علمتُ أنّ قرارًا تمّ إتخاذه بهدم “نُزلَ البُحيرة” وتعويضه ببناية بها كذا طوابق و كذا أروقة تجارية و كذا من الكلام المنمّق الذي يُقالُ لحشدِ الموافقين و تلجيم المعترضين.. سمعتُ هذا الكلام و أنا أستحضرُ ماقيل في الثمانينات حين بدأت ماكينةُ البزنس تعمل لهدم مبنى البالماريوم و قاعة السينما التاريخية التي يحويها بتعلّة أنّه سيتمّ إنشاء عمارة شاهقة و قاعة سينما عصرية و رواق للفنون… و لكن بعد هدم البناية تبيّن أنّ التعويض اقتصر على مركز تجاري لا روح فيه و لا جماليّة… بحيثُ إنتصرت التجارة و إنهزمت الثقافة في بلدٍ تختفي فيه الفضاءات الثقافية سنةً بعد سنةٍ.
الآن نحن أمام جريمة معماريّة أخرى ستقع و الناس نيام… نزل البُحيرة الذي تم تشييده من قبل المهندس الإيطالي رافاييلي كونتيجاني في 1973 بشكله الهرمي المقلوب الذي يجعله إستثناءً في عالم الهندسة المعماريّة، يُعتبر أحد أجمل معالم العاصمة التونسية و لعلّه أجمل مافي بلادنا من بناءات على الإطلاق ..الأخبار المتواترة تقول إنّ شركة ليبية قد اشترت النزل منذ سنة 2013 (لاحظوا تاريخ الشراء!)، و هي تنوي هدم هذا المعلم و تشييد عمارة شاهقة مكانه و كذا أروقة فنية و كذا أروقة تجارية و كذا من الكلام المنمّق… سبحان الله… هل كُتب علينا أن نطمس كلّ ماهو جميلٌ في بلادنا ونُفرّط في أجمل مبانيها من أجل حفنة دولارات؟
هل يعلم حكّأم تونس في 2020 ماذا ينتظر درّة العاصمة المتروكة؟ هل يسمحُ المجتمع المدني بالتفريط في “السفينة” المنتصبة في قلب العاصمة منذ قرابة خمسين سنة؟ في الدول التي تحترم نفسها ويحترم حكّامُها شعوبهم و تاريخهم، يعملُ المسؤولون على المحافظة على المكاسبِ أيّا كان نوعها و تعزيزها بمزيد البناء و التأسيس و التشييد… بينما في بلادنا المسكينة يسعى البعض – و بكلّ صفاقة وتحت تبريرات حمقاء – إلى طمسِ الأشياء الجميلة المتبقية و إغراق البلد يوما بعد يوم في الرداءة والغباء.. وربّما في الفساد.