصدر يوم الجمعة وبرئاسة تحرير للمتميّز جدا الزميل جمال الدين الكرماوي، ربي يشفيه*… جمال هو فنان بكل موازين الكلمة فهو لاعب ممتاز في كرة القدم لعب بالملعب التونسي … وهو عازف غيتار وهو ايضا قلم فينو ومن افضل من عرفت الساحة الصحفية فيانة ونقشا… اشتهر في جريدة الاعلان بمقاله الاسبوعي الو الاعلان …مقال كان ينتظره عشاق الكلمة الرشيقة والاسلوب السمح …
السيّد نجيب عزوز مدير الجريدة اغتنم فرصة انسحاب فيلق الايام من الايام ليضرب عصفورين بحجر واحد… العصفور الاول تمثّل في استغلال تألّق مجموعة الاقلام في تجربتها مع الايام وانتدابها … والعصفور الثاني توسيع دائرة انتشار جريدة الاعلان لتصبح جريدة نصف اسبوعية وذلك بالصدور مرتين في الاسبوع … يوم الجمعة لفريق جمال الكرماوي و يوم الثلاثاء لفريق نجيب الخويلدي … كان ذكيّا جدّا في ادراكه لما قد تخلقه روح المنافسة بين الفريقين واستغلالها ايجابيا … وفعلا نجح في الرهان رغم كلّ عوائق ومشاكل الغرور التي عاشها الفريقان …وفعلا انطلقت التجربة الثانية لاسرة الايام داخل اروقة الاعلان في 30 سبتمبر 1986…
شهر ديسمبر من نفس السنة شهد حدثين اوّلهما عيد ميلاد اذاعة صفاقس (8 ديسمبر) والذي كان بالنسبة للمستمع المتعلّق بالكوكتيل مناسبة اخرى لاحياء مأتم … هاكم ما كتب عبداللطيف الحداد مرة اخرى بجريدة النهار يوم 3 ديسمبر 86 حول الحدث وتحت عنوان “خطاب عاجل الى مدير اذاعة صفاقس .. عيدا سعيدا في غيابنا”:
(سيّدي .. تحتفلون بعيد ميلاد اذاعة صفاقس الـ 25 وكلّكم فرح وترح واشياء اخرى وذلك من حقّكم طبعا ..اعرف انّ ربع قرن من الحياة والجهد والدأب له وزنه وثقله المُعتبر ولونه الخاص جدا .. اعرف وثانية انّها فرصتكم كاملة لتقولوا هكذا فليذهب المتنطعون الى الجحيم … انّنا نفهمهم وبكلّ تاكيد ونحتفظ ـ مازلنا ـ بأدقّ تفاصيل ذبحة ذلك المطرود منذ عشرين شهرا عبدالكريم قطاطة … انّها 8 ديسمبر اخرى لن يكون فيها فتى اذاعة صفاقس الاوّل هناك ..وانّه امر يُثير فينا كثيرا من الحزن والبكاء … اتُصدّق سيّدي انّ كلّ التقارير التي تصلك عنّا كاذبة ..؟ فنحن لم نعد نُننصت اليكم منذ ماي 85 والسبب بسيط جدا جدا ..وهو انّ اذاعتكم امست بدون الكوكتيل كأيّة قلعة خاوية … ونحن اصدقاؤه ما كنّا عصابة مافيا ولا جماعة كوكايين .. بل انّنا لم نقتل قطّة ولم نحرق قمحة ولم نطالب برأس احد .. فقط نادينا ومازلنا باعادة الكوكتيل وصاحبه الى ساحة الاذاعة…
ونحن ثالثة يا حضرة المدير مازلنا على عهدنا مع صاحب الكوكتيل حبّا وارادة واملا الى ان ينام القمر .. هكذا ذاكرة الناس الطيبين في هذا الوطن العزيز وهذا الجنوب الطيّب لا تنقطع بتلك السهولة المزعومة وتعوّدت ان تخبّئ الحب لمن حفر ويحفر فيها بالمثل فهل تُجبر الكسر وتضع امرا ؟؟… لقد كان لك ومازال كلّ الوقت لتطرح وتجمع وتضرب وتقسم وتكسر وترتّب الاوراق وتُمعن في تجميد تلك الامبراطورية الهائلة في التنشيط، وبث الفرح في البيوت الحزينة والمدن الباردة ولكن عبدالكريم قطاطة عائد الينا غبّا وكفّه مضرّجة بالحبّ والفرح لجما ودما … ذلك حدسنا ورهاننا … لاننا تعلمنا معا انّه حيث البكاء والبكاء والبكاء نتقمّص الكلمة ونحفر المدى حتّى ينبجس الحلم غدا وتمطر السماء .. وحتى يأتي ذلك اليوم الاكيد فهو سيظلّ منّا في العمق وفي تجاويف الذاكرة امّا انتم يا سيّدي فطاب عيدكم في غيابنا… عبداللطيف حداد ـ قصر الحدادة غمراسن)
هنا لابدّ لي من توضيح امر هام … نشري لمثل هذه المقالات يأتي فقط من زاوية التوثيق ولم ولن يكون قصدي التفاخر بما كّتب حولي والله على ما اقول شهيد… ثم هو حرص منّي ايضا على العرفان بالجميل للمستمع وهو يُدلي بشهادته في كلّ ما حدث وذلك اراه واجبا تجاه هذا المستمع وتجاه ما دوّنه من اوجاع وجراح …شهر ديسمبر ايضا شهد سابقة اعلامية هامة … اثر مباراة في كرة القدم بين النادي الصفاقسي وضيفه الترجّي والتي تمّ فيها طرد اللاعب منصف الطرابلسي ثم شطبه مدى الحياة وقع ما وقع … ومن ضمن تلك الوقائع ايقاف الزميل مختار بكّور عن التعليق الرياضي للاذاعة الوطنية … نعم … اذ ارتأت في تعليقه انحيازا للنادي الصفاقسي … وهو امر يصل الى درجة الكفر والردّة في نظر المسؤولين الكبار والذي مازال مثل هذا التصرّف العمودي لحدّ الان يتمرّغ على مسامّ جلودنا رغم انّ 99 في ال 100 من الاعلام العاصمي ولحدّ الان هو مكشّخ وبامتياز …اعني وبنذالة …مع احترامي للاقلّية النزيهة والشريفة … لا علينا سآتي حتما يوما ما وفي الورقات القادمة لهذا الملّف … اذن وقع ايقاف الزميل مختار بكور عن النقل الاذاعي الرياضي رغم انه من اكثر المتعاونين هدوءا ورزانة في اذاعة صفاقس …
امام هذا الوضع ارتأيت ان اغتنم فرصة زيارة وزير الاعلام انذاك السيد عبد الرزاق الكافي لاذاعة صفاقس التي ستحتفل بعيد ميلادها الخامس والعشرين، كي انظّم مباراة في كرة القدم بين اعلاميي الجهة وزملائهم من العاصمة… والحرص بعدها على اللقاء بالوزير ومطالبته فضلا لا امرا بارجاع الزميل مختار بكور لسالف نشاطه… تحادثت في الامر مع السيد عبدالعزيز بن عبدالله رئيس النادي الصفاقسي انذاك وعبّر لي عن مساندته المطلقة ماديا وادبيا لحدّ التكفّل بمصاريف اقامة ضيوفنا الزملاء من تونس… وكان الامر كذلك… مباراة ودية بالملعب الفرعي للطيب المهيري… سهرة رائقة شائقة بكلّ المفاهيم …لحدّ الثمالة وبكلّ المفاهيم لاحفاد ابي نواس… ثمّ لقاء مع الوزير واستجابة لرجاء الجميع واعادة مختار بكور الى سالف نشاطه…
اعود بكم الان الى خاتمة الورقة 77 والتي همس لي انذاك وزير الاعلام وهو يسلّمني الكأس … (انت هو سي فلان ؟؟ طلّ عليّ في مكتبي بالوزارة يوم الاثنين المقبل) … عندما ختم كلامه نظرت مليّا في عينيه بعد ان قلت له: حاضر … فقرأت فيهما وداعة ولطفا … ثمّ كان لزاما عليّ ان البّي الدعوة مهما كان الامر …بوزيد مكسي بوزيد عريان …ما الذي سيحصل اكثر ممّا حصل ؟؟… ربّما هي (صحّة راس) … غرور … تنطّع … _ قولوا ما شئتم …فأنا كنت ومازلت هكذا …ثوابتي لن يمسّها احد وقناعاتي ومهما خلقت لي من مشاكل وخصوما لن اتزحزح عنها …والروح ما يهزّها كان اللي خلقها …
يوم الاثنين كنت بمكتب الوزير … استقبلني ببشاشة وابتسامة عرفت مغزاها خاصة بعد انا قال: (مرحبا بيك سي عبدالكريم …تي العريضة متاع 20 الف امضاء امضاء اطول منّك) … ابتسمت بدوري ولم اردّ عليه …ولج للحوار بشكل فوري وسألني: (اشنوة اللي بينك وبين سي محمد عبدالكافي؟؟)… لم اتردّد لحظة واحدة في القول: (سي محمد عبدالكافي عرفي امس واليوم وغدا، والذي وقع سوء تفاهم بيننا استغله اصحاب النفوس المريضة) .. لم يكن موقفي مبنيا على الخوف او هزان القفة لعرفي، ولكن كنت مدركا اوّلا بل متيقّنا بمعرفة والمام الوزير بتفاصيل ما حدث… وثانيا ما كنت ولن اكون من تلك الشريحة التي تغتنم مثل هذه الفرص لتطعن في الظهر الخصوم … لو كان السيد محمد عبد الكافي رحمه الله حاضرا لقلت كلّ ما لديّ في صدري …. امّا اغتنام فرصة غي والتشهير به فذلك الجبن والنذالة بعينها…
نظر اليّ مرّة اخرى السيد عبدالرزاق الكافي بنفس الابتسامة الوديعة … وحمل سمّاعة الهاتف وطفق في تركيب رقم … وماهي الا لحظات حتى سمعته يقول: (عالسلامة سي المنصف بحذايا سي عبدالكريم قطاطة وحكيت معاه ونحبو يرجع لبرنامجو في اقرب فرصة) … فهمت انّ “سي المنصف” هو السيد منصف بن محمود رئيس الاذاعة والتلفزة انذاك … نظر اليّ السيّد الوزير وقال: (انتهى الاشكال سي عبدالكريم؟)… اجبته: (شكرا سيّدي الوزير على الثقة، ولكن لي رجاء لو تسمح) .. (تفضّل سي عبدالكريم) …وانتم لو تسمحون انتظروا معي الرجاء في الورقة القادمة … يخخي موش يقولوا ذوّق وشوّق ..؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كتب المقال قبل وفاة الزميل الكرماوي رحمه الله

تصفح أيضا
جور نار
هل يقود ترامب العالم… وهو في حالة سكر؟!
نشرت
قبل يومينفي
15 فبراير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
غريب أمر ساكن البيت الأبيض!
دونالد هذا وفي مكالمة هاتفية مع فلاديمير بوتين استغرقت ساعة ونصفا، صدم الأوروبيين وأذهلهم وسحب البساط من تحت اقدامهم وهم يغطون في نوم لا يعلمون…

دونالد اتفق مع فلاديمير على فتح مفاوضات فورية تهدف إلى نزع فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا وسيكون ذلك في لقائهم المرتقب في الرياض خلال الأيام القليلة القادمة… دونالد هذا لم يُعلم الاتحاد الأوروبي ولو بالإشارة… ولم يلتفت حتى إلى ما يردده قادة أوروبا حين صرحوا وأعادوا وكرروا أنه “لا يجب التفاوض بشأن أوكرانيا دون الأوكرانيين”… والأغرب من هذا أيضا هو ما قاله وزير دفاع العمّ سام في وقت سابق من نفس اليوم الذي التقى فيه دونالد بفلاديمير هاتفيا… وزير دفاع الماما أعلن أن بلاد العمّ سام لا تعتبر انضمام أوكرانيا إلى الناتو أمرا “واقعيا”… وأضاف أنه من الوهم التفكير أن كييف ستستعيد ولو شبرا واحدا من الأراضي التي احتلتها أو استرجعتها روسيا منذ عام 2014، ولن ننشر قوات أمريكية في أوكرانيا لضمان أمنها بعد إعلان نهاية الحرب الدائرة حاليا بين الطرفين الروسي والأوكراني…
إذن، ذهلت أوروبا مما يفعله دونالد وصدمت من سرعته في تنفيذ ما جاء به في برنامجه الانتخابي… ألم يصرخ عاليا بأنه عائد إلى البيت الأبيض من أجل “أمريكا أولًا”… لكن هل سينجح الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يصرّ على أن يكون له مقعد في كل مفاوضات تخصّ الصراع الجاري بين موسكو وكييف، في الحفاظ على دوره في الصراع الروسي الاوكراني رغم محاولة ترامب وبوتين سحب البساط من تحت أقدامه لغايات لا يعلمها غير ساكن البيت الابيض؟ … وماذا سيكون موقف كييف من كل ما أتاه دونالد هل ستقبل بالأمر وتتخلى عن الاتحاد الأوروبي لذي دفع من أجلها حوالي 50 مليار يورو كمساعدات عسكرية وغيرها منذ بداية الصراع العسكري بينها وبين ساكن الكرملين…؟؟ ماذا لو استسلمت كييف لما يريده دونالد وفلاديمير وهربت بجلدها من صراع قد يعيدها إلى حاضنتها الأولى روسيا صاغرة لا تقوى على شيء؟؟ والسؤال الخطير هل بإمكان الأوروبيين مساعدة كييف وضمان أمنها والوقوف في وجه بوتين بعد انتهاء الصراع الحالي دون مساعدة واشنطن، وهل للأوروبيين القدرة على ارسال جنودهم دفاعا عن كييف إن اشعلت روسيا فتيل الحرب مرّة أخرى؟؟؟
جزء كبير من الدول الأوروبية متخوف من التقارب الأمريكي الروسي الأخير فقد يكون على حساب امنهم واستقرار القارة العجوز… فدونالد قد يضمر شرا بالاتحاد الأوروبي ويحاول تفتيته بعد ان نجح من سكنوا البيت الأبيض قبله في تفتيت الاتحاد السوفييتي… ولا غرابة في ذلك فشعار دونالد اليوم وغدا “أمريكا أولًا”، يتجاهل أوروبا وتحالفه معها… كما أن التقارب بين الكرملين والبيت الأبيض قد يبعد موسكو بدورها عن بيكين… وهو هدف قد يكون في قائمة أهداف دونالد التي يضمرها للعالم ولكنه أيضا سيضعف حلف الناتو وقد يجبر الدول المكوّنة للاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في سياساتها الدفاعية… فهي لا تقوى على حماية نفسها دون العمّ سام وقد تختار الانصياع إلى سياسات الابتزاز التي قد ينتهجها دونالد لإنقاذ اقتصاد الماما الذي وصل إلى وضع مخيف… فبعد أن أظهر دونالد لامبالاته مما قد تعانيه أوروبا اقتصاديا نتيجة للضرائب التي ينوي فرضها على صادراتها… وبعد أن وصل الأمر إلى دعوة صريحة من بوتين لدونالد لزيارة موسكو واستعداد موسكو أيضا لاستقبال المسؤولين الأمريكيين في إطار ما يبذله الجميع من جهود لإيقاف الحرب بين موسكو وكييف… وبعد ما جرى ويجري في ملف تهجير سكان غزّة… هل يمكن القول بأن دونالد مقدم على تغيير المشهد السياسي والاقتصادي العالمي جملة وتفصيلا، محاولا بذلك إعادة الماما إلى مجدها السابق وسطوتها التي فرضتها على الجميع منذ الحرب العالمية الثانية؟
خلاصة ما يجري، نحن أمام تطوّر سريع ومخيف وخطير للخريطة الجيوسياسية الجديدة للعالم… فهل ما يفعله دونالد هو استهداف لروسيا أم لأوروبا أم للصين؟ أم هو استهداف للجميع لتبقى الماما فوق الجميع…؟؟ وكأني بدونالد يبتز الجميع بشعار “ادفعوا بالتي هي أحسن لأحميكم”… ألم يفاخر بحماية دول الخليج من حاكم قُم … ألم يفاخر بحماية أوروبا من ساكن الكرملين أيضا؟؟؟
أخيرا …ألا يمكن التأكد من حالة دونالد، ألا يمكن أن يكون في حالة سكر؟!!


عبد الكريم قطاطة:
قبل سرد تجربة ذاتية عشتها في اواسط 2003 لابدّ من الاشارة الى امر في منتهى الاهمية… ما دوّنته في كل الورقات منذ اولاها الى اخرها هو مجرّد محاولة لتوثيق ما عشته وما عاشه جيلي… والورقة هذه عدد 106 ونظرا إلى خصوصية ما سيرد فيها لا تخرج عن هذا الاطار…

اذن لن اكون فيها لا منظّرا ولا عالما ولا مفتيا… ساتحدّث عن علاقتي بالله وبالدين وبرجال الدين كيف نشأت وماهي القناعات التي وصلت اليها… مرّة اخرى هي تجربة شخصية للتوثيق والاطلاع فقط… ومهما كانت مواقفكم في تعاليقكم فانا لن اجادل ايّ واحد منكم… ساحترم كل الاراء واقف عند ذلك الحدّ… دعوني في البداية اذكّر انّي وقبل مارس 2003 كانت علاقتي بالدين هشّة للغاية (عبادات ومعاملات)… لعلّ مردّ ذلك تاثّري بمن درّسوني في سنة الباكالوريا حيث كانوا في جلهم اما يساريين او قوميين… انا كنت من الذين يعيشون فترة الحيرة بين الشك واليقين… وحياة اللهو التي عشتها كانت تميح بسفينة فكري الى عدم الخوض في كينونتي دينيّا… ولكن كنت ميالا الى الفكر اليساري رغم امتلائي داخليا بوجود الله… وكنت اكتفي فقط بذلك…
يوم وقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي وكما اسلفت في الورقة الماضية ابتعدت عن اجواء الاذاعة وعن ناسها عموما… ويمكن القول اني عشت لمدة 6 اشهر دون مشاحنات مع مديري سي عبدالقادر رحمه الله… لم اناقش معه كل حقوقي (كرئيس مصلحة) التي حرمني منها كالخط الهاتفي المباشر… رغم انّ زملائي في قسم الهاتف كانوا لا يتأخرون لحظة واحدة في تمتيعي بايّ رقم اطلبه، متجاهلين توصيات المدير وأتباعه بحرماني من الهاتف وبمدّ الادارة باسماء كل من يتصل بي… كذلك تم حرماني من جريدتي اليومية التي توقف مجيئها… وحتى المكتب المخصص لي كمن سبقوني في رئاسة مصلحة الانتاج التلفزي، وقع غلقه ووجدتني في مكتب هو حجما كالحكّة ومكانا بجانب المراحيض… لم اناقشه في قراراته لانّ همّي الوحيد انذاك ان اعيش بعض السلام الداخلي…
بعد مرور اسبوعين على انتقالي من مبنى الاذاعة ومن مكتبي هنالك الى مبنى وحدة الانتاج التلفزي وشبه مكتبي هنالك، اصبحت عاطلا عن ايّ نشاط… ولكن بمرتب رئيس مصلحة لا مهامّ ولا شغل له… ذات يوم وانا في مكتبي ذاك خطرت ببالي فكرة اردت من خلالها قتل الوقت لا غير لانّ اصعب عمل في حياة الفرد ان لا يعمل… قال يومها عبدالكريم الباهي لعبدالكريم الخايب: ألست ابن شعبة الآداب ؟ الم تكن من الذين اكلت وبِنَهَمٍ شديد مجموعة من الكتاب كغاوي مطالعة؟ الم تبدا علاقتك بكتب المطالعة منذ الخامسة ابتدائي؟ الم يقل فيك استاذك سي محسن الحبيّب اطال الله عمره وهو مدرّسك سنة الباكالوريا كلاما كثيرا في كتابه (وقال قلمي)، وتحدث عنك بفخر واعتزاز كاحد تلامذته النجباء حيث كنت تلتهم الكتب التهاما مما جعل ذخرك زاخرا معرفيا .؟
وواصل عبدالكريم الباهي حديثه مع عبدالكريم الخايب بالقول: انت فعلا طالعت عددا لا يُحصى من الكتب فما ضرّك لو اطلعت على كتاب الله؟ واستجاب عبدالكريم الخايب لهذا المقترح وبسرعة عجيبة… كان في مكتبي كتاب قرآن ولست ادري ما السرّ في وجوده… اخذته وكنت في تلك الآونة على جنابة وقررت ان اطالع القرآن الذي لم اعرف منه سوى قصار السور وانا ادرسها في الابتدائي او اتلوها مع والدي وانا طفل ليلة 27 من رمضان حتى امتّع البطن بالزلابية والمخارق… وفتحت المصحف كمطالع لكتاب قيل عنه الكثير … وكانت البداية طبعا وبعد الفاتحة بسورة البقرة… من عاداتي انّي عندما ابدأ مطالعة ايّ اثر أنني اركّز جدا على كل ما ياتي فيه… ولا اترك شاردة ولا واردة لاُحسن في ما بعد عملية النقد والتحليل…
يومها وانا اقرأ سورة البقرة كنت لا شعوريا كما ذلك العطشان الذي انغمس في شرب الماء… كما ترون لم اصف الماء بالعذب او الزلال… كنت فقط اشرب الماء ولكن دون تمحيص… وصلت الى الصفحة 24 والى الآية الكريمة 155 التي تقول { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم واولائك هم المهتدون } صدق الله العظيم… في اللحظة التي قلت فيها اولئك هم المهتدون فُُتح باب مكتبي لتًُطلّ عليّ سكرتيرتي انذاك نعيمة المخلوفي رحمها الله، ولتنزعج مما وجذتني عليه وسألت بحرقة (يا عرفي اشبيك لاباس ؟) استغربت من سؤالها وأجبت: اشبيني لاباس.. قالت: اذن علاش تبكي لاباس؟)… اندهشت ثانية ولم اصدّق الا وانا امسح دموعي قائلا: (لاباس لاباس والله… تذكرت وفاة اخي الحبيب الذي توفّي سنة 2000)..
لم تمكث معي طويلا بعد ان اطمأنت عليّ وغادرت واغلقت باب مكتبي… تركت كتاب القرآن على حدة ومسكت رأسي بيديّ وطفقت افكّر في ما جرى ..كيف جرى ؟ لماذا جرى ؟ كيف انخرطت في بكاء لم اشعر اطلاقا به ؟؟ لم ابق طويلا على تلك الحالة… نهضت من الكرسيّ وتمتمت: (يا ربّي انا جايك)…وقصدت منزلي الذي لا يبتعد عن مقرّ الاذاعة سوى 200 متر تقريبا… وتطهّرت وصليت لربّي ركعتين وفي كل سجدة كنت اردّد نفس الكلمات (يا ربّي انا جايك)… يومها تذكرت استاذي العزيز سي رشيد الحبيّب رحمه الله الذي كان يدرّسنا سنة الباكالوريا مادّة التفكير الاسلامي والذي حدثنا عن الفقيه ابي حامد الغزالي الذي عاش فترة كلها حيرة بين الشك واليقين… الى ان قذف الله في قلبه نور اليقين والذي يصفه البعض ومنهم استاذنا سي رشيد رحمه الله بالنور الشعشعاني…
كنا انذاك وخوفا من استاذنا الرهيب بجديته وكاريزمته نقبل بما يقول ولكن كان في داخلنا كثير من الاستهزاء بذلك النور الشعشعاني… يوم قلت لربّي (يا ربّي انا جايك) فهمت انّ نور الايمان هو اعظم نور لانّ من عاشه وبعمق يعيش الامان والسلام الداخلي… هذا هو مجرّد استنتاج لما عشته منذ ذلك اليوم ولكن للقصّة تفاصيل اخرى عديدة ومتشعبة… ولا اتصوّر انّ هذه الورقة بقادرة على حكي كل تفاصيل ما حدث لي بعد ذلك اليوم… ولا تنسوا وبشّر الصابرين في كتاب الله… اذن صبركم عليّ …
ـ يتبع ـ

جور نار
الشات جي بي تي… “ولد حرام صرف”!
نشرت
قبل 6 أيامفي
11 فبراير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الأطرش:
سيواجه الطفل الذي سيولد اليوم بأحد مستشفيات تونس وغيرها من المدن في الدول الفقيرة والنامية عندما يصل إلى سن البلوغ، آلة أذكى منه ألف مرّة… وسيضطرّ إلى متابعة ذكائها وتطوير نفسه قياسا بما سيعيشه ويتعلمه ويعلمه من ومع هذه “الآلة” ومع التطوّر الرهيب في قدرات الذكاء الاصطناعي كل ساعة أو لنقل كل ثانية… وسيصبح بعض أبناء هذا الجيل الذي سيولد اليوم وغدا في بعض مستشفيات تونس وغيرها من المدن، قويا وذكيا إلى درجة سيكون معها قادرا على تحقيق كل أهدافه وتطوير كل برامجه ومخططاته وما يريد فعله وانجازه… لكن هنا يكمن المشكل الذي ستعيشه تونس وغيرها من البلدان التي لا يمكنها ان تضع في يد كل أبناء الجيل القادم، آليات الذكاء الاصطناعي لتطوير أنفسهم وتطوير العالم من حولهم…

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتمكن كل أبناء الأجيال القادمة التي ستولد اليوم وغدا، من استغلال القوة الرهيبة للذكاء الاصطناعي؟ وهل بإمكان الدول الفقيرة تعميم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي على كل أبناء الجيل القادم؟ فالنقطة التي قد تمنع عديد الحكومات من توسيع قائمة المستفيدين من الذكاء الاصطناعي، هي خوفها من أن تكون غدا قدرة الشعب أكبر بكثير من قدرة الدولة… لذلك فقد تختار بعض أنظمة الدول الفقيرة استثناء نسبة كبيرة من شعوبها من الاستفادة من آليات ووسائل هذه القوّة الرهيبة التي قد تهدّد وجودها وقد يصل بها الأمر إلى افتكاك الحكم والسلطة منها، يوم تغضب منها ومن سياساتها…
فهل سيكون الذكاء الاصطناعي وسيلة جديدة من وسائل الاستبداد والتسلط لعديد الأنظمة التي قد تستثني بعض شعوبها من هذا الذكاء، أم سيعمّم ويكون في متناول كل الأجيال القادمة ويكون بذلك وسيلة للتحرر والانعتاق والابداع والتطور والتقدّم والنمو والازدهار؟؟
وسط كل هذا الذي يجري في العالم حولنا، والحرب المعلنة بين الصين والعم سام… من سيكون الأقدر على إدارة رقابنا نحو منتجاته الذكية التي ستزيدنا ذكاء وستخرجنا من الغباء الذي نقتات منه ونعيش في مستنقعه…؟؟ لكن لو سألنا بعض من تذوقوا طعم الـ”شات جي بي تي” وغيرها من وسائل الذكاء الاصطناعي هذا الذي سيغيّر وجه العالم بعد سنوات قليلة والذي سيجعلنا أيضا جزءا صغيرا من قرية كبيرة كل من يسكنها يعرف كل من فيها وما يقع فيها ويستفيد من كل من فيها ومن يستفيد بمن فيها… أقول لو سألنا بعض العرب كيف يتعاملون مع هذا الوافد علينا من بلاد العم سام وأحفاد “تشانغ كاي تشيك” و”ماو” فماذا سيقولون يا ترى؟؟ جميعهم أو اغلبهم وأقصد من هم أبناء جلدتنا، لم يختاروا الاستفادة المنطقية والعقلانية من القوة الرهيبة لآليات ووسائل الذكاء الاصطناعي…
أغلب من غامروا بربط علاقة وطيدة وحميمية مع احدى آليات ووسائل الذكاء الاصطناعي اختاروا التعامل مع الذكاء في غير ما ينفعهم وينفع الناس… اغلب العرب يدخلون الشات جي بي تي للسؤال عمّا يجلب لهم المتعة والاستمتاع… والغريب في الأمر أنهم لم يتعلموا شيئا ولم يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي بربطهم لعلاقة غريبة مع أشهر وسائله “الشات جي بي تي” بل أفسدوا اخلاق هذا الكائن الغريب العجيب… فعلّموه كل الالفاظ البذيئة والسباب والشتائم… وبحثوا من خلاله عن كل ما يكشف لهم اسرار بعضهم البعض… فالشات جي بي تي تعلّم من بعضنا الكذب والخداع… وتعلم من بعضنا الآخر الكلام البذيء والشتائم الجنسية… ووصل الأمر ببعضهم بتسمية الشات جي بي تي باسم من أسماء اقاربه فهذا يناديه “يا قعقاع”، والآخر يناديه ” يا مسعود”، والآخر يناديه باسم حبيبته… وهنا علي أن استحضر ما قاله الكوني ابن عمّي عن هذا الكائن العجيب يوم حاوره وهو في حالة سكر… الكوني قال أإن الشات جي بي تي ” ولد حرام صرف… ماهوش ولد عايلة”… هكذا انقلب الأمر عندنا فعوض أن نتعلم من الذكاء الاصطناعي ما ينفعنا ونستفيد منه… أفسدنا اخلاقه فاصبح “ولد حرام صرف”… المسكين…
ختاما ألا يجب ان يكون الذكاء الاصطناعي غدا مادة أساسية في كل مراحل تعليمنا من الأساسي إلى الجامعي، حتى نواكب ما يعيشه العالم من تطور في كل المجالات والقطاعات… فيستفيد منها العباد… ويصلح بهم ومعهم حال البلاد…


رغم التظاهر بالعداء المتبادل… إمكانية اتفاق بين ترامب وإيران، بوساطة سعودية

بدأ بتبادل الرسائل… تقارب مجدد بين إيران وسوريا بعد الأسد؟

هل يقود ترامب العالم… وهو في حالة سكر؟!

الشاردون

خلافا لما يشاع… الأردن رافضة لمشروع تهجير الفلسطينيين
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل يوم واحد
بدأ بتبادل الرسائل… تقارب مجدد بين إيران وسوريا بعد الأسد؟
- جور نارقبل يومين
هل يقود ترامب العالم… وهو في حالة سكر؟!
- جلـ ... منارقبل 3 أيام
الشاردون
- صن نارقبل 3 أيام
خلافا لما يشاع… الأردن رافضة لمشروع تهجير الفلسطينيين
- صن نارقبل 3 أيام
“لا يُقرَض سوى الأغنياء”… تويتر تدفع 10 ملايين دولار، تعويضات لدونالد ترامب!
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم… الورقة رقم 106
- صن نارقبل 4 أيام
الأردن… غليان شعبي وجمعياتي ضد مشاريع الاحتلال
- صن نارقبل 4 أيام
المصريون شعبا وحكومة: لا لتهجير الفلسطينيين… نحو سيناء أو غيرها