_ كلنا نعرف عبارة أثرياء الحرب أولئك الذين حققوا ثروات ذاتية على أنقاض أوطانهم و مواطنيهم أولئك الذين تاجروا في القمح و الخبز و تهريب السلع الغذائية و حتى في تهريب البشر… ثم ظهر أثرياء الثورات و لنا في تونس ممن تمعشوا من الثورة خير مثال فانتفخت كروشهم و حساباتهم و اشترَوْا العقارات و سكنوا القصور و ركبوا أفخم السيارات التي لم يكونوا يحلمون بركوبها لو لم يركبوا ظهر الثورة. أما اليوم فالأثرياء الجدد هم أثرياء الوباء، أثرياء الكورونا.
ففي زمن الكورونا تغيرت المفاهيم و تغير معها سلوك الكثيرين؛ فالكثيرون بحثوا عن استثمار المحنة بتشغيل أموالهم في المنتجات الأكثر طلبا.. و على حد قول العندليب الأسمر ” لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية؟؟” فلو حكينا عن قصة الاستثراء و الاستغلال من أين نبدأ حديثنا هل من قطاع البنوك أم المصحات الخاصة أم المواد الغذائية أم التجهيزات و المعدات الطبية؟؟ و مع إقرارنا بأن هذه الظاهرة ليست حكرا على بلادنا ، _ فالصراع على أشده بين الدول الكبرى من أجل تحقيق أكبر غنم ممكن من هذا الوباء،
فهذه شركات إعلامية و تكنولوجية حققت أرباحا خيالية بعد تطويرها لتطبيقات و منصات في علاقة بالجائحة، و هذه شركات تجارة إلكترونية قد ضاعفت من أرقام معاملاتها نظرا لقدرتها على تطوير الخدمات التي تسديها إلى سكان العالم حيثما كانوا، أما مخابر الأدوية و اللقاحات فتلك حكاية أخرى… تنافس محموم من أجل ترويج ماركات بعينها و لوبيات و ضغوطات سياسية لتفضيل نوع على آخر و رفض للتفويت في براءات الاختراع و السماح لمخابر الأدوية في مختلف دول العالم بتصنيع اللقاح و التسريع في توفيره لإيقاف انتشار العدوى و إشاعات و تبادل للاتهامات بين المختبرات العالمية و من ورائها دولها و حكوماتها _
و مع إقرارنا بأن هذه الظاهرة ليست حكرا على بلادنا فإن الوضع في تونس و هي التي تهمنا بالأساس لا يختلف كثيرا إذ مس الاستثمار في الوباء و المتاجرة في الموت كل المجالات من رغيف الخبز و حتى قبر الميت و كفنه و قد عاينا جميعا في الموجة الأولى أي أثناء الحجر الصحي الشامل في مارس 2020 ظاهرة احتكار التجار للمواد الغذائية المدعمة مثل الفارينة و السميد و الزيت و بيعها بأسعار مضاعفة و لاحظنا التلاعب الذي شاب صفقة صنع الكمامات و ما رافقها من ” تكمبين ” و محاولات بعض الوزراء و النافذين استغلال مواقعهم و علاقاتهم للفوز بالصفقة.
إن المريض في بلادنا و بمجرد أن يشعر بأعراض الوباء يدخل في دوامة من المصاريف و يكون عرضة للاستغلال حيثما توجه، فالتحاليل السريعة مفقودة و إن وُجدت فبسعر أعلى من سعرها الحقيقي بعد أن امتنع أصحاب الصيدليات عن بيعها بالتسعيرة التي حددتها الدولة و تحليل الـpcr ليس في متناول كل الفئات في حين أن بلدانا أخرى توفره بالمجان لسكانها و السكانار لا تعترف به منظومة الكنام لاسترجاع المصاريف، أما الأدوية الخاصة بالكوفيد فأغلبها مفقود و يباع في ” السوق السوداء” أما عن الجال و المعقمات و المواد الطبية فحدث و لا حرج… أسعار ملتهبة لا يقدر عليها “الزوالي بو العيلة” و تكلفه جزءا هاما من ميزانيته المخرومة من الأساس…
و عديدة هي الحكايات التي تصلنا عن عائلات كبلتها الديون لدى المصحات الخاصة من أجل إنقاذ أب أو أم أو ابن من هذا الوباء فانتفخت الفاتورة و لم يشف المريض في كثير من الأحيان… و حتى بعض الممرضين و أعوان الصحة أو الحراسة في المستشفيات استغلوا الوضع من أجل الإثراء السريع فلن تظفر بسرير لقريبك في المستشفى العمومي إلا لو دفعت ” رشوة” لأحد الأعوان، في حين قفزت أسعار التمريض و المتابعة الطبية في البيت إلى أثمان خيالية.
أما إذا توفي المريض فتلك حكاية أخرى فحتى البلديات رفّعت من أسعار القبور و عجزت بعض العائلات عن توفير لوازم المتوفَّى ممّا دفع بإحدى المغنيات المغمورات ( التي تحولت بقدرة قادر إلى داعية دينية ) إلى التكفل بشراء أكفان الموتى.
و قد يكون أكثر المجالات تحقيقا للأرباح اليوم هو مجال كراء مكثفات الأكسيجين بعد أن كادت تُفقَد من السوق و تضاعفت أسعار بيعها للعموم إلى جانب دخول السوق الموازية و ” الكناترية” على الخط، و قد بلغ سعر كراء المكثف من سعة 5 لترات 400 دينار أو أكثر للأسبوع الواحد مع صك ضمان ب3000 دينار. و بلغ ببعضهم الجشع إلى كراء المكثفات بالساعة.. هذا دون أن ننسى من تحصلوا على قوارير الأكسيجين مجانا من الجمعيات الخيرية ثم امتنعوا عن إرجاعها، بل صاروا يتصرفون فيها بالكراء أيضا…
إنّ المواطن بلهفته و خوفه أحيانا و استهتاره و عدم انضباطه أحيانا أخرى هو الذي شجع هؤلاء المتمعشين من الجائحة على استغلاله و إن الدولة بضعفها حتى لا نقول بتواطئها قد سهلت لهم استثمار هذه المحنة لتحقيق الكسب السريع ، فرغم أن من حق الجميع العمل و استغلال الفرص السانحة لجني الأرباح وكسب الأموال ، بل من الضروري تقديم الخدمات للناس و توفير ما يحتاجونه لكن دون استغلال أو احتكار و دون أن يكون الشعار الغالب على معاملاتهم ” مصائب قوم عند قوم فوائد “.