لمْسُ نار
أما آن لتونس أن تلحق بركب الحضارة؟؟
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
عبير عميش Abir Amichالإنسان ابن بيئته لكنه كذلك ابن مطالعاته و مشاهداته و متابعاته ، فما نسمعه أو نقرأه أو نشاهده يؤثر حتما في حياتنا و في تمثلاتنا للوجود… و كل كتاب أو شريط أو خبر أو حتى أغنية لا بدّ و أن يغيّر و لو قليلا من حدود تفكيرنا و نظرتنا لما حولنا… و لعل ما شاهدته هذا الأسبوع جدد عندي هذا اليقين و جعلني أتأمل واقعنا و أتملى تفاصيله و جعلني خاصة أتحسر على وضعنا في تونس فأين نحن مما شاهدته رغم أنه لا يندرج ضمن الأفلام الخيالية ! ؟
الشريط الأول الذي شاهدته هو مقطع قصير نزّله على موقع الفايسبوك أحد التوانسة المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية و تحديدا بمدينة فينيكس بأريزونا و قد رافقنا فيه من مقر سكناه إلى إحدى المغازات القريبة.. المذهل في الفيديو أن التاكسي التي استقلها كانت سيارة دون سائق نعم سيارة دون سائق طلب قدومها عن طريق تطبيقة إلكترونية..
انطلق الشريط من لحظة انتظار السيارة التي توقفت لتقله صحبة مرافقه ثم امتطاها لتصل به بعد حوالي ثماني دقائق إلى المكان المقصود الذي سجله طبعا على شاشة إلكترونية موضوعة أمامه
كان الطريق مرسوما أمامه و أمامنا و نحن نتابع خط سير العربة و القيادة الإلكترونية الرصينة و احترام علامات المرور و إشارات الطريق..
كان الفيديو ممتعا و مؤلما في نفس الوقت فآلاف الكيلومترات التي تفصلنا عن الولايات المتحدة الأمريكية مكانيا تفصلنا عنها زمانيا و حضاريا أيضا
كنت أشاهد الشريط و أنا أتخيل طرقاتنا و عرباتنا و طريقة سيرنا و عدم احترامنا لبعضنا البعض أثناء القيادة..
كنت أشاهد الشريط منبهرة بجمال الشوارع و نظافتها و استقامتها و متألمة من حال شوارعنا و ما فيها من أوساخ و أدران و همجية و غياب أرصفة و انعدام عناية و كنت أتساءل ما الذي ينقصنا لنصير بلدا متقدما و لتكون شوارعنا نظيفة ! ؟ هل المشكل في الحكومات أم في الشعوب؟؟
قبل أن أشاهد ذلك الشريط قضيت ثلاث ساعات انتظار في إحدى بلديات هذا الوطن من أجل استخراج مضمون ولادة و الحصول على نسخ مطابقة للأصل لبعض الشهادات
ثلاث ساعات يقضيها الفرد في الشمس و في وضع صحي غير مستقر من أجل إجراءات لا مغزى لها.. كمٌّ رهيب من الأوراق ندفعها للإدارات لتُلقى لاحقا في علب الأرشيف و ليطلب منا أن نستظهر بمثيلاتها بعد سنة واحدة حتى لا يتجشم الموظف عناء البحث عنها أينما حشرت….
في عهد السيارات الذاتية القيادة مازلنا في تونس غير قادرين على رقمنة الإدارة و تعصيرها عبر معرف وحيد يتضمن كل المعلومات عن المواطن أو طالب الخدمة مهما كانت الإدارة المقصودة و مازلنا نستعمل أطنانا من الأوراق تكلف وقتا ثمينا مهدورا و أموالا و خسائر بيئية و جهدا و طاقة بشرية…
في تونس لدينا شباب ذكي مفكر مبدع مبتكر تتخاطفه كبريات الجامعات الأجنبية و الشركات العالمية فلم لا نعطيه فرصة و لم لا نفتح أبواب المستقبل أمام الطاقات المبدعة و الأفكار الخلاقة؟ ؟
كلنا نذكر ذلك الروبوت الذي استعملته وزارة الداخلية لمراقبة مدى التزام الناس بالحجر الصحي ايام الموجة الأولى للكوفيد في 2020.. و لكن من منا يعرف أن مصمم هذا الروبوت تونسي و أن الشركة تونسية (Enova ROBOTICS) لصاحبها المهندس أنيس السحباني و هي الشركة الوحيدة في القارة الأفريقية المختصة في صناعة الروبوتات الذكية المختصة أساسا في مجال الحماية والأمن و كذلك في القطاع الطبي…
من منا يعرف أن مشروعا صناعيا ضخما بقيادة الشاب بوبكر السيالة سيخرج إلى الأسواق في المدة القادمة أول سيارة تونسية تعمل بالطاقة الشمسية ، سيارة تونسية 100٪ من حيث الهندسة و التصميم و الهيكل و النظام الاكتروني؟ و هي سيارات مخصصة لخدمات النقل السريع و النقل داخل المدن…
إن ّمشكلة تونس ليست في عقول مهندسيها ولا أطبائها ولا مخترعيها بل في عقول سياسييها الذين تفننوا في النقاشات البيزنطية و ألهاهم الصراع على الكراسي و المناصب عن مصالح المواطنين و القوانين التي تهدمهم ، و كذلك في إدارتها المتكلسة و بيروقراطيتها العقيمة…
الشباب هو عدة الحاضر و ذخيرة المستقبل عماد كل أمة و سر نهضتها و بناة حضارتها و نبض الحياة في عروق الوطن و لكننا في تونس نتفنن في خنقه و وضع العراقيل في طريقه و إضاعة وقته حتى يهج من وجوهنا و يغادر بلدنا نحو فضاءات أرحب تتفتق فيها طاقاته و قدراته… ثروتنا الحقيقية تغادر و لا تنتفع منها البلاد
هذه الطاقات آن لها أن تبرز و تأخذ حقها في الظهور و تشارك في صياغة قوانين جديدة ترغب الشباب في البقاء في بلاده و خدمتها و تطويرها حتى لا نتحسر و نحن نقارن وضعنا بأوضاع البلدان المتقدمة و نشاهد تخلفنا بأم أعيننا…
الشريط الثاني الذي شاهدته كان لحفل تأبين و توديع الفنان الفرنسي جان بول بلموندو الذي أشرف عليه الرئيس ايمانويل ماكرون على أنغام جوق الشرف للجيش الفرنسي و بحضور عدد كبير من السياسيين و الفنانين.. وداع وطني و شعبي يليق بأيقونة أعطى كثيرا لفرنسا و أمتع الفرنسيين فبادلوه عطاء بعطاء… كان مشهدا رائعا و حفلا مؤثرا بقيمة بيبيلBébel
حفل جعلني أتساءل أيضا أين نحن من كل هذا و ما مكانة فنانينا في عيون الدولة؟ ما قيمة الفن و الفنانين في تونس خاصة في السنوات العشر الأخيرة ؟؟ حتى المثل التونسي ” عاش يتمنى في عنبة، مات علقوا له عنقود” ماعادش خالطين عليه في زمن لا يطال فيه الفنانون لا العنب و لا العناقيد… زمن يفتقدون فيه للتغطية الاجتماعية و الرعاية الصحية و لا يجدون حتى ثمن العلاج أحيانا… فكم من مبدع توفي دون أن يجد سريرا في مستشفى لائق و كم من مثقف أطرده الملاك من البيت و كم من فنان و شاعر و رسام … لم يجد غير عائلته لتعيله و تقف بجانبه
كيف تعاملت الدولة و وزارة الثقافة مع العازفين و أصحاب الفرق الموسيقية و منشطي دور الثقافة و متعهدي الحفلات و غيرهم أثناء أزمة الكورونا فجاع من جاع و مات من مات …
الفنانة القديرة نعمة مثلا قبل وفاتها لم تكن تتقاضى الا 200 دينار منحة من وزارة الثقافة لا تحصل عليها إلا بعد مماطلة و تسويف و كأنها تطلب صدقة و أمثالها كثيرون
و كأني بالجميع قد نسي دورهم و أثرهم فكم أضحكونا و كم أمتعونا و كم أطربونا فماذا وجدوا غير الجحود و النكران!!؟
أ ليست الراحلة دلندة عبدو ” محل شاهد” حقيقي على إهمال الدولة لمبدعيها.. و لم تشفع لها هناني و جريدة و غيرها من الأدوار لخلاص فواتير المستشفى و لا لحفل تأبين يليق بمسيرتها..
انظروا إلى قبور فنانينا و كيف هي حالها فإن لم تتعهدها الأسرة فلا مصير لها غير الإهمال.. من منا يعرف أين دفن خميس ترنان أو علية أو علي الرياحي أو حتى نعمة و زهيرة سالم ؟
مَن مِن وزراء الثقافة و مسؤوليها اعتنى ببيوت الشعراء و الكتاب و الفنانين و ضم فيها حاجياتهم و إرثهم و تراثهم و جعلها مزارا لمحبيهم؟؟ .. من يدلنا على منازل أحمد حمزة و محمد الجموسي و علي بن عياد و محمد العروسي المطوي و الميداني بن صالح و محمود المسعدي و صليحة و شبيلة راشد ؟؟
أينما تتجول في بلدان العالم تدخل بيوت الفنانين و المشاهير و تجول في أرجائها و تلقي نظرة على مقتنياتهم و أدواتهم المحببة و ملابسهم الأثيرة و ما خطوه بأناملهم و ما حصلوا عليه من هدايا و جوائز و شهائد تقدير … قصر أحمد شوقي و بيت عبد الحليم حافظ في مصر ، منزل سالفادور دالي في قادش باسبانيا و بيت انشتاين في برن العاصمة السويسرية و غيرها كثير و قبور الفنانين و أضرحة المبدعين هي مزارات تجذب آلاف السياح سنويا… قيمة حضارية لشعوب تعرف كيف تصون مثففيها و تحافظ على صورتهم في عيون عشاقهم أما في تونس فلا ذكرى و لا ذاكرة لا للأحياء و لا لمن اختارهم الله لا حماية لأعمالهم و لا قوانين تنظم الملكية الفكرية فتنصف المبدعين و أسرهم…
بل أكثر من ذلك لا نهتم الا بالتفاهة و التافهين فنتسابق على نشر أخبارهم و تداول صورهم
سنوات ضوئية تفصلنا عن هذه البلدان في كل المجالات
فمتى تشفى بلادنا و يسترجع جسدها المريض عافيته و تلحق بركب الحضارة ؟؟؟
تصفح أيضا
تمّ منذ يومين تسريب وثيقة سرّية تتضمّن أسماء 25 شخصيّة بين سياسيين و أمنيين و مسؤولين سابقين و حاليين و إعلاميين و فنّانين و شخصيّات عامّة بتهم التآمر على أمن الدّولة و تكوين و فاق إجرامي و ربط اتصالات مع أجانب للإضرار بالبلاد و التّدليس و مسك مدلّس …
هذه تهم ـ إن صحّت ـ كفيلة بأن ترسل مقترفيها وراء الشّمس. لكنّ التهمة التي شدّت انتباهي أكثر من غيرها هي “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدّولة” (و هي تهمة قديمة لم يستحدثها نظام 25 جويلية لكنّه كثيرا ما لجأ إليها في الفترة الأخيرة لمحاكمة خصومه رغم ادّعائه القطع مع الماضي و ابتكار مقاربات جديدة) و لكنّي كلّما قرأت هذه التهمة أخذت أتساءل عن شكل الأمر الموحش ضدّ رئيس الدّولة ؟ و ما الفرق بين رئيس الدّولة و باقي المواطنين فما هو إلا موظّف يسيّر دواليب الدّولة لخدمتهم ؟ و أخذت أتساءل أكثر عن معنى الأمر الموحش ؟
أ ليس تكبيل الأجيال القادمة بالديون و الاتفاق مع صندوق النّقد الدّولي على ترفيع الأسعار و رفع الدّعم دون تعديل في الأجور أمرا موحشا ضدّ فئات كبيرة من الشّعب التّونسي و استهدافا لقدراتهم الشّرائيّة ؟
أ ليس قتل الأمل في نفوس أجيال من الشّباب و دفعهم إلى الهجرة بكلّ الوسائل المشروعة و غير المشروعة أمرا موحشا ضدّ الشّعب و ضدّ مستقبل البلد ؟
أ ليس غياب المواد الأساسية و الاضطرار إلى ملاحقتها و اللهث وراءها أمرا موحشا في حق الشعب و ضد؟ كرامته و إنسانية؟
أ ليس وضع مستشفياتنا العموميّة و تدهور الخدمات الصّحّية أمرا موحشا في حق المرضى و استهزاء بحقهم في الصحة و الحياة ؟
أ ليس فقدان الأدوية الحياتية و طول فترات انتظار المرضى للحصول على أدويتهم الحياتية أمرا موحشا في حق الشعب و استنزافا لجهده و صحته ؟
أ ليست صفقات اللوالب الفاسدة و البنج المنتهي الصلوحية و أطفال الكرذونة و غياب لقاحات الكوفيد في ذروة الأزمة أمرا موحشا في حق هذا الشعب و تدميرا لكل جميل في الوطن ؟
أ ليست حالة طرقاتنا الكارثية و اهتراء وسائل نقلنا العمومي و اضطراب توقيت سفرات الحافلات و المتروات و القطارات و حتى البواخر و الطائرات أمرا موحشا في حق الشعب و حق ضيوف البلد؟
أ ليس تأخر ترتيب جامعاتنا و ضعف تصنيف بلادنا و تدهور منظومتنا التربوية أمرا موحشا في حق الشعب و مستقبل أبناء الشعب ؟
أ ليس قطع المياه لأيام طويلة في عزّ الصيف عن جهات بعينها أمرا موحشا في حق الشعب ؟
أ ليس انتشار القمامة و غياب الحلول الجذرية للنفايات في صفاقس و برج شاكير و غيرها أمرا موحشا في حق الشعب و تهديدا لصحّته و سلامته و سلامة بيئته ؟
أ ليس أمرا موحشا أن لا يعرف أهالي الحرّاقة مصير أبنائهم و لا مكان دفن جثثهم و أن تقابل احتجاجاتهم بالغازات المسيلة للدّموع و بالرّدع الأمني العنيف ؟
أ ليس التلاعب بقائمة لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم و التكمبين و تغليب مصلحة بعض السماسرة و الجمعيات و الجهات و فساد الجامعة و ضعف المدرّب أمرا موحشا في حق هذا الشعب و حرمانا له من لحظة فرحة و اعتزاز طال انتظارها ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يقوده إعلاميون مأجورون و كرونيكورات تافهون و أن تؤثث لياليه و صباحاته ببلاتوهات الدّجل و الشعوذة و البحث عن الإثارة و البوز؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ هذا الشعب ترشّح البعض لعضوية مجلس النواب الجديد ؟ أ ليس أمرا موجعا الاستماع إلى بعضهم و التفكير في ما “يبشّرون” به من تشليك للبرلمان القادم ؟
أ ليست بعض الخطابات و ما فيها من تحقير لفئات من الشعب أو من اتهامات و تخوين و توعّد و تهديد فعلا موحشا ضدّ هذا الشعب و أمرا موتّرا للأوضاع و مسمّما لأجواء الوطن ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب، جزء كبير من الشعب أن تتلاعب البنوك بموارده فيثري أصحابها على حسابه ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن تتحكم المافيات و بعض العائلات النافذة بقوته و بمصيره و أن تفرض عليه قوانينها و تستغله لمزيد الإثراء و نفخ حساباتها
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يرى أبناء المسؤولين يصولون و يجولون فيحطمون سيارات الدّولة أو يتنقلون بين بلدان العالم و يستمتعون بأموال الشعب دون حسيب أو رقيب ؟
أ ليس أمرا موحشا أن يرى الشّعب أنّ من ساهموا في تدميره أحرارا طلقاء يطلعون عليه عبر بلاتوهات الإعلام مواصلين السخرية منه ؟ أو يجولون بين عواصم العالم و يتمتّعون بخيراته فيما يبقى هو هنا يعاني الويلات ؟
أ ليس تعيين مسؤولين من أصحاب الولاء و ولاة ضعفاء و وزراء غير أكفاء أمرا موحشا ضدّ الشعب و استسهالا للحكم و تقزيما للنّخب ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن تُسلَب منه أحلامه وطموحاته و أن يفقد في 12 سنة ثقته في ما حصل و أمله في التغيير الإيجابيّ ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن يجد أغلب الشعب نفسه وحيدا في مواجهة منظومة تفرمه فرما و نظام يسحقه سحقا ؟
و كم من أمر موحش تمّ و يتمّ ضدّ هذا الشعب فإلى من يشتكي و إلى من يلجأ؟
فلا محكمة دستورية لتنصفه و لا محكمة إدارية قادرة على إنفاذ قراراتها و لا مجتمع مدنيّ قادر على تمثيله و لا صاحب عصمة آبِه له و لهمومه ؟
يقول الخبر : “رئيس الجمهورية يصادق على قرض جديد من البنك الأوروبي بقيمة 150 مليون يورو لدعم الصمود الغذائي”
قرض الصمود الغذائي .. يا لها من شقشقة لغوية و عبارة تتواءم مع الشعارات الرنانة و الكلمات الفخمة و الفذلكات اللغوية التي مافتئت تتواتر في خطابات الرئيس و بياناته و التي تذكرنا خاصّة بفترة الستينات وبشعارات القومية و الوحدة العربية و الأفكار الطوباوية و الخطابات النّاريّة التي لم تصحبها قدرات فعلية و لم ترافقها استعدادات واقعية، فلم تعد على أصحابها و بلدانهم و سائر الأمة العربية إلا بالوبال و الهزائم و الخيبات والانتكاسات ..
ألم يؤكد الرئيس مرارا أنّ الأزمة داخلية و ذاتية و مردها الاحتكار و سوء التحكم في مسالك التوزيع و “وضع العصا في العجلة” و العمل على تعطيل الحكومة من أطراف يعلمها الجميع على حدّ تعبيره؟
ألم يؤكّد في عديد المناسبات أنّ خزائن الدولة تفيض بالأموال و لكن انعدام العدل و سوء توزيعها هو العائق؟
فلماذا الالتجاء إلى القرض الخارجي لتمويل استيراد الحبوب أساسا ؟ أليس هذا اعترافا ضمنيّا بخطأ تفسيرات الرئيس و اتهاماته؟ أليس اعترافا ضمنيّا بعدم توفّر السيولة الكافية من العملة الصعبة لتأمين حاجياتنا من الأسواق العالميّة؟
كم قرض (داخليّ و خارجيّ) أمضى الرئيس على مراسيم الحصول عليه منذ انفراده بالسلطة ؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الطاقي حتى لا تتعطل مصانعنا و مؤسساتنا وعرباتنا ومولّدات الطاقة لدينا؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الدوائي بعد أن صار عدد كبير من الأدوية الحياتية مفقودا من الصيدليات ،و عجز المواطنون عن توفير أدوية لأمراض خطيرة و أمراض مزمنة و علاجات للمسنين الذين خدموا الدولة طيلة عقود، و ساهموا في صناديق الحيطة الاجتماعية على أمل الحصول على تقاعد مريح، فوجدوا أنفسهم يتمنون الموت مائة مرة في اليوم و يعيشون تقاعدا كريها قاتلا يستنزف كل ما بقي لديهم من جهد و طاقة، في طوابير الانتظار أمام مراكز البريد و مقرات ” الكنام ” و مستشفيات الضمان الاجتماعي …
مسؤولون من الحكومة و من البنك المركزي سيتوجهون بعد حوالي أسبوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد أقترح على الرئيس أن يطلق عليه تسمية ” قرض الصمود الحكومي ” أو ” قرض الإنقاذ الإخشيدي ” فهو الأمل الذي مازالت تعيش به هذه الحكومة و الرئيس من ورائها ، قبل أن يثور الشعب من جديد و هو يرى كل يوم مواد رئيسية تختفي من الأسواق و يرى قدرته تنهار و أحلامه تتلاشى …
و لكن لا أحد فكّر في أن يُطلِع هذا الشعب – الذي يريد و يعرف ما يريد – على فحوى المفاوضات و بنود الاتفاق و خاصة مدى تأثيره – إن حصل – على حياتنا و معيشتنا و قدرتنا الشرائية مثلما لم يطلعنا أحد على بنود اتفاق قرض الصمود الغذائي و شروطه و نسبة الفوائد فيه و مدّة سداده ..
أين الشفافية و الوضوح ؟؟ لماذا تواصل هذه الحكومة (كالحكومات التي سبقتها) معاملتنا كرعايا لا كمواطنين ؟
و لماذا نتحدث عن قرض للصمود الغذائي بدل أن نتحدّث عن العمل لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نتحدّث عن زرع المساحات المهجورة لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نبادر إلى تغيير نوع الزراعات و إلى حسن الّتصرّف في الموارد المائية لتحقيق الصمود الغذائي
لماذا لا يبادر الرئيس إلى إصدار قوانين جديدة و هو يحكمنا بالمراسيم منذ أكثر من سنة تضمن النماء والتطوّر الاقتصاديين؟ لماذا لا يستعين بلجنة تضمّ خبراء من الشبان ذوي النّظرة المجدّدة و التفكير البديل ورجالا ممن خدموا الدّولة في سابق الفترات و حققوا إنجازات مازلنا نعتمد بعضها كمرجعيات إلى اليوم، بدل الترويج لحلول شعبويّة ليس لها من فائدة غير إثارة حقد السكّان على بعضهم البعض و لا يمكن أن تمثل حلولا حقيقية لوضعنا الاقتصادي فما نسبة العطور و مواد التجميل و أطعمة الحيوانات المستوردة التي يقترح التوقف عن استيرادها من مجموع وارداتنا ؟ إنها لا تبلغ نسبة 1% من إجمالي الواردات …
و إن كنّا لا ننكر أهميّة الحلّ الحمائي في كلّ المجالات للحفاظ على العملة الصعبة و مراعاة ظروف البلاد وحماية المؤسسات التونسية، فإنّ حلولا أخرى ممكنة هي أكثر جدوى و فاعليّة و لكنّها تحتاج شجاعة القرار والتنفيذ و كان بوسع الرئيس تطبيقها بما لديه من سلطات مطلقة تحت ظلّ حالة الاستثناء التي نعيشها، فبدل البحث عن الأموال المنهوبة في الخارج و هو ملف شائك يتطلب حله سنوات طويلة .. و بدل التركيز على الصلح الجزائي و هو ملف استهلكته الحكومات السابقة و لم يعد تلك الدّجاجة التي تبيض ذهبا، لماذا لا يبحث الرئيس عن تغيير نمط الاقتصاد و فتح الأبواب في كلّ المجالات أمام المستثمرين الجدد؟ لماذا تبقى مجالات بعينها حكرا على عائلات و شركات دون سواها و لا يمكن لأي مستثمر جديد أن يفكّر مجرّد تفكير في اقتحامها أو الاقتراب منها ؟ لماذا تبقى الرّخص حكرا على أسماء بعينها و كراسات الشروط لا تتواءم بنودها إلا مع أسماء بعينها؟
إنّ أي تطوّر أو إصلاح للاقتصاد التوّنسي لا يمكن أن يتمّ دون محاربة هذه “الكارتيلات” التي تسيطر على مجالات بعينها ودون تغيير للقوانين التي وضعت على مقاسها لتجعلها دوما المتحكّم الوحيد في الأسواق
فهل يفعلها الرئيس و يغيّر قواعد اللعبة الاقتصادية بجرّة قلم أو بجرّة مرسوم مثلما فعل مع قوانين اللعبة السياسية و الانتخابية ؟؟
” – يا محمّد ، يا محمّد قال لك الشّيخ إيجا صحح لي على التّزكية و جيب أولاد عمّك معاك راني معمّل عليكم و تفاهمت مع رئيس البلديّة باش غدوة يخصص لنا عون على ذمّتنا.
– و الله سبقك الحاج عندو نهارين حكى معاي و مادام قصدني ما انّجمش نقلو لا ، ماك تعرف مزاياه مغرّقتنا عايلة كاملة
– كيفاش عاد !، باش تنكر في عرشك و ماشي مع الحاج ؟ دبّر راسك مع الشيخ تعرف قدّاش غشو صعيب ! … باهي يا صالح شوف لنا جماعتك خلي يجيوا يصححولنا ها الورقة باش نبداو الحملة متاعنا ، ماعادش عندنا وقت ..
– جماعتي !! تحكي بجدّك ؟؟ ماهو في بالك ، أولادنا أكثرهم حرقوا ياخي شكون بقى فيه الدّوار ؟ و كانك على النّساء نهار خدمة عندهم ، شكون اللي باش تسلّم في جورنيها و تجي معانا للبلديّة ؟ “
هذا الحوار الذي قد يبدو لنا اليوم خياليّا أو حتى سرياليّا ، إلاّ أنّه بعد أسبوعين أو ثلاثة سيصير أصل الأحاديث و منتهاها و سيصبح الحوار الطّاغي في جلساتنا و مقاهينا و نوادينا و محلاتنا و أسواقنا اليومية و الأسبوعية ، بعد نشر قانون الانتخابات و فتح باب الترشّح للمجلس النيابي الذي سيتقلّص عدد قاطنيه من 217 نائبا إلى 161 نائبا فقط و بذلك تنخفض نسبة التمثيل النيابي نظريا من نائب لكل ّ 60 ألف ساكن تقريبا إلى نائب لكلّ أكثر من 75 ألف ساكن بعد أن تمّ تخفيض عدد الدوائر الانتخابية و دمج بعض المعتمديات مع بعضها البعض دون مراعاة لخصوصيات كل منطقة و نسبة حضور الجانب القبلي و العشائري فيها و حتى عدد سكانها …أمّا واقعيا فالأمر غير ذلك تماما فبعمليّة مقارنة بسيطة نجد نائبا عن دائرة تونس المدينة و باب سويقة التي تعدّ 45 ألف ساكن في حينّ أنّ منطقة الحرايرية التي تعدّ 119 ألف ساكن ستكون ممثلة بمقعد واحد أيضا و نفس الشيء بالنسبة لدائرة بوعرادة و ڨعفورو الكريب و بورويس و العروسة من ولاية سليانة التي تعدّ 80 ألف ساكن أو كذلك قرطاج و المرسى بـ 125 ألف ساكن ..
و لا يقتصر الأمر على التفاوت غير المنطقي في نسبة التمثيلية بين الدّوائر إذ يطرح هذا القانون الانتخابي الجديد الذي أتى به سعيّد مسقطا كالعادة دون أي تشاور مع الأحزاب أو المنظمات و دون اعتبار لمواقف مسانديه قبل معارضيه ، إشكاليّات عديدة و من أبرزها موضوع التزكيات و ما فيه من تكريس للبيروقراطية المقيتة ففي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بتفعيل المنظومات الالكترونية و الاستغناء عن الأوراق و الصفوف الطويلة في الإدارات يأتي هذا القانون ليعطّل شؤون المواطنين العاديين في انتظار انتهاء أصحاب التزكيات من وضع إمضاءاتهم …و لنتصوّر مثلا منطقة سيترشح عنها 5 أو 6 متنافسين فقط ألا يعني ذلك الحاجة إلى 2000 أو 2400 تعريف بالإمضاء في كلّ دائرة ؟ هذا في أفضل الأحوال … ثمّ أ لا يعني ذلك تعطّل أعمال الممضين أيضا بسبب طوابير الانتظار ؟ أ لا يكون ذلك مطيّة لشراء التزكيات بتعويض صاحب التزكية عن غيابه عن عمله ؟ و من أدرانا أيضا أنّ البعض و لتعطيل ترشّح بعض المتنافسين لا يمضي في تزكيتين لشخصين مختلفين ليتسبب بذلك في إسقاط ترشّح المنافس …
إنّ نظاما انتخابيّا كهذا لن يستطيع الفوز فيه إلا أصحاب الأموال الطائلة أو وجهاء العروش الكبيرة (خاصّة بعد التنصيص على الاعتماد كلّيا على التّمويل الذّاتي و التمويل الخاص و حذف التمويل العمومي) أو المنتمون إلى أحزاب قويّة و منظمة و مهيكلة و ممتدّة في العمق التونسي و في الوقت الحالي و بعد اهتراء الأحزاب و حتى تآكل بعضها من الدّاخل ، فإنّ أقدر حزبين على تجميع التزكيات أوّلا و على الفوز بمقاعد برلمانيّة ثانيا هما حزب حركة النهضة و الحزب الدّستوري الحرّ (إن تراجعا في موقفهما من مقاطعة الانتخابات) نظرا إلى عدم توقفهما عن النّشاط و مواصلتهما العمل الميداني و الاحتكاك بالنّاس.
و لعلّ من أخطر الإشكاليات التي يطرحها هذا القانون الجديد هو تنمية روح العروشية و الولاء القبلي و العائلي و تغذية النّعرات الجهوية التي ما فتئ المجتمع التونسي يحاول التّخلّص منها منذ عقود، وكذلك منع أصحاب الجنسيات المزدوجة من الترشح في دوائر الداخل و السّماح بذلك في دوائر الخارج …وهو إجراء ينسف مبدأ المساواة و يحرم مواطنين تونسيين من حقوقهم السياسية والمدنية، إضافة طبعا إلى ما فيه من إقصاء للنّساء و الشباب من بلوغ المجلس النيابي و هو ما يتعارض مع فصول الدّستور و خاصّة الفصل 51 من الدستور الجديد الذي يؤكد على التناصف …فليس للمرأة في قانون 15 سبتمبر من قيمة إلا في مرحلة التّزكيات في حين تمّ إلغاء كلّ الضمانات القانونيّة التي تحقق لها تمثيلية محترمة داخل مجلس النّواب و تمّ تجريدها من كلّ الآليات التي تشجعها على المشاركة في الانتخابات و في الحياة السياسية عموما…
و في صورة غياب الأحزاب فإنّ الانتخاب على الأفراد سيعطينا مجلسا منقسما غير متجانس لا هويّة له و يصعب فيه التنظم في كتل برلمانية واضحة و سيفقد دوره و وظيفته التشريعية الوطنيّة، إذ سيحرص كلّ مترشّح على تقديم برامج محلية جهوية دون رؤية شاملة …فكل نائب سيحاول إرضاء ناخبيه من سكان ناحيته حتى لا تسحب منه الوكالة… هذا الإجراء الذي يمكن أن يجعلنا في حالة انتخاب دائم و سيكون سيفا مسلطا على رقاب النواب ويقصر محاسبتهم على ناخبيهم فقط (في حدود دائرتهم الانتخابية) دون أن يكون لباقي الشّعب حق محاسبتهم… سيكون مجلسا صوريّا ، مجلسا ضعيفا متشظّيا دون رؤية استشرافيّة، مجلسا خاضعا للسلطة التنفيذية لا دور له إلا المصادقة على مشاريع الرّئيس و مراسيمه دون قدرة على الحشد و التجميع من أجل التّصويت على مشاريع مغايرة أو قوانين مختلفة… و سيكرّس المجلس بهذه الصورة – قبل أن ينضاف إليه مجلس الجهات و الأقاليم الذي سيزيد من تقزيم دوره – فكرة الزعامة المطلقة لرئيس الجمهورية الذي يبقى دوما خارج مجال المساءلة و المحاسبة.
صن نار
- ثقافياقبل 8 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 8 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 18 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟