دُمّـنار

يوم نحرني “سيدي بنادم” !!

نشرت

في

كل الذين اوجعوني لم أزل احبهم…لا فض فوك صديقي الشاعر عبد الرؤوف بو فتح…هذه المفردات مازالت تزرع بقلبي بذور المحبة للآخرين…ومازلت اعيد للحديقة دهشتها ورونقها رغم نعيق الغربان الذين حلقوا في سماء تجلياتي وابداعاتي…

<strong>رضا العوادي<strong>

هم الآن لا شكّ مستاؤون من هذه المذكرات خوف أن تعريهم وتكشف عوراتهم …و لكن هذه مذكراتي و هذا رأيي الذي تشاركني فيه روحي وفؤادي ونفسي وقلبي وعقلي وحواسي الخمس … اصدع به و انا في اشد الحزن على الماضي، و في قمة الكآبة بالذي اعيشه الآن في زمن متقلب مداهن منافق لا يحترم فيه كل فنان صادق ومبدع عاشق لإبداعاته… دعنى من هذا و لنعد للحديث عن مظلمة اخرى لن تطهرها مياه الدنيا ولن تغسل ذنوب من اقترفها في حقي مادمت على قيد الحياة…

ذات سنة..شاركت في أوبيريت ” زهات الأيام ” للمخرج المرحوم عبد المجيد الأكحل..انتاج محمد قمش و جمعية المنار المسرحي تونس…هذا العمل كان مقررا تقديمه للزعيم الحبيب بورقيبة وجمع عديد النجوم الركحية انذاك اذكر فرحات الجديدي…منية الورتاني…بلقاسم بن يدر…والعبد لله..ومجموعة شابة من الهواة والمعهد العالي للفنون الدرامية…العرض الاول قدمناه بحضور بشير بن سلامة وزير الثقافة انذاك وزبير التركي و منصف السويسي وعمار الخليفي وبعض الاطارات الثقافية والامنية طبعا…بعد انتهاء العرض وتحت تصفيق الحضور دعاني الوزير وشكرني على ما قدمته في دور الجرحار..و هنا استغل المخرج السينمائي عمار الخليفي الفرصة ليطلب منه رخصة ثقافية طويلة مدفوعة الاجر لمشاركتي معه فيلم ( التحدي) ..هذا الشريط الذي سوف نعود اليه ونكتشف معا بعض الطرائف والاحداث الضاحكة منها والمهمة فنيا…

كان حوار الوزير والمخرج بمراقبة الفنان منصف السويسي مدير المسرح الوطني الذي اقترح على السيد بن سلامة انضمامي للمسرح الوطني في شكل إلحاق من وزارة الثقافة التي اشتغل بها …فطلب الوزير مني ان اتقدم بمطلب في الغرض وفعلا كان له ذلك…

لكن تجري الرياح …جاءني الجواب بالرفض وممّن؟ من منصف السويسي الذي كان صاحب الفكرة و كنت اعتقد انه فنان استاذ يحترم تلاميذه و يحترم قبل ذلك نفسه ..كنت اعتقد انه متيم بعشق الخشبة و عملاقا عظيم الروح فنا وأخلاقا … لكن للأسف اكتشفت أنني كنت مخدوعا فيه، فالرجل لم يكن نقيا في علاقته مع المسرحيين و لا صاحب له …على كل حال دخلت عليه بالمكتب الكائن بزنقة الحديبية حذو جريدة الاخبار….واستفسرته عن مآل المطلب وانضمامي للمسرح الوطني…وبعد حديثه الوهمي وكلماته الخشبية…ارسلني الى المخرج منجي بن ابراهيم المنهمك في انجاز مسرحية “انا الحادثة”و فيها عدد من كبار مسرحنا ..

بن ابراهيم لما اعلمته باني مرسل من السويسي انتابه شيء من الذهول وبكل ادب وبابتسامته المعهودة قال لي سوف يتحدث معه ويعلمني بما جرى…عندها تأكدت انها لعبة سخيفة دنيئة اقترفها منصف السويسي في حقي…وفعلا بعد اسبوع تقريبا جاءني الرد المؤلم والمحزن بالرفض هذه المرة مباشرة من المنصف ـ الله يرحمه ويغفر له ـ الذي قال إنه أعجب بأدائي في الاوبريت و….و……

لقد نحرني ذلك اليوم، الاستاذ المنصف السويسي الذي كنت أراه مثلي الأعلى وتاج خلوتي منذ كنت اتابع تمارينه على مسرحية الهاني بودربالة…وكنت ومازلت اعشق اعماله المسرحية من اليف لا شيء عليه….الى الزنج…الحلاج..الزير سالم…عطشان يا صبايا.. سيدي بنادم (التي قام ببطولتها عن قصة الحكيم “إيزوب”) … هالو لندن … يا قدساه، في اطار اتحاد الممثلين العرب بالقاهرة ….

لكن يبدو ان الذي يؤلمك ليس بالضرورة ما يؤلم الآخرين..المؤلم حقا ان تضحك بصوت مرتفع كي تخفي صوت انينك وبكائك و ان ترتدي قناع الفرح كي تخفي ملامح وجهك الحقيقي…وبداخلك احساس بالتعاسة والخذلان المسبق له…المؤلم ان يتغير الذين من حولك فجأة بلا مقدمات تؤهلك نفسيا لتتقبل الأمر…وان تطرح على نفسك اسئلة لا تملك قدرة الاجابة عنها..

اخيرا ان المحزن والمبكي ان تفني نصف عمرك بزراعة الورد في طريقهم … وتفني نصف عمرك الآخر تتجنب اشواكهم التي زرعوها في طريقك أنت…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version