استرجع كلابك و اقلب منظرك … تونس أكبر منكم وأنظف وأشرف أيها السارح
نشرت
قبل 3 سنوات
في
أفي كل يوم تحت ضِبْني شويْعرٌ
ضعيفٌ يُقاويني، قصيرٌ يُطاوِلُ
تابعت كغيري، تصريح مَن يسمّى برئيس “حكومة” ما يسمّى بـ “ليبيا”، و الردود المختلفة عليه من شعبنا التونسي الذي عيل صبره، و أيضا من بعض النخب المنسوبة باطلا إلينا و التي تزيد نسبة أشباه الرجال فيها عن نسبة الرجال.
تابعت إذن ما قاله هذا الذي يقززني ذكر اسمه المتعدد النقط تحت حروفه و المتعدد الأسنان فوقها و كأنها رسم لحشرة أمّ أربع و أربعين … و استفزّني كلامه العدواني الفارغ و هو الذي يقف على أرض بدائية قفراء تكفي كتيبة صغيرة من كتائب جيشنا لاحتلالها خلال أيام، و جلب هذا المتطاول إلى مراكز شرطتنا كأي منحرف و تأديبه يما يستوجب تأديب أمثاله من الصغار.
و لم أكن لأعبأ بهراء واحد حقير مثل هذا، لو لم تقابله عندنا ردود فعل و مظاهر اهتمام ما كان يحلم بها، و لكن لنختصر قولنا عنه في بضع ملاحظات:
1) طوال حديثه، كان هذا الشخص يصف بلادنا مرة بـ (جميع دول الجوار) و مرة (بعض الدول المجاورة) و مرة بـ (دولة جارة و صديقة) … و ما عدا كذبه عن وجود صداقة بيننا و بين بلده المنكوب، فأنا أوافقه تماما على أننا و إياهم مجرد “أجوار” فرضتهم علينا صدف الجغرافيا التعيسة التي تضع على شرق فرنسا و جنوبها الشرقي مثلا دولا متحضرة كسويسرا و ألمانيا و بلجيكا و هولندا و إيطاليا … في حين يصيبنا الحظ العاثر بدمّلة على حدودنا الشرقية لم يأت منها طوال تاريخنا سوى الشرّ و البؤس و البلاء.
2) توصيف “الجارة” الذي يستعمله هذا المتكلم الليبي في حقنا كما يستعمله جميع الساسة هناك، هو لعمري صفعة مدوّية لجميع اللحّاسين و المنبطحين الذين تزخر بهم نخبتنا التونسية … أي هذه الفئة التي لا تتعب من تكرار وصف “الشقيقة” و “الأشقاء” كلما ذكرت شيئا عن أجوار جنوبنا الشرقي … إلى درجة أن توصيفهم هذا يرِدُ على الدوام ملتصقا باسم ليبيا و كأنه بنتسب إليها نسبة الاسم و اللقب … و كم كنت أحنق على المرحوم الباجي و هو يزيد في الطنبور نغمة بالحديث عن “شعب واحد في دولتين” ! ما أسفهك أيها الراحل العجوز و أنت تمارس السياسة بالمقلوب و ليست تلك أول سقطة تسقطها في مسارك العامر بالمهازل …
3) يقول هذا الدعيّ (أي رئيس حكومة ليبيا) إنهم لطالما “دعموا تونس و حكومتها” … قل و الله ! … ترى من دعم من؟ و من لجأ إلى من؟ و من هرب جائعا عريان إلى من؟ و من طلب الغوث ممّن؟ و من عولج عند من؟ و من تعلّم عند من؟ … و ماذا لديكم حتى تدعمونا و من أنتم كما قال زعيمكم الذي بعتموه و غدرتم به و قتلتموه؟ … و هل عندكم شيء عدا أوهام ثروة نفطية كانت دائما ملكا للشركات الإيطالية و الفرنسية و الأمريكية و الآن التركية؟ … هل تملكون شيئا عدا خيامكم و بعرانكم و جهلكم و صلفكم و قلة تربيتكم؟ … فعن أي دعم تهذي يا قُنفذ؟
4) تكلم المذكور عن دعم وهمي جاء منهم إلينا … و لم يقل حرفا واحدا عن مئات آلاف اللاجئين الذين وفدوا إلينا كالجراد من بلدهم الذي خلا فجأة من السكان بعد الغزو الأطلسي 2011 … لم يقل شيئا عن مخيم الشوشة و لا عن آلاف البيوت التونسية التي استضافتهم بكرم مفرط منذ تلك الأيام إلى هذه الساعة … و لم يقل شيئا عن الخراب الذي حلّ بنا منذ مجيئهم و مقاسمتهم إيّانا أقواتنا و موادنا المدعّمة (من دولتنا)، و لا عن الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات الذي تسببوا فيه، و لا عن مظاهر الانحراف التي نشروها أمام صبر أجهزتنا الأمنية تحت ضغط مناصري “الأشقّاء” الأشقياء…
5) طبعا لن أتطرق مع جاهل كهذا لتاريخ دعمنا المسترسل لأجوار جنوبنا الشرقي … بعض طراطيرنا يتحدث عن “علاقات تاريخية” بيننا و بينهم … بينما في الحقيقة أنها كانت تاريخ مروءة و سخاء و شهامة من طرف واحد هو الطرف التونسي الذي كان حاميا لليبيا طوال عشرات السنين و مئاتها … و هذا طبيعي بحكم أن الجارة الشرقية كانت معظم تاريخها ولاية تونسية أو الولاية 25 بالاستعارة من صدام حسين ! … إذن أرسل شعبنا بمقاتليه دفاعا عنها، و جعل من أرضه الزكية ملاجئ للهاربين من جوعها و جحيمها و فاشية الاستعمار الإيطالي و فحشه في أهاليها … أغبياؤنا يطنبون في تمجيد عمر المختار و ينسون شهيدا عظيما كمحمد الدغباجي و هو الذي ذهب ليحارب لأجل قوم غير قومه و يواجه إيطاليا و فرنسا معا، قبل أن يتم إعدامه في ساحة عامة …
6) لن أتطرق كذلك كثيرا إلى فترة القذافي فالرجل ـ رغم أنه لا يختلف في صلفه عن بني قومه هناك ـ له بعض مواقف تستحق شيئا من الاحترام … و لكن يكفي التذكير بأنه طيلة فترة الحصار الأممي عليه و على بلاده، لم يجد سوى تونس لإنقاذ شعبه من الموت جوعا و مرضا … و قد دام ذلك أكثر من نصف عهده في الحكم، أي منذ حادثة لوكربي الإرهابية الشهيرة التي أدين فيها ليبيون، للإشارة فقط !
7) تحدث رئيس ما يسمى بـ”الحكومة الليبية” عن الإرهاب الوافد من دول الجوار و هو يقصد تونس تلميحا و تصريحا … و على ذكر (دول الجوار) لم يذكر أين يبدأ الجوار الليبي و أين ينتهي … فعلى حد علمنا قامت حكومتهم بترسيم حدود أيضا مع تركيا البعيدة و لكن عن طريق البحر متجاوزة آلاف الأميال و “عافسة” في الطريق على دول أخرى عبرت عن غضبها مثل اليونان و مصر … “الجارة” تركيا إذن لم يتعرض لها بكلمة رغم أنها كانت المنبع و المصبّ لجميع الإرهابيين الذين كانوا في ليبيا … و رغم أنها (أي تركيا) هي التي دخلت بجيشها و احتلت ليبيا و أقامت بها قواعد عسكرية و هو ما لم توفره لها تونس … تركيا أيضا التي جلبت إلى هناك مرتزقتها و دواعشها من مختلف الجنسيات و لا تزال …
8) نعم … الإرهاب جاءنا و يجيء إلينا من ليبيا، و معارككم لطالما وصل إلينا رذاذها عبر حدود مشتركة فشلت حكوماتنا السابقة الساقطة في حمايتها … و تسلل إلينا شاهرا سلاحه في معركة بن قردان 2016 الذائعة و التي انتصر فيها شعبنا على البغاة الغزاة و أعطاكم عينة مما ينتظركم لو جرؤتم على إعادتها … تقول ليسوا ليبيّين؟ طبعا و هل عندكم ما يكفي لحماية قرية من قراكم حتى تهددونا؟ خطركم أنكم أرض سائبة للعابرين من قطّاع الطرق بكل الجنسيات … في حين أن أجواركم (تونس، الجزائر، مصر) دول عريقة مهيكلة منظمة تزعحها فوّارة الفوضى التي تعتمل على الدوام بين حدودكم …
و بعد …
هذا ردّ بسيط على كلام أرعن من شخص لا يمثل نفسه بل يمثل عديدين في بلد مجاور هو الآن خطر على أجواره … و بعد إخراس المنبطحين له من التونسيين عن طمع … و بعد بيان أن هذا الطمع لا مبرر له و من يريد الاستفادة من ليبيا عليه التفاوض مع من يحتلّونها مثل “أجوارنا” الحقيقيين الإيطاليين … و بعد إنهاء هذه العلاقة الشاذة بين جنوبنا المنسي من العاصمة، و بين دولة جارة لم تنفعه إلا بتشجيع التهريب و الاقتصاد الموازي و التشغيل الشاقّ المذلّ … لا بدّ من إحياء جنوبنا و مناطقنا المهمّشة عموما و تنميتها و هو أفضل ردّ (بعد الردّ الرسمي الحازم الذي ننتظره) على أدعياء الجوار و الأخوّة و الصداقة إلخ .. حتى لا يبقى جنوبنا رهينة، و مواطنو بلدنا الحرّ، عالة على اللئام و أبناء اللئام …