تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم .. الورقة 91

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في هذه الورقة ساخصص محتواها للحديث عن جزء من تجربتي مع التلفزيون كمخرج ومنتج … وانا الذي وبكل صدق وامانة أعتبرها باهتة ومتواضعة جدا ولم تكن في حجم احلامي وطموحاتي …

عبد الكريم قطاطة

اذن كما اسلفت وبعد تسوية وضعيتي الادارية والاعتراف بديبلومي كمخرج… بدات وفي مطلع التسعينات اخطّط لنوعية البرامج التي اراها تتجاوب مع ميولي وقناعاتي … وكنت من الذين يعشقون جدا الاشرطة الوثائقية… وفعلا اقترحت على ادارة التلفزة انتاج واخراج مجموعة من الاشرطة الوثائقية تحمل كعنوان (شعاع من الجنوب)… وهي في رؤيتي تحقيقات تهتم بمناطق عديدة من جنوبنا اسلّط فيها الضوء على مناطق لم تزرها الكاميرا للنبش في واقعها المعيشي ومن زوايا متعددة… ووافقت ادارة التلفزة وشرعت في انتاج اوّل حلقة والتي سلطت فيها الضوء على قرية من قرى الجنوب التونسي… انها سيدي مخلوف بولاية مدنين…

كان التصوير ثم المونتاج في اواخر سبتمبر 91 والبث في اكتوبر 91 … وهاكم مقتطفات من تعليق جريدة الصباح حول هذه الحلقة في 21 اكتوبر 1991 تحت عنوان (اجتهاد من الجنوب) حيث كتب صاحب المقال (وبعيدا عن الثقافة و الجهل اريد ان احيّي باسمكم هذا العمل التليفزيوني المتميز حقا ..فهو كالقهوة اللذيذة او كمشموم فل او كالكتاب الجميل … التشبيه غير مهم… الاهم هذا العمل تراه فتتمنى لو انه يستمرّ اكثر او لو انه يعود او لو انه يصبح من ضيوفك الدائمين… هذه الكلمات البسيطة التي تشكّل وردة احب ان اقدمها الى المجتهد عبدالكريم قطاطة، الذي فتح لنا نافذة صغيرة راينا من خلالها بعض ما يجري فوق ارض الجنوب من كفاح ونضال وصراع مع المصاعب والاغراءات والاوهام والمشاكل التي لا تنتهي ..كان عنوان ما قدمه عبدالكريم قطاطة “شعاع من الجنوب”… وبالفعل كان حزمة من الضوء فيها الجمال والاجلال والاجتهاد والذوق … هكذا يكون العمل التليفزيوني او لا يكون، وهذا عمل تليفزيوني يستحق ان يجلس امامه التلامذة وهواة العمل التليفزيوني لعلّهم يتعلّمون على الاقلّ التواضع)

الى هنا ينتهي بعض ماجاء في تعليق جريدة الصباح حول اوّل حلقة من مشروع شعاع من الجنوب … هنالك جملة هامة جاءت في مقال الزميل حيث قال (هذا العمل تراه فتتمنى لو انه يستمرّ اكثر او لو انه يعود او لو انه يصبح من ضيوفك الدائمين)… انّها المفارقات والاقدار العجيبة حقا… لانّ الحلقة الاولى من مشروع (الشعاع) كانت بالفعل الاولى ولكنها كانت ايضا الاخيرة …اي نعم مرة اخرى هي لعبة الاقدار ..وهاكم التفاصيل:

بعد الحلقة الاولى شرعت في انجاز الحلقة الثانية من شعاع من الجنوب اخترت فيها كاطار (عمّال المناجم في المظيلّة) ..كان سيناريو الحلقة متابعة احد عمال المناجم (العم صالح) منذ قيامه باكرا الخامسة صباحا في عائلته… وتناول فطور صباحه ثم امتطاء دراجته النارية قاصدا المنجم… والعيش معه لحظة بلحظة طيلة ساعات يومه في المنجم و اخيرا العودة معه الى منزله للسهر معه والتعرف على تفاصيل أسرته … ايام التصوير خاصة داخل المنجم وحتى خارجها من افضل ما عشته طيلة حياتي… نعم وبشهادة الجميع عشنا اياما لا تنسى اكتشفنا فيها ليس فقط ذلك الجنوبي المناضل من اجل رزق أطفاله، بل ايضا صدقه وعمق رؤيته للحياة وللاحداث ..واكتشفنا ايضا ذواتنا ونحن نعتبر انفسنا نفهم اشياء كثيرة في تونسنا وفي الحياة عموما ..ولكن اكتشفنا انّ ما نجهله يفوق كثيرا ما نعرفه ..

نعم عم صالح علّمنا دروسا لا تُنسى لعلّ اهمها النضال الحقيقي من اجل اسعاد الاخر حتى ولو كنت يوميا معرّضا لخطر الموت المحدق بك واصحابك داخل المنجم .. نعم هذا ما احسته وعاشته كل عناصر فريق التصوير ونحن ندخل معه الداموس ..حوادث المناجم والتي تعني امكانية سقوط بعض زوايا المنجم كانت تعني الموت ..نعم عشنا يوم تصوير عمل عمّال المناجم من داخل المنجم، ما معنى ان يكون الانسان في كلّ لحظة على قاب قوسين من النهاية… وللامانة كم باركت يومها شجاعة كل افراد فريق التصوير الذين لم يترددوا لحظة واحدة في المغامرة والدخول بواسطة السكة المعلّقة الى اعماق المنجم …

بعد اتمام التصوير شرعت وزميلي التقني في المونتاح (رضا القلال) في عملية المونتاج والميكساج ..كنا نشتغل بشغف وحماس وحب… وكنا طوال العملية نعيش داخل جلباب العم صالح فيزداد عشقنا لهذا المناضل العظيم ..وانتهى التركيب ووقعت برمجة الحلقة على شاشة التليفزيون لليوم الموعود ..وكانت المؤسسة انذاك تحت اشراف رئيس مدير عام جديد، السيد عبدالحفيظ الهرقام ..ولكن ربّك اراد غير ذلك .. تلك الحلقة بُرمجت ليوم 16 جانفي 1991 .. وهو اليوم الذي اعلنت فيه امريكا وحلفاؤها حرب الخليج الثانية المسماة بعاصفة الصحراء ..والتي ابتدات فجر ذلك اليوم… ومواكبة لذلك الحدث وهذا منطقيّ جدّا قامت ادارة التلفزة يومها بتغييرات جذرية على برمجتها ومثلها حدث في كلّ الاذاعات ..و بالمناسبة لابدّ من الاشادة بتميّز اذاعة صفاقس في مواكبتها للحدث بشكل مثالي حتى انّ بعض الاذاعات العربية وقتها اتخذتها مصدرا موثوقا به وبكلّ ما تقدمه انذاك مصلحة اخبارها ..تحية لكافة الزملاء في تلك المصلحة وتحية خاصة للكبير سي عبدالمجيد شعبان .. اذن اعتبركم تفطنتم الان إلى عدم بث شعاع من الجنوب في حلقته الثانية الخاصة بعمال المناجم وتاجيله لموعد لاحق …

انتهت اوزار الحرب وتحادثت مع المرحوم محمد عبدالكافي حول مواصلة انتاج حلقات اخرى من عدمها من (شعاع من الجنوب) وكان موقفه (وعلاش لا ؟؟ نواصلو) … واخترت موضوع الحلقة الثالثة حول (قابس والتلوّث)… ومدينة قابس انذاك تعتبر اكثر مدينة اجتاحها التلوث في البلاد بفعل المركب الكيميائي بغنوش، والذي اضرّ بالبشر والمياه والشجر .والحجر .. وفعلا قمنا بالتصوير لمدة ايام ثم المونتاج ثمّ وقع عرض العمل على لجنة الرقابة في التلفزة بالعاصمة (وهي تصير تاكزة من غير فحمة ؟؟)… وللامانة ايضا لجان المراقبة موجودة في كلّ تلفزات العالم دون استثناء… وردوا بالكم تصدقوا ما يقوله الغرب خاصة عن حرية التعبير ..انهم يكذبون ويعرفون انهم يكذبون ويعرفون انّ البعض منا يعرف انهم يكذبون ..وابدت اللجنة موافقتها شريطة ان تقع تدخيلات على الشريط حتى يقلل من سواد محتواه وقتامته وذلك بادماج بعض اللوحات الايجابية من تطوّر ونموّ في مدينة قابس .. وعلى مضض قبلت بالمقترح وعدنا لقابس لتصوير بعض ما طُلب منّي دون اشادة بزمن التغيير ومزاياه .. وقمت باعادة المونتاج…

وللامانة ما اضفته من لوحات ايجابية لم يتجاوز الخمسة في المائة من مدة ولون الشريط الذي وصفوه بالقاتم … والنتيجة انه وقع قبر الشريط الخاص بقابس ..بل لم تقف عملية القبر هذه لتلك الحلقة الخاصة بقابس فقط، بل وبكلّ الم الدنيا وقع قبر حلقة المناجم بالمظيلة وقُبر مشروع (شعاع من الجنوب) برمّته دون ايّ تفسير .._ يخخي شكونو ولد قطاطة باش نفسرولو ..تي يشرب والا يطيّر قرنو .. هكذا بدات علاقتي مع التلفزة التونسية كمنتج وكمخرج ولكن ليس معنى هذا انها انتهت .. ابدا ..لكن الذي انتهى اليوم هو الورقة 91…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

سوريا: تعددت الأهداف والجبهات… والمؤامرة واحدة

نشرت

في

محمد الزمزاري:

بعد هدوء نسبي دام بضع سنوات، تحركت مؤخرا طوابير الإرهابيين بمختلف انواعهم ومشاربهم… وليس من الصدف ان يتحرك معهم في وقت واحد مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

لعل المحلل اليوم لا يفرق بين جبهة النصرة الإرهابية وبين معارضة تقودها جهات لا تقل خطورة عن الإرهابيين… فبعض فصائل الإرهابيين يقودها النظام التركي لا سيما في أطراف مدينة حماه…وهناك فصائل مدعومة ومسلحة ومدربة على يد الجيش الأمريكي الذي يقبع على جزء من خارطة سوريا تحت ذريعة كرة لهب هو من أججها ودفع بها إلى اتون الحرب بسوريا… للروس والإيرانيين أيضا موضع أقدام على الجسم السوري…

كذلك عدد من العصابات ترتع تحت إمرة الموساد الصهيوني الذي يضرب على ثلاث جبهات متماسكة ومتوازية: الإرهابيين عن طريق دعمهم بالتعاون مع الامريكان من جهة، والأكراد الذين يحاولون الوقوف في وجه الإرهابيين وكسب انفصال لاقليم قادم تقوده الجهات الصهيونية والأمريكية بالاسلحة والدعم اللوجستي و الاعلامي… أما الجزء الأهم في مخطط الكيان الصهيوني فهو مواصلة تركيع الدولة السورية وضرب مسالك تحالفها مع إيران لقطع طريق إمداد الأسلحة (التي تتوجس منها اسرائيل) نحو حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الكامنة أيضا بلبنان…

ليس غريبا ان تشتعل نار المواجهات ضد الشعب السوري في هذه الفترة التي قد تحقق هدوءا محتملا في إطار اتفاق مخترق يوميا من الكيان الصهيوني …وراء كل فصيل جهته الداعمة ولكل جهة أهدافها الإرهابية التي لاتقل عن فظائع الإرهاب الذي عرفته افغانستان… فتركيا بذريعة مقاومة الأكراد تنهش في التراب السوري، واسرائيل تمارس نازيتها واحلام توسعها مستغلة مشاكل سوريا الداخلية… والامريكان رابضون على الأرض بقواعدهم واسلحتهمم لحماية ارهاب صنعوه… والروس و الايرانيون يبغون افتكاك موطىء قدم لحماية مصالحهم الاستراتيجية ودعم النظام السوري مقابل ذلك.

وليس صدفة أيضا أن تتصاعد الأحداث فجأة بهذه الكثافة بعد ضرب ذراعين من أذرعة “محور الممانعة” والمتمثلين في المقاومة الفلسطينية أولا عبر تدمير شيه شامل لغزة في اتجاه إعادة استيطانها … وثانيا المقاومة اللبنانية في اتجاه احتلال الجنوب وفرض وشيك للتطبيع على الحكومة اللبنانية… وها أن المرحلة الثالثة من المخطط تتجه نحو دمشق كآخر القلاع العربية الرسمية المتمنّعة على برنامج الشرق الأوسط الجديد… وكآخر خيمة يتظلل بها المقاومون المطلوبة رؤوسهم من التحالف الإمبريالي الصهيوني…

ولكن هذه المرة لم يكن ذلك بوسائل جيش الكيان المباشرة، بل بخلايا الإرهابيين النائمة منذ 2011 والملتحفة باطلا بلحاف الدين أو الحرية أو الديمقراطية وغير ذلك من الشعارات… ولو أن طيران العدوّ ما انفك يعتدي على المدن السورية طيلة هذه السنوات، وخاصة في الأشهر الأخيرة… كما أن أدلة عديدة أثبتت تواطؤ الجماعات المتأسلمة مع الكيان الغاصب، ليس أقلها التكفل بعلاج جرحاها داخل المستشفيات الإسرائيلية طوال عملياتها الإجرامية هذه السنوات، في كل من سوريا والعراق الشقيقين…

إن انفجار بؤر الإرهاب مجددا وتحقيق بعض المكتسبات الميدانية بمدينة حلب التي تعد ثاني اهم مدينة سورية واول مدينة اقتصادية تتصارع لاحتلالها كل القوى… من معارضة عميلة لتركيا او فصائل إرهابية ستدور فيها او حولها اهم المواجهات… ولن تكون الا بسحق فلول العملاء والإرهابيين المستثمرين في أوجاع الشعب السوري الذي أصبح مستهدفا من الأشقاء والأعداء مجتمعين او مفترقين…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 93

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

علاقتي زمنيا بالتلفزة كمخرج لم تمنعني من حضوري اذاعيا امام المصدح العشق … وللعشق احكام لا تخضع لمنطق العقل… هذا يعني اني واصلت علاقتي بالمصدح العشق… وهو ما احدث اشكالا اداريا في كيفية التعامل ماديا في هذه الحالة…

عبد الكريم قطاطة

دعوني افسّر لكم كيف تتم معاملة الموظف في الاذاعة والتلفزيون… ايّ موظف وكسائر الموظفين وفي ايّ قطاع… له راتب شهري يتناسب وشهائده العلمية ..مع اضافة بعض المنح كمنحة الانتاج لكل الموظفين ومنحة المسؤولية لكلّ من تقلّد مسؤولية ما… لكن وفي صورة قيام الموظف بمهام اخرى خارج اختصاصه تتعامل المؤسسة بمنظومة عقود انتاج… مثلا عندما يكون الموظف مخرجا كحالتي او مهندس او او او ويقوم بانتاج برنامج ما، يصبح من حقه الحصول على عقد انتاج مكافأة على انتاجه… بالنسبة لي وعندما كنت اقوم بعملي الوظيفي كمخرج كنت وبشكل مواز اقوم بانتاج وتنشيط بعض البرامج الاذاعية كمواعيد ومساء السبت واصدقاء الليل…

عندما طالبت ادارة اذاعة صفاقس بتفعيل قانون عقود الانتاج… انذاك كان مدير اذاعة صفاقس المرحوم النوري العفاس وكان وللامانة مقتنعا بحقوقي وبحقوق بعض الزملاء امثالي… خاصة انّ الزملاء في الاذاعة الوطنية كنجيب الخطاب وصالح جغام رحمهما الله كانا يتمتعان بعقود انتاج… ووعدني السيد النوري العفاس بمراسلة الادارة العامة لتمكيننا من حقوقنا… فقط طلب منّي (شوية وقت) حتى يُنهي الامر… وفعلا كان الامر كذلك ..لكنّ (هالشوية بطا) … وبرشة زادة… وقتها عاد عبدالكريم المشوم خرج من القمقم متاعو… اعلنت التمرّد وهمست لاخرين للتمرّد معي (عبدالجليل بن عبد الله وكمال بوخضير)… وقرر ثلاثتنا الانسحاب من برامجنا الاذاعية…

وطبعا الصحف وكعادتها تهتم جدا بمثل هذه الاخبار… بعضهم بتعاطف صادق معنا واغلبهم تلك الاخبار وحسب تعبيرهم (تبيع) اي تجد قراء لشراء صحفهم .. حيث كتبت “الصدى” انذاك والبنط العريض (لهذه الاسباب توقف برنامج اصدقاء الليل) في 19 ـ 2 ـ 91 … وفي نفس الجريدة وبتاريخ 5 ـ 3 ـ 91 مقال بعنوان (ويتواصل الانسحاب)… وفي “الصباح” مقال بعنوان (متى يعود منشطو اذاعة صفاقس؟) 16 _ 3 _ 91 … وفي جريدة الصدى مقال بعنوان (انسحاب بسبب العقود) 30 ـ 7 ـ 91 … لكنني في المقابل تطوعت مع زميلي عبدالجليل وثلة من براعم مجموعة شمس لاعداد وتنشيط عيد ميلاد اذاعة صفاقس في الذكرى الثلاثين لتاسيسها 8 ديسمبر 1991 وعلى امتداد 14 ساعة ..نعم … على خاطر عين تتذارى ميات عين ..

ومما زاد الطين بلّة انه ورغم توقفي عن الانتاج وكما جرت العادة في جريدة البيان في استفتائها السنوى عن دنيا الاعلام، يحوز هاكة المشاغب اللي هو انا على جائزة افضل منشط …البيان 30 _ 12 _ 91… ونفس النتائج بجريدة الصحافة 31 ، 12 ـ 91 … ونفس النتائج بجريدة الصباح 15 ـ 1 ـ 92… وتواصل الامر على حاله دون حلحلة لمشكلة عقود الانتاج حتى شهر جوان 92… حيث كتبت الصدى مقالا بشكل استفهامي و بعنوان (عبدالكريم قطاطة يغتزل العمل الاذاعي؟) الصدى 20 ـ 6 ـ 92 … وكما عادة المسؤولين الاوائل على راس مؤسسة الاذاعة والتلفزة، يقلقون جدا من الاخبار السيئة التي تتناول المؤسسة، فكان التدخل من رئيسها انذاك السيد عبدالحفيظ الهرقام ..دعاني للحضور بمكتبه في المؤسسة الام ..وفعلا كان اللقاء معه ..

استقبلني بكثير من الجدية واللوم ايضا ..وكان مختصرا جدا في بداية لقائه معي ويمكن اختزال ما قال: (اما كان من الاجدر ان تكلمني في الاشكال عوض اللجوء الى الصحف والجرائد؟)… استاذنته في طرح المشكل بكلّ حيثياته واذن لي بالحديث ..كان مستمعا جيّدا للغاية ..حدثته عن كل مشاكل الاذاعة الجهوية وعن مشاكل عقود الانتاج طبعا ..اندهش جدا من الامر ووعدني بحلّ الاشكال وبالسرعة القصوى… ورجاني في خاتمة اللقاء بان يكون ما حدث في حواري معه داخلا في خانة الكتمان… ووعدني بزيارة في اقرب الاجال للاطلاع عن كثب عما تعيشه اذاعتنا الجهوية من مشاكل ومشاغل ..ووفى الحرّ بما وعد ..سبتمبر 93 …

وان انسى شيئا فلن انسى اني فوجئت صباح ذات يوم بالزميل المكلف بالاستقبال، يعلمني انّ الرئيس المدير العام حلّ باذاعة صفاقس هذا الصباح وانّه مجتمع بالموظفين والاطارات باستوديو التلفزة ..وماكدت الج باب الاستوديو حتى لمحني السيد عبدالحفيظ الهرقام وجاء لاستقبالي ..اخجلني فعلا بتلك الحركة والتي كانت مقصودة منه للتعبير عن تقديره لي والتعاطف معي ..وكان العديد من الاطارات تحت صدمة… وبّهت الذي كفر _ والبعض منهم كان يتساءل في داخله (تي اشنوة هالمخلوق ؟ يخخي عندو سبعة ارواح ؟؟ كل مرة يخرج مظفّرا من مشاكله التي لا تنتهي) ..

اختم بالقول شكرا سي عبدالحفيظ على الدعم وعلى الفعل خاصة لانه فعّل قانون عقود الانتاج… ولانه خاصة قام بتحويرات في المسؤوليات والمسؤولين والله شاهد انه ليس من اجل سواد عينيّ بل من اجل مصلحة المؤسسة .. وحتى مجلّة الاذاعة التي تتبع في خط تحريرها للمؤسسة، بادرت بنشر مقال عن عودتي للتنشيط الاذاعي 24 ـ 6 ـ 93… وكان بعنوان (بعد سنة من التأمل سيعود عبدالكريم قطاطة لجمهور المستمعين) ..سنة تامّلا يا كاتب المقال ؟؟ اتفهّم جدا العنوان… الم اقل لكم انّ المجلّة تخضع لخط تحرير المؤسسة ..؟؟

للتاريخ بدات افكّر في مشروع برنامج يحمل اسم اذاعة بالالوان حت ىكُتب له ان يخرج للنور ويكون اخر برنامج انتجته ونشطته في اذاعة صفافس …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 92

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …

عبد الكريم قطاطة

حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…

العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…

وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….

نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …

ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….

تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …

قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …

التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …

تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار