تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 95

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

بعض المدن نزورها ونسكنها مرّة واحدة في العمر … ولكنّها تسكننا العمر كلّه … كما وعدتكم ساخصص هذه الورقة لدمشق لانها تستحق وعن جدارة …

عبد الكريم قطاطة

زيارتي لدمشق الفيحاء او مدينة الياسمين كانت سنة 1996 … كان ذلك اثر اختياري من مؤسسة التلفزة التونسية لامثّل بلدي في دورة تكوينية حول اخراج البرامج والمباريات الرياضية، يشرف عليها الاتحاد العربي للاذاعة والتليفزيون بفرعه في دمشق… كنت سعيدا جدا بهذا التعيين ومشتاقا لدمشق بالذات كواحدة من اقدم العواصم في التاريخ وخاصة كحضن لتاريخ عربي يضجّ بالاحداث… لعلّ ابرزها حين كانت عاصمة للامويين …

عندما نزلت في مطار دمشق اوّل ما لفت انتباهي طريقة حوار السوريين بين بعضهم البعض … كنت مستغربا جدا من علوّ أصواتهم وكان يُخيّل لي انهم في خصام دائم… ثمّ اكتشفت فيما بعد انهم هكذا… ولتقريب الصورة لكم هل تذكرون مسلسل باب الحارة ؟؟ انهم تماما كما في باب الحارة… المشهد الثاني الذي اثار اهتمامي شكل البناءات في دمشق… دمشق حافظت على طابعها المعماري القديم… قليلة هي البناءات من طراز ناطحات السحاب بل لا اذكر انّي رايت واحدة منها… هي كتونس العاصمة او سوسة او صفاقس داخل الاسوار… لكن دمشق هي كما هي داخل الاسوار او خارجها … المنازل الدمشقية تشبه كثيرا منازلنا وابراجنا القديمة… هي غير مغطاة ومزدانة بغراسات الازهار المتسلقة للحيطان داخلها ومن بينها الياسمين …

في المطار استقبلتني السيارة التابعة للاتحاد العربي للاذاعة والتليفزيون واوصلتني الى نزل في قلب دمشق… وقال لي الاخ السوري هذا هو النزل الذي بتعامل معه الاتحاد العربي ولكنك لست مجبرا على السكنى فيه ..وغدا سآتيك صباحا لاخذك لمكان التدرب … النزل كان من نوع النزل القديمة عندنا في المدينة العتيقة ..متواضع للغاية ولكنّه مريح … دمشق تتوسطها ساحة اسمها ساحة المرجة… وفيها عديد المتاجر وعديد المطاعم… وما يكاد الواحد يخطو بعض الخطوات حتى تملأ انفه رائحة لم اعرفها في البداية… ولكن لاني متعود ان اسال عن كل ما اراه او اسمعه او ما اشمّه اكتشفت انّ السوريين لا يستعملون الا السمن في اطعمتهم عوضا عن الزيت… واكتشفت ايضا انّ الزبون في ايّ مطعم يطلب ما لذّ وطاب وباثمان زهيدة للغاية…

ثمّ اكتشفت فيما بعد بالنسبة لنا كزوار ان كل شيء زهيد الثمن بما في ذلك الذهب والجواهر، وكم هو الفستق السوري مثلا مدهش اولا من حيث الحجم، تقولشي كعبة فول… ومن حيث الثمن… وحتى اقرّب لكم الامر يثمن مائة غرام فستق في تونس يمكن لك شراء كيلوغرام … لكن بالنسبة للسوري عموما فانّه لا يقدر على التمتّع بعديد الاشياء في حياته نظرا لدخله الشهري المتواضع جدا… لكن مقابل ذلك كان النظام السوري يقوم بدعم كل المواطنين دون استثناء في ثلاثة مرافق… الكهرباء والهاتف والماء… هذه المرافق كانت مجانية بالنسبة للمواطن السوري (زيدو قولو آل بشّار مشومين)… خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار موقع سوريا كبلد مجاور لاسرائيل، والميزانية المخصصة لوزارة الدفاع السورية ..

لكن وللامانة العلمية نظام بشار كان نظام مخابرات بامتياز … حيث بين البوليس السرّي والبوليس السرّي نجد بوليسا سرّيا… هذا الواقع عشته عندما كان معنا في التدورة التدريبية احد السوريين… نشأت بيني وبينه علاقة ود حميمة وكان يجيب عن اسئلتي دون خوف او وجل… ولكن ومنذ الايام الاولى حذّرني من امر هام… اسرّ لي بانه يمكن ان اعيش بامن وامان اذا الجمت لساني عن الحديث في السياسة… هذا اولا وثانيا طلب منّي بكلّ ودّ ان لا اتجاذب معه في حضور سوري اخر اطراف الحديث عن السياسة … مما اثار دهشتي ايضا في دمشق ميزة ما وجدتها الا في المدينة المنورة… السوري تاجر جميل وذكي جدا… يستقبلك اينما كنت في سوق الحميدية مثلا (وهو اشهر اسواق دمشق) بالمرحبا وعالسلامة ويودعك بنفس الحرارة حتى ولو انزلت كلّ بضاعة دكانه ولم تشتر شيئا …

لم تتجاوز اقامتي بالنزل اكثر من يومين حيث اقترح عليّ بعض الاشقاء العرب مشاركتهم السكنى في المنزل الذي اكتروه للغرض … وقبلت وبكل ترحاب لانّ ثمن ليلة واحدة في النزل يساوي ثمن اسبوع كامل مع الاشقاء .. لكنّ الامر لم يدم طويلا ..لسببين… اولهما هو انني واثناء درس تطبيقي في الدورة عبرت عن اعجابي بما قدمه شقيق كويتي ..وهو ما اثار حفيظة وقلق بعض الاشقاء خاصة من الاردن واليمن… اي نعم كيف لي ان امدح عمل كويتي ؟؟ ارتأوا في الامر غرابة… الكويتي بالنسبة لهم “نذل من انذال العرب” اذن من العيب ان نمتدح ما يقدّم من اعمال .. نعم وانا كنت ومازلت ارفض مثل هذه المواقف ..وللامانة لي ولحدّ الان من الاصدقاء من يقلقون اذا تحدثت عن شخص لا يرون فيه الا الجانب الاسود … ربي يشفيهم ..

السبب الثاني الذي جعلني اغيّر موقع اقامتي، اتّصال احد مستمعيّ بي وهو مقيم كطالب في دمشق ليعرض عليّ السكنى بمنزله الذي يتسوغه مع تونسي اخر… هذا الصديق هو زميلي الان فيصل القاسمي… ورفض هذا الزميل وصديقه ان اقاسمهما ثمن إيجار المنزل… اي اتممت مشوار اقامتي ضيفا بينهما… شكرا فيصل وشكرا لصديقه الذي ابى الا ان يتحوّل معي الى المطار يوم عودتي من دمشق… يومها الديوانة السورية وكضريبة عن وزن المحمولات التي عندي، طالبتني بدفع مائة دولار… ولم يكن وقتها بمقدوري ذلك… تقدّم هذا الصديق وسدّد المبلغ وقبلت الامر شريطة ان اعيده الى احد افراد عائلته في تونس وكان ذلك…

دمشق هي مدينة تفوح بتاريخها وبمعالم تاريخها… ففيها ضريح صلاح الدين الايوبي بطل تحرير القدس وكيف لا ازوره والثم ضريحه… خاصة في زمننا هذا الذي قلّ فيها الرجال الابطال… وفيها الجامع الاموي الذي بناه عبد الملك بن مروان… هذا الجامع اكتشفته واكتشفت عظمته ليلا عندما دعاني صديقي السوري لقضاء سهرة باحد ملاهي دمشق … مكان ذلك الملهى كان بضاحية من ضواحي دمشق (هضبة قاسيون) والتي يقال عنها انها كانت مهبط ادم على الارض… طريقها جبلي تشبه لحد كبير الطريق الجبلية الرابطة بين اميلكار وسيدي بوسعيد… وهذه الطريق تُسمى شارع العشاق… وهو اسم على مسمّى… نعم هنالك “يتكوبل” السويرون لكي يهضموا ما اكلوه في عشائهم… او لكي ينعموا باطباق لذيذة من اطعمة العشق… وكل كوبل لاهي في نوّارو… وعلى عينك يا بنّاني… لو راتهم احدى جداتنا او امهاتنا لقلن عنهم (وفات الحشمة والجعرة اللطف)… الحشمة افهمها اما (الجعرة) فتبقى عندي كلمة مبهمة …

الملهى الدمشقي وكسائر الملاهي غربّية كانت ام عربيّة بما في ذلك الموجودة في مكة هذه الأيام… فيها ايضا ما لذّ وطاب من الاطعمة والمشروبات البريئة وغير البريئة وفيه ايضا العديد من المؤنسات… على شاكلة اخت سعيد صالح في العيال كبرت واللي تفتح للزبائن… لكن ما لفت انتباهي عند وصولي مع الصديق السوري ان حرّاس الملهى قاموا بالتحيّة العسكرية لهذا الصديق السوري ثمّ وبعد انقضاء السهرة لم ندفع لو ليرة واحدة سورية … وعندما نظرت اليه فهم انني عرفت من هو وابتسم كلانا لصاحبه دون كلمة واحدة… اي نعم هو كان احد اعوان المخابرات الذي رافقنا على امتداد الـ 21 يوما التي قضيتها في دمشق …

دمشق عشتها بكلّ عشق ..لانّها مدينة تتعلّق بك ربما اكثر مما تتعلّق بها… عانت الكثير عبر تاريخها ويبدو انّ قدرها المعاناة الدائمة… تذكّروا فقط ما فعله الدواعش فيها وبها ايّام كذبة الربيع العربي… قد نتفق مع آل الأسد او نختلف ولكن وتلك هي قناعتي… لو كان من يحكمها اثناء كذبة الربيع العربي عمر بن عبد العزيز لحدث لها ما حدث مع بشار…

23 اوت 2024

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

نحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

نشرت

في

محمد الأطرش:

اليوم هو ذكرى شرارة الثورة الوطنية الحقّ… الثورة التي أهدتنا الاستقلال: ثورة الثامن عشر من جانفي 1952…

تلك الثورة التي نسيناها في زحمة موجة الحقد والكراهية التي طغت على أغلب سكان هذا البلد وجعلتهم يبحثون عن مسح كل ما صنعه أجدادنا وأهلنا من أجلنا… لا أحد يمكنه أن ينكر على من قدموا أنفسهم فداء للوطن لنعيش بعدهم أحرارا في وطننا، تضحياتهم ووطنيتهم… أقول لا أحد يمكنه أن ينكر على آبائنا وأجدادنا ما فعلوه من اجل هذا الشعب، وحده الحاقد على كل شيء قديم والذي يرى أن كل شيء دونه لا شيء… ينكر ذلك ويرفض الاعتراف به… لذلك علينا أن نشكر كل جيل وكل عهد ومرحلة عاشها شعب هذه البلاد فلكل مرحلة دروسها ولكل مرحلة فشلها ونجاحاتها وزلاتها وذكراها وبانيها وصانعها وظالمها ومظلومها وسجانها وجلادها ومستبدها وعادلها وفاسدها وحاميها و”حراميها”…

علينا جميعا نحن من لا نزال نذكر ما عاشته هذه البلاد أن نراجع أنفسنا… ونراجع بعض احكامنا… وأقوالنا وشهاداتنا… فلسنا من الملائكة ولا أحد منّا معصوم من الخطأ… فجميعنا أخطأ في حق جميعنا أو بعضنا… وجميعنا ظلم بعضنا أو بعض بعضنا… وجميعنا استبد على الآخر… وجميعنا سرق عرق ومجهود الآخر… وجميعنا رفض الحقّ للآخر… وجميعنا رفض الآخر وأقصى بعض الآخر… وعلينا اليوم قبل ان نغرق في موروث صنعناه بأحقادنا وسنتركه فتنة غدا لأبنائنا، أن نقتنع أن المراجعات والاعتراف بالخطأ ليست ضعفا ولا يمكن اعتبارها هزيمة بل هي في خلاصة القول عودة إلى العقل… وصحوة ضمير… فجميعنا شئنا أم أبينا أخطأنا من بورقيبة ورفاقه، وصولا إلى لحظتنا هذه من ساعتنا هذه من يومنا هذا من شهرنا هذا من عامنا هذا… لا احد معصوم من الخطأ ولا أحد كتب اسمه في قائمة الملائكة ولا أحد يمكنه أن يفاخر بأنه أجدر واقدر واشرف من غيره…

أربعة عشر سنة مرّت منذ أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك خالها بعضنا ورودا من ربيع سيُنْسي العرب كل العرب صيفهم الحار وشتاءهم القارس وخريفهم الذي تساقطت فيه كل أوراق اشجارهم… نعم أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك جرحت أيادينا حين احتضنّاها فرحا وطعنتنا بخناجر أشواكها من قرطاج إلى دمشق مرورا بطرابلس والقاهرة وصنعاء حين ائتمنّاها على أنفسنا ومصيرنا ومستقبل أبنائنا… باقة أشواك خلناها فرحا فأوجعتنا وأيقظت قابيل الذي يسكننا وأبكت مرّة أخرى هابيل الذي لا يزال بعضنا يلاحقه ليقتله مرّة ومرّات… ومنذ ذلك اليوم ونحن نقرأ الدرس تلو الآخر… ونعيش الوجع تلو الوجع…

بعضهم قرأ الدرس جيدا… وبعضنا يرفض ولا يريد ان يقرأ عمق الأشياء وخلاصة الدرس ومعانيه… وبعضنا قفز على اللحظة وخرج علينا فاتحا شاهرا سيفه صارخا مولولا “أنا ربكم الأعلى ودوني أنتم الأخسرون”… وإلى يومنا هذا يواصل بعضنا ايهامنا أنهم أقدر ممن سبقهم… وأنهم أشرف ممن حكم قبلهم… وانهم أجدر ممن ينافسهم…وأن الجميع أهل فساد وأنهم “الواحد الأحد” الذي لا يمكن ان يضاهيه احد ولا أن ينافسه احد… هكذا نحن… وهكذا غرقنا في بئر تعنتنا ورفضنا لبعضنا البعض… وعدم اعترافنا بأننا لسنا من الملائكة وأن خصومنا ومنافسينا والآخر ليسوا أعداء لنا وليسوا حتما من الشياطين…

لذلك أقول إنه حان الوقت لنعلن على الملأ وامام الجميع وعلى مسمعهم جميعا أن هذه المرحلة تتطلب منّا جميعا واعي ما أقول جميعا، ولا استثني أحدا… أقول وأكرّر، تتطلّب منّا مراجعة كاملة لما عشناه وما أخطأنا فيها وما فعلناه… علينا ان نعترف جميعا بما اتيناه من خير… ونعترف جميعا بما فعلناه من سوء… فمن نحن حتى لا نقول أننا أخطأنا في أمر ما؟… أخطأنا في قراءة الدرس… وفي قراءة التاريخ… اخطأنا في حق بعضنا البعض… اخطأنا في تاريخ البعض… أخطأنا في حكم البلاد…

من نحن حتى لا نعترف بأننا ظلمنا… وبأننا أقصينا بعضنا البعض… وأننا رفضنا الآخر وبعض الآخر… من نحن حتى لا نقول ونعترف بأن ما اتيناه يمكن اعتباره استبدادا… وظلما… وانتقاما… علينا ان نترك “الجبن” جانبا… فمن الشجاعة أن نراجع ما أخطأنا فيه… ومن الشجاعة أن نعترف بحق البعض علينا… ونعترف باننا أسأنا قراءة التاريخ وما يعنيه… والأحداث وما تستدعيه… ومن حقّ الوطن علينا، والشعب والأجيال القادمة أن نراجع بعض ما أخطأنا فيه … وما اسأنا فيه… كما وجب أيضا أن نفاخر بما نجحنا فيه… وما تميزنا فيه… وما يمكن ان نكبر به…

لذلك وأكثر من ذلك علينا ولأول مرّة شكر هذه المرحلة من يوم تلقينا باقة أشواك العمّ سام التي طعنتنا من قرطاج إلى دمشق… إلى يومنا هذا وجراحنا تنزف حقدا وكراهية وسوء تسيير وضعف تدبير… فأنا اليوم اقولها عاليا شكرا للعمّ سام فلولاه لما عرفنا حجمنا الحقيقي ولما عرفنا حجم العملاء والخونة في هذه الأمة… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما كشفنا وجوهنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض… فجميعنا طعن جميعنا وجميعنا ظلم جميعنا وجميعنا يحقد على جميعنا وجميعنا يحسد جميعنا وجميعنا يتآمر على جميعنا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أن بعض هذا الشعب مريض ولا يحتاج إلى أسباب ليحقد ويكره بعضه الآخر…

شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا حجم الفساد الذي يعيشه العرب من المحيط إلى الخليج مرورا بالخاصرة وأفخاذ العرب ومؤخرتهم ايضا… شكرا للعمّ سام ولباقة اشواكه التي أيقظتنا من سباتنا فعرفنا من الظالم ومن المظلوم… من الوطني ومن الخائن… من المستبد ومن العادل والديمقراطي… شكرا للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاه لما عرفنا أن العرب كل العرب يبدعون في صناعة جلاديهم ويعشقون الضرب على قفاهم… شكر للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاها لما عرفنا أن بعضنا لا يمكن ان يعترف بك ويحبك ولا يقبل بك أبدا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أننا شعوب أصابها الجهل في مقتل… واننا شعوب تفكّر بنصفها الأسفل… وأننا أشدّاء على بعضنا رحماء على الآخرين…

أخيرا أقول… شكرا للعمّ سام وعائلته وأصهاره ومن يخدمونه من الخونة والعملاء وباعة الأوطان… فلولا باقة أشواكه لما أيقنت أن الحقّ وإن طال سباته لا بدّ أن يستيقظ يوما على أنين حَمَلَتهِ، وأنّ الإنسان مهما عاش على ظهر الأرض فمصيره في بطنها… وكفاك حقدا وكرها وقتلا يا قابيل … فنحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 102

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …

عبد الكريم قطاطة

منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …

وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:

وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …

وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟

سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..

سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…

اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…

صفاقس في 20 نوفمبر 2001

ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…

هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..

وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…

وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…

إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.

أكمل القراءة

صن نار