أعلاش التونسي رغم تديّنه ومحافظته … ما رامش* النهضة ؟
نشرت
قبل 3 سنوات
في
هذه الورقة لن يكون همّها الأرقام والمؤشرات المسجّلة زمن حكم النهضة أو مستوى التراجع الذي شهدته كل القطاعات دون استثناء، وإنما سيكون موضوعها المزاج النفسي التي تعاطى به التونسي عفويا مع ما بشّر به الإخوان في تونس خاصة إثر فوزهم الانتخابي الساحق في انتخابات 2011 وما آلت إليه الأمور بعد ذلك.
للتاريخ، كان المثقفون المتابعون للزخم الذي أفرزته الثورة الإيرانية والامتداد الشعبي الذي أحرزته الأحزاب الدينية السني منها والشيعي وفوز الفيس الجزائري في انتخابات 90 وتنامي شعارات “الاسلام هو الحل” وانحسار تأثير القوى التقدمية من جهة أخرى… كان المحللون يقولون “على هذه الشعوب أن تجرّب حكم الإخوان… لا مناص من ذلك… هم الأذى الذي لا بدّ منه… إنه معبر إجباري حتى وإن ضيّعنا سنوات ثمينة من تنميتنا ورفاه عيشنا”.
اتضح للتونسيين بعد عشرية زرقاء،
أن الحُكم في قاموسهم ليس تسييرا منهجيا للشأن العام وتصرفا صارما في شؤون الدولة وحَوْكمة دقيقة للبلاد في مختلف تفاصيلها، بل تعاطوا معه باعتباره وسيلة للانتقام من ماض لم يلِنْ لهم كما شاءوا وفرصة تاريخية لتثبيت عروقهم والتسلل إلى أدق شرايين الدولة (باستخباراتها وأجهزة التنصت فيها وأمن طائراتها وإدارة منح جوازات السفر ووثائق العبور…) لإلباسها ألوان مشروعهم القروسطي.
كما اتّضح أن النخبة التي قادت الحركة في أغلبها كانت لا تختلف نوعيا في شيء عن النخبة التي طوّقت بورقيبة أو العصابات التي أحاطت ببن علي من حيث تسخير القليل من الجهد لعامة الناس وأغلبية وقتها لتوزيع الخدمات والغنائم على المقربين من الإخوة والأخوات والعشيقات والراقصات على كل الحبال والأوتار.
وانكشف أنهم لا يستثمرون في الثقافة والفنون وبناء الإنسان بقدر ما يصوغون البرامج الجهنمية لتسطيح الوعي وتفقير الرؤوس وتربية الأطفال على ترديد التعاويذ والخوف من أن “يوقد الله تعالى النار في قبر تارك الصلاة . كما يتسلط عليه ثعبان يسمّى بالشجاع الأقرع”. (من دروس مدرسة الرقاب الأفغانية).
وبان بعد عشرية نكراء أن العدالة الاجتماعية في دينهم هي تأبيد الفقراء في بؤسهم والأغنياء في ثرائهم (تذكروا تصريح الغنوشي الذي قال إن الأغنياء أقرب إلى الله لأنهم يقدرون على الحج والزكاة أكثر من الفقراء، وتصريح المخلوف مؤخرا بأنه كمحام غير معني بتدريس أبنائه في مدرسة طالبان بالرقاب بل هو فضاء مخصص لاحتضان أبناء الفقراء والمساكين) وأن التوازن الجهوي يعني بالنسبة اليهم دحرجة المناطق النامية نسبيا إلى مستوى الجهات الداخلية الأكثر تخلفا حتى تتساوى حظوظ الجميع.
وانجلى بعد عشر سنوات قاحلة أن مشروعهم الحقيقي (الذي لم يقدروا على إنفاذه وخيّروا اعتماد مقاربة التقسيط أو التمكين بالجرعات… أذكر في هذا المجال قولة زعيمهم عبد اللطيف المكي بمعهد الدفاع الوطني “لا تقلقوا كثيرا… ستتعوّدون تدريجيا على وجوهنا وخطابنا وطريقتنا في ممارسة الحُكم“)، مشروعهم الحقيقي هو تماما ما يحدث في كابول اليوم أو في إيران إبان الثورة أو في الجزائر خلال العشرية السوداء أو في المناطق التي سيطروا عليها في سوريا… عناوينه الكبرى إعلاء العلاقة مع جسد المرأة إلى مرتبة الأمن القومي والاستثمار بقوة في تغيير المعجم الاصطلاحي للتونسيين ومن ذلك استبدال كلمة آلو بـ “السلام عليكم” و عشاء حفل الزفاف بـ “الوليمة” وغير المقبول أخلاقيا بـ “الاثم” والأطباق الشهية بــ “الطيّبات” وهموم الناس بــ “الكروب والهموم” والأزمات بــ “مغاليق الأمور” واللباس اللائق الذي نُطالب به بناتنا جميعا بـــ “اللباس الشرعي” وحل المشاكل بــ “تفريج الهموم” وبناء سياسة صحية قوية بــ “الاكثار من لا حول ولا قوة الا بالله كدواء لمائة داء” كما يبشّر الدّاعية المصري المتحيّل عمرو خالد…
وظهر بعد عشر سنوات عجاف أن لا وطن حقيقي لهم، وطنهم هو فكرة هُلامية يدعونها أحيانا أمة إسلامية وأحيانا أخرى خلافة موعودة لبسط نفوذ الدين الحنيف في كل أرجاء الدنيا بقوة السيف أو هو شبكة أخطبوطية هوايتها جمع المال وإجادة فنون التسرب الى أجهزة الدول وقلب الانظمة السياسية فيها. وأنهم قارئين جيّدين لكتاب “الأمير” للإيطالي ماكيافيل على معنى اكتسابهم لقدرة فائقة على توظيف المكر والازدواجية والخداع في الممارسة السياسية وأن الغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن مدى أخلاقية هذه الوسيلة.
وتبيّن بعد عشرية فاحشة أن مدارسنا ومستشفياتنا لا يعنيهم تطويرها أو النهوض بأدائها لأن أبناءهم (الميسورين منهم على الأقل، وقد زاد عددهم بعد 2011) مسجّلون بأرقى الجامعات اللندنية والفرنسية والأمريكية… وبتداوون بالمصحات الخاصة في الداخل والخارج.
وظهر بعد عشر سنوات حدباء أنهم لا يخجلون من القول كما قال القرضاوي الذي أفتى بوجوب اعتماد النظام الرئاسي خدمة لـ”أمير المؤمنين” أردوغان، كما هم لا يخجلون من تدمير النسيج الاقتصادي التونسي خدمة لمصلحة أسيادهم الأتراك ولا يحرجهم مطلقا أن يستقووا بالأمريكان وبكل “قوى الشر والمحاور الشيطانية” كما يقولون حتى يتم تثبيتهم في مواقعهم السلطوية.
وأخيرا… اكتشفنا أيضا بعد عشرٍ نِحاف أن حنينهم التاريخي المتأصّل للصحراء والتصحّر وإباحة بهيمة الأنعام ونمط الحياة الرعوي أكبر ألف مرة من توقهم إلى أنماط حياتية أخرى تنبني على رغد العيش وبهجة الحياة وانعتاق الروح من أسرها.