تابعنا على

جلـ ... منار

أعمال و نوايا

نشرت

في

هذا العالم محكوم بنواياه، وليس فقط بأعماله، وكذلك أنت!

وفاء سلطان
<strong>وفاء سلطان<strong>

لقد كانت حياتي، كحياة أي إنسان في عمري، كانت محطات…لم أصل يوما إلى محطة ونظرت إلى الوراء، إلا ورأيت أعمالي و نواياي قد عبدّت الطريق إلى حيث وصلت!

تبلورت لدّي قناعة مطلقة بأن حياة الإنسان هي محصلة نواياه، وليست فقط محصلة أعماله!

فالنية أشمل وأعمّ من العمل.كل عمل لا بد أن تسبقه نية، ولكن ليست كل نية تؤدي إلى عمل.قد تنوي شيئا، خيرا كان أم شرا، ولا تسمح لك ظروفك بأن تنجز ما نويت عليه.ولأنك نويت ولم تنجز، قد يخطر ببالك أنك لست مسؤولا عن شيء لم تنجزه، متجاهلا النية التي تحكّمت بك، وتركت آثارها سواء نفذتها أم لم تنفذ!

…………..

النية هي كل فكرة يفرزها دماغك، وتدور حول علاقتك بتفاصيل العالم المحيط بك!

أنت أكثر شخص تتحدث مع أنت، فعلى مدار الساعة يضج صوت في أعماقك،وهذا الصوت هو نواياك!

(سأتصل اليوم بأختي لاطمئن عليها…جارتي مها الحقيرة ليتني أستطيع أن أحرقها حية….كم بودي أن أفسد على أحمد حياته، ليته يطلق زوجته لأشمت به وبها…سأقطف بعض العنب من هذه الدالية وأحمل صحنا منه إلى جارتي…لن أعزم حماتي على الغداء إلا على جثتي…. عندما يرسل ابني معونته الشهرية لي ولوالده سأرسل جزءا منها إلى أخي، فهو بحاجة ماسة.سأعيد ترتيب خزانتي وسأعطي الفائض من الملابس إلى السيدة التي تنظف البيت.لو رسب ابن ابراهيم في المدرسة سأنتشي فرحا…لو ربحت في الصفقة الفلانية سأدفع للعائلة الفلانية اجرة منزلهم لعام…سأنظف مدخل البناية ولن أكترث إذا ساعدني أحد من سكانها أم لا…أعتقد أن فلانة تنام مع فلان ولذلك حصلت على الوظيفة….فلان يتودد لفلان كي تستفيد منه…يافرحي لم تتمّ الصفقة ولم يحصل فلان على المبلغ الذي كان يحلم به…هذه الشرموطة وضعت صور عرس ابنتها على الفيس بوك، انشالله ما بتشوف الفرح بحياتها….لقد قدمت لابنة فلانة في عرسها هدية بقيمة كذا وكذا، أما هديتها لابني بمناسبة زواجه فلا تصلحإلا لبرميل الزبالة….عندما تتصل بي مريم لتتطلب حاجة سأمسح الأرض بها…)

هذه الأفكار ومئات على شاكلتها تدور كل يوم في أذهاننا…قد نتبعها بأفعال، وقد تبقى مجرد أفكار ونوايا…لكنها لا تمر دون أن تترك أثرا، فلكل فكرة طاقة، سلبية كانت أم إيجابية،وحياتك حصيلة تلك الطاقات!لا أستطيع أن أنكر أنها تراودني أيضا، بخيرها وشرها.لكنني درّبت نفسي لأكبس على الفرامل عند كل فكرة تعبر رأسي وتحمل طاقة سلبية.أتوقف لحظة لأفكر في الأمر، ثم أعيد صياغتها بطريقة أكثر إيجابية عن وعي وتصميم!

كأن أغلي غضبا، فيضج ذلك الصوت في داخلي:“سأبصق في وجهها وسألقنها درسا لن تنساه”على الفور تشدني كلمة (سأبصق)، فأراجع موقفي:“ربما لها ظروفها، فلماذا علي أن أعطي الأمر أهمية أكبر من حجمه،لماذا لا أتجاهلها وأنهي القضية، ما الذي سأستفيد لو بصقت في وجهها؟”

عندها يهدأ روعي، وبعد لحظات اشعر بسعادة غامرة، فأعيد صياغة عبارتي:“سأتجاهل الأمر وأعانقها، ثمّ أسألها عن حالها وحال عائلتها”

…………..

باحت لي سيدة عربيّة مؤخرا بعمل مشين قامت به.طبعا مشين بناء على أي عرف من أعراف الأرض، لكنه لا يبدو كذلك في عرفها.وإذا أردت أن تبحث عن تلك السيدة ستجدها معظم الأوقات تزور معابد حيها،كي تتبارك بجدرانها!

غادرتْ البيت في الثانية ليلا، بعد أن تركت رسالة لزوجها انها ذاهبة إلى الصيدلية،فلقد أصابها صداع شديد وتحتاج إلى بعض الأدوية.لكنها كانت تنوي شيئا آخر، شيئا مغايرا تماما…توجهت إلى بيت تسكنه سيدة من معارفها في حي مجاور.أوقفت سيارتها بعيدا عن البيت، ثم ترجّلت منها وفي بيدها مفك براغ.مشت موازية لسيارة السيدة، والتي تقف أمام البيت، محدثة بالمفك حزا عميقا امتدّ من مؤخرة السيارة حتى مقدمتها.

حسبما وصفت السيارة لا أعتقد أن ثمنها يقل عن مائة ألف دولار…تروي القصة وهي تقهقه، وكأن شيئا لم يكن..ظنتْ أنه لم يرها أحد فاطمأنت وانتشت فرحا.لم تكن تدري أن للكون بليون عين تتلصص على كل شبر منه، وفي مليون اتجاه….وبأن ذاكرة الكون حاسوبية، وهي أدق من أدق آلة حاسبة!

نحن ننسى الحوادث، لكن الكون لا ينساها وتظل مسجلة في ذاكرته تنتظر يوما كي ترتد إلى مرسلها….

لنفرض أن تلك السيدة نوت أن تقوم بفعلها المشين، لكنها ـ لسبب ما ـ لم تستطع!

هل هذا يعني أنها فلتت من العقاب؟ أبدا لا!

فالفكرة بحد ذاتها تفرز طاقتها….رصيدك في البنك الطاقوي، وليس في البنك المالي، هو الذي يحدد طبيعة حياتك،وسر سعادتك أو شقائك، حتى ولو كنت أفقر أو أغنى عباد الله!

…………..

منذ حوالي عشرين عاما أو ربما أكثر، وأنا في حالة بحث دائم عن تلك الحالة التي يطلقون عليها Consciousness or Enlightment، والتي يصل إليها بعض الناس.أستطيع من خلال معرفتي وفهمي لها أن أترجمها إلى كلمة “يقظة” أو ربّما “استنارة”.لكن مفهومها أعمق بكثير من أن أترجمها بكلمة…

حضرت مئات المحاضرات حولها، ومارست الكثير من الطقوس في سبيل الوصول إليها، وزرت عدة منتجعات معنية بمساعدة زوارها للوصول إليها…وخرجت من المعممة بمفهوم يخصني، وطريقة تخصني وحدي،وتساعدني على أن أمارس ما فهمته!

هذه الحالة لا تصل إليها بين ليلة وضحاها، وعندما تصل تصبح طريقة حياة…قد تجيدها في لحظة لتنساها تماما في اللحظة التي تليها…تحتاج إلى تدريب حواسك ورفع مستوى الوعي عندك ليلتقط كل ما يدور في ذهنك وحولك، فتعي كيف تضبط صوتك الداخلي، وتتعامل مع كلّ ما يحدث بطريقة تُحسن ولا تُسيء إلى الكون!

لو فعلت ستكون يقظا كما يكون جرّاح ماهر وهو يسبر بمشرطه منطقة حساسة في الدماغ، ليستأصل ورما خبيثا استقر فيها، مستعينا بمجهره كي لا يخرب خلية سليمة!

نعم إلى هذا الحد تستطيع أن تعيش حياتك يقظا، فلا تدوس على نملة قصدا، ولا تجرح شعورا عن عمد، وتمشي في الحياة كرياضي ماهر يمشي على حبل بين جبلين، لو اختل توازنه جزءا من الثانية سيقع في لج الوادي.لو فعلت لن يدوس عليك الكون، ولن يجرح لك شعورا، وعندما تقع سيتلقفك بيديه!

ليس الأمر سهلا في بداياته، لكنك تصبح مع الزمن هدّارا وايجابيا كشلالات نياغرا،فتنساب مع الدفق الكوني، ولا يمكن أن تشحّ يوما!

…………..

هذه هي حياتي أو هكذا أشعر، وبثقة لا يتخللها أي شك!

من الطبيعي أن تتسلل بعض الأفكار السلبية إلى رأسي بعد أن تخدع جهاز المراقبة هناك، لكن في نهاية المطاف تبقى المحصلة هي الأهم…

هذا الشعور يساعدني على أن أعيش السكينة التي يعيشها رضيع يغفو على صدر أمه.أعيشها حتى وأنا أتشقلب في قلب عاصفة هوجاء، وفي ليل حالك السواد!

…………..

لا تستطيع أن تصبح يقظا ومستنيرا عندما تتجنب الظلام، بل عندما تكون قادرا على أن تنير ذلك الظلام…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

دفاعا عن ماجدة الرومي

ردّاً على مقال: حين يعلو الجهل ويخفت الإدراك الموسيقي

نشرت

في

جمال فياض

في زمن تتكاثر فيه الأقلام المتطفّلة على النقد الفني، وتختبئ وراء قناع “المحبة الصامتة” لتبثّ سمًّا باردًا في جسد الإبداع، يطلّ علينا مقالٌ “غير ودّي” عن حفل السيّدة ماجدة الرومي في “أعياد بيروت”، لا يحمل من الحسّ النقدي سوى مفردات طبية سطحية ومصطلحات صوتية غير واضحة أو مبررة ومبتورة السياق.

إن الحديث عن انتقال الصوت من طبقة الـ”Soprano Lyric” إلى “Mezzo-Soprano” أو حتى إلى “Alto” هو كلام صحيح علميًا من حيث التدرج الطبيعي لأي صوت بشري، لكنه يصبح مضللاً عندما يُطرح كأداة للطعن، لا كظاهرة بيولوجية طبيعية يعرفها كل دارس حقيقي لفسيولوجيا الصوت. فحتى مغنّيات الأوبرا العالميات ينتقلن تدريجيًا في طبقاتهن مع التقدم بالعمر، دون أن يُعتبر ذلك سقوطًا فنّيًا، بل نضجًا صوتيًا وإعادة تموضع ذكي للريپرتوار.

أما مصطلح “Tremolo” الذي استخدمته الكاتبة، (وليتها شرحت لنا نحن البسطاء اللي فهماتنا على قدنا معنى المصطلح الذي زودها به أحد المطرودين من حياة الماجدة) وهي استخدمته على عماها فأساءت فهمه على ما يبدو. فالـTremolo ليس عيبًا صوتيًا بالضرورة، بل أسلوب تعبير ديناميكي مقصود في الأداء، يُستخدم في الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، ويُضفي بعدًا دراميًا على الجملة الغنائية، لا سيما في الأعمال العاطفية أو الإنسانية. لكنه يتحوّل إلى “اهتزاز غير إرادي” فقط في حالات مرضية مُثبتة طبيًا، وهو أمر لا ينطبق على الماجدة ولم تثبته أي جهة موثوقة في حالة السيدة ماجدة، بل استنتجته الكاتبة بإذن نقدية هاوية غير مؤهلة سريريًا أو أكاديميًا.وربما بأذن مستعارة ، من شخص ما !!

إن وصف الكورال بـ”العكّاز الصوتي” يعبّر عن جهل صارخ بوظيفة الكورال في الموسيقى الكلاسيكية والحديثة وكل الأغاني على حد سواء. الكورال ليس ترميمًا لعيوب، بل جزء أساسي من البنية الهارمونية، يعمل كدعامة جمالية وتعبيرية، سواء في موسيقى “باخ” أو أغاني فيروز أو إنتاجات اليوم الحديثة. حتى أم كلثوم ختمت حياتها الفنية بأغنية فيها كورال ومسجلة في الستوديو، وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، فهل غرام بليغ حمدي بإضافة الكورال على أغلب ألحانه كان “عكازاً” لوردة وعبد الحليم وكل من لحّن لهم؟ استخدام الكورال لا يعني ضعفًا بل انسجامًا مع شكل موسيقي راقٍ يسمّى “الهارموني الكورالي”.

أما التلميح إلى أن السيدة ماجدة الرومي “تصارع للبقاء”، فذاك تعبير درامي هابط يتنافى مع اللياقات كما مع حقيقة ما رأيناه وسمعناه: فنانة قديرة تتحكّم بمسرحها، تدير الفرقة بوعي موسيقي عالٍ، تؤدّي بجملةٍ صوتية مدروسة تحترم مساحة صوتها الحالية، وتوظّف إمكانياتها التقنية بإحساس رفيع دون أن تفرّط بكرامتها الفنّية. ذلك يسمّى في لغة الموسيقى “interpretative maturity” أي النضج التعبيري، وليس انهيارًا كما يحاول البعض التسويق له بلغة “فيسبوكية” مستهلكة.

وأخيرًا، المقارنة بين ماجدة وصباح وفيروز مضلّلة وغير دقيقة. فكل صوت حالة مستقلّة، وكل مدرسة غنائية تُقاس بمعايير مختلفة. وإن كانت فيروز قد اختارت الابتعاد، في مرحلة ما بعد السبعين ،فذاك قرار شخصي لا يُفرض كنموذج على الأخريات. لأن أم كلثوم ظلّت تغني حتى العقد الثامن من عمرها، وهي راعت كما هو معروف طبقاتها الصوتية منذ بلغت الستين من عمرها. وهذا ما ما فات كاتبة المقال ذكره.

نحن لا نصفّق من دون وعي، بل نُصغي بفهم. وما سمعناه من ماجدة في “أعياد بيروت” كان صوتًا لا يزال يُغنّي بروح تُحسن استخدام تقنيات الـVibrato Controlled، وتعرف متى تُمسك بالجملة ومتى تُسلمها للمرافقة الموسيقية، دون أن تفقد شخصيتها الأدائية.

السكوت الذي دعا إليه كاتب المقال باسم “المحبّة”، هو صمت الجاهلين. أما المحبّة الحقيقية، فهي أن نعرف الفرق بين الهبوط الصوتي، وبين إعادة توزيع القدرات وتكييف الأداء بما يليق بمقام الفنّ النبيل…

بكل مودة الزمالة…

شكراً ، لمن كتب بالسرّ، ومن نشر في العلن

أكمل القراءة

جلـ ... منار

النصر والهزيمة في حرب الـ (12) يوما!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

كان مثيرا ولافتا أن طرفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي امتدت لـ(12) يوما، يعتبر نفسه منتصرا.

فور وقف إطلاق النار خرج الإيرانيون إلى شوارع وميادين طهران يحتفلون بالنصر، يرددون الهتافات، ويتعهدون بمواصلة القتال في جولات أخرى.

عبد الله السنّاوي

بذات التوقيت، سادت التغطيات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية نزعة انتصارية إجماعية.

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” كلمة أطلق عليها “خطاب النصر”.

من الذي انتصر حقا؟!

أسوأ إجابة ممكنة إصدار الأحكام بالأهواء، وتنحية الحقائق جانبا.

إنها جولة في صراع طويل وممتد، تليها جولات أخرى بعد وقت أو آخر.

القضية الفلسطينية جوهر ذلك الصراع.

لم تكن من أعمال المصادفات عودة الزخم مرة أخرى إلى ميادين القتال في غزة فور وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية.

“حان وقت التركيز على غزة لإنهاء حكم حماس واستعادة الرهائن”.

كان ذلك تصريحا كاشفا للحقائق، أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي “إيال زامير” في ذروة دعايات النصر.

إنهما حرب واحدة.

هكذا بكل وضوح.

أكدت المقاومة الفلسطينية المعنى نفسه في عملية مركبة بخان يونس، أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، وأثارت الفزع في صفوف الجيش الإسرائيلي.

لا يمكن إنكار مدى الضرر الفادح، الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، جراء استهدافه بغارات إسرائيلية وأمريكية مكثفة ومتتالية.

هذه حقيقة.. لكنه يستحيل تماما أي زعم إنها قوضته، أو أن أمره انقضى.

لم يتمالك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي انخرط بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب على إيران، أعصابه فأخذ يكيل الشتائم المقزعة لمحطة “سي. إن. إن”، على خلفية تشكيكها في روايته.

“إنها حثالة”!

لم يكن لديه دليل قطعي أن العملية الأمريكية، التي استهدفت ثلاث منشآت نووية، “أصفهان” و”ناطنز” و”فوردو” الحصينة في أعماق الجبال، حققت أهدافها.

حسب تسريبات عديدة فإن السلطات الإيرانية نجحت في نقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزية من تلك المنشآت قبل قصفها بقاذفات (B2) إلى أماكن أخرى آمنة.

التسريبات شبه مؤكدة بالنظر إلى عدم حدوث تسرب إشعاعي، أو تلوث بيئي إثر تلك الضربات، التي استخدمت فيها قنابل عملاقة لأول مرة.

يصعب التسليم بـ”الإنجازات” الإسرائيلية في ضرب المشروع النووي الإيراني دون فحص وتأكيد.

بقدر آخر فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في تقويض المشروع الصاروخي الباليستي، الذي أثبت قوته التدميرية ودرجة تقدمه، التي ألزمت الإسرائيليين البقاء في الملاجئ لفترات طويلة.

قبل وقف إطلاق النار مباشرة بدت الضربة الصاروخية في بئر السبع، تأكيدا أخيرا على درجة عالية من الفشل الإسرائيلي في إضعاف القدرات الإيرانية.

ثم تبدى الفشل فادحا في طلب إثارة الفوضى بأنحاء البلاد، تفضي تداعياتها إلى الإطاحة بنظام الحكم.

بحقائق الجغرافيا والتاريخ والحضارة، إيران ليست دولة صغيرة أو عابرة.

إنها مع مصر وتركيا الركائز الكبرى في حسابات الإقليم، مهما جرى لها، أو طرأ عليها من متغيرات سياسية.

بقوة إرثها التاريخي تحركت الوطنية الإيرانية لرفض الاستسلام بلا شروط لـ”السلام عبر القوة” حسب تعبير “ترامب”.

تحت الخطر الوجودي توحدت إرادتها العامة، بغض النظر عن أية تحفظات على نظام الحكم.

كان المواطن الإيراني البطل الأول في التصدي لتغول القوة الأمريكية والإسرائيلية.

أبدى الإيرانيون قدرة لافتة على الإحلال في مراكز القيادة والسيطرة تحت أسوأ الظروف، بعدما نال العدوان من قيادات عسكرية وعلمية ذات وزن ثقيل في الضربة الافتتاحية.

في حرب الـ(12) يوما تبدى شيء من التعادل الاستراتيجي، الطرفان المتحاربان تبادلا الضربات الموجعة.

فرضت السلطات الإسرائيلية تكتما مشددا على حجم الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية والعسكرية؛ جراء الضربات الإيرانية، حتى لا يفضي النشر إلى زعزعة ثقة مواطنيها في قدرة جيشهم على المواجهة.

فاقت الخسائر الباهظة أية طاقة على الإفصاح، لا عرفنا عدد القتلى والمصابين، ولا ما هي بالضبط المواقع الاستراتيجية، التي استهدفت، ومدى الضرر الذي لحقها.

المعلومات المدققة من متطلبات إصدار الأحكام.

بصورة عامة تقارب الحقيقة فإننا أمام حالة “لا نصر ولا هزيمة”، غير أن إسرائيل يمكن أن توظف مجريات الحرب لإثارة اليأس من كسب أي معركة ولو بالنقاط.

بدا المشهد الختامي ملغما بالتساؤلات الحرجة.

وجه الإيرانيون ضربة رمزية لقاعدة “العديد” الأمريكية، لتأكيد حقهم في الرد على العمل العسكري الأمريكي داخل أراضيهم ضد ثلاث منشآت نووية.

أُبلِغت مسبقا السلطات القطرية باستهداف القاعدة القريبة من العاصمة الدوحة خشية ردات فعل سلبية.

نُقِلت إلى الأمريكيين فحوى الرسالة الإيرانية.

كان ذلك عملا احترازيا، حتى لا تفلت الحسابات، في وقت توشك فيه الحرب على الانتهاء.

وصفت الضربة الإيرانية بـ”التمثيلية”.

الأقرب للحقيقة، إنه سوء تقدير فادح، لم يكن له لزوم، أو ضرورة، أربك البيئة العربية العامة المتعاطفة مع إيران، كما لم يحدث من قبل.

أثارت الضربة الرمزية شكوكا وظلالا لا داعي لها.

بقوة الحقائق كانت الحرب على وشك أن تنتهي.

الخارجية الإيرانية تشترط وقف الهجوم الإسرائيلي قبل العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.

والحكومة الإسرائيلية تطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، تحت ضغط الترويع، الذي ضرب مواطنيها، إذا ما وافقت طهران.

الجانبان المتحاربان يطلبان لأسباب مختلفة وقف إطلاق نار.

هكذا توافرت أمام “ترامب” فرصة للتخلص من عبء الحرب على شعبيته.

لم تكن إسرائيل مستعدة لأي اعتراف، بأنها لم تحقق أهدافها من الحرب، لكن الحقائق وحدها تتكلم.

أكمل القراءة

جلـ ... منار

السوق والنساء

نشرت

في

د. أحمد خالد توفيق

أعصاب المرأة قوية في أمور عديدة، لكن الموقف الذي يجمد الدم في عروق معظم الرجال ولا يجسرون على تصوره هو عملية الشراء …

لا أعتقد أن عنترة بن شداد الذي صارع الأسُود في الوديان المقفرة بيده العارية، كان يجسر على القيام بهذا النشاط الأنثوي المعتاد: الدخول إلى محل لمشاهدة كل شيء واستعراض كل شيء والسؤال عن كل شيء، بينما هو لا ينوي الشراء وجيبه خاو تماماً. رأيت الكثيرات يفعلن هذا العمل البطولي، بينما أعترف لك بأنني اشتريت أشياء كثيرة جدًا في حياتي لمجرد أنني خجلت من البائع.

يحكي أنيس منصور في كتاب (200 يوم حول العالم) أنه كان في سنغافورة يستمتع بمشاهدة التنسيق البديع في محل للخضراوات والفاكهة، هنا اقتنصه بائع .. ووجد أنيس نفسه يغادر المحل وهو يحمل ثياباً داخلية باعها له الرجل دون أن يطلبها منه، ولا يعرف سبب وجودها في محل للفاكهة!

كلما تقدمت السيدة في السن ازدادت ثبات أعصاب ولم تعد تشعر بالحرج على الإطلاق. عرفت سيدة من هذا الطراز تذهب لشراء شيء .. تعرف أن ثمنه مائة جنيه … أقول لها وأنا أهرع خارجاً من باب المتجر:

“ـ “انتهى الأمر .. هيا بنا ..فمهما خفضت السعر سيظل عالياً ..

لكنها تقف في ثبات وتنظر إليّ منذرة كي أصمت .. هذه معركتها وقد احتشد الأدرينالين في دمها حتى ليوشك على أن يسيل من أنفها.

تقول للبائع في ثبات:

ـ “عشرون جنيهاً!”

أُوشِكُ على الفرار لكنها تطبق على معصمي بقوة: اِنتظر ولا تكن رعديداً…

البائع يضحك في سخرية ويقسم بقبر أمه أن ثمن هذا الشيء 85 جنيهاً… مكسبه خمسة جنيهات لا أكثر … لكنها تبدو مصممة، وفي النهاية تقترح ثلاثين جنيهاً. ..

يدور الفصال المرهق الذي يستمر ساعات عدة… البائع يقسم بقبر أمه ألف مرة… صحيح أن السيدة المسنة الجالسة هناك هي أمه، لكنك تقبل هذا باعتباره من آليات التسويق..

في النهاية تظفر السيدة التي أرافقها بسعر لا يوصف… أربعون جنيهاً … لكنها غير راضية .. تشعر بحسرة لأن هذا يعني أنه كان بوسعها أن تصل لسعر أقل ..

أربعون جنيهاً … هذا نصر مؤزر ..

تخرج من حقيبتها عشرين جنيهاً وتؤكد:

ـ “ليس معي سوى هذه .. يمكنك أن تعوضها في المرة القادمة ..”

لكن البائع يكون قد بلغ درجة البله المغولي .. لا يعرف ما يقول ولا ما يشعر به. يريد الخلاص منها بأي ثمن لذا يوافق .. هنا تناوله المال وتطلب منه:

ـ “سأقترض منك خمسة جنيهات لأنك لم تترك لي نقوداً أعود بها لداري”

أمد يدي لجيبي لكنها تباغتني بنظرة مرعبة .. لا تفسد كل شيء علي .. يا لك من غبي ..

يناولها البائع خمسة جنيهات وهو زائغ العينين لا يعرف ما يدور من حوله، فلو طلبت منه مفاتيح بيته أو رقم حسابه في المصرف لأعطاها بكل سرور .. الحياة بالنسبة له تنقسم إلى ما قبل لقاء هذه السيدة وهو مرحلة سعيدة، وما بعد لقائها وهو جحيم ..

في النهاية نغادر المتجر حاملين الشيء الذي كان سعره مائة جنيه فصار خمسة عشر .. تقول لي في حسرة:

ـ”ربما لو بذلت مجهوداً أكبر لصار بعشرة جنيهات”

ـ “لو بذلت مجهوداً أكبر لأعطانا البائع مالاً أو أهدانا المتجر كله ليتخلص منا”

ـ “لا أحب أن يخدعني أحد”

ولأنها لا تحب أن يخدعها أحد فهي تحطم أعصاب الباعة وعقولهم في كل مكان. كما قلت لك تملك النساء أعصاباً أقوى من الرجال بكثير، ولا يمكن أن نحلم أن نكون مثلهن تحت أية ظروف..

أكمل القراءة

صن نار