جور نار

الإذاعات إلى أين؟ ( ج 3)

نشرت

في

تواصلت رحلتي مع اذاعة صفاقس بكلّ منعرجاتها ..حتّى تقاعدي …ومهما حدث فيها لم اتخلّ يوما عن ثوابتي لعلّ اهمّها يتمثّل في قناعتين ..الاولى تهمّني من حيث رسالتي ..والتي يمكن حوصلتها في مقولة لفريديريكو غارسيا لوركا ..حيث يقول “في هذا العالم انا كنت وساكون مع الفقراء ساكون دائما من جانب من ليس لهم شيء رغم انّ البعض يحسدهم على طمانينتهم بهذا اللاشيء”…

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

امّا من جانب المتلقّي فكانت قناعتي في احد مواقف الكبيرة نوال السعداوي …تقول “على الانسان ان يشعر بالاهانة عندما لا يقرأ ولا يتعلّم ولا يتساءل ولا يفكّر ومع ذلك يعتقد انّه يفهم كلّ شيء” … والحمد لله انّي وفقت بعض الشيء في تفجير طاقة المتلقّي حيث كسّر بعضهم جدران الامّية وتعلّم الكتابة ليكتب للبرنامج ـ امّ غسان ابرز مثال لذلك ـ وتجاوز البعض الاخر مستوى الكتابة البسيطة ليصبح يكتب بالتبر لا بالحبر _ عبداللطيف الحداد ومنجي الشلباوي افضل مثال لهؤلاء ..هما كانا مستمعان وفيين لعبدالكريم والآن اصبحت وفيّا للتمتّع بكلّ نقشاتهم وبكلّ سعادة ..فالأب لا يغار من تفوّق ابنائه …

انقطعت علاقتي بالمصدح منذ اواخر سنة 2002 …اي 7 سنوات قبل التقاعد ..لم يعد الامر ممكنا لا من جانبي ولا من جانب اولي امر الاذاعات ان اواصل ..وجاءت احداث جانفي 2011 …وكان ماكان ..وليته ما كان ..وحدث ان وقعت تسمية الزميل الحبيب بلعيد رئيسا مديرا عاما لمؤسسة الاذاعة التونسيّة وطلبني هاتفيا عارضا عليّ فكرة تولّي ادارة اذاعة صفاقس واعتذرت لسببين ..اولهما اني لم اكن مستعدّا لتحمّل عبء ثقيل في ظروف وخيمة للغاية وثانيهما انّي كنت مُصرّا على انّ موقعي الذي يتّفق مع قناعاتي ومع واجبي تجاه بلدي يجب ان يكون امام المصدح …

وكان لي ذلك ولم تدم عودتي اكثر من سنة ونصف السنة حتّى تحايل البعض على اصدار امر بانهاء وجود المتقاعدين في الاذاعات ..ودعاني آنذاك سي محمد المدّب الرئيس المدير العام للاذاعة مستفسرا موقفي من الوقفة الاحتجاجية التي طالبت بعودتي لاذاعة صفاقس وعبرت له عن قناعاتي ..في البداية اظهر اقتناعا بما ذكرته فعرض عليّ ان اقوم بدراسة ميدانية لكلّ اذاعات المرفق العمومي لأقيّم منشطيها واقوم بتقرير امدّه به في الغرض …وافقت على طلبه شريطة ان يتفهمني في أمرين ..اولهما انّ عودتي للمصدح هي اهمّ شيء ..وثانيهما انّ كلّ عملي لن يخضع لمواقف ايديولوجية مهما كان لونها ..فانا مع الوطن ولا شيء غير الوطن ..واضفت ..اعرف انّك تنتمي للنهضة ..احترم موقفك ولكن لا تنتظر منّي انّي سانخرط في مشروع النهضة ولا في مشروع ايّ حزب آخر …

ونظرت الى تقاسيم وجهه فعرفت انّي كتبت نهاية مسيرتي مع اذاعة صفاقس ..اجابني وبشيء من التبرّم .. اتفقنا وساتّصل بمدير اذاعة صفاقس لترتيب الامور …وها انا انتظر اتّصاله بمدير اذاعة صفاقس ليوم الناس هذا …تألّمت لفقدان مصدحي باذاعتة هي عزيزة جدا عليّ وفيها من الزملاء من أحتفظ معهم بأجمل الذكريات ..ولكن وفي كلّ قرار كنت دائما من فئة الذين قد يخسرون معركة ولكن ابدا أن يخسروا انفسهم …

وحضرت بعد ذلك الهايكا ..وفتحت “سبّالة” الاذاعات الخاصة على مصراعيها هكذا دون تروّ او دون استباق للنتائج …وكان بالنسبة لي الخطأ الجسيم الذي ارتكتبته الهايكا في حقل الاعلام والذي لم تستطع هي ولا الاذاعات الخاصة إيجاد مخرج لازمات هذه الإذاعات ماديا …وهذا ما لم تاخذه الهايكا في الحسبان ….فكعكة الاشهار التي كان يتقاسمها عدد ضئيل من الاذاعات علاوة على القنوات التلفزية بقيت نفس الكعكة ولكنّ الآكلين اصبحوا كُثر ا..اي بعبارة اخرى قصعة كسكسي كان يتقاسمها 10 افراد فاصبحت قبيلة كاملة تقتات منها بمعدّل مغرفة قهوة لكلّ فرد …ماذا تكفي مغرفة قهوة من عائدات الاشهار والسبونسور ينغ لاذاعة بطاقمها الاداري والفنّي وبمنتجيها ومنشّطيها ؟؟؟

واسالوا مالكي هذه الاذاعات الخاصة عن ديونهم وعن الغد الغامض الذي ينتظرهم !! ….

ـ يُتبع ـ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version