ما حدث في فلسطين المحتلّة تحت اسم طوفان الاقصى … احالني بشكل جميل لابي العتاهية في بيته الشعري الذي اصبح مضرب الامثال (الا ليت وفي رواية اخرى فيا ليت الشباب يعود يوما لاخبره بما فعل المشيب) … والحقيقة وما ساذكره في هذا الباب هو بعيد كلّ البعد عن النوستالجيا السخيفة … انا مدرك انّ لكلّ عمر الوانه او ان شئتم لكلّ عمر شبابه …
ما جرّني للحديث عن زمن شبابي هو ذلك الزخم السياسي الذي عشته وانا تلميذ في المرحلة الثانية من تعليمي الثانوي بمعهد الحيّ (15 نوفمبر حاليا) بصفاقس .. معهد الحيّ له من المواصفات التي انفرد بها بين المعاهد الاخرى بمدينتي ..هو معهد زيتوني في اصله ثمّ ثانوي بعد الاستقلال ..لكنّه وهذه ميزته الاولى كان معهدا عروبيا بالاساس اي انّ جميع الموادّ تُدرّس فيه باللغة العربية وحتى شعبة آدابه التي انتميت اليها كانت تسمّى شعبة آداب كلاسيكية أ … لذلك كان الاساتذة انذاك مختلفي المشارب ..ففيهم الزيتوني التكوين والميولات السياسيّة وفيهم الدستوري الحرّ اتباع بورقيبة وفيهم اليوسفي و انضمّ الى هؤلاء في اواسط الستينات القومي الناصري والبعثي بشقّيه العراقي والسوري واليساري وخاصة الماركسي اللينيني وانضمّ ايضا لقائمة اساتذته اخوانا من فلسطين …
دون نسيان البعض الذي تماهى مع ما قرأه في درس الحلاق الثرثار حيث وبعد ثرثرة الحلاق حول الحرب العالمية الثانية قام الحريف غاضبا لاعنا الروس واليابانين والسياسة والسياسين والناس اجمعين …اي تلك الشريحة من الاساتذة المدرّسين الذين اكتفوا بدورهم التعليمي او ما نسميهم اليوم الخبزيست …في تلك الحقبة ومهما اختلفت الايديولوجيات السياسية المُتّبعة من قبل اساتذتنا رحم الله اغلبهم كانوا يلتقون في القضيّة الامّ قضيّة الشعب الفلسطيني ..وطبيعي ان نرضع منهم ايماننا بالقضيّة ومرّت السنوات ..وتتالت النكسات ولم يمت الشعب الفلسطيني ..ولن يموت ..
التاريخ والزمن قد يغفو ..قد ينام نومة اهل الكهف ولكنّ اصحاب الحقّ لن يموتوا ..من كان ينتظر موت الطغاة ونهايتهم ؟؟ من كان كان ينتظر قديما انكسار هولاكو وتيمورلنك .. ثمّ نابوليون وهتلر ..؟؟.. من كان ينتظر اشهر سجين سياسي الافريقي مانديلا ينتصر في معركته ؟؟ وقبله بورقيبة وبومدين وعبالناصر ؟؟ ما حدث في طوفان الاقصى اكّد انّ الفلسطيني هو تماما كالشمس والبحر والمطر والتراب ..هل باستطاعة ايّة قوّة عظمى ان تمنع الشمس من شروقها ؟؟ هل باستطاعتها ان توقف عمليّة المدّ والجزر في البحار ؟؟ هل باستطاعتها ان تمنع الامطار مهما تاخّرت من الهطول ؟؟ هل باستطاعتها ومهما عتت وتجبّرت ان تقتلع التراب من ارض فلسطين ؟؟
ما قام به بواسلنا في فلسطين المغتصبة منذ 75 سنة منذ ذلك الوعد المشؤوم سنة 1948 اكّد مرّة اخرى انّه حتّى النمل والفراش والغربان قادرة على هزم اعتى قوّة عسكرية غاشمة … فما بالك بالفلسطيني الذي تاكسد مع الموت ليصبح على حدّ تعبير حسين نازك وجماعته في فرقة العاشقين وتحديدا في اغنية العرس الفلسطيني (لا يصل الحبيب الى الحبيب الاّ شهيدا او شهيد) .. العاصفة وعلى لسان محمود درويش وعدت الفلسطين بانخاب جديدة وباقواس قزح …وجاء النخب الرهيب في طوفان الاقصى .. بواسلنا استطاعوا عبور حواجز وضعتها (اللي ما تتسماش) على امتداد 70 كلم في غزّة مضفخة برادار الكتروني يمنع تسلّل صرصار واحد .. فاذا بالفلسطيني يكسّر الفيزياء والالكترونيك والرياضيّات والهندسة .. ويعبر … نعم القوى العسكرية غير متكافئة … نعم العدوّ يمتلك اضخم ترسانة حرب في المنطقة ..ولكنّه لا يمتلك الحقّ …ومن لا يمتلك الحقّ هو آيل للسقوط ..
اختم بملاحظتين الاولى تخصّ العامل الزمني …الايمان بقضيّة ما، لا يخضع لعامل زمنيّ معيّن .. الحروب هي معارك قد نفشل في العديد منها ولكنّ الحقّ حتما سينتصر مهما طال الليل .. الملاحظة الثانية وهذه تخصّ تلك الفئة المهرولة للغرب عموما بزعامة امريكا وبعد موقفها اللامشروط والمعلن بكلّ وقاحة في مساندة العدوّ، هل مازلتم لم تفهموا بعد انّ ديموقراطية هؤلاء وهْمُُ وهمُُ وهمُُ ؟؟ وانّ حقوق الانسان على الطريقة الغربية كذبة كبرى ؟؟ الا تخجلون من انفسكم .. الا تتوبون ؟؟ هي اسئلة ساخرة من هؤلاء لانّهم لن يتوبوا … الانذال لا يتوبون …
واعود من حيث انطلقت … عاصفة الاقصى فنّدت قول ابي العتاهية .. نعم عاصفة الاقصى اعادت لي شبابي ..ربما بشيئ من الرصانة ولكن مازلت كما عهدتموني اغنّي وبكلّ توهّج وعنفوان الشباب اغنية وضع كلماتها توفيق زياد (يا شعبي يا عود الندّ انّا باقون على العهد) …