تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم .. الورقة 81

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

من خلال ما عشته سنة 87 وفي تجربتي مع عصابة الايام الجميلة في جريدة الاعلان ثمّ من بعدها ومع نفس المجموعة في جريدة الاخبار، ساحاول ان الخّص تجربتي وقناعاتي التي سكنتني ومازالت تسكنني مع الصحافة المكتوبة في حلّها وترحالها …

عبد الكريم قطاطة

قبل الخوض في تجربتي مع اصدقائي في جريدة الايام والاعلان والاخبار ثم انفرط عقدنا بعد هذه التجارب الثلاث (رغم محاولة عبدالقادر المقري لمّ الشمل في الجريدة الالكترونية جلّنار وفينا من استجاب وفينا من خيّر الابتعاد)، لابدّ ان اشير إلى انّ ولعي بالصحافة المكتوبة ابتدأ منذ مطلع السبعينات… كنت ساهمت ببعض المقالات في جلّ العناوين تقريبا (الصباح، الصدى، الراي العام، الشروق…) وكانت في أغلبها مقالات نقدية للاعمال التلفزية او السنمائية ..ولانّ القانون الاساسي لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية يمنع ايّ موظف فيها من المساهمة في الصحافة المكتوبة بمقال مّا مهما كان محتواه الا بترخيص مُسبق من الادارة العامة، التجأت انذاك للكتابة باسماء مستعارة، لعلّ اكثرها تداولا (ابن الزيتون)…

وجاءت التجربة الرسمية الاولى في جريدة ترأسها المرحوم محمد مصمولي وكانت تحمل كعنوان “الهدف”… وبدعوة منه وهو الزميل المنتج الاذاعي والتلفزي الذي يحظى بتقدير كبير من ادارة الاذاعة والتلفزة، تمتعتُ بالحصانة ..واذكر جيّدا انّ اوّل مقال لي كان حول زيارتي الرسمية للمغرب سنة 1974 كواحد من بعثة التلفزة التونسية لتغطية نشاط الزعيم بورقيبة في القمة العربية تلك السنة بالرباط… الا انّ عمر جريدة الهدف كان قصيرا جدا فعدت بعدها الى الكتابة باسماء مستعارة … وجاءت سنة 1982 سنة تعرّضي لايقافي الاوّل وابعادي عن المصدح… فاغتنمت تلك الاحداث لارسل مقالا طويلا حول عمليّة الايقاف احتلّ صفحة كاملة بجريدة البيان وكان العنوان (زوبعة باذاعة صفاقس).. وكانت تلك مناسبة ليتعرّف عليّ رئيس تحرير البيان نجيب الخويلدي، خاصة انّ المقال احدث تفاعلات غير مسبوقة من المستمعين الذين اصبحوا قرّاء ..اذن من الطبيعي ان امثّل للجريدة رقما هاما امام الكمّ الهائل من ردود الافعال ..

وتوالت الحوارات ليس فقط في جريدة البيان بل في عديد الجرائد الاخرى… لانّه وبمفهوم البيع والشراء عبدالكريم (ولّى اسمو يجيب) وهي نفس المنهجية الان في سائر الاذاعات …حتى ولو كان العديد من منشطيها هم سقط المتاع… (وقت تتكلّم مع احد المسؤولين وتقللو يا ولدي شنية هالشلايك اللي جبتهم يقلك اسمهم يجيب …وقيّد على هذي اللوبانة المُرّة) … نرجعو وين كنّا ..يوم فكّر نجيب في التكفّل برئاسة تحرير جريدة الايام فكّر في اسماء لا اعرف الكثير منها وعنها وفكّر في عبدالكريم ..وربّما ايضا لانّ (اسمو يجيب)… وكانت تجربة الايام والتي مازلت اؤمن بانّها افضل تجربة صحفية في ذلك الزمن لسبب اراه مهمّا جدا في العمل الصحفيّ ..

ما ميّز جريدة الايام انذاك انّ جلّ الاقلام ان لم اقل كلّها لم تكن دجاج حاكم .. كان لكلّ قلم اسلوبه نعم …ولكن الرابط المشترك بيننا اننا فكريا كنّا نرفض ايّ تدخّل سلطوي، سواء كانت سلطة التحرير وصاحب الجريدة او سلطة النظام … لذلك كان التآلف مع قرائنا كبيرا ورائعا … في المقابل عيون الرقابة كانت تترصدنا… ويوم حاولت السلطة الضغط على الجريدة وعلى خطها التحريري قدّمنا استقالتنا الجماعية وكنت انا من قام بتحرير نصّ الاستقالة (زعمة زعمة زعيم العصابة) …

وما كادت تنتهي علاقتنا مع جريدة الايام حتى اغتنم المرحوم نجيب عزوز مدير جريدة الاعلان الفرصة ليتمكّن من اصطيادنا نحن عصابة الايام ..الاعلان انذاك كانت اسبوعية وكانت متخصّصة في جلّ صفحاتها للاشهار … ولكن كانت هنالك صفحة تحت اسم (آلو الاعلان)… الو الاعلان كانت تمثّل عمودا فقريا لقرّاء هذه الجريدة… ومن يكون محرّر “الو الاعلان” غير ذلك القلم الانيق الفينو لصاحبه الانيق الفينو المرحوم جمال الدين الكرماوي؟ ..وحتى اقدّم بطاقة تعريف جمال اقول هو لاعب كرة قدم فنّان في الملعب التونسي… وهو عازف فنان لآلة الغيتار… وهو قلم فنان في صياغة الكلمات ..هل فهمتم لماذا قلت عنه فينو ؟؟ السيد نجيب عزوز قرّر ان يصبح صدور جريدة الاعلان مرتين في الاسبوع ..الجمعة كما كانت وبرئاسة جمال الكرماوي وعبد الحميد الرياحي وفريقهما ..والثلاثاء وهي المولود الجديد برئاسة نجيب الخويلدي ومعه نصف عصابة الايام …

وهنا آتي الى حقائق قد لا يعلمها نعظم القرّاء ..التنافس بين الاقلام الصحفية كان ومازال مشحونا بنرجسية مرَضية احيانا …جلّنا لا يعترف بقلم افضل منه ..اي نعم ..البعض منّا مازال كيف يكتب اربع كلمات غدوة يقلّك حسنين هيكل ما يلعبنيش ..هذا عيب من عيوبنا ومازال متفشيا حتى الان سواء في الصحافة المكتوبة او المسموعة او المرئية ..هنالك اقلام متميزة نعم ولكنّ البقية نحن مجتهدون لا اكثر … دعوني ابدا بمحاسبة نفسي وبعيدا عن التواضع الكاذب ..من انا امام محمد الماغوط عربيا وحتى محلّيا امام محمد قلبي رحمه الله او الطاهر الفازع باللغة الفرنسية ؟؟… قد اكون اخترت اسلوبا في الصحافة المكتوبة مغايرا للسائد وذلك عندما اتبعت اسلوب المنشط الاذاعي في كلّ ما كتبت لحدّ الان ..لكن لم ولن ادّعي يوما انيّ جهبذ من جهابذة الصحافة المكنوبة… بل وبكلّ صدق ايضا كنت استمتع جدا بكتابة جمال الكرماوي ونجيب الخويلدي والاكتشاف عندي وقتها والذي اعتبرته دوما حطيئة الصحافة المكتوبة، عبدالقادر المقري ..علاوة على كلّ افراد عصابة الايام لانهم وكما ذكرت لكلّ اسم منهم لون خاص شكلا ومحتوى …

التجربة مع جريدة الاعلان لم تعمّر طويلا ايضا خاصة بالنسبة لي لسببين… اولهما اني اتفقت مع مدير الجريدة على ان تتكفل مطبعته باصدار كتابي الاول (ملاحظات مواطن عادي جدا)…وهو تجميع لمقالاتي التي صدرت في جريدة الايام وفي جزئها الاول والذي لم يتبعه جزء ثان… وذلك على حسابي الخاص مع الترفّق في الثمن ..السيد نجيب عزوز كان يكنّ لي تقديرا خاصا ووافق على طلبي دون شروط ولم يشأ حتى الحديث معي في ثمن الطباعة… وفعلا صدر الكتاب ..وكانت الصدمة ..لم يكن كتابا بل كان شبيها بكنّش كبير .. نعم صُدمت جدا بتلك النسخة التي تشبه كلّ شيء الا الكتاب ..

يومها بالتحديد تركت مكتب الجريدة بصفاقس الذي كنت اشرف عليه والذي سبق ان كان لجريدة الايام ودائما تحت اشرافي… ووجدتموني في مكتب مدير الجريدة حاملا الكتاب المسخرة ..سي نجيب رحمه الله رأى في عينيّ الحزن والالم فأدار ازرار الهاتف ليستدعي ابنه المشرف على المطبعة …نظر اليه بحدّة وقال ..هذا قدر سي عبدالكريم عندكم ؟؟… لم ينبس ابنه ببنت شفة ..وعاد سي نجيب يحملق في شبه الكتاب وامر ابنه بالمغادرة ..ثم اعتذر لي وقال: حتى فرنك ما تدفعو وان شا الله تسامحنا …ولكن بقيت كلّما نظرت إلى تلك العملية التي شوهت بعض الصفحات، اشعر بألم لم يفارقني ولمدّة ..

الحدث الثاني الذي جعلني اتّخذ قرار مغادرة جريدة الاعلان كان قاصما .. في سنة 1987 وقعت المحاكمة الشهيرة للنقابي المرحوم الحبيب عاشور ..كان من ضمن الاسماء التي تعمل مع الاعلان من صفاقس الشاب انذاك عماد الحضري ..عماد مافيا متاع اخبار ومتابعات ..حيوية ونشاط لا يتوقف ويلعب مع الشيطان يغلبو .. يوم المحاكمة والتي كانت بصفاقس تابع عماد اطوارها لحظة بلحظة ولم يغادرها الا بعد ان توصّل بوسائله الخاصة بنصّ الحكم (موش قلتلكم مافيا؟)…وحوالي السادسة مساء هاتفت الجريدة لنكون اوّل من يعلن في الغد وفي الصفحة الاولى وهو يوم صدور الجريدة لحسن حظنا، عن الحكم في قضية الحبيب عاشور ..انه سبق صحفيّ (قدّ الدنيا وضواحيها)… وهرعنا في الصباح الباكر ننتظر وصول الجريدة لكشك المرحوم النوري العفاس ..

وكانت الصدمة الثانية القاصمة والقاضية… لا وجود لايّ اثر لا في الصفحة الاولى ولا في الصفحة 5555 …(باهية هذي 5555) … طبعا امام هذا الحدث الجلل توقعت انه جاء امر فوقي بعدم نشر الخبر المنفرد ..هاتفت المدير فقال لي … نسأل ونرجعلك ….وتاخّر عن العودة لي.. ولم اطق صبرا اعدت الطلب فأجابني: (اعتذر لك ولعماد، وقعت عملية اهمال وسهو… هذا كلّ ما حدث) …انا عُرفت عند كلّ من عرفني انّي لا اثور بسرعة ولا اردّ الفعل بسرعة …اذن اشنوّة الدواء ؟؟ كابيسان في جرّة كابيسان والروايال منتوليه مغمّسا بحلوتي المعتادة كلمّا دخّنت سيجارة ..جلستي مع الخبر الطامّة الذي لم يُنشر ووقعه عليّ، دامت اكثر من ساعتين ..وعلى الساعة العاشرة تماما اعدت مهاتفة المدير لاعلمه رسميا بانتهاء العلاقة بيني وبين الاعلان ..لم اتركه يعقّب ..وانصرفت الى الشارع ابث له همّي ..كيف لجريدة محترمة ان تُهمل مثل هذه الاشياء وما ذنب عماد الحضري الذي سكن المحكمة وكواليسها يوما كاملا ليحصل على نصّ الحكم ؟؟

عدت الى مكتبي بعد ساعات من الطواف في شارع الضباب لاجد به الكاتبة الخاصة لمدير الجريدة التي نكنّ لها جميعا التقدير والاحترام( السيدة سليمة عبدالواحد) والتي ارسلها السيد نجيب لتثنيني عن قراري … ابتسمتُ ابتسامة ساخرة وقلت لها (يبدو انّك لم تتعرّفي بعد على عبد الكريم الخايب ..انا عندما اتخذ قرارا ويكون الحقّ بجانبي لن اتراجع) ..فهمَتْ انّي عنودي وراسي كاسح وخايب بالحقّ خايب …فقالت لي: (والحلّ؟)… انقضضت على تلك اللحظة الفارقة وقلت لها لن يُغلق مكتب الجريدة ..سيتكفّل به عماد ولن تندموا ..وكان ذلك… وانتهت التجربة مع الاعلان …

بعدها نفس مجموعة الايام ثم الاعلان انتقلت الى جريدة الاخبار ..لا اعرف عنها الكثير وحتى مديرها السيد بن يوسف لم اقابله بتاتا وكلّ ما اعرف عنه انه عسكريّ التكوين …ولكن وللامانة مع جريدة الاخبار كنت اتقاضى وفي راس كلّ شهر “كاشيات” مقالاتي وبانتظام… وهنا لابدّ من التذكير بانّي لم اشترط ولو مرّة واحدة في حياتي في الصحافة المكتوبة مقدار الاجر ..بل واضيف، باستثناء الاعلان والاخبار كلّ الجرائد التي كتبت فيها كتبت دون مقابل ولو فلس ولو صوردي منقوب… نعم دون مقابل… ولكن شريطة ان لا يُخضعوا مقالاتي للمقصّ…

وهنا لابدّ ان اتوجّه بتحية للصديق والزميل عبدالباقي بن مسعود الذي كان يشرف على القسم الرياضي في جريدة الصريح… اذ حررتَ مقالا حول لوبي الاعلام محليا وعربيا الذي اسسه سليم شيبوب كي يكون المدافع الشرس عن الترجي… للامانة، المقال كان “احرش” اي نعم احرش… وعبدالباقي كما تعلمون مكشّخ ولكن في نفس الوقت احترم مبدأ عدم تشغيل المقصّ معي… فخاطبني هاتفيا معتذرا عن عدم استطاعته نشر المقال… وللامانة ايضا قمت بارسال نسخة منه للزميل عادل بوهلال بجريدة اخبار الجمهورية فنشره حرفيا . وطبعا ما كان منّي الا مقاطعة الصريح نهائيا…

تجربتي تعلمت في ما تعلّمته منها ولم اتعلّم الاّ القليل… تعلّمت مقولة يوسف شاهين (الفنان يجب ان يكون اذكى من مقصّ الرقابة) ..بلغة اخرى، تسبّ شيبوب مثلا دون ان يمسك عليك تهمة السبّ وهذا حدث بيني وبينه وفي برنامجي الاذاعي سنة 2002 اذاعة بالالوان … وقد أبلغني احد المتعاونين معه في عالمه بردّ فعل ولد شيبوب بعد ان حمل له اولاد الحلال تسجيلا لما قلته فيه .. قال لي: (سليم بعد ما سمع التسجيل يقطّع في شعرو ويقول صحّة ليه ما خلاليش منين شدّو ولد …تييييييييييت) …هاكي هي بالضبط اللي جات في بالكم …

ملاحظة: ورقة اليوم من المفروض ان تصدر يوم الثلاثاء* ..عملتلكم بونيس وسبقتها يومين …رجاء وقت نوخّر شوية ما تقرقروش عليّ ..خللي شويّة عليكم وشويّة …..دوويو موش عليّ …شوية عليكم زادة امّالا كيفاش يستقيم الشيء .. اشنوة الشيء تقولو انتوما ؟؟ ولا شي ولا شي ولا شي ..يرحم عظامهم قداش خلاونا حويجات جماعة ما قبل 25 جويلية… وحتى اكون امينا حتى جماعة ما بعد 25 جويلية …

ـ يتبع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باعتبار التاريخ الأوّل لنشر هذا النص

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

هل يذهب جيسي جيمس، باحثا عن الذهب… إلى غزّة؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

جميعنا عاش خروج ترامب المسكين من البيت الأبيض سنة 2020 وجميعنا يعلم كيف عصفت حينها أزمة سياسية غير مسبوقة بالمشهد السياسي في بلاد العمّ سام… لكن لا أحد من المتابعين للحياة السياسية في أمريكا والعالم، كان يعلم ان ترامب كان يريد ويفكّر جدّيا في العودة إلى البيت الأبيض كلفه ذلك ما كلفه…

ما نعيشه اليوم لم يأت صدفة بل كان مخططا له من ترامب وجماعته… فهذا الأخير زرع بذور عودته إلى البيت الأبيض منذ خروجه منه… وترامب لم يترك المشهد الإعلامي الأمريكي والعالمي طيلة فترة غيابه عن البيت الأبيض وعاد وكأنه لم يغب أبدا عن مكتبه في البيت الأبيض… عاد بصلاحيات أكبر وأوسع كيف لا وهو  يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب ويسكن البيت الأبيض بفوز ساحق جدا… ترامب عاد من جديد رافعا شعار ” أمريكا أعظم من أي وقت مضى”… عاد من جديد بعد أن نجا من محاولة اغتيال… عاد من جديد ليصبح في نظر الشعب الأمريكي المنقذ والايقونة… عاد من جديد يريد ترك بصمة في تاريخ بلاده والعالم فهل حقّا يريد الخير لكل العالم… أم فقط يريده لشعب الماما… وأحفاد “بيفالو بيل” و”ويلد بيل هيكوك”؟؟

بعد أقل من شهر من تنصيبه بدأ ترامب يكشف عن حقيقة نواياه وما يريده للعالم خلال سنوات حكمه الأربع القادمة… فترامب معجب بثروات كندا ويحلم بها ويريد ضمّ كندا لتصبح ولاية من ولايات بلاد العمّ سام… وقد أكد رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، إن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تحويل كندا إلى ولاية أمريكية “أمر حقيقي ويرتبط بالموارد الطبيعية الغنية في البلاد”.

وأضاف ترودو: “في ما يتعلق بتحويل كندا إلى ولاية أمريكية، السيد ترامب يضع في اعتباره أن أسهل طريقة للقيام بذلك هي الاستحواذ على بلادنا وهو أمر حقيقي، في محادثاتي معه” وحسب بعض المصادر الإعلامية فإن ترودو يؤكّد على أن الأمريكان يعلمون وعلى دراية تامة بموارد كندا الطبيعية وثرواتها الباطنية لذلك هم يبحثون عن طريقة تمكّنهم من الاستفادة منها…

وكما يريد ما تحت أرض كندا تعهّد ترامب بـ”استعادة”  قناة بنما، محذرا بنما من التواجد المريب للصين قرب الممرّ المائي الحيوي… ملمّحا أن الصين قد تكون تدير قناة بنما التي لم تُمنح للصين، بل أهديت لبنما بحماقة، لكنهم لم يحترموا الاتفاق وقد نفكّر في استعادتها إن لزم الأمر …

ماذا يريد حقّا ترامب بعد ما جاءنا مهددا متوعدا فماذا بعد كندا وبنما وغرينلاند وفرض الضرائب على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إذا لم تستجب هذه الدول لشروطه في إبرام اتفاقيات تخدم الولايات المتحدة؟؟… هل سنعيش إعادة التاريخ لنفسه في شخص دونالد بعد أن عاش العالم خلال القرن الماضي مع أدولف وأطماعه وما فعله بكل العالم… فالتشابه كبير بين وصول ترامب إلى الحكم أو لنقل عودته إلى البيت الأبيض، ووصول أدولف إلى حكم ألمانيا… كلاهما وصل بانتخابات شرعية وكلاهما وصل إلى الحكم وسط أزمة اقتصادية تعصف ببلديهما… فأدولف أذاق العالم كل ويلات الحروب وجحيمها… ودونالد قد يتسبب ما يلوّح ويتهدّد به في كل ويلات الحروب وجحيمها أيضا… أدولف جاء الحكم على صهوة خطابه الشعبوي وسط أزمة اقتصادية خانقة رافعا شعار “الثأر للكرامة الألمانية”… ودونالد جاء أيضا متأبطا شرّا على صهوة جواده في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة يعيشها الداخل الأمريكي، رافعا شعار “أمريكا أولا”…

كل ما سبق من تهديدات وصراخ من دونالد أو “جيسي جيمس” هذا القرن قد لا يهمّ العرب كثيرا، لكن تهديده أو كشفه لمخططه المجنون والغريب لتولي شؤون غزّة وتهجير سكانها الأصليين لبناء “ريفييرا الشرق الأوسط” حسب زعمه، سيدخل العرب في دوامة من المشاكل هم في غنى عنها في وقت عصيب كهذا الذي يعيشونه… ورغم أن اقتراح دونالد ترامب أو جيسي جيمس هذا القرن قوبل بعدم التصديق والسخرية والمعارضة والتندر من أغلب  دول العالم تقريبا، فإنه أثار ويثير تساؤلا جادا وخطيرا وحقيقيا “هل فكرنا في كيف وأين سيعيش مليونان من المدنيين المغلوبين على أمرهم حين يعودون إلى ديارهم ولا يجدون لها أثرا؟؟”… فهل كان ترامب جادا في ما يخطط له؟ هل يريد حقّا تهجير سكان غزّة خلال فترة إعادة إعمارها فقط أم هو يريد تولي أمر غزّة نهائيا وتهجير أهلها نهائيا خدمة لتل أبيب؟؟

عديدة هي الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم بعد ما صرّح به دونالد ترامب… فهل ستقبل مصر وكذلك الأردن وربما بعض الدول العربية الأخرى بما يريده دونالد؟؟ ومن سيضمن عودة سكان غزّة الأصليين غدا إلى بلادهم بعد الانتهاء من إعادة بناء ما خربته آلة الحرب؟؟ والسؤال الأهمّ والأخطر هل ستقبل “الحركة” التي بدأت الطوفان بما يخطط له ترامب… وهل من البساطة بأن يقع تحييد “الحركة” عن كل ما سيقع بغزّة وهي التي قد تكون حجر عثرة قبل حتى التفكير في من سيستضيف سكان غزّة على أرضه بشكل قد يكون دائما وإلى الأبد… ومن هي الدولة العربية التي قد تهدي جزءا من أراضيها إلى سكان غزّة ليبنوا عليها وطنا بعد أن أطردوا من وطنهم الأمّ؟؟؟ والسؤال الهامّ الآخر والمؤلم حقّا: هل يمكن ان يعيش كل من خربت ديارهم في العراء أو في الخيام أثناء إعادة إعمارها… ومن يضمن لهم أنهم سيعودون حقّا إلى ديارهم؟؟؟

نعود للحركة التي أشعلت فتيل الطوفان هل ستقبل بالأمر وتدفن أسلحتها أم أنها ستعود لحملها وهذه المرّة ضدّ رجال جيسي جيمس وأقصد دونالد ترامب؟؟ فترامب نفسه لا يمكن أن يملك جوابا عن سؤال “كيف ستخرج الحركة ورجالها من غزّة وهم من قاوموا غزوها؟؟” والسؤال الآخر الذي قد يشغل دول النفط والغاز في المنطقة من سيدفع ثمن إعادة إعمار غزّة، فهل يقبل العرب دفع ثمن إعادة إعمار قطاع لن تطأه اقدام أصحابه من الفلسطينيين إلى الأبد رغم أن الإدارة الأمريكية عادت لتقول بعد كل ما أثاره مخطط ترامب بأن نقل أو تهجير سكان غزّة سيكون وقتيا؟؟ والسؤال الذي سيدور في أذهان الدول التي ستقبل استضافة مليونين من سكان غزّة من سيدفع لهم ثمن الاستضافة وكم ستدوم مدّة الاستضافة يا ترى؟؟؟

خلاصة الأمر لن تخرج لا مصر ولا الأردن من ضجيج هذا المخطط سواء نفّذ أم لم ينفّذ دون جروح وكدمات وأوجاع… فالأردن نصف سكانه هم من أرض فلسطين وقبول المزيد منهم سيدمّر اقتصاد المملكة ويرهقها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقد يكون سببا في نهاية الحكم الهاشمي في عمان… وقد لا تنفع مساعدات العمّ سام أو جيسي جيمس، التي سيغنمها من دول الخليج كافية لدرء الأسوأ عن المملكة الأردنية… أما مصر فالسيسي لن يقبل بالأمر لسبب هام وهام جدا بالنسبة له فهو انقلب على الإسلام السياسي في مصر ويكنّ عداء كبيرا للإخوان… لكنه في نفس الوقت في حاجة إلى مساعدات مالية هامة وهامة جدا للخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها بلاده وقد تتسبب له في أوجاع في خاصرة الحكم قد تصل إلى تغيير المشهد السياسي برمّته في القاهرة… فهل ينجح جيسي جيمس في ما يخطط له ويريده ويركب صهوة جواده قاصدا غزّة باحثا عن الذهب واشياء أخرى، أم يخرج عليه صلاح الدين … في زمن خراب الدين؟؟

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 105

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

وحان وقت الجلسة التي رتّب لها السيد كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية انذاك رحمه الله… المكان كان بمكتب المدير…

عبد الكريم قطاطة

عندما دخلت المكتب وجدت به ضيفين لم اكن انتظر وجودهما وهما السيد منصف فتح الله المدير الفرعي للتقنية جلبه معه السيد عبدالقادر عقير من اذاعة المنستير وذلك بعد خروج الزميل الصادق السماوي اطال الله عمره للتقاعد… رغم انّ الاسم المنتظر لخلافة الزميل السماوي كان الزميل محمود المصمودي… لكن يبدو انّ المقرّبين اولى بالمعروف… الضيف الثاني كان الزميل زهير بن حمد المدير الفرعي للبرامج… عندما رايتهما ابتسمت ابتسامة سخرية لان الاشكال كان بيني وبين السيد عبدالقادر عقير فقط… اذن فهمت انّ وجودهما كان من اجل دعم مديري في مواقفه… اي وبعبارة الكوارجية هما لاعبان لتحصين الدفاع وان لزم لتعزيز الهجوم… اي الخطة كانت 3 ضدّ واحد…

اخذت مكاني امام الجميع متحدّيا فريقهم وبكثير من النرجسية والغرور… بدأ السيد كمال عمران الجلسة وطلب منّي ابداء رأيي في الاشكال بيني وبين مديري… اعتذرت للسيد كمال عمران بالقول (لا يُعقل ان ابدي ايّ رأي قبل مديري… لانّه ومهما كان الاشكال يبقى مديري والاولويّة له)… طلب السيد كمال عمران من السيد عبدالقادر عقير طرح الاشكال… السيد عبد القادر عقير عبّر عن قلقه من عبدالكريم الذي لا يمتثل لقراراته ويضرب بها عرض الحائط، متخذا من نجوميته سندا له مما ادّى به الى عدم الانضباط في توقيت عمله والى مواقف مشينة ومسيئة لمديره كلما نبهه لذلك… اثر ذلك طلب منّي السيد كمال عمران الردّ على ما قاله مديري فعلّقت بالقول سأرد على الجميع عندما استمع اليهم…

بعد ذلك اخذ الكلمة السيد منصف فتح الله المدير الفرعي للتقنية وكما توقعت ساند المدير في مواقفه رغم اني لم افهم الكثير مما قاله لانّه كان على مستوى الفصاحة والوضوح… صدقا وبعيدا عن الاساءة (ما يجمعش).. وعندما انتهى من مداخلته طلبت الكلمة من السيد كمال عمران وباسلوب ساخر قلت للسيد كمال عمران: (انت فهمت اش قال سي المنصف ؟ اذا فهمت فهّمني . انا نعرف روحي خايب في بعض المواقف ولكن ما يشفع لي اني اردّ الفعل ولا افعل)…ابتسم سي كمال واعطى الكلمة لزميلي زهير بن حمد… زهير كما عرفته كان رصينا وهادئا في مواقفه… اي نعم يومها كان كذلك وبعبارة اوضح حاول ان يكون محايدا حتى لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي… وللامانة تالّمت يومها لحياده لكن وبعد مرور سنوات تناقشت معه في موقفه لذلك اليوم واقنعني انه في ذلك الظرف بالذات ماكان له ان يكون موقفه غير ذلك الموقف..

وللامانة كنت ومازلت عند قناعتي بزهير كقيمة فكرية ومهنية رفيعة… وهذا ما جعلني يوم تاسيس فرع جمعية المتقاعدين بصفاقس ارشّحه لرئاسة الفرع كما رشحته سنة 1998 ليشغل منصب المدير الفرعي للبرامج… وهاهو اليوم في نشاطه بفرع جمعية المتقاعدين بصفاقس كرئيس لها يمثّل الموتور لهذا الفرع… بعد ان اتمّ زميلي زهير بن حمد مداخلته القصيرة طلب منّي السيد كمال عمران تعليقي على كل ما استمعت اليه… وكان موقفي مقتضبا وصادما… قلت في جملة واحدة: (موقفي هو اقتناعي بانّ السيد عبدالقادر عقير انتهت صلوحيته كمدير لاذاعة صفاقس وعليه المغادرة)… وعلا الطير رؤوس الجميع… نظر السيد كمال عمران اليّ وقال (سنرى ذلك سنرى).. انتفض السيد عبدالقادر عقير وقال بحنق: (لا لا .. انا مدير الاذاعة ولن اقبل بايّ منصب اخر)… وانفضّ الاجتماع…

كنت مدركا انّ موقفي هو اعلان حرب من جانبي على المدير … وكنت ادرك انّه لن يبقى مكتوف اليدين… وكنت مدركا انّي على استعداد لخوض تلك الحرب مهما كانت نتائجها… والسبب في مثل هذه المواقف انّي عملت منذ 1998 تاريخ تسميتي على رأس مصلحة البرمجة بكلّ اخلاص وكدّ وتعب من اجل مصلحة الاذاعة … نعم قد اكون اخطأت في حقّ البعض الذين لم اكن وقتها مقتنعا بكفاءتهم… ولكن يشهد الله انّ اخطائي كانت تقديرية لا غير واني واقسم بالله لم اتعامل مع ايّ زميل من مواقف ذاتية، بل كانت عندي قناعات وثوابت شخصية نفذتها …

وجاءت ردود افعال المدير متنوعة تجاهي… بدءا بتقليص العدد المهني من 100 على 100 الى 80 على 100… والعدد المهني هام في مسيرة ايّ موظف اذ هو يساعده على كسب خطوات هامة اما في ترقيته او في تاخير تلك الترقية … لكن من جهتي كنت اضرب عرض الحائط بكل الترقيات والحوافز ما دمت مقتنعا بمواقفي… كما وصل الامر بمديري الى عدم دعوتي لاجتماعات البرمجة مع مواصلة ارسال استجوابات كتابية حول تأخّر وصولي لعملي او مبارحتي له قبل التوقيت الاداري… الى رفض ايّ طلب تقدمت به لتمكيني حتى من يوم عطلة واحد… وكانت سنة 2002 سنة كبيسة في حياتي المهنية… كانت سنة وضع عبدالكريم في الفريڨو كما تعرفون تلك العبارة المتداولة في الادارة التونسية … وليته كان فريڨو باردا بل كان فريڨو من نوع (ڨاتلك ڨاتلك)…

وحلت سنة 2003… تلك السنة شهدت تحوّلين في حياتي المهنية والشخصية… في بداية تلك السنة هاتفني السيد كمال عمران طالبا مني ان اتحوّل لمقابلته بمكتبه بداية الاسبوع… كان ذلك في شهر مارس 2003… يومها وما ان ولجت مكتبه وبعد التحية خاطبني بالقول (ثمّة واحد في القصر يحبّك برشة …وراهو جاء لسي ابراهيم الرئيس المدير العام بالذمة على خاطرك ودافع عليك ووصّى الرئيس المدير العام بالتدخل وعدم ظلمك) …قلت له شكرا ..فاضاف: ما تحبش تعرفو ؟ قلتلو: انا نعرف واحد برك في القصر … كنا زملاء في الدراسة في التعليم الثانوي وكنا اصدقاء جدا… سالني اشكونو ؟ اجبته انه خويا وزميلي الصادق شعبان… ابتسم سي كمال وقال: نعم انه السيد الصادق شعبان…

وليعلم الجميع انّ خويا الصادق شعبان لم يتحدث معي في الموضوع بتاتا لحدّ اليوم… وربما لا يعرف انني اعرف… اثر ذلك قال لي السيد كمال عمران: سي ابراهيم يريد ان يتحدث اليك انه في مكتبه الان ينتظرك… وكنت بعد دقائق بمكتب الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية السيد ابراهيم الفريضي… استقبلني بحفاوة ولطف ودخل مباشرة في الموضوع قائلا: (نحب نعمل حاجة في موضوعك انت وسي عبدالقادر… نحب نبعّدكم على بعضكم اش قولك؟) قلت له يا ريت واش خص.. قال لي: (انت تعرف انو السيد محمود بن جماعة _ رحمه الله _ المكلف بادارة وحدة الانتاج التلفزي انذاك، خرج الى التقاعد… وانت ولد التلفزة قبل ما تكون ولد الاذاعة… اشنوة رايك تولّي رئيس مصلحة الانتاج التلفزي؟ من جهة تبعد على سي عبدالقادر وعلى مشاكلك معاه في الاذاعة ومن جهة تبعث دماء جديدة في وحدة الانتاج التلفزي ؟)

طبعا رحبت بالفكرة رغم اني اعرف ان وحدة الانتاج التلفزي هي ايضا تابعة اداريا لمدير اذاعة صفاقس… لكن قلت ربما تبديل السروج فيه راحة.. لكن طلبت من رئيس المؤسسة رجاء ان كان بامكانه تلبيته… قال لي تفضّل ..قلت له انّ مؤسسة الاذاعة والتلفزة هي اداريا تابعة للوزارة الاولى فهل بالامكان ان تكون التسمية من الوزارة الاولى وليست تسمية داخلية؟ قال لي طبعا ممكن هل لديك طلب اخر ..؟ قلت له هو رجاء وليس طلبا قال لي تفضّل… قلت له هل بامكانك ان تبقي امر نقلتي من مصلحة البرمجة بالاذاعة الى رئاسة مصلحة الانتاج بالتلفزة سرّا حتى تنزل التسمية من الوزارة الاولى .؟ ابتسم وقال اعدك بذلك ..

وجاء يوم 19 مارس 2003 لتنزل التسمية بمكتب مدير اذاعة صفاقس… وبُهت الذي كفر … مديري انذاك كان ينتظر عقابا لي من نوع اقالة من مسؤوليات ففاجأه القرار… لا وزيد مُمضى من الوزارة الاولى… يومها نقل لي بعض شهود العيان عند وصول الفاكس، انّه اقسم باغلظ الايمان انه سيخرجني من اذاعة صفاقس قبل وصولي لسنّ التقاعد… ونسي الاية الكريمة (وما تشاؤون الا ان يشاء الله ربّ العالمين )… سبق ان قلت لكم في بداية الورقة اني عشت حدثين هامين في حياتي… الاول مهني وها انا تحدثت عنه والثاني شخصي وهو على درجة قصوى من الاهمية… نعم والف نعم… وهو محتوى الورقة 106 ان شاء الله…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

حين يصرخ الـ”تشات جي بي تي” قائلا: “عيش خويا نقعدوا بالقدر”!

نشرت

في

محمد الأطرش:

بعد أن أتحفتنا بلاد العمّ سام بالتشات جي بي تي خرجت علينا الصين بالديب سيك، لم تعد الحرب اليوم بالصواريخ والطائرات فقط… الحرب أصبحت حرب عقول وحرب ذكاء فهل استعد العالم لما قد سيحدث غدا، أم ستقودنا بلاد العام سام في حربها التكنولوجية مع الصين إلى حيث لا نعلم ولا نحلم حتى؟؟

للذكاء الاصطناعي تطبيقات هامة ومفيدة في التعليم، والصناعة، والصحة، والنقل، وكل القطاعات الفكرية والأدبية والثقافية والرياضية والعلمية وصولا إلى العسكرية… فالذكاء الاصطناعي قد يتحكّم مستقبلا في الحروب وفي تطوير الأسلحة…كما قد يتحكّم في مصير الحكومات والدول والرؤساء والشعوب… ألم يساهم الذكاء الاصطناعي في حرب إبادة عشرات الآلاف من إخوتنا في القطاع… والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف سيتعامل العرب والمسلمون مع هذا التطور التكنولوجي… وهل أعدوا له ما يجب ومع أي طرف سيتعاملون مع الماما أم مع الصين… وهل سيستثمر العرب والمسلمون في الذكاء للخروج مما سقطوا فيه اليوم من غباء بعد مجد أسلافهم وما تركوه؟

ألم يكن منهم أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي الذي يعد من أشهر علماء العرب وأبرزهم في الفلك، ومن أوائل علماء الرياضيات، كما برع في علم الجغرافيا… ألم يكن منهم أيضا أبو يُوسُف يعقوب بن إسحاق الكندي، ويُعرف عند الغرب بـ “Alkindus” تميّز بكونه من أشهر العلماء العرب في الرياضيات، إلى جانب إلمامه بمختلف جوانب العلوم الأخرى… تميز في علم الفلك والفلسفة والبصريات والطب والكيمياء والموسيقى…ألم يكن منهم جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي من علماء العرب المسلمين، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة والمعادن والفلسفة والطب والصيدلة… ألم يكن منهم أبو علي الحسين ابن سينا، عالم شهير في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات، ويُعد ابن سينا من أكثر الشخصيات المؤثرة في مجال الطب في العالم الإسلامي وأوروبا في القرون الوسطى، كانت كتبه وبحوثه تُدرّس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر… ألم يكن منهم أيضا أبو بكر محمد بن زكريا الرازي طبيب عربي مسلم وكيميائي وفيلسوف من أشهر علماء العرب وكان من أعظم وأهم الأطباء في عصر العلوم الذهبي الإسلامي، عاش حياته بين القراءة والتصنيف، وقيل إنه فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارِب الكيميائية في المعمل… فهل أعددنا نحن العرب المسلمون العدّة لنتعامل مع الذكاء الاصطناعي تعاملا يفيد مستقبل اجيالنا القادمة ويخرجنا مما نحن فيه؟؟

في الغرب هناك، تسلل الذكاء الاصطناعي إلى كل شيء… تسلل إلى البيوت والمطابخ… واصبح يتحكّم في ذوقك وما تريد… يقترح عليك وصفات مخصصة، ويختار لك مكوناتها وكيف تستفيد منها صحيا…  يختار لك وعوضا عنك بعض المأكولات، يساعدك في اختيار ملابسك، ينجدك في ايجاد الحلول للعديد من المشاكل والمآزق… هناك في الغرب أصبح الذكاء الاصطناعي يراقب كل ما يقع على الأرض ويتدخل في كل ما يفعله الانسان ويخطط له… هناك قد يتنبأ بنتيجة مباراة في كرة القدم بين برشلونة والريال… وقد يقترح على المدرب والاطار الفني بعض الخطط التكتيكية أيضا… هناك اصبح وسيصبح الذكاء في قادم السنوات المتحكّم والآمر الناهي لكل ما يفعله الانسان… فلا غرابة إن تسلل حتى إلى غرفة نومك ليعرف من تعاشر وليقترح عليها احمر شفاه وعطرا يفقدك عقلك ويسحرك (يذهب شيرتك بلهجتنا)…  الذكاء الاصطناعي قد يعرف حتى مع من تنام وقد يوثق ذلك في ألبوم صور، وقد يقترح عليك وضعية ملائمة وطريقة مناسبة وموعد المعاشرة وتوقيتها أيضا إن كنت تبحث عن إنجاب صبي (يتربى في عزّك ان شاء الله) وقد يساعدك على اختيار اسمه ويساعدك على مراقبته ونموه وتعليمه ويراقب معك صحته ويقترح أكله ولباسه… هناك لست في حاجة إلى من يصاحب ويرافق ابنك إلى المدرسة فكل الشوارع مراقبة بالذكاء الاصطناعي… وأينما تأخذكم أرجلكم يعترضكم حراس الذكاء ويراقبونكم أعوانه ويعلمون عنكم وقد يسألونكم أين أنتم ذاهبون؟

نعم، هناك سيعلم الذكاء الاصطناعي عبر آلياته ووسائله وتقنياته المنتشرة في كل أرجاء المدن والقرى والأرض والسماء بكم وبما تفعلون وسيسجل كل تحركاتكم وما تأتون وما حتى تضمرون… ويكشفكم ونواياكم ويبلّغ عنكم إن علم أنكم تتآمرون… هناك أيضا يعيد الذكاء الاصطناعي كتابة تاريخ البعض كما يريدون، وكما كانوا يحلمون ويطمحون… هناك يكتب خطب الرؤساء والشيوخ والملوك… ويزيّف نتائج الانتخابات بالصندوق… وهناك أيضا يكتب مقالات تحليلية لكبريات الصحف وأقسام الاخبار التلفزيونية… هناك… نعم هناك، سيفقد الانسان مئات الآلاف من الوظائف وسيتحكّم الذكاء الاصطناعي في كل ما يدور على هذه الأرض… وسيجوع البعض… ويموت البعض… ويبقى من يختاره الذكاء… ويشقى من تميّز بالغباء….

أردت أن اختبر قدرة الذكاء الاصطناعي بنسختيه الصينية والأمريكية في مواجهة جهابذة الذكاء العربي، فطلبت من صديقين يجلسان على نفس طاولتي في المقهى اختبار ذكاء التشات جي بي تي والديب سيك… سأل أحدهما الـ”تشات جي بي تي” وقال له في إطار الصخب واللغط الذي تسببت فيه كلمة نكاح في عنوان أطروحة دكتوراه، والمقصود بذلك من صاحب الأطروحة (الزواج طبعا): “ما هو النكاح يا عمّ التشات؟؟” أجابه التشات جي بي تي ساخطا:” روح……….أمك يا طحـ…عيش خوي نقعدوا بالقدر”… صرخ صديقي بأعلى صوته فأدار رقاب كل من بالمقهى إلى حيث نجلس وقال:” بالحرام ما يطلع كان تونسي ولد الحرام هالتشات جي بي تي!”… ضحكنا ملء اشداقنا وطلبت من صديقي الثاني التوجه بسؤال إلى الديب سيك الصيني فقال له: “هل تعرف ما تعنيه كلمة “طحّان” وكان يقصد العامل بالمطحنة”… فأجابه ساخطا الديب سيك “ما طحّان كان انت…يا طحّان!”… وخرجنا من المقهى ونحن على يقين ان من أبدعوا الذكاء الاصطناعي هم من أبناء عمومتنا وإن أنكروا ذلك… قلت وأنا أجتاز باب المقهى: “اللي يغلبنا يجي يحاسبنا”… وأضاف صديقي: “حليل أم (سام ألتمان) مؤسس شركة “أوبن إيه آي”، وحليل أم (ليانغ ون فنغ)، مؤسس شركة  DeepSeek”… وضحكنا… ضحكنا… حدّ البكاء…

أكمل القراءة

صن نار