تعد الوقفة الاحتجاجية التي نظمها بعض أتباع حزب النهضة وعدد من نواب المجلس المجمد وأهاليهم أمام المسرح البلدي تحت مسمى العودة إلى المسار “الديمقراطي” ودعوة الرئيس إلى التراجع عن القرارات الاستثنائية ليوم 25 جويلية التي احتفى بها جل أفراد الشعب التونسي، دليلا آخر على المحاولات اليائسة لهذه الشرذمة للدوس على خيارات شعب ملّهم ولفظهم بعد أن يئس منهم وأنهكته سياستهم الفاشلة وتدميرهم الممنهج لمقدرات البلاد وسمعتها.
هؤلاء ورغم تجندهم لهذه الوقفة ومحاولاتهم التعبئة لها إلا أن عددهم كان هزيلا ودالا على أن الشعب الحقيقي الذي يحاولون التكلم باسمه ويسوّقون صورة له مخالفة لإرادته، هو في الواقع ذلك الذي انتفض ضدهم وقال لهم “ارحلوا دون رجعة”. فقد سعى هؤلاء للاستقواء بالأجنبيرافعين لافتات مكتوبة باللغة الانكليزية والفرنسية تحمل عبارات من قبيل ” لنحمِ الديمقراطية والدستور” في محاولة منهم للفت نظر الخارج والتأليب ضد إرادة الشعب.
ومن المضحكات المبكيات أن قناة الجزيرة القطرية قد ركزت على هذه اللافتات بالذات في تغطيتها المباشرة والواسعة لما أسمته بـ “المظاهرات” ضد الرئيس التونسي قيس سعيد ، وعنونته بالدعوات للعودة للدستور وللديمقراطية. وإمعانا من هذه القناة في الكذب وتزييف الواقع قسمت شاشتها “المباشرة” إلى قسمين قسم ركز على الواقفين على مدرجات المسرح البلدي ولافتاتهم المكتوبة باللغات الأجنبية فيما ركز القسم الثاني من الشاشة على مظاهرة قديمة جمعت أعدادا كبيرة من مناصري القضية الفلسطينية وقدّمتها القناة على كونها “مظاهرات حاشدة” ضدّ قرارات 25 جويلية وتم إغفال قطع صوت المتظاهرين الذين ينادون “عملاء الصهيونية هزوا يديكم ع القضية … التطبيع لا لا عودة….” ! كما حاورت القناة تونسيا إخوانيا يعيش في لندن قدمته على أنه محلل سياسي ذكر أن المشاركين في هذه الوقفة التي أسماها بالمظاهرة، يعدون بالآلاف… هذا وتجندت هذه القناة الاخوانية المنحازة، لمواصلة بث برامج مناهضة لقرارات 25 جويلية أعلنت عنها في ومضاتها الاشهارية.
ولئن تجمع أيضا في الضفة المقابلة من شارع الحبيب بورقيبة بعض أنصار قرارات 25 جويلية بصفة تلقائية تحت شعار لا للعودة إلى 24 جويلية الا أن المطلوب هو أن لا يستمر سكوت القصر وأن يحسم الرئيس الأمر لصالح الإرادة الشعبية ويقطع الطريق أمام الصائدين في الماء العكر الذين بدؤوا يستثمرون هذا التردد لصالحهم ويعتبرونه فرصة للعودة وللتأليب داخليا وخارجيا ودافعا لتقسيم الشعب، خصوصا وأن مرور ما يفوق الخمسين يوما عن قرارات 25 جويلية يعدّ فترة طويلة تثير قلق الذين ساندوا هذا التوجه وبدأت تشعرهم بالخوف على هذا المسار الجديد المستهدف من المتربصين بتونس ممن حكموا البلاد طيلة عشر سنوات وكانت حصيلتهم دمار عقود من الزمن، إلى جانب الحالمين بدولة الخلافة الذين يحلمون بالتموقع واستثمار هذا البطء في اتخاذ القرار، والذي قد يفسر بكونه عجزا وضعفا.